أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ثائر الناشف - في تأمل طائفية النظام السوري ونقدها















المزيد.....


في تأمل طائفية النظام السوري ونقدها


ثائر الناشف
كاتب وروائي

(Thaer Alsalmou Alnashef)


الحوار المتمدن-العدد: 3000 - 2010 / 5 / 10 - 16:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


التأمل الأول : السلطة والطائفة
ليس صحيحاً أن السلطة في سوريا حزبية، وتحت راية البعث، فتاريخ السلطة لم يكن حزبياً، حتى في العهد الديمقراطي الذي امتد من العام 1946 إلى العام 1958.
الحزبية وإن ظهرت في السلطة ، فإن ظهورها لا يتعدى المشاركة في سبيل تنويع الحياة السياسية واغناءها ، فالأساس الذي ارتكزت عليه السلطة في سوريا ، تمثل بالمؤسسة العسكرية في المقام الأول ، بعد أن تم تسييسها منذ أكثر من خمسين عاماً من قبل الحزبيين ، بغرض دعم موقعهم السياسي والحزبي ، وفيما بعد جرى تطييفها من قبل العسكريين الذين جرى تحزيبهم ، وذلك لضمان ولاء الطائفة ، وأيضاً لدعم مواقعهم السياسية ، بعد أن سقطت مواقعهم الحزبية ، كنتيجة مباشرة لتطييف الجيش ، كونه العماد الذي تأسست عليه السلطة .
إن المراحل التي انتقلت فيها السلطة، بُعيد الاستقلال عن فرنسا، مرت بثلاثة أطوار متعاقبة ولكل طور أجياله السياسية والعسكرية والطائفية.
الطور الأول : وهو الطور الذي امتد من ثلاثينيات القرن العشرين حتى أواخر الأربعينيات ، فبالرغم من أن العمر الزمني لهذا الطور قصير ، نظراً لقصر الانتداب الفرنسي ، إلا أنه كان طور السلطة السياسية التي ناضلت وتحدت سلطات المندوب السامي الفرنسي بغرض تحقيق الاستقلال والسيادة ، وقد دفعت ثمن إصرارها ونضالها في التاسع والعشرين من أيار / مايو لعام 1945 ، حينما تعرض البرلمان كأعلى سلطة دستورية للقصف والتدمير ، الذي أرغم قوات الانتداب الفرنسي لإجلاء قواتها ، تحت ضغط وتأثير الرأي العام الدولي ، وبمشاركة سياسية حاشدة وأخرى حزبية مساندة ، كان عنوانها العريض ، التحرك الكبير الذي قاده رئيس البرلمان السوري فارس الخوري ، الذي مثل سوريا في مجلس الأمن في جلسة تاريخية تحدت مكانة المندوب الفرنسي أمام المجتمع الدولي .
الطور الثاني : وهو الطور الذي تحققت فيه السيادة الوطنية ، بعيد نيل الاستقلال من فرنسا ، رغم الدخول القوي لجنرالات الجيش في مفاصل السلطة طيلة عقد الخمسينات ، حتى إعلان الوحدة مع مصر عام 1958 ، التي حجمت دورهم وقلصت نفوذهم ، وقد كان ردهم المباشر على تلك الوحدة ، لغرضين يكملان بعضهما الآخر.
الأول : لاستعادة نفوذهم العسكري .
الثاني : لتصحيح الأخطاء التي راكمها نظام الوحدة على الصعيد الاقتصادي .
ومهما يكن من نفوذ لقادة الجيش آنذاك ، تمثل بالعديد من الانقلابات العسكرية ، إلا أن السلطة في هذا الطور ، لم تكن عسكرية بالمطلق ، ولا سياسية بالكامل ، وإنما كانت سياسية - عسكرية في أجواء ليبرالية يسودها الاقتصاد الحر والصحافة المستقلة والمصارف الخاصة .
لقد ظل انخراط العسكر في حيثيات السلطة ، رهين بجلاء القوات الفرنسية ، وقد تحقق ذلك بعيد جلاءها ، فدخولهم السلطة في كنف سلطة الانتداب ، لم يكن ذا معنى ، في ظل نشاط السياسيين المحموم .
