سعيد تيسير الخنيزي
الحوار المتمدن-العدد: 3001 - 2010 / 5 / 11 - 03:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الفكر الغربي, المفهوم الاخلاقي لحقوق الانسان الى حدٍ ما مستنبط من الممارسات والنصوص الداخلة في الاديان السماوية -- الإسلام, المسيحية, اليهودية. إحدى حقوق الانسان الأساسية في كافة الإتفاقيات الدولية هو حق الانسان في حرية الفكر والوجدان والدين وحريته في اعتناق اي دين او معتقد قد يختاره, ناهيك عن الحق في المشاركة في الحياة السياسية و الدينية والأقتصادية والعامة. في الواقع, العديد من المؤسسين للولايات المتحدة الأمريكية ومؤيديهم قاموا بإستخدام الدين (من شعارات ودلائل) لتبرير التمرد اللافت ضد الملك البريطاني، وإقامة الحكم الذاتي بين المواطنين على قدم المساواة. وهم يفعلوا ذلك، سعوا إلى تعزيز أهمية عالمية من قضيتهم, فـ في حين انهم كانوا اقرب الى الورع, أبوا قطعيا ادراج الدين في سياسات الدولة حينما أعُتنقت بقبضة الأيدي لآن التفاوت العقائدي دائما مابات مصدراً للخلاف والتشاجر مابين البشر (يمكن للقارئ الوصول لنفس الاستنتاج بالتفكير في القضايا و المناظرات التي حدثت في العشر السنوات الأخيرة في العالم). كان قادة الولايات المتحدة الأمريكية من مذاهب مسيحية مختلفة ومتعددة و اذا حصل كتابة الدستور الأمريكي على مذهب معين (في اعتقادهم) سينزع الهدف الذي إجتمع على أساسه القادة الآ و هو توحيد الصفوف بين الولايات آجمعين و تكوين الإتحاد الفيدرالي, حيث كان الغرض من إنشاء الدولة العلمانية لم يكن قطاً لتعزيز الإلحاد أو أي نوع من عدم الايمان بالله, إذ أن الغرض الجوهري كان يكمن في منع اي دين أو منظمة سواء كانت دينية من استخدام قوات و موارد الحكومة الى جانب المصلحة الفردية. لذلك إذا كنت بروتستانتي على سبيل المثال و مقيم في مجتمع كان فيه الأغلبية كاثوليكية, لايجدر بهم (الكاثوليكيين) إستخدام المصالح العامة لصالح الكنائس المسيحية على وجه خاص و بالتالي انفاء الاقليات البروتستانتيه, وهكذا كان الدستور الامريكي العلماني المبني على اساس من الأخوة في الله.
من هنا, نستطيع بالتالي إيضاح الفرق الشاسع مابين "العلمانية" و "الألحاد" الذي هو بذاته مايحدد موقفنا تجاهها, فالغالب على مجتماعتنا المحافظة نعت العلماني بالملحد وهذا خطأ شاسع (اقلها من نظرية علمية). في تذكير لما قاله الرسول عليه الصلاة والسلام: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" .. وهذا الى حد ما يثبت أن العلمانية تلعب دورا ذو بال في بعض أمور الحياة المختلفة, ولعلنا لسنا خاليون من التناقضات فالعرب مليئون بالتناقضات ولعل ابرزها فيما يتعلق بمفهوم العلمانية. كما أنه عليه الصلاة والسلام كان يعتمد على الشورى في أمور الحرب والغزوات الا هو اللافت للنظر على أن أمور الحياة ليست مرسومة بالقلم والمسطرة, فالإنسان بحاجة للتفكير بحكمة واستخدام عقله بدلاً من تلقي الأوامر من رجال الدين. وأكبر مثال في العصور الأخيرة هيا أوروبا التي لم تنمو إلا بهجرتها للكنيسة
