|
كردستان في خطر
سليم سوزه
الحوار المتمدن-العدد: 3008 - 2010 / 5 / 18 - 07:18
المحور:
القضية الكردية
ما وصل اليه اقليم كردستان العراق الحالي من مناطق ومقاطعات ومحافظات غير منتظمة الادارة والمركز الى فيدرالية منظمة ومقننة بدستور وقوانين واعراف ادارية محكومة بنظام برلماني ديمقراطي، ليس وليد الصدفة ولا هو نتاج من نتاجات مرحلة هجينة شكلتها سياسة الفوضى بعد التاسع من نيسان 2003 اي بعد سقوط حكم البعث في العراق، انما هي ثمرة جهد دؤوب لاحزاب ومنظمات وتشكيلات قادت مرحلة المعارضة ضد دكتاتورية سلطة المركز منذ اعلان دولة العراق الفتية عام 1920 والى حد هذه اللحظة.
ونعني بالمعارضة هي مقاومة الاطراف الكردية الفاعلة لنيل حقوق شعبها المضطهد ضد توجهات السلطات المركزية التي تعاقبت على حكم العراق، فمنها ما اخذ طابعاً سلمياً وآخر عسكرياً برز خصوصاً في المراحل التي لم تكن السلمية فيها شعار يفهمها المركز، كما في حقبة الحكم البعثي الذي لم يدع للآخرين اي خيار سوى خيار العنف والسلاح.
فطبيعة التوجه الكردي في خيار المقاومة وتحديد نوعيتها سلماً او عنفاً كانت تحددها الظروف والسياسات العامة التي تحكم المنطقة بشكل عام والعراق وحكومته المركزية بشكل اخص.
وهنا لابد من الاشارة الى ان الحال في كردستان لم يكن يصل لهذا المستوى اليوم، لولا تفاني وتضحيات احزابها وتشكيلاتها ومن ورائهم دعم الشعب الكردي بدمائه ومعاناته طوال كل فترات القهر والمظلومية التي مرت بها مناطقهم.
المثل العربي يقول "القشة التي قصمت ظهر البعير"
في كردستان اليوم "قشات" وليست "قشة" واحدة .. وكل واحدة منها ان لم نقل كلها، كفيلة بقصم ظهر اكبر بعير في ارضنا ... بل حتى بعراناً ذي سنامين. لكردستان العراق اعداء كثر، وهذا لايهم، اذ ما من اطروحة ناجحة الاّ ولها اعداءها، بعضهم اعداء كلمة .. وآخرون اعداء موقف .. ومنهم مَن عادى اللسان واللغة فحسب.
لكن اعداء الداخل هم الاخطر بالتأكيد من كل الذي ذكرنا .. فهم لا يعرفون حجم المكاسب التي حققها الاقليم، وعبّدها بدماء ابنائه الكرد، الاّ بعد ان يفقدوها .. وتلك لعمري خسارة ما بعدها خسارة.
يومٌ بعد يوم تتعالى الاصوات وتزداد الاحتقانات بين الاطراف السياسية الفاعلة في الساحة الكردية، خصوصاً بين تلك التي تتطلع لان تلعب دوراً اكبر من حجمها وهي مازالت في طور التكوين وبين احزاب الحركة والتاريخ والموقف. ان كانت تلك المزاحمات تأتي وفق النظرة الديمقراطية والعمل السلمي المباح فهو مرحب به لانه سيصنع واقعاً حيوياً ومتحركاً ضمن ديمقراطية مازالت فتية حتى الآن ... اما ان وُجدت تلك التحركات لزعزعة ثقة شعب متطلع والعبث بتجربته الواعدة، فسوف لن تكون في صالح الجميع ابداً، وستخسر كل الاطراف ما في جعبتها لتقض ِ على مكتسبات الاقليم برمته.
