جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3003 - 2010 / 5 / 13 - 00:58
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هنالك أنبياء مزورون وهنالك حقيقيون على حسب روايات الكتب الدينية , وقصصهم على مدى التاريخ معروفة بغض النظر عن ذكر أسمائهم وقصصهم , وهذا ليس إدعاء , بل هو حقيقة صائبة, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا يدعي بعض الناس أنهم أنبياء ورسل ؟
للإجابة على هذا السؤال تعالوا معي لتشاهدوا هذه الملاحظة:
قبل عشر سنوات سمعت من الناس بأن المهدي المنتظر قد أرسله الله في قريتنا أو إن صح التعبير في القرية المجاورة لقريتنا , فذهبتُ لتقصي الأخبار منها وكنتُ بصراحة مهتمٌ جدا بهذا الموضوع وكان يشغل ذهني كثيرا,وسمعتُ بأن نفراً قد آمنوا به وزوجوه من إحدى بناتهم لينالهم الشرف العظيم على عادة القبائل الذين كانوا يُزوجون أو يقدمون بناتهم للأنبياء والرسل المزورين منهم والحقيقيون , وكانوا يصدقون بأنه المهدي المنتظر بسبب سلوكياته وتصرفاته التي تشبه تصرفات وسلوكيات المهدي المنتظر , حتى أكتشف أمره وافتضح فطردوه من قريتهم .
وفي الحقيقة لم يكن الرجل كاذبا أو دجالاً أو نصاباً , وكانت تصرفاته فعلاً متشابهة مع الأوصاف التي جاءت في بعض الكتب والتي تتحدث عن المهدي وصفاته وعلامات ظهوره , ولم يكن ذلك الرجل إلا إنسانا ً أكل من الكُتب طعماً فأصبح مريضاً بالوهم , وكذاباً في نظر من لا يعرف حقيقة بعض المدعين للنبوة , لقد كان ذلك الرجل فقط مجرد إنسان موهوم في نفسه لأنه على حسب ما سمعتُ كان يقرأ عن صفات المهدي المنتظر وعاش حياته وهو ينتظر مبعثه وقدومه ولكثرة تأمله في صفات المهدي انتقلت تلك الصفات إلى ذلك الرجل وتقلدها , وصقلت موهبته كثرة التفكير والنظر في صفاته الشخصية التي أصبح مقتنعاً أنها حقيقية وليست نسخة تقليدية وفجأة خرجت من ذهنه قناعات ليست سطحية بل متجذرة من عشرات السنين بأن صفاته هذه هي صفات المهدي وأنه هو المهدي المنتظر , فادعى تلك الإدعاءات وأول من صدقها واقتنع بها هو نفسه بحيث أنه كان مقتنعٌ جداً بأنه نبي هذا الزمان الذي أرسله الرب للناس كافة .
وقرأت ذات يوم للأستاذ (هوثرن) قصة أو حكاية (الوجه الحجري) كان قد نقلها إلى العربية الأستاذ (نقولا يوسف ) سنة 1930-1931في مجلة (المجلة الجديدة) التي كان يصدرها في ذلك الوقت المفكر الكبير سلامه موسى , والقصة مفادها أن صبياً سمع من الناس أن الوادي الذي يطل عليه منزله سيأتي منه ذات يوم رجلٌ حكيم ويحكم الوادي , ولقد عاش الطفل سنوات طفولته وهو يحلم بذلك اليوم الذي سيأتي به الحكيم ,وعاش الطفلُ حياته متأملاً بذلك اليوم حتى جعلت التأملات الكثيرة من الطفل الصغير حكيماً يعيش طوال حياته في الوادي , وسنة على سنة,تقدم العمر بالطفل حتى أصبح رجلاً وهو ما زال يسكن الوادي ويتأمل في الحكيم الذي سيأتي يوما ما ويحكم الوادي ,واقتنع الصبي بعد أن أصبح رجلاً بأنه هو الحكيم المنتظر الذي تنتظره الناس واقتنع تماما أنه الحكيم الذي سيحكم الوادي وعلى هذا الأساس ربى نفسه بكثرة الإيحاءات حتى أعلن نفسه حكيما.