لهذا ، فإن السلطة في هذا الطور ، كانت انتقالية ، انتظرها العسكر بفارغ الصبر ، أسوة بما كان يجري حينها في الدول العربية والإقليمية المجاورة ، من تمركز للسلطة في أيدي العسكر .
إلا أن نفوذ الساسة المستمد من القواعد الحزبية الناشئة، حال دون تفرد العسكر بالسلطة، بدليل أن السلطة آنذاك، لم تكن ديكتاتورية، رغم الانقلابات، كما ولم تكن مستبدة، بدليل المجتمع المدني والنقابات والأحزاب والصحافة.
ففي هذا الطور ، اصطبغت السلطة السياسية والعسكرية ، بألوان الطيف الحزبي ، دون أن تتحول إلى سلطة حزبية كاملة ، سياسية كانت أو عسكرية ، رغم تعدد الأحزاب بقديمها وحديثها ، إلا أنها وفي نهاية المطاف استطاعت التأثير على العسكر من خلال فرض العقيدة الحزبية وترجيحها على العقيدة العسكرية ، وذلك في ظل الصراع السياسي بين الأحزاب ، ومحاولتها الاستئثار على المؤسسة العسكرية لضمان مواقعها ومصالحها ، مثلما فعل حزب البعث ، عندما شرع أبوابه أمام العسكر ، كمحاولة أولى لتغيير معالم الخارطة السياسية ، وقطع الطريق على خصومه .
الطور الثالث : يلي مرحلة انفصال الوحدة عن مصر عام 1961 فهذا الطور ، هو التجلي الأخير الذي حدد مصير الدولة ، وطبيعة النظام السياسي الراهن ، فالتحولات التي أحدثها على صعيد السلطة في سوريا ، كبيرة وخطيرة الظلال والتداعيات على المستقبل ، لاستقراره على وضعية سلطوية تأبى التغيير أو المداورة ، تراوحت بين السلطة السياسية - العسكرية تارة ، والسلطة الطائفية تارة أخرى .
إذا ما بدأنا الحديث عن السلطة السياسية ، فهي قصيرة نسبياً ، فبالكاد لا تتعدى الثلاث سنوات من سبتمبر عام 1961 حتى مارس 1963 ، فالسلطة هنا ، سلطة انفصال سياسية ، بحماية العسكر الذين ساءهم تهميش دولة الوحدة في عهد عبد الناصر ، أما نقطة الاختلاف العميقة ، عن سلطة الطور الثاني ، أن السلطة في هذا الطور ، وإن كانت سياسية ( الرئيس ناظم القدسي ) إلا أنها كانت من صنع العسكر ( العقيد عبد الكريم النحلاوي ) أي أنها بعكس الواقع الذي كان سائداً في سلطة الطور الثاني ، التي كانت من صنع الساسة ( الرئيس شكري القوتلي ) ولكن في ظل وجود العسكر .
إن الحديث عن السلطة السياسية القصيرة الأجل ، يقودنا اضطراراً إلى الحديث عن السلطة العسكرية المطلقة ( الرئيس أمين الحافظ ) التي امتدت فعلياً من تاريخ الثامن من مارس عام 1963 ، تاريخ انقلاب السلطة العسكرية - الحزبية على السلطة السياسية الانفصالية ، بداعي استرجاع مشروع الوحدة مع مصر ، حتى 23 فبراير 1966 ، تاريخ انقلاب السلطة العسكرية - الحزبية على نفسها أولاً كسلطة عسكرية وحزبية في آن معاً ، بغرض إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتوزيع المواقع والمناصب السيادية بين قادة الانقلاب ( حافظ الأسد ، أحمد سويداني ، صلاح جديد، أحمد المير) واستتباع المنظومة الحزبية ( البعث ) بداعي تطهيرها من الداخل وإصلاحها من التشوه وصولاً إلى عسكرتها بالكامل ، تمهيداً للحظة التأسيس لواقع السلطة الطائفية .
هذا الطور الأخير ، يعد أكثر الأطوار إشكالية ، فرغم انتقال السلطة من سياسية إلى عسكرية ، إلا أن أحداً ، لا يريد الإقرار ، بانتقالها إلى نمط من أنماط السلطة الطائفية ، إن لم تكن بعينها ، بدليل التطييف الواسع ، للمؤسسة العسكرية التي كانت على مر التاريخ ، مؤسسة جامعة لكل فئات المجتمع ، دون تغليب فئة على أخرى ، أو التدقيق في هوية الفئات المنتسبة .
