صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 914 - 2004 / 8 / 3 - 12:09
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
عندما كنت اسمع بقرار لمجلس الحكم, ايام كان مجلس الحكم, كنت اسارع الى الانترنيت لاعلم اي الاحزاب صوت الى جانب القرار واي صوت ضده, خاصة عندما كان القرار لايعجبني. لاحاجة لاقول لكم انني كنت افشل في الحصول على جواب على ذلك بنسبة تقارب ال 100%. فألجأ الى التلفون لاتصل بمعارفي المنتمين لاحزاب في المجلس, فاحظى غالبا بجواب مبهم, رغم ان سؤالي واضح وبسيط: هل صوتتم الى جانب القرار ام ضده؟
اجدني مضطرا للتساؤل: ان كنت انا المتابع الذي اقضي ساعات يوميا في القراءة والبحث, ولي حظ جيد من العلاقات مع السياسيين, اجد كل هذه الصعوبة في معرفة موقف حزب ما من قضية ما, ومن صوت على ماذا في مجلس الحكم, فكيف لعامة الناس ان يعرفوا؟ تقفز الى ذهني المقارنة مع الاحزاب الاوربية, التي تضع كل مواقفها على مواقعها في الانترنيت, بل ويسرها ان ترسل لك بالايميل مجانا كل مواقفها من كل قضية وكل تصويت, اضافة الى مواقع البرلمان والحكومة والتي يمكنك ان تتابع بفضلها كل حدث برلماني او حكومي.
وقبل ان ترفع بوجهي يا قارئي العزيز حجة التخلف وفرق الامكانيات اقول ان لمعظم الاحزاب العراقية ان لم يكن جميعها, مواقعها على الانترنيت, ولديها صحافتها لكنها لاتعطي اهمية لايصال مواقفها حتى الى منتسبيها, دع عنك بقية الناس. الم تكن فترة مجلس الحكم فترة صحية نسبيا ليوضح كل حزب مواقفه من مختلف القضايا للعراقيين؟ الا يضع كل حزب في راسه ان عليه ان يبني تاييد الناس له استعدادا للانتخابات المقبلة؟ فلم اذن هذا الاهمال لتلك الفرصة الذهبية المجانية؟ الم يقاتلوا ويقدموا الضحايا من اجل مثل هذه الفرصة في الماضي؟
شاهدت مرة مقابلة في احدى الفضائيات العربية مع احد اعضاء مجلس الحكم. الاول كان يحرج الثاني بسؤاله عن قرارات غير مقبولة او غير مدروسة اتخذها المجلس, والثاني يحاول الدفاع عن المجلس بان الامر لم يكن بلا دراسة..الخ. لم ينتبه اي من الطرفين الى انهما يتحدثان عن كيان لاشكل له ولاشخصية. فالمجلس يتكون من اناس يمثلون احزابا مختلفة, ولايجمعهم اي جامع فيما بينهم. وبذا فليس اي عضو مسؤول عن اي قرار يتخذه المجلس, لكنه مسؤول وفقط عن موقفه هو وحزبه واتجاه تصويته بالنسبة لذلك القرار. فليس لاي عضو اي سلطة على قرارات المجلس وبذا فهو غير مسؤول عنها, ولا معنى من انتقاده او احراجه. فلم اشاهد يوما صحفيا يسائل برلمانيا اوربيا عن قرارات البرلمان, بل توجه الاسئلة الى موقف حزب ذلك العضو فقط.
المفروض ان يتوقع السياسيون العراقيون ان الناس تتابع ما يحدث لتبني قناعاتها التي ستقوم بالتصويت على اساسها في المستقبل القريب ( انشاء الله), فما الذي قدمته احزاب المجلس لمن تأمل منه ان يصوت لها؟ قدمت له قرارات هلامية صادرة عن كتلة عامة, لايستطيع التمييز بين اجزائها, فكيف سيتعرف على الجزء الذي يمثل مصالحه ومبادئه ليصوت له؟ في البلدان الديمقراطية يحرص كل حزب ان يميز نفسه عن الباقين في اية مناسبة معقولة ليقول لناخبه القادم: ها انذا! انا اقف مع هذا المبدأ بقوة فانتخبني!
