|
مقومات بقاء فاعلية الايديولوجيا او استنفاذها
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 3011 - 2010 / 5 / 21 - 13:57
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
ما نلمسه في هذه المرحلة من الناحية الفكرية او الحزبية بشكل خاص هو استحداث افكار و توجهات عقيدية او فلسفية معاصرة وضعت بعض المفاهيم في حكم المستنفذ و عديم الفاعلية ، او ما مر عليها الزمن و اصبحت من نتاجات التاريخ و لم تعد تنفع التطورات التي حدثت في حياة البشرية و ما تغيرت على الارض، ومن التعامل مع الواقع و المرتكزات النظرية المعتمدة في الحراك الفكري السياسي و ما يطرح من قبل الجيل الجديد.بكل صراحة هو ما نسمعه من الليبرالية الجديدة وهو عدم جدوى الاستناد على الايديولوجيا في هذا العصر بشكل قح ، ويطالبون التحرر من كل فكر و قراءة الوضع حسب ما موجود و ما فيه من الاسس، و هذا بحد ذاته نوع حديث من الايديولوجيا بلباس العصر . ما تعودنا عليه في الحياة السياسية السابقة هو تزمت الاكثرية و تعصبهم و تطرفهم في اكثر الاحيان في التزام بالضوابط المرسومة من الافكار و التعليمات و العقائد للتركيبات التي ينتمون اليها و في زمن توفرت فيه ارضية و مستلزمات تطبيق تعليمات ما ترسمه الايديولوجيا في جو من الصراعات المختلفة التي حدثت بين الافكار و التوجهات المعدودة، و في مساحة ضيقة من الانفتاح على الاخر او انعدامها ، و في جو داعم للتعنت و الالتزام باحادية الفكر و الايمان و رفض الاخر . و لكن بتشدد الصراع بين اليمين و اليسار بعد التغييرات الملحوظة في مسيرة التحزب و التجمع و التقدم الذي حدث في التنظيم و الارتباطات ضمن منظومة معينةفكرية و ايديولوجية، فانتقلت الصراعات خلال مراحل متعاقبة و انبثقت افكار و فلسفات و عقائد متعددة جديدة و منها وسطية بين اقصى اليمين مع اقصى اليسار، و تخففت تدريجيا حدة الصراعات و ما وصلت اليه في العديد من الاوقات من المماحكات و التجاذبات و التلاسنات التي يمكن ان نعيدها اصلا الى دوافع ايديولوجية بحتة بين الجهات و هدئت الاوضاع لفتراة طويلة. ما دعم سيطرة الايديولوجيا الكلي على الفعاليات السياسية هو وجود المقومات الاساسية لتفعيلها و تقوية تاثيراتها على الارض، العقليات كانت منصبة على معرفة و تطبيق مضمون الايديولوجيا بقوة ،و تنفيذ مهمات من يؤمنون بها دون الخروج من دائرة ما تامر به قيادات الاحزاب و التيارات الفارضة للعقول الحاملة لايديولوجيا معينة بشكل مطلق دون غيرها، و بعضها تكون لمصالح شخصية قبل الايديولوجيا نفسها. و مازاد التعلق و الالتزام الكامل و التعصب هو التوجهات الفكرية البحتة و ايمان الاكثرية بالنظريات و الافكار و الفلسفات المثالية دون اهتمام يُذكر بما موجود على ارض الواقع، اي منشا الصراعات كان نظريا ، و ما ساعدت في التعمق لهذا الاتجاه من العمل السياسي هي الظروف الاجتماعية الاقتصادية العلمية السائدة في حينه. اما بعد عصر النهضة و الثورات الصناعية تغير الحال و تعددت التوجهات و لكنها لم تخرج من الاطر الايديولوجية ايضا رغم ظهور الاختلافات الكبيرة فيها، و تاثرت مناطقنا بما حدثت هناك لحين انتهاء الحرب الباردة بين القطبين و ما جلبت معها من التغييرات و من ثم التطورات اللاحقة المثيرة للعقليات و الافكار من الجانب الاتصالاتي و التكنلوجي و تاثيراتها على العقليات، وتاثيرات التطورات التي حصلت جراء ذلك على كافة بقاع العالم. بقت الموجبات الضرورية للايديولوجيا مختلفة المستويات و النسب من منطقة لاخرى وفق مستوى التقدم في كافة المجالات و تاثيراتها على الارض و العقليات الموجودة فيها و حسب ضروراتها التي تفرض بقائها او اجبارها على التغيير بشكل تتلائم مع المستجدات نظريا و عمليا. المحددات الرئيسية للايديولوجيا كانت سائدة و فاعلة و مختلفة المنابع و من اهمها انتشاتر العقائد و ضغوطات العادات و التقاليد و الظروف الاجتماعية بشكل عام، و انعدام الحرية المطلقة و ضيق الحرية الشخصية من الجوانب الفكرية، و دور الدين و المذاهب الفعالة المتداخلة مع الايديولوجيا و السياسة ، و مستوى الوعي العام و الثقافة العامة، هذه