|
الجدة التجريبية واثرها في المسرح العربي المعاصر
محمد عبد الزهرة الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 3007 - 2010 / 5 / 17 - 19:03
المحور:
الادب والفن
يري العديد من الباحثين في الوطن العربي ، أن المسرحية فناً وافداً من الثقافة الغربية في القرن التاسع عشر ، ولم يدرك أحد منهم فاعلية الجدة التجريبية في صراع الحضارات وهذا لا يعني الخوض في تفاصيل مجتمع متأخر أو متقدم بقدر ما هو طمس الي معالم الهوية المميزة للشعوب في حين المسرحية العربية ظلت تحت التأثير قوة وثقل الجدة التجريبية للمسرحية الغربية دون أن تعلم بمراحل الخطر من خلال محاكاة وتقليد بعيدًا عن جذورها ويؤكد ذلك الدكتور محمد يوسف نجم في معرض حديثه عن التأثير الغربي علي المسرحية العربية ويبدو لي أن مسرحنا العربي لم يقطع دور التقليد حتي اليوم وأن ظهرت فيه آثار محمود تيمور وشوقي والحكيم وعزيز أباظة وعلي احمد باكثير وسعيد تقي الدين ألا أنها عبقريات فردية .. وأن الكتاب العرب منذ أواسط الستينيات كما يقول فرحان بلبل يمكن أن تردهم إلي قوالب عرفها المسرح السابق قديمة وحديثه فهم بين كلاسيكي ورومانسي وواقعي وعبثي وهم بين تقليدي يسير علي نهج ( الدراما الحديثة ) وبين متأثر بالمنهج البر يختي أو منهج اللام عقول وان تجربة الكاتب المسرحي العربي ظلت تتأثر في هذه القوالب الغربية ، في حين لم تجد المسرحية العربية من يدعمها تاريخياً باعتبارها فن منقول وجد قوة التأثير الغربي عليه ، والذي نفذ إلي البلدان العربية من خلال الترجمة ، و النقد المسرحي الذي تمثل في شكل مراجعات وتحليل لمسرحيات غربية ،و كتب غربية عن الدراما ودراسات أصيلة عن كتاب غربيين وأشكال الدراما الغربية مضافا إليها تأثير البعثات العلمية إلي دول أوربا الغربية والشرقية، لتلقي علوم المسرح وفنونه، التي بدأت في مصر مع بداية عصر النهضة....ويمثل الأولي في القرن الماضي يعقوب صنوع (1839- 1912) ويمثل الثانية توفيق الحكيم الذي أُرسل إلي باريس كي يتمّ دراساته العليا في القانون، إلا أنه أبحر في عالم الفن والأدب، وعاد يحمل في جعبته النية لإيجاد مسرح مصري أدبي وكما هو الحال في سوريا والعراق ولبنان والمغرب العربي ، وبعد أن اكتشف المسرحيون العرب الأشكال التجريبية في المسرح الغربي ، اخذ أسلوب الكاتب العربي يبحث عما هو جديد فإنهم شرعوا يبحثون فإبداعية ، عن الإشكال وأساليب جديدة ، فأبدعوا مسرحيات عكست ، في الشكل ، بعض مظاهر الدراما الغربية ويتفق رياض عصمت مع ما ذهبت أليه الدكتورة حياة جاسم محمد في ثقل التأثيرات الغربية الذي انعكس علي المسرحيات العربية فقد تعرض المسرح العربي لتأثيرات غربية متعددة الاتجاه والقوة ، برز منها المسرح الأمريكي مسرح آرثر ميلر واونيل ، ثم تأثير برتولد بريخت ، ثم تأثير المدارس الحديثة التي تتراوح بين التعبيرية واللامعقول كذلك تأثير الواقعية والواقعي الاشتراكي الذي برز فيها (نعمان عاشور) و(سعد الله ونوس) و(محمود دياب) و أن المسرحية الواقعية كانت تهتدي بأسلوب (إبسن) أستاذ فن الدراما الحديثة حين كانت تركز أصول فن المسرح العربي . وكانت أكثر حرية في محاولة اختراق الدراما لأنها غير مقيدة بحدث معروف . لكن المسرحية الواقعية كانت أقل انتشاراً في أرجاء الوطن العربي وإن لم تكن الأقل أهمية ، وكانت المسرحية التاريخية المجالَ الأوسع للتطوير الإبداع كما كانت الأكثر انتشاراً وتأثيراً وفي المسرحية التعبيرية برز منها (رشاد رشدي) و(مصطفي الحلاج) و(ميخائيل