|
كيف اكتشف شارون اللاسامية المتوحشة في فرنسا؟
شموئيل امير
الحوار المتمدن-العدد: 915 - 2004 / 8 / 4 - 12:34
المحور:
القضية الفلسطينية
الفيل في حانوت الخارصينا كيف اكتشف شارون اللاسامية المتوحشة في فرنسا؟
في وقت يختلف قليلا، بعد انكشاف خداع الفتاة التي ادعت انهم هاجموها واعتدوا عليها وعلى ابنها الرضيع ورسموا الصلبان المعقوفة على بطنها، اطلق ارئيل شارون دعوة دراماتيكية ليهود فرنسا، كي يهربوا من فرنسا الى اسرائيل، لأن في فرنسا تنفلت "اللاسامية الاكثر توحشا"، والرد لم يتأخر، واول من ردوا على تلك الدعوة هم يهود فرنسا الذين احتجوا بشدة على التدخل الخارجي في شؤونهم ولقد قالوا: "نحن لسنا دجاجات، والدولة الوحيدة التي يمكن ان تُقتل فيها كيهودي هي اسرائيل"_ هآرتس (20/7/2004).
ولكن، حتى فرنسا كلها كانت بمثابة وعاء لخلط التوابل والعقاقير من الرئيس الى رئيس الحكومة الى وسائل الاعلام. كلهم شجبوا بشدة التدخل الفظ لأرئيل شارون، واعلنت فرنسا الرسمية ان دعوة شارون لليهود في فرنسا للهجرة الى اسرائيل غير مقبولة اطلاقا، واعلنت ان شارون غير مرغوب فيه حاليا في فرنسا، الا ان شارون، كما يبدو لم ينذهل - وممثلو اسرائيل محصنون ومنذ فترة طويلة امام الانتقادات الدولية والعزلة الدولية - رأى في قرار الجمعية العمومية للامم المتحدة الذي صدّق بأغلبية كبيرة على قرار المحكمة الدولية في هاغ مؤخرا - ولا توجد لهم مشكلة مع ذلك، ويمكن ايضا الاحساس والشعور بأنهم يتمتعون تقريبا من مواجهة العالم باستثناء الولايات المتحدة الامريكية بالطبع، وها هو رئيس لجنة الخارجية والامن البرلمانية، يوفال شطاينتس، رد على سؤال، فيما اذا كان سيستجيب لطلب رئيس حكومة نيوزيلندا ويعتذر امامها، في موضوع الوكلاء الاسرائيليين هناك، اجاب: اذا هي واصلت هكذا نحن سنطلب منها ان تعتذر، وشارون بالطبع لن يعتذر. ولقد نشر في جريدة جارديان البريطانية في (20/7/2004)، ان ممثلين فرنسيين من اليهود لا يشعرون بالراحة من استعمال مجموعات تمولها حكومة اسرائيل لاقناع اليهود بترك فرنسا. ويقدرون هناك بالذات وجود قلة في الهجرة الى اسرائيل من فرنسا، هو في اساس المعركة لتشجيع اليهود على الهجرة، ويبرزون رغبة شارون لردع او لسلب الشرعية الفرنسية للتدخل في النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. وشارون ليس اول من كشف عن "اللاسامية الجديدة" في فرنسا وشجبها، وحتى في العالم كله فقد سبقه الى ذلك ممثلون يهود عن اليمين بالذات الامريكي ولقد خصصت جريدة "هآرتس" ملحقا خاصا لذلك في عيد الفصح الاخير. ومن كل هؤلاء تذرف الدموع باسلوب: "اعتقدنا ان رائحة الغاز قد تبخرت"، هكذا سينطيا اوزيك، الكاتبة اليهودية الامريكية المشهورة صاحبة التوجهات الاكثر قومجية واستجاب لها رئيس الدولة موشيه كتساف، الذي قال في يوم الكارثة في (19/4/2004) متسائلا: ايجوز ان ذكر الكارثة لا يردع اللاسامية؟ وكشف عدد من الكتاب الاسرائيليين الليبراليين في ملحق "هآرتس" ذاته عن لا سامية جديدة وشجبوها فمما كتبته ابيرما غولان في هآرتس في (15/4/2004)، "بعد (50) سنة على قيام اسرائيل، فان جلدهم الرقيق لليهود الاوروبيين وهويتهم الفرنسية والبلجيكية والهولندية وغير ذلك، تحوم فوقهم، وفجأة يجدون انفسهم كآبائهم من قبلهم، يهودَ في عزلة ومكشوفين يتبعون لمصير خطير وليس للمكان الذي ولدوا فيه". ولخصت اقوالها قائلة: .. هذا هو التناقض اللاسامي الجديد الذي يربط كل يهودي حتى لو لم يرغب في ذلك، باسرائيل ويربط اسرائيل حتى ولو رفضت ذلك بكل يهودي" وماذا سنقول: شارون لا شك سيوقع بيديه الاثنتين على كل كلمة. سأقول فورا