جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3005 - 2010 / 5 / 15 - 20:52
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
أنا لا أشك بمواطنتي لأنني أردني من الدرجة الأولى على شهادة الميلاد وجواز السفر , ولكنني في الأسواق الأردنية ومحلات البيع التجارية أفقدُ هويتي وجواز سفري وشهادة ميلادي وأُصبحُ مواطنا أردنيا من الدرجة العاشرة وغالباً ما أشعر أنه من المستحيل أن أكون أردنيا كوني لا أستطيع حمل أولادي للمواقع الأثرية أو للتنزه في العاصمة عمان أو شراء بعض هدايا الأطفال لهم , وكلنا نحبُ أوطاننا ونفديهن بأرواحنا , حتى العصافير تعتز بأعشاشها (والنملة تعتزُ بثقب الأرض) والفراشة تدافع عن الورقة الملتصقة بها , ولكن حين تشعر أنك لا تستطيع أن تدخل أماكن التسوق فإنك فوراً تشعرُ أنك غريبٌ في وطنك , وهذا الإحساس يراودني دائماً حين أخرج بأولادي من منزلنا فأشعر أنني مواطن من الدرجة العاشرة أو التاسعة, وأتمنى أن أجد وطناً بديلاً عن وطني وكلنا أو غالبيتنا حين نخرجُ بأولادنا من البيت للتنزه أو للتسوق نشترط عليهم أن لا يمدوا أيديهم إلى أي شيء وأن لا يطلبوا شراء أي شيء وكأننا نعيش في دولة أجنبية ليست لنا , أو كأننا محضور علينا أن نعيش في بلادنا عيشة كريمة , ومن يفكر في الموضوع قليلاً يجدُ نفسه في بلاده غريباً أو لاجئاً أو أجنبياً , حتى اللاجئين في الأردن يعيشون عيشة أكثر منّا طمأنينة وراحة أما نحن أبناء البلد فممنوعون من المشي فيها أو مشاهدة العقبة أو البترا , وفي الحقيقة كلما خرجتُ من منزلي وأراد ولدي علي مرافقتي أشعرُ بالخيبة الكبيرة لأنني لا أستطيع أن أمد يدي إلى جيبتي لأشتري له أقل الأشياء التي يشتهيها وقبل أربع سنوات كنتُ إذا شاهدتُ محلاً لبيع الألعاب فوراً أحمله بين يدي قالباً وجهه للوراء وظهره للأمام وذلك لكي لا يرى الألعاب وحين أتعدى ذلك المحل أقولُ له : يلله هسع امشي أنا اتعبت من حملك , ولكنني اليوم لا أستطيعُ أن أحمله كما كان في الماضي لأنه أصبح طويلاً وكبيرا ويبلغُ من العمر 8 سنوات ونصف لذلك أشترط عليه أن لا يمد يده لأي شيء من الألعاب والهدايا,وهذه الظاهرة ليست مشكلتي الخاصة بل هي مشكلة 70% تقريباً من سكان الأردن أو الوطن العربي , وألاحظ في الأسواق أن النساء تمشي وألادهن يمشون من خلفهن وهم يبكون ويصرخون والمسألة هنا ليست بحاجة إلى عالم نفس ليكتشف سبب بكاء الطفل فأنا أستطيع أن أستنتج من خلال مد بصر ونظر الطفل إلى الألعاب والهدايا أن الطفل أو كل أو 70% من أطفال الأردن هم مثل أولادي بحاجة إلى لعبة جميلة أو بسكليت أو مطعم فاخر يأكلون بت الشاورما , وأحياناً آخذهم في أول الشهر إلى مطعم شعبي ليأكلوا الشاورما فأطلب لهم وجبتين عربي ولا أحسبُ حسابي لا أنا ولا زوجتي لأنني غالباً ما أستغل فرصة أبني علي وهو يشرب الببسي فأقوم بسرقة قطعة من أمامه أما زوجتي المصونة فهي تقلدني إذ أنها تسرق قطعة أخرى من أباب ابنتي برديس وابنتها , وألاحظ هذه الظاهرة موجودة في أي مطعم أدخل إليه بحيث جميع الناسء والرجال يسرقون من أمام أبنائهم ما يسد حاجتهم .
