مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 916 - 2004 / 8 / 5 - 11:16
المحور:
القضية الكردية
هي فرصة أن نجتمع , أن نتحاور , وقبل هذا وذاك , بالضرورة أن يفهم كلا منا لماذا نتحاور , وفي أي قضية , والحوار هو لغة العقل , المستمع والنقدي , المرتكن إلى وعي الراهن وحس الإدراك بالمسئولية الوطنية , وبالتالي امتلاك أي حوار للغة تعبر عنه , شفافة وصريحة , تسعى إلى قواسم مشتركة , بعيدة عن المزايدات والشعارات الغابرة , نتاج العقد التاريخية ومباريات إخراج الخصم بالضربة القاضية .
كان الهدف – لدي على الأقل – أن نُوجد أرضية سليمة لحوار يحترم العقل الإنساني , ويشذب الخطاب الثقافي والسياسي مؤسسا لثقافة سياسية تقبل الأخر بتمايزاته وتبايناته , تكون نقيضا لثقافة الايدولوجيا الاقصائية بكل تفريعاتها .
قبل أن ادخل في صلب مجريات الحوار , أود أن أبين بان الحضور كان يقسم إلى عدة مجموعات :
1- مجموعة القومجية , العروبوية والكردوية ؟ ورغم الكثير من الاختلاف بين الاثنين , من حيث الموقع والوعي السياسي والخبرة الثقافية , ألا أن القاسم المشترك بينهم , كان حضورهم دون أن يدركوا لماذا حضروا , وفي أي موضوع يبحثون , وما هو برنامجهم وحدودهم الدنيا , وكيف يمكن التوصل إلى تلك الحدود ؟ الغريب أن البعض من الطرفين كان حاضرا غائبا , يظهر في توقيت معين , لا ليقرب وجهات النظر وإنما ليزيدها فرقة , وهذا الصنف المتمترس خلف أيقوناته المقدسة ومنطقة اللاحواري واللاتوافقي , لا دلالة لحضوره سوى إفشال أي حوار وبالتالي إفشال الملتقى ؟ وقد تكون الغايات شخصية أو حتى قومجية , ولكنها تبقى ذات اتجاه واحد , ومنطق واحد , وقد وصف المفكر الياس مرقص هذه الفئة بقوله "" لا انصات , لا تناصت , لا تجابه , لا تفاعل حقيقي , لا تقدم , ندور بأسوأ معنى , نعيش في ثروة هي الخواء "" .
2- مجموعة البحث عن توافقات وطنية أولية , وكان يهمها فتح خبايا النفوس , والصراحة في طرح الرأي , وبالتالي تجسيد المشتركات الوطنية , دون وصاية أو احتكار , وبالعكس احترام الرأي الأخر وعدم تسفيهه .
3- بعض الحضور الذي يحمل حساسيات تجاه هذا وذاك , وكان دأبه تشويه المعنى والدلالة , وبغض النظر عن حساسيات الجميع , التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل , اعتقد بأنه كان هناك تصفية لحسابات قديمة , لم نكن نحن القادمين من الداخل السوري على علم بها ؟.
وكان الحوار ارتكاسيا في الكثير من جوانبه , بحكم أن بعض المعطى الحواري كان محددا بزوايا حادة , غير قابلة للبحث , أو أن مجرد طرحها يشكل خروجا على عقيدة سكونية , يصر أصحابها على صحتها المطلقة , وبالتالي لا حوار يشمل المطلق , وبما أن المطلقات كانت كثيرة ومتعددة , مما شكل مجموعة من الأسلاك الشائكة , كلا منها ينتمي إلى عصر قبلي أو إيديولوجي , فشل في حينه , لكنه مصر على سحبه من الماضي إلى المستقبل , دون أن يكلف نفسه ضرورة المرور على الحاضر , الذي يعطي تقييمه الكثير من الأجوبة التي يبدوا أن العقل القوموي غير مستعد لسماعها .
كان البعض يصر في كل صغيرة وكبيرة , في مداخل الجمل ومخارجها , على الهوية العربية لسوريا , ويعتبر أي مطلب كوردي هو تغيير في بنية تلك الهوية , وكل المطالبات يجب أن تندرج في إطار هذه الهوية , ولا مناص للكورد في هذه الحالة سوى الانحلال في بوتقة العروبة النابض , حتى تصان عقدة الدونية , أو عقدة الهوية , التي تضخمت وتورمت حتى غدت مخيالا خصبا يجمع في ثناياه , فوبيا الخوف من الأخر المتمايز قوميا , وهاجسا مؤامراتيا , يحيل كل مطلب إنساني أو ديمقراطي , إلى خارج متربص , إلى عدو افتراضي يجب الوقوف في وجهه , أو حتى استئصاله ؟.