بانني لا ادعي بانه لا توجد اطلاقا ظواهر لا سامية في اوروبا، ظواهر يجب شجبها والنضال ضدها بكل حزم، انما ليست تلك هي اساس او غالبية الظواهر التي يصفونها باللاسامية الجديدة، هذه مظاهر هامشية تضخمها وسائل الاعلام الاسرائيلية وتحاول من خلال ذلك جني الفوائد الصهيونية كما يفعل ابيرما جولان. امرمثير هو الاسم الجديد الذي اوجدوه للظاهرة: "اللاسامية الجديدة". الا يوجد في ذلك اعتراف بان هذه ظاهرة جديدة لا تشبه اطلاقا اللاسامية "الكلاسيكية" التي عرفناها في السابق، وكذلك فالمصطلح "جديد" هو وسيلة ملزمة لخلق ارتباط بين ظاهرة جديدة هامشية نسبيا وبين مصطلح عتيق كاللاسامية، وقد يكون بذلك وليس عن طيب خاطر، وجود اعتراف بان هذه ظاهرة جديدة لان اللاسامية قد اختفت منذ فترة طويلة، انما عندها ينشأ فورا السؤال، لماذا نشأت الظاهرة حاليا ومن جديد؟ والسؤال الاساسي هو: حقيقة متى بدأت اللاسامية الجديدة وفي الرد على ذلك نعرف ايضا ما هو شكلها وطابعها. وكلهم يوافقون على ان بدايتها مع بداية انتفاضة الاقصى وها هي دينا بورات تشرح في ملحق هآرتس، "ان الموجة الاولى من الاحداث العنيفة ضد اليهود بدأت في الفترة بين (10 و 11/2000)، مع انفجار انتفاضة الاقصى". ونشر في هآرتس ايضا انه بدأت العمليات الانتحارية. ومع بدء حملة "السور الواقي"، ارتفعت كثيرا العمليات الانتحارية ووقعت (32) عملية وبعد ذلك انخفضت العمليات كثيرا، بعد عمليات التغلغل في غزة ورفح في عام (2004) ومنذ ذلك الوقت تستمر تلك العمليات العسكرية بناء على حملات الجيش. وفي (20/7/2000) نشر في "الجارديان" البريطانية، "تقريبا ان كل التهجمات اللاسامية هي من فعل شباب يعانون من الظلم والاجحاف وليس بسبب مشاعر ضد اليهود من الناحية التاريخية" واصدرت الجريدة كذلك ومن مصادر فرنسية: "انه كان من المفضل لو ان الحكومة بدلا من لفت الانتباه لارتفاع العمليات الانتحارية، كانت تخصص انتباهها للموضوع الاساسي الاكثر للمثقفين المسلمين في فرنسا". وكيف يمكن استنادا على واقع كهذا الربط بين العمليات الانتحارية من هذا النوع باليهود، وبين ما يفهمه العقلاء في مصطلح اللاسامية؟ من الصعب فهم ذلك. لا يكفي الاقرار بان التعرض لليهود بدأ مع بدء الانتفاضة ويجب كذلك التساؤل لماذا قبل ذلك، وتقريبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تكن تقريبا ظواهر كهذه. ان السبب الاساسي لاختفاء او لانسحاق اللاسامية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، كان الانتصار على المانيا النازية وفي اعقابه فقدان الشرعية الاجتماعية للاسامية في غالبية طبقات السكان، لكن كانت هناك عدة اسباب اخرى، اجتماعية بالاساس. ولا خلاف بين الباحثين بان اللاسامية ذهبت وزالت ليس فقط في فرنسا انما في اوروبا كلها وفي امريكا أي ان اللاسامية ليست ابدية ولا يمكن تغييرها كما تدعي الايديولوجية الصهيونية. واذن ما هو الفرق الاساسي بين اللاسامية الرهيبة والمكروهة من تلك الايام البعيدة وبين ما يجري اليوم في اوروبا؟ ما الذي يثير كل انسان صاحب ضمير ضد اللاسامية او ضد العنصرية بشكل عام، هل هو كره اليهود كونهم كذلك او ايضا ضد اقلية اخرى هو الذي يثيرنا؟ واتصور انه ليس بهذا يتلخص الموضوع، ان اللاسامية مثيرة لنا لانها كالعنصرية بشكل عام هي في انعدام العدل فيها وفي ملاحقة الاقلية من قبل الاكثرية. وان الغضب الاخلاقي يثور فينا ضد العنف الممارس ضد اقلية تفتقر الى الحماية، ومن القوي ضد الضعيف، ومن المتسلط والمحتل ضد الواقع تحت الاحتلال. وامر مميز اضافي للاسامية كان دائما دعم الحكم للاسامية واستغلالها لاهدافها هي، من الحكم القيصري في روسيا الذي شجع اقتراف المجازر وحتى فظائع النازية التي نفذها النظام نفسه. وماذا بين هذا ولمظاهر في اوروبا نشاهدها ونلمسها اليوم؟ ان الاقلية اليهودية في اوروبا ليست ملاحقة من الانظمة. والحقيقة هي ان اليهود ينتمون اليوم بغالبيتهم للطبقة الوسطى وحتى العليا. وفي الولايات المتحدة الامريكية وبناء على الواقع فان الدخل للنفر اليهودي هو الاعلى من بين باقي كل الاديان، والوضع لا يختلف كثيرا في الدول الاوروبية. وفي فرنسا كان عدد من رؤساء الحكومات اليهود، منذ الحرب العالمية الثانية. واليهود يشكلون جزءا من الفئة العليا القومية وقد تبوأوا مراتب عالية جدا، وكذلك الامر في مواضيع الزواج المختلط، عندما شيراك وكذلك شارون كما اعترف هو بذلك، هاجم بشدة اللاسامية فانه فعل ذلك من منطلق انه يرى في اليهود جزءا من الامة الفرنسية. وفي بريطانيا فان المرشح الجديد لرئاسة الحكومة من قبل حزب المحافظين هو يهودي، مايكل هوارد، وهل هذا هو ظواهر اقلية ملاحقة ومطاردة؟ ان العمليات الانتحارية ضد اليهود التي يقترفها عدد قليل جدا او من المسلمين الذين خابت آمالهم، والتي يجب شجبها بقوة ومكافحتها، ولكن هل من مقارنة بينها واللاسامية الفظيعة من الماضي. هذا يشبه اكثر خلاف اثني من مسلمين ضد يهود، وخاصة عندما يتباهى عدد من اليهود وليس كلهم وحتى ليست غالبيتهم، بدعمهم لعمليات الجيس في المناطق المحتلة ضد الفلسطينيين. هذا لا يقول ان العنصرية والاجحاف، ضد اقسام واجزاء من السكان، زالا من اوروبا. والتقرير الاخير عن العنصرية في بريطانيا يبرز صورة سوداوية لا مثيل لها عن قتل ابناء اقليات، من خلال اجحاف منهجي وظلم قاس في كل مجالات الحياة وحتى الاذلال والاهانة، الا ان العنصرية العصرية هذه موجهة بالاساس ضد المسلمين من آسيويين وذوي اللون الاسود، وللاسف الشديد فقد تضرر وانخفض كثيرا التضامن الذي قام به اليهود في السابق مع الطبقات المسحوقة في المجتمع. ومن الصعب رؤية صد هذه العنصرية بدون نضال مشترك لجميع المصابين من العنصرية ومن الصعب توقفها بدون تغيير المجتمع من نظام رأسمالي الى نظام اشتراكي تسود فيه المساواة. وبالنسبة لاسرائيل عندما تتصاعد العزلة الدولية يجب اتهام معارضيها باللاسامية ان يكون رادعا لمنتقديها الكثيرين، ان يتركوها او يتهموا باللاسامية. انما استعمال هذا الادعاء يعمل كسيف يرتد الى النحر، اذا تظاهروا ضد بناء جدار وسرقة اراضي فلسطينيين، او يعارضون الاحتلال، او يثورون ضد القتل المتواصل لقادة النضال الفلسطيني، يعتبرون كلاساميين، يقولون هؤلاء ان الاحترام هو ليس اعتبارهم كلاساميين في نظر الاسرائيليين، ان الاتهامات الاسرائيلية باللاسامية تؤدي الى تهميش اللاسامية والكارثة. واللاسامية الجديدة يمكن وقفها فقط من خلال الانسحاب من المناطق المحتلة ووقف التسلط على شعب آخر، جربوا ذلك وستتأكدون مما نقول.
(تل ابيب)
#شموئيل_امير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ
...
-
المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل
...
-
-تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
-
صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري
...
-
تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ
...
-
بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل
...
-
برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا
...
-
سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية
...
-
-تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات
...
-
شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|