كلها ليست الاسباب التي دعت التحزب و الايديولوجيا ان تبقى على حالها فقط بل دفعتها الى التشدد و التطرف في اكثرها . اليوم و ما نلمسها من التغييرات الجذرية من جميع المجالات و التي لم تحدث بهذا الكم في مرحلة ما ، اثرت على كل ما يمس حياة الانسان بفكره و عقليته و معيشته و افعاله، و اثر الانسان الجديد بدوره على الادارة و السياسة و الاقتصاد و الوضع الاجتماعي بكل زواياه. و هذا ما يفرض تغييرا على اداء المهتمين بامور الفكر و العقيدة و الايديولوجيا و التحزب بشكل عام . ربما يهدف البعض الى استئصال ما يمت بالفكر و الايديولوجيا من اجل تثبيت (عقائد) حديثة باسم نفاذ تاريخ ايديولوجيا ، و يعتمد بذاته على مفاهيم و يرفض الايديولوجيا بشكل ما و يعمل بطريقة يمكن ان نسميها هي الايديولوجيا بذاتها و لكن بشكل و طرح و طريقة حديثة، و هو يستند على الحرية الشخصية و ما يتعلق بحقوق الانسان و الفرد بشكل خاص معتمدا على قوانين نابعة من العقلية الراسمالية و ما تفرضه من اصحية وجود الطبقات التي تعتبر هي ضمن عقدة الانسان و الحرية و الفكر و ملذات الحياة ، و لا يمكن تصديق ما ينظٌر في هذا الاتجاه ، لان وجود الطبقات و الفروقات بين بني البشر هي بحد ذاتها قابلة للتغيير و لا يمكن ان تقبلها الطبيعة قبل الانسان و العقل، اي هذه الافكار و الادعائات مرحلية مؤقتة و في طريقها الى الزوال ايضا ، و ربما تمحى بانتقالنا من المرحلة. اذن التغيير في الشكل و التركيب و مضمون الايديولوجيا و مقوماتها وارد في كل وقت، و يمكن ان يكون موازيا مع التغييرات الكلية في مسيرة الحياة، و يمكن تقبله برحابة الصدر ، و لكن ما يحل محلها باسم استنفاذها هو بذاته يمكن ان نسميه ايديولوجيا حديثة او مغايرة، لذلك لا يمكن الاستغناء عن هذا المفهوم بشكل مطلق و تبقى دائما نسبة مقنعة من فاعليتها طالما بقت الاختلافات و الفروقات الطبقية ، و هنا يمكن ان نحدد نوع و موقع و نظرة المؤمنين بها و نسبة الاعتدال و التطرف من قبل معتنقي ايديولوجيا معينة و المنتمين الى حزب و توجه و تيار معين . لم نصل لمرحلة يمكن ان نستغني عن كل فكر او عقيدة او نظرية ، المرحلة التي يبغيها الانسان من المساواة و العدالة الاجتماعية الكاملة لم تتوفر لحد اليوم، و طالما بقت الاختلافات او الفروقات الكبيرة بين الطبقات و كان الفقرالمدقع موجودا بجانب الغنى الفاحش لابد من وسيلة لمحاربته و لا يمكن بغير التنظيم و الفكر المعتمد و النظام مهما كان شكله، وان اردنا اننعتمد السلم و السلام و في ظل توفير اركان الايديولوجيا و ركائزها لابد ان نعتمدها هي و نهتم بالاصلاحات موازيا مع التغيرات الحاصلة على الارض، اذن الايديولوجيا المعتدلة واجبة الوجود الى المستقبل القريب.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يتجه العراق الى الحداثة في التعامل مع الواقع الجديد ؟
-
هل بالامكان توفير فرص العمل لكافة العراقيين ؟
-
تسييس الفعاليات المدنية لمصلحة من ؟
-
ما التيار الفكري المناسب لهذه المرحلة في الشرق الاوسط
-
منع الانتقاد هو الخطوة الاولى نحو الدكتاتورية
-
لم يدان تطاول تركيا و ايران على اقليم كوردستان!!
-
الاغتيالات ما بين الاخلاق السياسي و التحزب
-
موقف المثقفين من الخروقات لحقوق الانسان في كوردستان
-
قلنا فلتكن كوردستان بوابة للحرية و الديموقراطية!
-
لماذا يُستهدف الصحفيين في اقليم كوردستان ؟
-
المطلوب هو الفعل و ليس الفتاوى والوعاظات و الشعارات
-
انتشار الفقر في اقليم كوردستان رغم الميزانية الهائلة له
-
الفدرالية الحقيقة تنقذ العراق و تحافظ على وحدته
-
من يقدٌر الكتٌاب و الادباء في حياتهم ؟
-
ترسيخ التسامح يضمن التعايش السلمي في العراق
-
في مثل هذه الظروف، من يفكر بالطبقة الكادحة في العراق ؟
-
التحالف الكوردستاني و احتمالات تشكيل الحكومة العراقية المقبل
...
-
ما يعيق النظام العالمي الجديد هو الازدواجية في النظرة و التع
...
-
السيناريوات القابلة التطبيق لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
-
الصحافة الكوردستانية الى اين ؟
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|