الايام القليلة الماضية والتي شهدت حادثة اختطاف واغتيال الصحفي الكردي سردشت عثمان كانت هي الذروة في تصاعد وتيرة الخطابات النارية وعودة الاحتقان الاعلامي بين مَن اتهم حكومة الاقليم (بصورة مباشرة او غير مباشرة) بانه وراء تلك الحادثة، وبين مَن دافع عن المؤسسة الامنية الرسمية وبرّأ سلطات الاقليم من تلك الحادثة البشعة.
قبل هذه الحادثة وتحديداً قبيل انتخابات مارس الاخيرة كانت هناك مناوشات حادة ايضاً بين حركة التغيير التي يتزعمها نوشيروان مصطفى المنشق عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وبين السيد جلال الطالباني زعيم الحزب، حتى وصلت الى مواجهات عنفية محدودة تم احتواءها من قبل العقلاء.
كما قلت هذه "قشات" يُراد لها ان تتقد بعود ثقاب قد يأتي من وراء الحدود هذه المرة، ليحرق الاخضر واليابس، ويدفع حينها الشعب الكردي مجدداً ثمن مغامرات حزبية غير محسوبة.
نفير الحرب التي يجري التبليغ لها والخلافات الهامشية التي يجري نفخهاً واعطاءها اكبر من حجمها، ليست سوى حلقة من حلقات صناعة الاعداء وخوفي ان تلقى تلك الصناعة رواجاً بين المهمشين والمسحوقين والفقراء، الذين تسهل عملية اثارتهم ومن ثم الزج بهم في اتون حرب لا طائل من ورائها سوى دماراً فدماراً فدمار. وحينئذ سيخسر الجميع بل اكثرهم خسراناً سيكونون هم هؤلاء الفقراء والمسحوقين.
جريمة سردشت عثمان لا يمكن السكوت عنها وعلى المؤسسات الامنية في الاقليم ان تكثف من جهودها لملاحقة الجناة الحقيقيين لتقطع دابر الفتنة وتسكت المتقوّلين، والاّ فالحروب الاهلية تبدأ بشعار لتنتهي بالدم لا سمح الله.
لم يكن شهيدنا الصحفي يرغب بتأجيج الصراعات او ايجاد الخلافات بين ابناء جلدته، اذ ليس هذا ما كان يطلبه، بقدر ما كان ثائراً يبغي الدفاع عن مكتسبات اقليمه بلغة الفكاهة البريئة .. ولو كان اليوم حياً لوقف يشجب كل لسان ٍ يحاول التصعيد والعبث في امن جباله المقدس.
#سليم_سوزه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوة الفيليين لا تكون عبر البرلمان فقط
-
بعد المصري والبغدادي، عنف من نوع جديد يجري التحضير له
-
خيارات السلطة والمعارضة في الحكومة القادمة
-
الآن وقد عصيت يامالكي
-
ها هو قطار البعث الامريكي يعود مرةً ثانية
-
الى المتباكين على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي في العراق .
...
-
هل هناك فعلاً شعبية كبيرة لحزب البعث؟
-
لقد خذلتنا جميعاً ياطالباني
-
فلنتعلم من السودان جميعنا
-
عبد المهدي يلوّح بانتهاك الدستور بعد الانتخابات القادمة
-
لابد من بيروسترويكا عراقية
-
الحل الامثل هو تقسيم العراق طائفياً وقومياً
-
امبراطورية بولان ستان
-
علاوي بين الحكيم والمالكي
-
وقفة مع المفكر الايراني الكبير عبد الكريم سروش
-
الى اوباما الرئيس
-
نقطة لم توضّح جيداً في الاتفاقية الامنية
-
ما لم يظهر في سلوك مثليي الجنس
-
المقدس وخطر انهيار المعنى
-
اين حريتي
المزيد.....
-
الحرب بيومها الـ413: قتلى وجرحى في غزة وتل أبيب تبحث خطةً لت
...
-
الجامعة العربية ترحب بمذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت
-
اعتقال حارس أمن السفارة الأميركية بالنرويج بتهمة التجسس
-
الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
-
عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي
...
-
غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب
...
-
أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|