على كل حال عندما أخرج بهم خارج المنزل أشترط عايهم شروط كثيرة وصعبة ومهينة ومذلة وبصراحة أنا نفسي لو يشترطها أبي عليّ لشكوته إلى منظمة حقوق الإنسان وحماية الأسرة وبصراحة نحنُ نستحقُ من أطفالنا أن يرفعوا علينا شكوى إلى أعتا منظمات حقوق الإنسان لأنهم لا يلعبون ولا يدخلون منتزهات ولا يدخلون مطاعم محترمة ولا يلبسون ألبسة فاخرة , إننا نستحقُ أن نوضع في السجون وأن نعاقب على فقرنا جميعنا , وصدقونني أنني كلما أخرج بهم أقول لهم : مش أي شيء بالبلد من الممكن أن أقدر على شراءه يجب أن تكون طلباتكم معقولة ..حين نمر من جانب المحلات التجارية ممنوع اللمس أو الاقتراب أو التصوير, هذا ما اشترطته على أولادي : علي وبرديس ولميس , حين وافقت على أخذهم رحلة إلى العاصمة عمان والتي تبعد عن منزلنا مسافة 100كيلو متر , وأول ما وصلنا إلى العاصمة مررنا بشركة أورنج للاتصالات الأردنية فقالوا لي : شو هذا أورنج؟, فقلت لهم : طبعا ولكن ملكيتها لا تعود للشعب الأردني لأننا بعناها من عدة سنين ولو جئتُ بكم من القرية قبل عدة سنين لسمحتُ لكم بدخولها ولكن كونها تعود لشركة أجنبية فهذا معناه أن دخولها حلم كبير وكأننا ندخلُ دولة أخرى أجنبية بجواز سفر ومثلها في ذلك مثل شركة الكهرباء ومدينة الحسن الصناعية وحين كانت ملكيتها لنا كان غير مسموح أن يمتلك فيها المواطن العادي هاتفاً أرضياً إلا نخبة قليلة من الناس, فقالوا لي وهم متضايقون : بدنا انشوف ابلادنا فنظرتُ إليهم وقلت لهم : الآن بطعميكوا سندوش حمص وفلافل , فقالوا : شو ما إحنا زهقانين الحمص والفلافل , فجاوبتهم : هذا كل ما نملكه في وطننا الحمص والفلافل ومليح جدا أننا ما زلنا مسيطرين على مطاعم الحمص والفلافل واحتمال كبير أن تشتريها شركة ألمانية أو سويدية وأعتقد أنهم لم يملكوها حتى الآن لأنهم لا يحبون أكلاتنا الشعبية ومن الآن وصاعداً صلوا لربكم صلاة الشكر على هذا , وهذه ابلادنا وهذه البنايات التي فيها كلها لنا , فسألوني عن الفلل والقصور في عمان الغربية حين مررنا بها فنظرتُ إليهم وقلت لهم هذي هي الأردن الغربية , أما أنتم فإنكم تسكنون الأردن الشرقية واحتمال كبير انصير مثل ألمانيا الأردن الشرقية والأردن الغربية .
وحين مررتُ بهم من أمام محلات الألعاب والهدايا والتحف أرادوا أن يبتاعوا لهم منها ولكنني ذكرتهم بأنني رجل فقير ولستُ غنيا لدرجة أن يتجرأوا على شراء الألعاب والهدايا فقالوا لي : ليش أنت مش غني ؟ فقلت :حظكم التعيس قادكم لتكونوا أبناء أردني مثقف وفقير , ولكنهم أفحموني حين قالوا لي : كيف أنت مش غني دائماً ابتحكي ل ماما بس تتهاوش معاها انك غني ..انت بتكذب علينا يا بابا ..والله انك كذاب ..والله إنك غني .., فأنكرتُ ذلك على نفسي ولكنهم كذبوني لأنهم سمعوا مجادلتي مع زوجتي عدة مرات في هذا الموضوع فقلت لهم مقاطعا حديثهم : أنا فعلاً أقولُ لأمكم أنني غني النفس وأملكُ رصيدا كبيرا من الأخلاق بحيث أنني لا أسرق ولا أقطع الطريق ولا أفسدُ في الأرض ولا أسرفُ على نفسي إسراف المتكلفين , فطلبوا مني كشف حساب غنى النفس وأين أملكه ليسحبوا منه بعض الشيء فقلت لهم رصيدي في كل يوم قابل للزيادة وغير قابلٍ للنقصان لأنني من يوم امتلكته لا أصرف منه لأي أحد ولا أحد يقبل أن يأخذ منه وإذا في حدى بقبل في كل الأردن آخذلكوا منّه هدايا وألعاب مقابل أن أعطيه من رصيدي الأخلاقي فأنا لا أمانع في ذلك فكل الناس لا يقبلون الشكات التي أكتبها لهم ولا يوجد تاجر في البلد يقبل بأن يأخذ من رصيدي مقدار ذرة تراب .
وكنتُ كلما مررتُ بهم بجانب أي مطعم فاخر أو محل بيع ألبسة أو بيع تحف وهدايا أذكرهم بقولي لهم : ممنوع الاقتراب أو اللمس أو التصوير , وكنتُ غالباً ما أرفع صوتي عليهم مهددهم بتلك الكلمات عن اللمس أو الاقتراب أو التصوير.
ما أقوله ليس رمزاً ولا مبالغة , فأنت أو أنا حين لا تستطيع في وطنك أن تدخل محلاً تجارياً للتسوق فإنك فوراً سوف تشعر أنك لست مواطناً عاديا , وحين لا أستطع شراء سيارة لأحمل فيها أمي إلى المدينة الطبية في عمان فإنني أشعر فعلاً أنني لستُ مواطناً أردنيا , وحين لا أستطع شراء لعبة لإبنتي أو ابني فإنني أشعرُ فوراً أنني لستُ مواطناً عاديا أتمتع بكامل حقوق المواطنة , ومن هنا أشعر أنني مواطن أردني ينقصني أشياء كثيرة كي أعتبر نفسي مواطناً أردنيا أصيلاً .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