رومان) و( احمد الطيب العلج ) وفي أطار مستمر لتقليد المسرحية الغربية وما ظهر عليها من تجديدات ، فان الكاتب العربي ظل يتأثر بهذه المظاهر الدرامية الوافد ه إلية من الثقافة الغربية ، إذ أن الكتاب العرب كانت كل تجديداتهم - هي تجديدات عاصفة - أنصبت علي تطعيم هذه القوالب بسمات خاصة بموضوعاتهم التي فرضها عليهم عصرهم ، أما الكاتب العربي المعاصر فلا يمكن أن تضعه في أي حقل من الحقول ، فإذا كان التجديد من خلال التجريب حسب ما ذهبت إلية آن أوبر سفليد هو تغير اتجاه ، فان الكتاب العرب وأساليبهم ، لم تستطيع تغير أي شيء ، ألا أنهم مستوردين للجدة التجريبية في المسرحية الغربية ومظاهرها الدرامية الأخري في الستينيات القرن الماضي ، وأن محاولاتهم هي تجارب لم تصل إلي ما هو تجاربي مغير للاتجاه ومجدد كما يؤكد الدكتورعقيل مهدي يوسف ( إن المسرح العربي شديد الالتصاق بالفكرة التجريبية في المسرح العالمي وأن الأجيال المسرحية العربية تواصلت في التقاط هذه الفكرة لكنها لم تسع في الغالب تطوير خطابها التجريبي خاص بها بذلك يشوب العروض المسرحية الطابع (( التجار بي )) لا (( تجريبي )) الخاضع لقوانين مغايرة مختبريا ) فان هذا الطابع ألتجاربي ينعكس أيضا علي الكتاب العرب في محاولاتهم البحث عن أسلوب فني جديد لمسرحياتهم من خلال مشابة الأشكال ومظاهر الدراما الغربية في تأثيرها علي المسرحية العربية يري الدكتور علي الراعي أن المسرحية (علية الدوغري) للكاتب( نعمان عاشور) ،هي أحسن أنتاج في ميدان الكوميديا الاجتماعية ....تقف علي رأس ما وصل إلية المسرح العربي الذي أتخذ الصيغة اليونانية وسيلة فنية للتعبير في حين تأتي مسرحية (الناس اللي تحت) وهي تستحضر أجواء وشخصيات من المسرحيات تشيخوف ، فيما تري الدكتورة حياة جاسم محمد أن التراجيكوميدي شكل درامي كان له تأثير علي الكتاب العرب في مسرحيات (نعمان عاشور) ، ( عائلة الدوغري ) ، و (عطوة أفندي) ، و( بلاد بره )،ومسرحيات ( سعد دين وهبه) ، (كفر البطيخ ) ،و ( سكة السلامة) ،ومسرحيات (علي سالم) (بئر القمح) ، و(البوفيه) ، و(كوميديا اوديب) ، و(أنت اللي قتلت الوحش) وتؤكد أن جميع هذه المسرحيات حققت عنصر التراجيكوميدي من خلال مقابلة شخصيات ملهاوية بمحيط مأساوي أو شخصيات مأساوية بمحيط ملهاوي ، أما عن مسرح سوريا يظهر لنا عدد من الكتاب (وليد إخلاصي) و(ممدوح عدوان) و(علي عقلة عرسان) وغيرهم ، ويري الدكتور علي الراعي في تجارب سعد الله ونوس ذلك التأثير الغربي من خلال مسرحياته القصيرة (لعبة الدبابيس) و(الجراد) و(المقهي الزجاجي) و(جثه علي الرصيف) و( الفيل يا ملك الزمان ) ومسرحية طويلة في جزئين هما( حكاية جوقة التماثيل) و ( الرسول في مأتم أنتجونا ) وهي أعمال تتسم بالتجريد والإغراق في استخدام الرموز ، الاعتماد علي الأشكال المسرحية الغربية التي كان ونوس قد تعرف عليها أبان معاينته للمسرح الغربي فيما تجرأ العديد من الكتاب العرب للخروج عن الشكل التلقيدي للمسرح وعلي التحرر من أصول التقليدية الدرامية دون الخروج عن أصول البنية الدرامية . ومثال ذلك ما فعله (علي عقلة عرسان) و(رياض عصمت) و(سعد الله ونوس) و(ممدوح عدوان) وغيرهم في سورية . وما فعله (ألفريد فرج) و(محمود دياب) و(ميخائيل رومان) و(سعد الدين وهبة) في مصر . وهذا ما تحقق من خلال أوسع التجديدات العالمية في نشوء المسرح الملحمي وجدته التجريبية التي برز تأثيرها في الوطن العربي فقد حظي المسرح الملحمي بتقدير ... لأنه يعالج مشكلات سياسية