|
الكفيل من سوءات العرب
محمد البدري
الحوار المتمدن-العدد: 3002 - 2010 / 5 / 12 - 15:33
المحور:
ملف بمناسبة 1 أيار 2010 - المعوقات والتحديات التي تواجهها الحركة العمالية والنقابية في العالم العربي
منذ فورة النفط وعوائده العالية تعرضت منطقة الخليج الفارسي علي جانبها الغربي المسكون باقوام عربية وتحكمها نظم قبلية او أسر مالكة لطوفان من هجرة العمالة من كل بقاع العالم. فلسفة الوجود في هذه المجتمعات ان الغريب ضعيف ولو كان قوى والغريب أعمى ولو كان بصير بعكس بلاد اخري شرقا وغربا حيث الغربة تحمل معان اخري بل ان القوة هي ما يمكن امتلاكه بسهولة فيها مهما كان ضعف الوافد عليها. ارتبط وجود العمالة الخليجية بفكرة الكفيل. فالكفالة والعبودية وجهان لعملة واحدة، الكفالة ومصادرة حقوق الانسان والبشر وجهان لنفس العملة، الكفالة والارهاب شئ واحد. أما الكفالة هي السرقة بشرعية وقانونية. في مجتمعات الغرب حيث الحريات متعاظمة بكل انواعها فان تاريخها قام علي منطق واضح وصريح هو العبودية او القنانة او البروليتاريا حسب تاريخ تطور هياكل الانتاج علي الترتيب من النظام العبودي زمن روما القديمة الي الاقطاعي ومن حكم الكنيسة الي الراسمالي الحديث. في جميع المراحل ظل الملاك يزدادون ثراءا لكن مكاسب قوي العمل كانت ايضا تزداد تعاظما اما بالتحرير من عبودية الملكية للفرد الي الاسر في نطاق الارض والزراعة الي الاستمرار بيع قوة العمل طبقا للسعر الاعلي في سوق راسمالي مفتوح تتعدد في ارباب العمل ويحق فيه السفر والانتقال واعادة اختيار جهة ورب العمل بما فيه رفضه والتظاهر ضده ومحاكمته ايضا. ولان الجانب الغربي من الخليج الفارسي لم يعرف اطلاقا هذه العلاقات الانتاجية بتعدد انماطها حيث كان الصيد البحري او رعي الاغنام او السلب والنهب علي طريقة الغزوات الاسلامية ، وكلها تجري علي خلفية ثقافية اساسها البداوة والقبلية فان ثورة النفط التي فجرتها تكنولوجيا الغرب الراسمالي ادت الي انقلاب في الموازيين الديموغرافية لهذه المنطقة برمتها. يمكن تصنيفها في قوي عمل وافده تمتلك العلم والمعرفة وقادرة علي البناء والاعمار والانتاج وتقديم الخدمات واهل بلاد لا يعرفون سوي انماط بدائية من التعييش علي المتاح من ثروة واما تجارة في سلع باقي الشعوب او نهبا وسلبا من الغريب او المجاور بطريقة الغزو او رعي ما هو متاح من قطعان يمكن لها ان تدر عائدا من اللبن واللحم.
تحت هذه العقلية ضغط الغرب الراسمالي ومنظمات حقوق الانسان ومؤسسات العمل المدني لالغاء تشريع الكفيل حيث ظلت قوة العمل في اسر الكفيل حتي يقرر هو التخلص منها بضمان السيطرة عليه بعدم السفر او التعاقد مع اي من ارباب العمل الاخري. فرغم وجود عقد او ربما غيابه بين الطرفين فالعرف السائد والمعمول به كان هو نظام الكفالة (الابتزاز السلمي) الممتد منذ القدم مع اهل البلاد العرب وهو الامر الذي بينا شروطه وتفاصيل ظهوره في مثل هذه المجتمعات في مقالات سابقة علي هذا الموقع.
مؤخرا قامت البحرين بالغاء هذا النظام في تشريعاتها القانونية لكن تبدو المشكلة اعمق من مجرد شطب عرف وتشريع قانون فالعرف هو اصلا مصدر كثيرا من القوانين. لهذا فمعارضة التعديلات تبدو قوية وخاصة في بلاد اكثر تشددا ولا تعرف التنوع وارث البداوة بها اكثر رسوخا. افضل ما في البحرين ان بها تنوعا من الشيعة والسنة وباقي طوائف الاسلام مما يدفع بمحاولة ايجاد صيغة قانونية تضمن بقاء الجميع في سلام اجتماعي. وربما هذا هو السبب في انها كانت البادئة في الغاء نظام الكفيل لا لسبب سوي ان الصراع بين قوي العمل وملاك هياكل الانتاج ليست اقل ضراوة من الصراعات الديني بل ربما تكون هي الاصل لو اننا نظرنا الي الامور بعيون منفتحة وليس بعقول عفنة مغيبة في نصوص الاديان بكل ما فيها من مظالم طبقية واجتماعية وجنسية واعلاء بشر علي بشر بظلم فادح. فتاريخ الصراعات من اجل المساواه والتي سميت فتنة منذ زمن الخلافة مرورا بالاموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والعثماني، كلها تبدو دينية لكن حقيقتها انها طبقية اجتماعية كتب عنها كثيرون امثال برهان الدين دلو في كتابه " مساهمة في اعادة كتابة التاريخ الاسلامي" و كلود كاهن في كتابه " تاريخ الشعوب الاسلامية" وما ذكره هشام جعيط في كتابه المرجع " الفتنة" وكثيرين آخرين من مفكري روسيا ومستشرقيها ومن المصريين د. زبيده عطا وأخريات من الاكاديميين المهتمين بفضح تاريخ العرب المغلف بسلوفان ديني زائف. بل ان طه حسين نفسه تماس مع هذه المنطقة الشائكة في كتبه وخاصة الفتنة الكبري.
الغاء الكفيل هو خطوة علي طريق الديموقراطية في هذه البلاد التي تكره ان يحكم الانسان نفسه بنفسه. لكنها تفضل هيمنه كفيل علي مكفول واولي امر علي رعية. مجتمعات تكره الديموقراطية والعلمانية والليبرالية والاشتراكية في آن واحد. انه كوكتيل العذاب الذي لا بد من أن تتجرعه تلك المجتمعات حتي الثمالة لتكون اكثر اقترابا وتصالحا مع العالم المتحضر. فرغم ان غياب العقل هو آفة البشرية الا ان الوصول بالعقل السياسي والقانوني الي حد الثمالة بهذا الكوكتيل في بيئة انسانية افضل من الغياب في مستنقع ديني لا يوفر شيئا سوي العبودية لمن في الارض ومن في السماء علي السواء.
#محمد_البدري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشريح المجتمع هو فضح لنصوصه
-
في ذكري عيد عمال مصر
-
هل الصدق من قيم الاسلام؟
-
نجاسة الطائفية في الجامعة
-
رد علي عبد المنعم سعيد
-
القطيعة مع اهل الهولوكوست
-
مكاسبنا الانترنتية
-
نظامنا في القرن الجديد
-
ذَلِك عبد الناصر ... أنا تؤفكون
-
ثقافة ال -تحت-
-
لماذا رضي الله عنهم
-
قرار منعه تحت جزمته
-
الشريعة ومرجعية الجاهلية
-
يكفي ان اسمه الحوار حتي نقدم له التحيه
-
هكذا تحدث السويسريون
-
قياسات حداثية
-
تشويه العالم من اجل الاسلام
-
ماذا بقي للاسلام ؟
-
الجنس والمرأة وهوس المتخلفين
-
الخروج الآمن للرؤساء
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
المزيد.....
|