وهذه القصة لا تختلف عن قصص الرجال الذين يدعون النبوة أو محيي الدين , فكثير هم الأطفال الذين اختلطت على أذهانهم الأساطير من أن الله –مثلا-على رأس كل 100 عام يرسل رجلاً يحيي للناس دينهم من جديد, وبذلك يقتنع أحد الأشخاص من أنه هو السلفي العالم بحر العلوم الذي أرسله الله أو الرب ليحيي للناس دينها من جديد , وكذلك الذين يدعون النبوة حيث يكونون في بداية حياتهم يستمعون من الرهبان إلى حكايات المنقذ والمخلص الذي سيخلص الناس من شرور الحكام والمستبدين ويعيشون حياتهم هؤلاء من الصغر وهو ينتظرون ظهور النبي أو المخلص أو الرسول وفجأة يعتزلون الناس ويتصرفون كما يتصرف الحكماء والأنبياء القدامى وبعد فترة ليست بالبعيدة يشعرون فعلاً أنهم هم الأنبياء الذين بعثهم الله ويقتنعون تمام الاقتناع أن الرب أرسلهم ليخلصوا الناس أو ليحكموهم كما يتوهمون ويتصورون .
والمسألة هنا متعلقة بشدة الإيحاء والتقليد بحيث يبدأ النبي حياته طفلاً صغيرا يستمع من الرهبان عن صفات الرب وصفات النبي المنتظر ويشب أحد الأطفال وهم يقلد حياة الأنبياء والرسل مثل الصدق والأمانة والإخلاص وكثرة العزوف عن حياة الناس والتأمل في السماء , وتمر به السنين فتتشكل شخصيته على شاكلة ما يتأمله وتصبح صفاته صفات الصالحين والأنبياء وفجأة يصدق نفسه بأنه هو النبي الذين بعثه الرب ليحكم الأرض ومن عليها , فينشر دعوته بين الناس ويسألهم المعونة والتصديق ويكثر من حوله الموهومون مثله , وبهذا يكون هو الطُعم الذي يأكله قبل الناس , ويتحول هو إلى طُعم آخر يأكله مريديه وأعوانه فيسفكون دماء من يكذبونهم أو من يحاولون إرجاعهم إلى صوابهم, ويقدسون الموتى الذين يموتون معهم وهم يدافعون عن دين الدجاجلة أو المرضى النفسيين بالوهم.
وهذه العملية الوهمية تحدثُ غالباً في دكاكين التجارة والعملية متعلقة بالتخيل وبالوهم بحيث أنك أنت إذا دخلت مثلاً محلاً جدرانه مطلية بأحلى وأغلى أنواع الطلي والديكورات فوراً تتيقن بأن بضاعته أغلى ثمناً من المحل أو الدكان غير المطلية أو المهترئة جدرانه مع علمك بأن المحليين يملكان نفس البضاعة , فمثلاً شرب فنجان القهوة في كوفي شوب موقعه في حي سكني راقي يكون ثمنه أكثر من ثمن نفس الفنجان في كوفي شوب يقع في حي شعبي,وهذا يدركه الزبون ليس من قائمة الأسعار وإنما من خلال إيحاءات الأمكنة والديكورات وبذلك نلاحظ عن طريق الإيحاء من أن الفقراء يدخلون فوراً المحلات التجارية غير النظيفة إطلاقا والمتسخة متيقنين تماماً أن ما بها من بضاعة رخيصة الثمن دون أن يروا قائمة الأسعار ويكونون غالباً على صواب من اعتقاداتهم.
والمسألة مرة أخرى متعلقة بالوهم , بحيث ينشأ الأديب أو المفكر من بداية حياته وهو يقرأ في سير العظماء وكبار الكتاب فيقلد حياتهم ومع مرور الزمن يقلدهم في طريقة نومهم وشربهم وكتاباتهم وفجأة يصبح المُقلد أديباً كبيراً إذا حالفه حظه بالنجاح.
وبعض الناس يكونون وهم أطفال معتقدين أنهم تجار كبار ويكبرون وهم مصرون على ذلك الاعتقاد وينجحون بسبب عوامل التركيز على أوهامهم ومعتقداتهم.
وبما أن كتب التراث تخلوا من قصص النساء المرسلات والنبيات إلا قصة نادرة, فلذلك لم تتعلق النساء بهذه الأوهام بل الرجال هم الذين أصيبوا بالوهم وبالتقليد, وكذلك عمليات إحياء علوم الدين فهذه الأمور من اختصاص الرجال كون الدعاية المضللة في الكتب تقول وتصف الصفات المذكرة وليست المؤنثة لهم , لذلك لم يدخل الوهم قلوب وعقول النساء واختصر الأمر تاريخيا على الرجال وحدهم.
وحدث مرة لرجل إدعى النبوة فقال له قومه نريد منك معجزة فقال لهم لكم ما شئتم فقالوا له نريد أن تخلق لنا بطيخاً,فقال لهم : أمهلوني ثلاثة أيام , فنظروا إليه بحيرة مستعجبين منه , فقال لهم لا تستعجبوا إذا كان الرب نفسه بخلق البطيخه في ثلاثة أشهر فليس من الغريب عليّ خلقه في ثلاثة أيام!
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