واجتماعية تعني العرب ويؤكد الوظيفة الاجتماعية للفرد ومنها ظهرت تجارب المسرحية لا تستطيع إخفاء تأثير (سعد الله ونوس) في الإطار البريختي من كسر الإيهام ومزج المتفرج بالممثل في الحدث الواحد ، كما في مسرحية (الملك هو الملك) و(مغامرة رأس المملوك جابر) أو ( أتفرج يا سلام ) (رشاد شدي) و(النفق ) (رؤوف مسعد) و(آه يا ليل يا قمر) (نجيب سرور) و(الزير سالم) و(الفريد فرج) و( ليلة مصرع جيفارا) (ميخائيل رومان) وما جاء به المسرح الملحمي من بناء شكل فني جديد ساعد الكاتب العربي علي أعادة صياغة التاريخ التي كانت تقتضي شكلاً فنياً جديداً وجده الكتاب في شكلٍ بنائي جديد . ومثال ذلك مسرحية ( باب الفتوح ) (لمحمود دياب) و( ليل العبيد ) (لممدوح عدوان) ومسرحيات (عز الدين المدني) ومسرحيات (عبد الكريم برشيد) في تونس والمغرب . ومن الاتجاهات التجريبية المجددة في المسرحية الغربية والتي أثرت في الكاتب العربي هو العبث أو اللامعقول وقد نص ناقد مصري علي أن المسرح العبث واللامع قول بمفهومه المعاصر حيث يتوحد الشكل ومضمون للتعبير عن لا معني الحياة ،لم يجد بعد في العربية ،وما هو موجود لا يعدو أن يكون أما محولات لتحطيم الشكل التقليدي دون التعبير عن عبثية الحياة أو موضوعاً يظهر عبثية الحياة ولكن في الشكل تقليدي وتتضح سمات مسرح العبث اللامعقول في الموضوع وشكل (يا طلع الشجرة) (توفيق الحكيم) و(الفرافير) (ليوسف أدريس) و(الوافد والخطاب) (ميخائيل رومان) وتؤكد الدكتورة حياة جاسم محمد تأثير (بيرانديللو ) في الكاتب العربي من خلال دراسة النقاد العرب المسرح داخل مسرح و وسائله الفنية المستخدمة فيها ، كما ظهرت في مسرحية ( الطعام لكل فم ) لتوفيق الحكيم وهي مسرحية داخل مسرحية و( ليالي الحصاد ) محمود دياب تطرح الحقيقة والوهم متداخلين بطريقة تشبه طريقة (بيرانديللو) .مضافا إليها إن الفلسفة الوجودية التي برزت في فرنسا وبلاد أوربا، والتي جعلت الأدب القصصي والمسرحي وسيلة للتعبير عن أفكارها، كانت مصدر تأثر للثقافة العربية في الخمسينيات من هذا القرن. فقد اهتم النقاد والكتاب العرب(بفرو يد) و(يونك) و(كامو) و(سارتر) و(أليوت) خلال فترة الستينيات من القرن الماضي الذي أثر علي أسلوب الكاتب العربي في محاكاة ما وفد إليه من حركات التجديد الغربي في كتابة النص المسرحي العربي . في حين ظلت استلهام التراث في أطار الجدة الغربية الأمر الذي دفعهم الي إصدار بيانات تنظيريه عن تأصيل المسرح العربي من خطر التقليد لكن (قد يلتقي مفهوم التأصيل مع( البعد التقويمي ) للأصالة، كما بيّنه الدكتور(فؤاد زكريا) إذ قال فأنت حين تتحدث عن أصالة مجتمع ما لا تعني الرجوع إلي"أصل" هذا المجتمع فحسب بل تعني أيضاً العودة إلي ما هو"أصيل" في تاريخه، وفي أعماق شخصيته المعنوية، وبهذا المعني تتحدث عن الأصالة في بحث أو كتاب، وتعني بذلك أنه لم يعتمد علي غيره أو يعكس آراء الآخرين، وإنما كان له موقفه الخاص المستقل النابع من ذاته.
#محمد_عبد_الزهرة_الزبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صراع الفلسفات في الحركة النقدية المعاصرة
-
ِبناء الأيديولوجيات في الفكر المسرحي المعاصر
-
التجليات الجمالية للمضامين في المسرح السياسي
-
جماليات الأستجابة في دائرة الطباشير القوقازية ..( برتولد بري
...
-
فؤاد التكرلي ..وفلسفة اللامعقول في الفكر المعاصر
-
تعقيباً على رسالة اليوم العالمي للمسرح 2010 للممثلة البريطان
...
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|