أن النظر إلى الهوية على أنها ذات بعد واحد , هي ما يسمى بعقدة الهوية , وليس الهوية , فالهوية مركبة لها أكثر من بعد مُكون تراكمي , ففيها , القومي والوطني والإنساني , وكلا منها له صيرورته التاريخية , وإدماج المكونات في مكون واحد , ينفي التاريخية عن الهوية ويسلبها اجتماعيتها وحتى اسمها , وتتحول إلى معزوفة نشاز في واقع متعدد ومتنوع بتركيبته ومكوناته , وبالتالي الحديث عن هوية ما بهذا القدر من النرجسية , يعتبر جهلا أو تجاهلا بالتاريخ والواقع , لا متكىء له سوى امتلاكه ذاكرة ندبية , والكثير من الإطلال يحتمي بها , مقيما مناطق تعسفية في المجتمع , يمنح بعض الداخل في النعيم " المستعرب " هبات عقدة الهوية , ويرهب الأخر الرافض لإلغاء ذاته وكيانه وهويته.
أما البعض القومجي الأصولي الأخر فقد كان يصر على عدم وجود تعريب في سوريا , بل ويتهم الأكراد , مواجهة , بالتضخيم , وأنا متأكد بأنه في قرارة نفسه , يتهمهم بكل مفردات الطغاة والمستبدين , وللعلم فهو هارب من الاستبداد , يدعي النضال من اجل الديمقراطية والحرية , فهل هناك ابهى وأزهى من هذا " الديمقراطي " ؟ ورغم أننا حاولنا أن نشرح له مشاريع التعريب وتداعياتها , وأوردنا له مئات الأمثلة , حتى أنني طلبت منه أخيرا , بعد الياس من عصابيته , أن يتقي الله على الأقل ؟ لكن يبدوا انه حتى الله يضعف الأيمان به إذا تعلق الأمر بالحق القومي الكوردي ؟ وأنا أتمعن به بعد جلسة صراخية صاخبة , وفي قرارة نفسي حمدت الله أن هذا , دعي الديمقراطية , لم يستلم السلطة , وألا كنا في بعض المقابر الجماعية الآن ؟ .
حتى أن بعض العلمانيين , أو المفترض فيهم العلمانية , ممن هم في المعارضة , أو هكذا يسمون أنفسهم , كان لا يستطيع حتى الاعتراف بوجود شعب كوردي في سوريا , ويصر على مجموعة مواطنين لا أكثر , وبالتالي عليهم انتظار مجموعة الهبات التي سيقدمونها .
هذه اللوحة السريالية , التي تبين كم هي موضوعة قبول الأخر القومي , بعيدة عن ذهنية الأصولية القوموية العروبية , رغم التشدق بالشعارات , التي لا تعدو كونها مزايدات وطنية , لا تمتلك ثقافتها السياسية , بل على العكس فالثقافة السياسية لبعض الحضور القومجي كان أكثر استبدادا من الاستبداد نفسه ؟ وحدهم ممثلي التيار الإسلامي كانوا أكثر فهما لمعاناة الكورد وأكثر ديناميكية وفعلا سياسيا بهذا الخصوص , وطبيعي أن هذا الفهم متعلق هو الأخر بمعطيات عديدة مستجدة , ويبقى معلقا بمرجعية دينية واحدة .
موضوعة أخرى , كانت هاجسا لبعض الحضور القومجي , هي ضرورة التحاور حول كل القضايا القومية العربية , بمعنى الانتشار أفقيا , وهذا بحد ذاته يحمل دلالة ذات مغزى , ولها شقان:
الأول : يتعلق بتراكم الرؤية الادانية للأخر , الذي إذا لم يتضامن مع كل القضايا القومية العربية , والوحدة العربية , وكل صغيرة وكبيرة , من المحيط إلى الخليج , فهو مرتبط بالخارج " المتآمر علينا " .
الثاني : هو زرع حواجز تتابعية , أن اجتازها المختلف قوميا أدين ؟ وان لم يجتازها , أدين أيضا ؟.
في الأولى عليه أن يتخلى عن قوميته , بمعنى عن بعده القومي ككوردي , وفيها هو مدان من لدن قوميته , وإذا أصر هو الأخر على بعده القومي , أدين من لدن العروبيين بأنه متعاون مع الأمريكان , ومتحالف مع أكراد العراق , ويسعى إلى اقتطاع جزء من سوريا ؟
هذه الموضوعة بمقدار ما كانت بالنسبة لي واضحة , بذات المقدار كانت غامضة لبعض القومجيين الأكراد , وهذا الوضوح يتعلق فعلا بتضامني مع نضال الشعب الفلسطيني , وهو تضامن حقيقي , أنا مؤمن به وأمارسه سياسيا ومجتمعيا , مهما كان الفعل القومجي العربي تجاه الوجود الكوردي في سوريا , وبالتالي اعتبر أن اعتبار ملتقى الحوار الديمقراطي في باريس , هو ملتقى ليس فقط للتحاور حول قضايا الشأن العام السوري , وإنما حتى قضية الحجاب في فرنسا , أمر كان يحمل في طياته الكثير من معان وغايات , افقدها الماضي رونقها , وجردها الحاضر من مضمونها , واعتقد بأنها لن تنتمي إلى المستقبل ....
... يتبع
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