|
الفقهاء يرفضون تسييس الإسلام وشرذمته إلى أحزاب إسلاموية - القسم الرابع
خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 915 - 2004 / 8 / 4 - 12:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عُرض على الفقيه المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي الملقب بإمام العصر رئاسة حزب الأمة الإسلامي في مصر ، فرفض بعد ان ترك العمل الحزبي في صفوف (الإخوان المسلمين ) ، وقال : بأن كل الأمة ليس مع هذا الحزب ولا حتى بعض الأمة . ما دام الأمر كذلك فمن الأفضل لي أن أكون لكل الأمة بدلا من أن ألون نفسي بلون حزب سياسي ديني . لأن الحزب يفقدني خصومة وأنا لا أرى سبب لهذا الإختيار لأن مَن يستميل للدين يجب أن يكون للجميع ، ولا يجب أن يجند لنفسه خصوما دون سبب من الدين . وعليه فعالم الدين يجب أن لا يكون ملونا بصبغة سياسية حزبية " . (ينظر: المقابلة التي أجراها محمود فوزي مع الشعراوي ، من القرية إلى القمة ، ط 6 ، القاهرة ، ص 49-50 ). وعندما سُئل الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أستاذ الشريعة الاسلامية في جامعة دمشق ، إنكم ترفضون الإنتظام الحزبي . أجاب : " أنا ارفض انتمائي الى جماعة لأن كل المسلمين جماعتي ولأنني فرد من كل جماعة منهم " . (ينظر: الحوار مع الشيخ البوطي ، مجلة الأمان ، العدد 103 في 6 أيار 1994) . يقول الدكتور عمر فروخ عضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي وعضو المجمع العلمي في العراق وسورية : "يغشى عالمنا الإسلامي اليوم ضعف روحي وضيق في الأفق والأخذ بأشكال العبادات والعادات مع غفلة عن كل ما يستره المستقبل عنا ... وأما الأحزاب فكلها خارجة عن الإسلام" . (عمر فروخ ، تجديد في المسلمين لا في الإسلام ، ؤار الكتاب العربي ، بيروت ، 1986 ، ص 21 ). أما عن وجهة نظر علماء الشيعة ، فأكتفي هنا بالإشارة الى رأي أحد أبرزهم ، وهو الإمام محمد مهدي شمس الدين الزعيم الروحي للشيعة ورئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان . يقول بصدد دخول الحركات الإسلامية في السياسة ما يلي: إنه " يشدد على عدم جواز دخول الحركات الإسلامية الأصولية في لعبة السياسة والسلطة ، وبالتالي عدم لجؤوئها إلى العنف كتعبير عن معارضتها لأي سبب من الأسباب ، مشددا على أن إستراتيجية الصهيونية ، وأدوات النظام العالمي الجديد هي زرع التفرقة والإقتتال في العالم الإسلامي" . ( مجلة الوطن العربي ، العدد 1029 ، 22 نوفمبر 1996 ، ص 4 ). ويقول أيضا: " لا ينبغي لها (للحركات الإسلامية) أن تجعل الوصول الى السلطة السياسية أو المشاركة بالسلطة السياسية من أهدافها . وأثبتت التجارب في هذه المرحلة صحة رؤيتنا فيما نعتقد ، لعل هناك مَن يخالفنا الراي لكنني أستعرض التجربة الجزائرية وآثارها ، أستعرش التجربة الأردنية وآثارها ، أستعرض تجارب أخرى لم تصل بعد ولكنها تحملت تكاليف كبيرة ". ( الوطن العربي ، المصدر نفسه ، ص 5 ). ويوضح باختصال هذه الحقيقة قائلا: " العنف ممنوع كوسيلة للتعبير عن المعارضة السياسية. نصحتُ قيادة (حزب الله) ، بعدم دخول الإنتخابات . أحذر من إستخدام الحركات الإسلامية بشكل خفي من قبل قوى شريرة . ما يجري في الجزائر لايخدم الإسلام في شئ ، بل تحول الى عصبية قاتلة ". (الوطن العربي ، المصدر نفسه ، ص 5-7 ). وكلنا نرى صحة ماقاله ، فما يجري اليوم في العراق بعد سقوط الطاغوت صدام وحزب البعث ، من عمليات ارهابية مقيتة باسم الإسلام خراب للإسلام ، وتشويه للعقيدة الإسلامية . نرجع الى فقهاء السنة مرة اخرى ، وتحديدا أحد كبار الأئمة الشيخ محمد متولي الشعراوي المتوفي عام 1998، الإمام والشاعر والمفكر المجدد الذي إحتجت عليه اسرائيل ، وقالت عنه امريكا "أسكتوا الشعراوي" ، عمل مع الإخوان المسلمين ، ثم ترك العمل الحزبي بعد أن إطلع على خفايا العمل السياسي المتحزب ، فأنكلره وقال : " حين أجد شخصا يقول : أنا عايز أحكم علشان أطبق الإسلام ، أقول له أنت كذاب !!! قل أنا أريد أن أُحكَم بالإسلام أصدقك !!! لكن انك تحكم أنتَ بالإسلام ، لا ، لا تنفعني !!! ولهذا فأنا أقول وأنادي بأنه أريد أن أُحكَم بالإسلام ، لماذا ؟ لأن الذي يريد أن يتهافت على حكم دولة ، نعرف أنه يريد خيرها لنفسه". ( ينظر: الشيخ الشعراوي من القرية الى القمة ، ص 78). وقال أيضا في معرض جوابه على سؤال : هل توافق على عمل علماء الدين بالسياسة الآن ؟ قال: "لا أوافق على هذا الآن . لأن السياسة غير الدين الآن ، ولكن عندما يكون الدين هو السياسة وتكون السياسة هي الدين تبقى قضية أخرى" . وسُئِل َ هل يمكن أن تقوم أحزاب على أساس ديني ؟ أجاب : " أنا لا أقبل كلمة أحزاب سياسية على أساس ديني . فالسياسة صراع فكري بشري ضد فكر بشري آخر . أما الدين فهو خضوع فكر بشري لفكر سماوي ، والفرق بطبيعة الحال كبير ولا يحتاج الى شرح أو ايضاح ". ( المصدر نفسه ، ص 44 ) .
الأحزاب الإسلاموية تفرق الجماعة الإسلامية الى فرق متناحرة لاشك أن الاحزاب السياسية الاسلامية والاسلاموية تعمل طبقا للمناهج التي يضعها الاعضاء ، ولاسيما القيادة العليا لكل حزب ، ويكون للمرشد العام الدور الريادي في التوجية الى درجة أنه يستطيع ان يكفر المسلمين الآخرين لأتفه الأسباب احيانا . ومن المعلوم أن هذه المناهج تختلف بعضها عن البعض الآخر في الأهداف وأساليب العمل . فهناك أحزاب اسلامية تنبذ العنف السياسي ، وهناك أحزاب اسلاموية تنشد العنف السياسي وتمارس الإرهاب ، والفرق بين هذه وتلك كبير . ففي الدول الأوربية ، على سبيل المثال السويد ، يستطيع المواطن ، أيا كان أن يعبر عن آرائه بحرية في الدين والفكر والسياسة والإجتماع ووو على أن لا يعتدي على الآخرين فيسيولوجيا وسيكولوجيا . ولكن إذا تجاوز الفكر والقول الى ممارسة العنف فإن القانون يتدخل مباشرة ، ويصبح المواطن مسؤولا عن تصرفاته فيما إذا إعتدى على الآخرين أو لا. وكل عمل ينشد العنف بأي شكل من الأشكال يحاسب عليه القانون ، ذلك أن الحرية كما يُعَرفها بعض السويديين هي أن تقول أو لاتقول ، وأن تعمل أو لاتعمل ماتريد على أن لا تعتدي على الآخرين . فالحرية هي إذن ممارسة ديمقراطية في غياب العنف . وإذا ما قارنا هذا التفسير العقلاني المدني مع الإسلام الحنيف نجد بأن الإسلام هو الآخر يدعو إلى السلام والمحبة والعدالة والمساواة . وأن قتل المسلم للمسلم من الكبائر ، وأن مَن قتل نفسا بغير نفس كأنما قتل الناس جميعا . قال الله تبارك وتعالى : ((مَن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)) . (سورة المائدة/32 ) . ولكن ما نجده في ممارسات الأحزاب الاسلاموية من قتل وارهاب عمل منافي للوحدة الاسلامية وللعقيدة الاسلامية . (( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) . (سورة آل عمران/104) . فالإسلام دين وسطي يرفض التطرف والغلو . كقولـه تعالى ((وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )) . (سورة البقرة/143) . وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام " لاتقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولاتباغضوا ، ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله اخوانا ، كما أمركم الله ". (حديث صحيح ، انظر شيخ الإسلام ابن تيمية ، اقضاء الصراط المستقيم مخالفة اصحاب الجحيم ، دار الكتب العلمية ، 1987 ، ص 150 ). فالأحزاب الاسلاموية تُشرذم الاسلام الى فئات متناحرة فيما بينها ، وتحول المجتمع الى مجتمع العسكرة والارهاب. لذلك وجد بعض الفقهاء أهمية الوحدة الاسلامية ، ورفضوا الأحزاب الاسلاموية ، بل رفضوا بعض الاحزاب الاسلامية لأن مخاطرها وسلبياتها على الاسلام أكثر من ايجابياتها . جاء في الحديث النبوي الشريف : " وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة ، كلهم في النار إلا ملة واحدة . قالوا : مَن هي يا رسول الله ؟ قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي " . (رواه ابو عيسى الترمزي ، ينظر ابن تيمية ، المصدر السابق ، ص 31 ) . فما هي هذه الجماعة . أي حزب من هذه الأحزاب العديدة والمتناحرة فيما بينها يمكن أن يكون ذلك الذي كان عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه ؟ ما أكثر الأحزاب الإسلاموية في الشرق الأوسط وحدها ؟ توجد في العراق ودول الجوار وحدها اليوم ما يقارب مائة حزب بأسم الإسلام ، وأغلبها تمارس العنف السياسي ، وكثير منها تمارس الإرهاب وتقتل من المسلمين بحجة تعاونهم مع الأجنبي . وعليه يجب أن نقول الحقيقة ولا نخش في الله لومة لائم ، لأن أفضل جهاد في سبيل الله هو كلمة حق عند سلطان جائر ، كما قال الحديث النبوي الشريف . فما أكثر جورا أن يقطع الإنسان رأس مسلم جاء الى العراق ، وهو يعمل بعيدا عن السياسة وربما كرها لقوات الإحتلال أيضا ، جاء لكي يعيل أطفاله ، فيقطع رأسه ، لأنه يبحث عن رزقه . فاسمعوا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو كما قال : " بأن مَن كان في طريقه الى العمل فهو في جهاد في سبيل الله الى أن يرجع . إذن كيف يمكن قطع الرقاب بأسم الإسلام ، والإسلام برئ من ذلك؟ كيف يجيز البعض لنفسه ، باسم الإسلام أن يقطع رقاب مسلم ، وربما مؤمن برئ بأسم الله والإسلام ؟ وقد قال الحق تبارك وتعالى ((ومَن يقتل مؤمنا مُتَعمِدا فجزاؤه جَهَنّمَ خالدا فيها وغَضِبَ الله عليه ولعَنَه وأعَدَّ له عذابا عظيما)) . (سورة النساء /93 ). وطبيعي قتل النفس البرئ يشمل الإنتحار أيضا في قتل الأبرياء ، لأن الإنتحار هو قتل نفس برئ للأنسان بدون وجه حق . ولنقرأ مقولة شيخ الإسلام ابن تيمية : كافر عادل خير من مسلم جائر . ثم كما قال الحديث النبوي: الكفر يدوم ولكن الظلم لا يدوم . في الحقيقة والواقع أن الأحزاب الاسلاموية تفرق الجماعة ، واعني هنا الجماعة الإسلامية ككل ، او الوحدة الاسلامية ، او الدين الإسلامي . هذه الأحزاب الاسلاموية فرقت الإسلام الى شيع وتحزب في تصارع وتناقض وصراع . لقد صدق رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام في ضرورة الإلتزام بالجماعة وعدم شرذمتها . قال : " إن الله أمر يحيى ابن زكريا بخمس أن يعمل بهن ، ويأمر بني اسرائيل أن يعملوا بهن فذكرها ... ثم قال : وأنا آمركم بخمس أمرني بهن : السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة . فإن مَن فارق الجماعة – جماعة المسلمين – قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلاّ أن يراجع . ومَن دعا بدعوى الجاهلية – العصبية – فهو مَن جثا جهنم . قيل يارسول الله وإن صلى وصام ؟ قال: وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ... فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله ". (نقلا عن ، محمد مصطفى رمضان ، الشعوبية الجديدة ، ص 79). _______________________________ القسم الخامس والأخير: اشكالية مفاهيم تسييس الإسلام وحزب الله وفصل الدين عن السياسة
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من سيد قطب وتسييس الإسلام الى الأحزاب الإسلاموية وشرذمة الإس
...
-
سيد قطب وتسييس الإسلام ودحض أفكاره في التكفير والعنف - القسم
...
-
حسن البنا والدعوة الإسلامية ضد السياسة الحزبية وتسييس الإسلا
...
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 2-2
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 1-2
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الرابع
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الثالث
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمر عبر كردستان- القسم الثاني
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الأول
-
قراءة ديوان - أشعار منفية - للشاعر العراقي فوزي إبراهيم
-
إشكالية الهروب من الحرية في عراق مابعد فضيحة أبو غريب 2-2
-
إشكالية الهروب من الحرية في عراق ما بعد التحرير 1-2
-
مقدمة كتابات في القضية الكردية والفدرالية لزهير كاظم عبود
-
فلسطين وكردستان والعراق صراع من أجل السلطان 2/2
-
فلسطين وكردستان والعراق صراع من أجل السلطان 1/2
-
الحجر يصنع السلام
-
محطات في ذاكرة الإنسان
-
تحرير العراق بين الإحتلال والسيادة
-
الكرد وقانون إدارة الدولة العراقية بين النظرية والتطبيق نظرة
...
-
تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 2-2
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|