|
التطرف ثقافة ومواجهته فرض عين وليس فرض كفاية(4) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 3006 - 2010 / 5 / 16 - 22:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن الجدال الدائر حول فتاوى التطرف والتشدد التي تنشرها جريدة التجديد ، والتي تصدى لها الأستاذ الساسي يكشف الأبعاد الحقيقة لإستراتيجية بدونة المجتمع المغربي التي ينهجها حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح بهدف إفشال جهود تحديث بنيات الدولة والمجتمع التي تخوضها الدوائر الرسمية والشعبية على السواء . فأمر مواجهة هذه الإستراتيجية ينبغي أن تنخرط فيه كل هيئات المجتمع ونخبه التواقة إلى تكريس قيم الديمقراطية وثقافتها ، وعلى رأس هؤلاء : النخبة المثقفة . إذن فالأمر لا يُشرّف أي ديمقراطي باتخاذ موقع التفرج أو "الحياد السلبي" إزاء الصراع الفكري والقيمي الذي يخوضه الأستاذ الساسي بجرأة مقتدرة ضد دوائر الانغلاق والتطرف ، بقدر ما يحرضه على التفاعل الإيجابي مع نداء الأستاذ عبد اللطيف اللعبي عبر إدراك مخاطر "الضغط القوي الذي تمارسه الحركات الماضوية على الأخلاق و السلوك في الحياة اليومية " والتقاط الدعوة " إلى المشروع الذي سنقرر فيه وضع كرامة وازدهار العنصر البشري في مركز اهتمامنا، مهيئين بذلك حلول مجتمع أكثر عدالة وأخوية، وبالتالي أكثر انفتاحاً وسلمية، أقل تعرضاً لشياطين انغلاق الهوية والتطرف". ولا بد من التنويه ، هنا ، بالجهود التي يبذلها ملك البلاد في سبيل إرساء دعائم مجتمع حداثي وديمقراطي والتي وضع نفسه من أجلها في مقدمة المتصدين للتطرف والانغلاق في خطاب تاريخي عقب أحداث 16 مايو الإرهابية ، جاء فيه ( ولشعبنا العزيز الواثق بثوابته الحضارية المتشبث بمقدساته وبمكاسبه الديمقراطية أقول.. إن الإرهاب لن ينال منا. وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية مواصلا بقيادتنا مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي بإيمان وثبات وإصرار. وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق) . إنها إذن ، معركة شمولية ضد التطرف والانغلاق التي لا ينبغي أن يتخلف عنها أي مؤمن بقيم الحداثة والديمقراطية . ذلك أن قوى التطرف والانغلاق تريدها حربا دينية وتجيش لها حَمَلةَ هذا الفكر المنبثين في صفوف الهيئات العلمية الرسمية قصد استعداء عموم العلماء والزج بهم في حرب بالوكالة وجعلهم في مقدمة من يتصدون للمشروع الحداثي للملك وعموم القوى الديمقراطية . وهذا النهج تفصح عنه جريدة التجديد بشكل واضح فيما تنشره من مقالات عنونت إحداها كالتالي " استهداف الفتوى ومؤسساتها!" حيث نقرأ( ما معنى أن تتحرك حملة منظمة ضد التجديد على خلفية نشرها لفتاوى عبر فيها فقهاء عن رأيهم الفقهي ومعظمهم ينتسبون إلى المجالس العلمية وبعضهم ينتسب إلى المجلس العلمي الأعلى؟.. يبدو، من خلال متابعة أطوار هذه الحملة، أن الأمر لا يقتصر فقط على استهداف التجديد حين تتهم بالغلو والتطرف، ولكن ذهب عبرها، للمس بالعلماء وبحريتهم في الاجتهاد الفقهي، بل والمس أيضا بالمؤسسة الدينية من خلال استهداف المجالس العلمية والعلماء الذين يضطلعون بدور الإرشاد والتوجيه الديني.) . ولا شك أن الجدال الحالي حول الفتاوى التي تنشرها التجديد يكشف بجلاء تبني هذه الجريدة والهيئات المرتبطة بها لخطاب التطرف وعقائد الانغلاق . إذ لم تقتصر الردود الصادرة عن أعضاء قياديين في حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح على توضيح سياق نشر الفتاوى ، وإنما تبنتها ودافعت عنها وتخوض الصراع من أجلها بتوظيف الأذرع السياسية والإعلامية والدينية التي تمثل أخطرها . الأمر الذي يضع العلماء الموالين لحركة التوحيد والإصلاح في تناقض مع التوجيهات والتوجهات الملكية التي نص عليها الخطاب الملكي أمام أعضاء المجلس العلمي الأعلى بتطوان ليلة 27/9/2008 كالتالي ( هدفنا الأسمى، تعزيز المساهمة الفاعلة لعلمائنا الأفاضل، في المسار الإصلاحي والتحديثي الذي نقوده في سائر المجالات، ولا سيما قيامهم بتعزيز الأمن الروحي للأمة بتحصين عقيدتها السنية السمحة ... فقد وجهنا وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية، لإطلاق برنامج شامل لتأطير وتأهيل أئمة المساجد، بواسطة علمائنا الفضلاء، في التزام بثوابت الأمة واختياراتها وانفتاح على قضايا العصر مع الأخذ بفقه التيسير.. ). فهل الفتاوى التي تنشرها التجديد تنسجم وهذه التوجهات الملكية ؟ وهل جريدة التجديد تقدم الفتاوى على أنها آراء فقهية وليست أحكاما شرعية ؟ بالتأكيد لا . فالفتوى ،أيا كانت الجهة التي تصدرها ، يشملها التعريف بأنها «ذِكْرُ الحُكْم المسؤول عنه للسَّائل» ، أي بيان الحكم الشرعي في موضوع محدد . والحكمُ الشرعيُّ هو: «حكمُ الله تعالى المتعلِّقُ بأفعال المكلَّفين» ("التعريفات" للجرجاني ص (123). وقال النووي: «اعلم أن الإفتاءَ عظيمُ الخطر، كبيرُ الموقع، كثيرُ الفضل؛ لأن المفتيَ وارثُ الأنبياء صلواتُ الله وسلامه عليهم، وقائمٌ بفرض الكفاية .. ولهذا قالوا: المفتي مُوَقِّعٌ عن الله تعالى» "آداب الفتوى" (ص13). لكن التجديد ، وكلما اشتد عليها النقد انبرت إلى القول بأن الفتوى هي غير الحكم الشرعي، فالحكم الشرعي يتصف بصفة الثبات والارتباط بعلته وجوبا وعدما، أما الفتوى فهي مرتبطة بالزمان والحال والشخص، وهي تتغير بتغير هذه الاعتبارات الثلاثة، وهي تدور مع المصلحة والحكمة الشرعية وجوبا وعدما ) . وهذا الأمر ناقشه كثير من العلماء والفقهاء قديما وحديثا حيث ضيقوا الوجوه التي تدور فيها الفتوى مع المصلحة وحصروها في الجزئيات . والفتاوى موضوع الجدال هنا تتجاوز الجزئيات المتغيرة إلى ما تعتبره ثوابت الدين ، ومنها التحريم المطلق على المسلمين التبضع من الأسواق الممتازة التي يباع فيها الخمر ، أو التحريم على المرأة التطبب على يد أطباء ذكور أو طبيبات غير مسلمات . فالتحريم ، في هذه الحالات ووفق هذه الفتاوى ، سيظل حكما شرعيا ثابتا وإن تغير الزمان والحال . فالمفتي هنا يوقع عن الله حكم التحريم الذي يصير ملزما للمسلمين . ومن ثمة ، فهو لا يعبر عن رأيه الخاص الذي يقبل الرد أو الاتفاق ، بل ينقل حكما شرعيا شرعه الله تعالى لعباده . ولو أن المفتي حقا يعبر عن رأيه في قضية ما ، فأحرى به أن يتجنب أحكام التحريم أو الإباحة لأنها لا تدخل في نطاق الرأي ، أو يشير إلى الاختلاف الموجود بين الفقهاء والأئمة في حكمهم على النازلة المعروضة للاستفتاء ليترك للسائل مساحة الاختيار بين الفتاوى . أما أن يغلق عليه كل منافذ التيسير ويقطع عليه سبل الأخذ بالرخص ، فأمر ولا أشد منه . لهذا فالتشدد هو ثقافة تنمط تفكير الفقيه فلا ينتج إلا فتاوى الغلو والتطرف . للحديث بقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التجديد ولعبة وضع السم في العسل؟(3)
-
متى يدرك المثقفون مثل الأستاذ الساسي غلو التجديد وتطرف أصحاب
...
-
وأخيرا أدرك الساسي غلو التجديد وتطرف أصحابها !!(1)
-
الفساد واللاعقاب يقودان حتما إلى الكارثة أو الفتنة .
-
مبادرة -أنصفونا- تخلو من عناصر الاتزان والإنصاف والمصداقية.
-
مبادرة -أنصفونا- بحاجة إلى الوضوح والإقرار وليس الغموض والإن
...
-
مبادرة -أنصفونا- صرخة إنكار وليست مراجعة واعتذار .
-
جماعة العدل والإحسان بين تكتيك الدولة وارتباك القضاء .
-
المرأة بين حركية الواقع وتحجر الفقه .
-
ماذا لو تحولت فاجعة مكناس إلى بداية حقيقية لعهد الحساب والعق
...
-
خلافة الشيخ ياسين قضية عقدية وليست تنظيمية .
-
هل نضجت شروط محاورة معتقلي السلفية الجهادية ؟
-
فتاوى الريسوني : الخفيات والأبعاد .
-
زواج القاصرات جُرم اجتماعي وقانوني .
-
جماعة العدل والإحسان والنبوءة المكذوبة .
-
هل ستكون الأحزاب السياسية في الموعد مع رهان الجهوية ؟
-
من يجر المغرب إلى فتنة الإفتاء ؟
-
أفْغَنَة شمال إفريقيا جزء من إستراتيجية تنظيم القاعدة.
-
ما علاقة طرد المبشرين ومنع بناء المآذن بحرية الاعتقاد ؟
-
موقف الإسلاميين إزاء النضال من أجل حقوق المرأة .
المزيد.....
-
أجهزة أمن السلطة تحاصر منزلا في محيط جامع التوحيد بمدينة طوب
...
-
رسميًا “دار الإفتاء في المغرب تكشف عن موعد أول غرة رمضان في
...
-
ساكو: الوجود المسيحي في العراق مهدد بسبب -الطائفية والمحاصصة
...
-
هآرتس: إيهود باراك مؤسس الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب
-
الاحتلال يسلم عددا من الاسرى المحررين قرارات بالابعاد عن الم
...
-
هآرتس: الشركة التي اخترقت تطبيق واتساب أسسها إيهود باراك
-
السويد ترحل رجل دين ايراني دون تقديم توضيحات
-
10 أشخاص من الطائفة العلوية ضحايا مجزرة ارهابية وسط سوريا
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر تتسلم الاسير الاسرائيلي كيث سيغا
...
-
الجنة الدولية للصليب الاحمر في خانيونس تتسلم الاسير الثاني
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|