والحقيقة ان شيئا من الهلامية موجود في الغرب ايضا, ولكن بشكل اقل كثيرا, ويصيب الاحزاب المؤلفة للحكومة فقط. فاحزاب الحكومة الائتلافية تضطر بدرجة ما الى اخفاء خلافاتها لتبدوا صلبة تجاه المعارضة. ولكن هذا الامر مختلف بشكل كبير عن حالة مجلس الحكم العراقي السابق. فاولا تتكون الحكومة من حزبين او ثلاثة قريبين من بعضها, فلا يوجد بينها من الاختلاف في المبادئ ما يحرجها كثيرا في قراراتها امام جماهيرها, وثانيا لايكون الامر باخفاء اتجاه تصويت الاحزاب في البرلمان, بل في اتفاقات في "الغرف الخلفية" سيئة الصيت كما يسميها الادب السياسي. وثالثا يحدث ذلك بشكل نادر وليس بشكل منتظم كما حدث مع احزاب مجلس الحكم. ومع ذلك ورغم كل هذه العوامل المخففة, فان من المعروف ان الاحزاب الحاكمة لها فرصة اقل في الحكم مرة ثانية بسبب الانخفاض الاجباري لحماس جماهيرها لها, بسبب القرارات الهلامية التي تحتمها ضرورة المساومة مع بقية احزاب الحكومة. وفي بعض الاحيان صعدت احزابا انتهازية الى الحكم, واهم ما في جعبتها انتقاد سياسة مساومات "الغرف الخلفية" للحكومة السابقة مثلما حدث لحزب فورتان في هولندا قبل بضع سنين. وفي كل الاحوال فان الاحزاب الحاكمة تحسد احزاب المعارضة ايام الانتخابات, لانها كانت قد تمتعت بفترة مكنها فيها تحررها من المساومة من جذب المزيد من الناخبين اليها من خلال مواقفها الواضحة والجرئية والمميزة, على العكس من احزاب الحكومة.
من من العراقيين يعرف موقف اي حزب من معظم المواقف والقرارات التي اتخذها المجلس؟ الحقيقة ان ما وصلنا هو فقط مواقف الاحزاب من قرارات بلغت حد الفضيحة مثل القرار 131 والقرارات السياسية الاقتصادية الغريبة التي اتخذت في بداية تشكيل المجلس. ومع ذلك فلم تعرف تصويتات معظم الاحزاب حتى في هاتين الحالتين!
سألت عن الامر في اكثر من مناسبة منتمين الى احد احزاب المجلس فكانت الاجوبة تنصب في ان الحزب كان حريصا على "روح الصداقة" و "التعاون" بدلا من "المنافسة" و"العداء". وفي رأيي ان ذلك يكشف نقصا في الوعي السياسي الديمقراطي. فالمنافسة امر ايجابي وليست معاكسة لروح الصداقة والتعاون مادامت ضمن قواعد شريفة. ثم ان من المفروض بكل حزب ان يكون اخلاصه الاول, بل ولاءه الوحيد, لناخبيه الذين يعبر عن مصالحهم ومبادئهم, ويجب ان يضع هذا الولاء فوق كل "صداقة" او "تعاون". ويفترض ان هذه القاعدة هي اساس التعامل الصادق في الديمقراطية وهي معروفة ولا تسبب زعل احد.
لعلك تقول: مادام كل الاحزاب تصرف بهذا الشكل فالضرر متساو, ولذا فلا ضرر. خطأ! فالضرر قد اصاب الجهات السياسية فقط, اي الاحزاب المكونة على اساس سياسي, اما المرشحين عن ولاءات قومية او عشائرية او طائفية فلهم عادة ناخبيهم الذين لايسألون, وهؤلاء من سيربح من خسرتهم احزاب الرأي. فلكل انسان ابعادا متعددة, فله بعده القومي, وبعد ديني, وبعد طائفي وربما بعد عشائري, اضافة الى بعده الفكري. فالذي يحترم تفكيره اكثر من عوامله الوراثية, سيصوت للحزب الذي يؤمن به وبمبادئه. لكن عندما لايكون هناك حزب واضح المعالم, فسيلجأ هذا الشخص الى احد عوامله الاخرى لتحديد اتجاه صوته.
بل ان الامر اخطر من ذلك. فبعد كل هذا الزمن والاضطراب, لم يبق في رأس المواطن موقف واضح سوى مواقف المتطرفين والارهابيين, الذين كانوا وحدهم يبدون واضحين وعارفين لما يريدون وجريئين في التعبير عنه. هكذا قدمت الاحزاب العراقية نصرا لمنافسيها في رأي المواطن من المتطرفين, والاتجاهات العشائرية والطائفية وامثالها, وهزيمة اعلامية مجانية لنفسها, نرجوا ان تمر بسلام ولا تتحول الى هزيمة انتخابية.
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