ما أود جلبه الى الساحة هو أن العلمانيه تشق جزءاً كبيراً في تعاليم الدين الأسلامي الحنيف, أذ ان الفصل بين السياسة و الدين يولج خدمة كبيرة للأديان والمجتمعات، وهذا ماقد رأيناه في أمثلة كثيرة من العالم. فالخلط بينهما سيؤدي إلى فهم خاطئ للدين وإلى إلغاء وإخفاء العديد من الأفكار الدينية التي يحتاجها المجتمع والتي يجب أن تبقى, لا سيما فصل السياسي عن الديني لا يعني تجاهل الدين أو تجاهل الدولة، ولكن مراعاة الديمقراطية التعددية، فعليهما معا الاعتراف المتبادل وتأسيس الموده والالفه على وجه سواء. العلمانية تكشف نظرة أوسع للعالم بضمان الاستقلال مذهبياً وحفاظ لكل ذي حقٍ حقه والصفات والقيم والسلوك الأنساني مُقدم نحو جميع الطوائف والأديان وغيرها من الأعمال الروحية. هيا التعبير عن وجهة النظر التي تتطلب العمل، وليس التفكير المجرد فقط, لا سيما انها كانت ومازالت إحدى العناصر الأساسية الذي قام من خلالها المجتمع اللبناني ومحاصرته مع وحدة وطنية. فـ لو محورنا النظر في سياسات جلالة السيد حسن نصرالله, لوجدنا ان الجوانب المُرتكز عليها اقرب بطبيعتها للفكرالعلماني, اذ ان فصله للدين عن سياساته الريادية وعدم ميله ونزعته لـ صفوف الشيعة و أعتقاده الجهوري في توحيد صفوف الكلمة يوحي الى ذلك. فلا تجده مبتدع الى جدال بيزنطي مابين الطوائف المختلفة والمتعددة من نوعها في حركاتها للمقاومة من شيعية (وهيا اكثرها) الى سنية, الى مسيحية و حد ما يهودية, وانما هو يمثل هذه الحركات لآجل هدف جوهري الا وهو مقاومة صفوف العدو, لا لآجل مسميات قد تفقِد المجتمع من خلالها نواته الأكثر اجلالاً وأهمية
أذا كانت العلمانية تكبس على تقصي المعتقدات و لزوم الاقتناع بان الايديلوجيات والتقاليد المختلفة سواء كانت دينية خاضعة للتحليل من قبل حامليها من خلال البحث في مختلف النواحي, فـ حينئذٍ يسعنا المجال للقول بأن فكرها لايسوده الباطل. فعندما توجد القناعة في الالتزام بمذهب من المذاهب من واقع ايجادي وفضولي, سيوجد الوفاء للأديولوجية ذاتها المتعقبه من قبل الشخص. فعلى العكس, اخضاع العلمانية في منهجها الصحيح, يحمي الدين من الانحراف ومن ذوي الناس الذين اساؤا ويسيؤا استخدام الدين بلعبتهم الترويجية و المكشوفه على الساحة. حماية الاقليات التي تتعرض للأضطهاد أو الضغوط السياسية أو الأجتماعية والثقافية من انضج ثمرات هذه الخصله رُشداً, فإذا كان الاسلام متنافراً بـ بنيته القاعدية مع العلمانية (كما هو شائع) هل الاسلام معتبر في اضطهاده للأقليات؟ انا لا انادي بتغيير المنهج الذي سيْر به المجتمع من عدة قرون او تغيير القواعد المرتكزة من قبل عقود ولكن أعج بمفعول يؤدي بنا الى سبل الأنجاز لا الخمود. يلزمنا منهج نسير عليه وثقافة تؤدي بنا الى الامام. فاليوم ببساطة نعيش منهج طالح (غير صالح) لا يكدنا التواصل عليه اذ يحتاج الى عيادة تأهيل, عيادة ادراك, عيادة مفهوم الى النمط السياسي الحالي. اين جمهور الناخبين عن هؤلاء السفليين والمتطرفين, اهل لآن تعزيز الأنظمة الأصولية يلعب دوراً رائداً لصالح الحكام بشكل جذري؟ إذا كانت أمور الشعب لا تستقيم إلا بإحقاق حرية الإنسان وكرامته، وإقامة الوحدة والتساوي والتعاون بين البشر، فإن العلمنة تدخل مع متطلبات الشعب أكثر مما تتفق معها شروط النظام الفاشي الذي لا يقيم وزناً و قدراً لحرية الإنسان وينتقص من كرامته ويصدّع الوحدة بين البشر.
#سعيد_تيسير_الخنيزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