|
بين أن تجلس الممرضة بين أقدامك في اليابان ..…وفوق رأسك في المغرب
ادريس الواغيش
الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 22:15
المحور:
المجتمع المدني
وجه أسيوي مألوف على الشاشة ، لممرضة تلبس وزرة بيضاء ، كما تلبسها بقية ممرضات باقي مستشفيات العالم في أرض الله الواسعة ، لكن المثير في الأمر هو أنها وهبت نفسها لخدمة المرضى و مهنتها ، بدل استفزازهم ومساومتهم أو احتقار ما عفا عنه الدهر من آدمية فيهم ، تجلس على ركبتيها تحت أقدام المريضة المنهكة فوق السرير، تؤدي لها التحية على الطريقة اليابانية التقليدية ، مصحوبة بابتسامة عريضة وبريئة ، تسألها عن حالها ومتطلباتها وما تشكو منه ، أما المريضة الطاعنة في السن ، فلا تملك إلا أن تمسح دموعها من شدة التأثر لهذا الموقف النبيل. صيحة جديدة تأتينا هذه المرة من اليابان ، البلاد التي تصر الشمس أن لا تغيب عنها ، لكنها صيحة تختلف عن باقي الصيحات التكنولوجية والالكترونية التي ألفناها منهم ، صيحة إنسانية وجد مؤثرة لكل من رآها. دموع هذه السيدة اليابانية المريضة ، ذكرتني بدموع أخرى تنساب بغزارة ، لكن لأسباب مختلفة ، بل متناقضة لمثيلاتها اليابانية تماما ، من أعين سيدات مغربيات من مختلف الأعمار ، يشكون من معاملات تسيء إلى سمعة المغرب ، وحضارته الضاربة في عمق التاريخ ، ولا ترقى إلى ما نطمح إليه في هذا البلد السعيد ، بل تسيء إلى كل مبادرة ملكية أو أميرية. ألسنا من يقول المثل في موروثنا الثقافي والشعبي : "خادم الرجال سيدهم" وما يقال عن الرجل ، يقال عن المرأة كذلك ، ممرضة كانت أو ربة بيت في منزلها أو في أي موقع تشغله ؟. في مستشفى ابن الخطيب والمعروف محليا ب(كوكار) ، أحد أكبر المستشفيات بمدينة فاس ، لا تسمع إلا عن رشاوى بالجملة ، و ممرضات أشبه بالرجال (مع أن التعميم لا يجوز طبعا)، يلكن علكا (أمريكيا) وهن واقفات فوق رأس الحوامل ، جيء بهن إلى قسم التوليد اضطرارا ، تحت رحمة الوجع وبشكل مستعجل ، ويسألنهن أسئلة بعيدة كل البعد عن وضعهن الصحي ، بل تخلو من كل إنسانية أو مهنية في ظرف حرج جدا ، من قبيل : - أين تسكنين ؟ وحدك أم مع الجيران ؟ في الطابق العلوي أم السفلي ؟ ماذا يعمل زوجك ؟ عامل أم مالك ؟ كم يتقاضى؟ ما هي أرباحه الشهرية...والسنوية ؟. تقاطعها المرافقة العجوز للحامل التي جيء بها منهوكة أصلا ، وتنتظر (الخلاص) على أحر من الجمر ، خصوصا وهي في تجربتها الأولى : " أرجوك سيدتي...الوضعية حرجة...ماذا يلزمنا إحضاره؟ الرجل في العمل ...صعب علينا الاتصال به...ارحمينا...". ترد عليها الممرضة وهي تلوك العلك في تجاهل وتثاقل لا يخلو من استعلاء : " ياك خدام بعدا...إوا حمدي الله ...الناس ملقاوش الخدمة...". تدخل المرافقة للحامل يدها إلى حافظة نقودها وتمد لها (100درهم) ، تطوح بها الممرضة أرضا في انفعال ، وتتجه صوب وجهة أخرى ، تتعجب المرافقة لما يحصل ، فتقول لها امرأة تعرف خبايا ما يحصل : " ألالا خصك (200درهم)....راها ولات طريف عندهم هنا....". كنت أرى قليلا وأسمع كثيرا ، نساء يتحدثن عن مثل هكذا أمور ، وغيرها تحصل داخل المستشفى ، كأنما يتحدثن عن ثمن السردين في (سويقة) ، وأتساءل : " لماذا يصر مثل هؤلاء (ذكورا وإناثا) على التآمر ضد أبناء جلدتهم ؟ وعلى بلد علمهم أبجدية الحرف ، ومبادئ مهنة يتقاضون عليها أجرا كل شهر، وأحيانا يكون محترما جدا؟. يتحدثون عن تشوهات تحدث باستمرار للأجنة أثناء عملية التوليد ، فلا أملك إلا أن أطلب السلامة للحامل والمولود . تذكرت طبيبا جراحا في مدينة مكناس التي لا تبعد بأكثر من 60 كلم عن فاس ، متمكن بشهادة الجميع من مهنته ، وزائر لقبر الرسول مرتين كما قيل لي ، آخرها كانت قبل سنوات قليلة ، أثقل علي بفاتورة تأن لها الجبال ، من أجل إجراء عملية جراحية للوالد (رحمه الله) بعد أن رفضت مساومة سماسرته. سألني صاحب مستودع كبير للأدوية : " لمن هذه الفاتورة ؟ " ، قلت له : " كيف ..؟ لي...‼" عرف أنني لم أفهم قصده ، فأردف قائلا :" أقصد لكم شخص ستجرى العملية ؟ ". قلت له أن الأمر يتعلق بعملية جراحية واحدة ، ستجرى لأبي الراقد في المستشفى(يومذاك) . قال لي ، وكان ذلك قبل ثمان سنوات : " لقد أثقل عليك الطبيب في كتابة هذه الفاتورة يا صاحبي ، مثل هذه الفاتورة تكفي لجراحة ثلاثة أشخاص ، وليس لشخص واحد...‼". لم يمض أكثر من سنتين ، حتى بكيت بكاء حادا ، وذرفت دموعا غزيرة ، لكن لأسباب تختلف كثيرا عن أسباب العجوز اليابانية. لق انتقل الوالد (رحمه الله) إلى دار البقاء ، وبقيت الفاتورة الثقيلة معلقة في ذمة الطبيب الزائر لبيت الله مرتين.
#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة : خيانة
-
قمة أدبية مصغرة بين العرب.... في مدينة بن أحمد المغربية
-
قصة : اللعبة
-
النقابة الوطنية للتعليم (ف د ش) تحارب الهدر المدرسي تجربة ان
...
-
نقاء الجنس القصصي في (تسونامي) مصطفى لغتيري
-
الجمعية المغربية للغويين والمبدعين تحتفي بالمترجم والمبدع حس
...
-
قصص قصيرة جدا :
-
قصة : ارتواء
-
قصة قصيرة : ضيافة
-
ظبية خميس: شهرزاد روت لتتقي العقوبة ..أما أنا فلأني أحترم حق
...
-
عزة رشاد.... شاعرة رومانسية.. ، بعيدا عن الإيديولوجيات الصار
...
-
قصة قصيرة : قصة ألوان
-
فاس تكرم الدكتور محمد بودويك.....الشاعر الذي لا يحصى
-
محاربة تشغيل الأطفال....تجربة بدأت مغربية من مدينة فاس/ وأخذ
...
-
- القردانية- لمحمد اشويكة - - العنزة لولو- لصخر المهيف و روا
...
-
حجاب المرأة بين التقاليد الاجتماعية والموروث الديني
-
مبراطوريات الوهم العربي
المزيد.....
-
منظمة اليونيسف: إسرائيل قتلت أكثر من 100 طفل في لبنان خلال 1
...
-
منظمة اليونيسف: 690 طفلا اصيبوا في الاسابيع الستة الاخيرة بس
...
-
منظمة اليونيسف: العمليات الاسرائيلية تتجاهل التحذيرات الدولي
...
-
تعزيزات عسكرية واعتقالات جماعية في إقليم أمهرة الإثيوبي
-
الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجزرة راح ضحيتها 21 شهيدا وعشرات ا
...
-
إصابة فلسطيني واعتقال 3 وسط مواجهات مع قوات الاحتلال بنابلس
...
-
حركة حماس: قصف الاحتلال مسجدا يؤوي نا زحين بدير البلح والمجا
...
-
غاز مسيل للدموع واعتقالات تتخلل مظاهرات حول العالم في ذكرى ا
...
-
نحو 300 ألف يتظاهرون في لندن دعما لفلسطين في الذكرى الأولى ل
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون من أجل إطلاق سراح المحتجزين ووقف
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|