إن عدم الإقرار بواقع السلطة الطائفية ، التي يثور حولها جدل كبير ، ربما يعود إلى عدم تقبل فكرة أن ثمة سلطة طائفية انبثقت من رحم السلطة العسكرية ، بعدما انقلبت عليها ، فالتفكير السائد ، أن سلطة ما بعد حركة 16 تشرين الثاني / نوفمبر 1970 ، كانت بمباركة وإجماع كل شرائح المجتمع السوري ، رغم أنها كانت في بداياتها سلطة عسكرية في إطار حزبي .
إلا أن التفكير في أسباب ودوافع ذلك الإجماع الوطني ، يعود إلى جملة من التطورات السياسية ذات علاقة مباشرة ، بهزيمة حرب 1967 أمام إسرائيل ، والرغبة الشعبية الجامحة ، في تعويض ما فاتها في تلك الحرب الخاطفة ، والتطلع نحو استعادة الجولان المحتل .
فلم يكن ينظر حينها ، كم من الوقت ، ستستمر سلطة حافظ الأسد في ظل التبدل المتواصل ، والانتقال السريع من طور إلى آخر ،على أن التطور الجديد الذي رافق هذا الطور ، تمثل في تراجع دور الأحزاب واضمحلالها ، وتحولها من أساس تبنى عليه السلطة ، إلى غطاء تستمد منه الشرعية .
إن ثبات السلطة على حالها الراهن ، هو الذي أسس لميلاد الطائفية كظاهرة سياسوية تخدم السلطة وتطيل أمدها ، لا كظاهرة مذهبية ، بدليل أن طائفة النظام - السلطة ، مثلها مثل كل الطوائف الأخرى التي يتركب منها المجتمع السوري ، لا تملك من أمرها شيئاً ، وما يجري على المجتمع السوري ، يجري عليها من صعاب ، بل أن ما يجري عليها من ضغوطات سياسية بغرض تسخيرها بما لا يستطيع الآخرون احتماله ، يفوق ما يجري على المجتمع من استبداد وقمع .
لا يستقيم المنطق ، ولا بأي حال من الأحوال ، إذا ما وصفنا واقع السلطة في سوريا ، على أنه واقع سلطة الطائفة ، فليست هناك طائفة أو أقلية تحكم مجتمع متنوع كالمجتمع السوري ، وذاخر بتعدده المذهبي والعرقي ، وحالها ( الطائفة العلوية ) أشد بؤساً وفقراً من حال الطوائف الأخرى ، لكن ارتكاز السلطة على بعض أفراد طائفتها ، في قطاع الجيش والاقتصاد والإعلام ، جعل السلطة تغدو طائفية بامتياز ، همها الوحيد خدمة السلطة التي أتت بها ، لا خدمة المجتمع ، ولا حتى الطائفة التي طالما انتمت إليها باسم المذهب لا باسم السلطة .
التأمل الثاني : تطييف السياسة
ظلت السياسة في التاريخ السوري الحديث ، رديفة للإعلام ، كما ظل الأخير معبراً عنها ، وفي بعض الأحيان راسماً لها ، نظراً للتداخل والتشابك بين سلطتيهما اللتان لا تفترقان البتة عن سلطة النظام الحاكم .
ولأن سلاح الإعلام يسهم في صناعة الرأي العام ، وينقل ما يدور في ذهن الساسة والأفراد ، فإنه ظل على الدوام أمضى سلاح في يد سلطة ما بعد انقلاب 8 مارس 1963 ، كما أنه أخطر سلاح عليها ، فالكثير من الأنظمة الديكتاتورية ، ارتبط مصيرها السياسي ، بمدى تأثيرها على الإعلام وقدرتها على التحكم فيه ، بل أن بعض تلك النظم لاقت حتفها ونهايتها بفعل تأثير الإعلام ودوره في صنع التغيير ، فما بالنا إن كانت تلك النظم طائفية ، كما في الحالة السورية ، أي أنها أبعد من أن تكون ديكتاتورية .
لهذا ، كله جرت قولبت الإعلام في إطار السياسية ، ليبقى على الدوام تحت الأنظار ، ولكي يكون مفعولاً به في صنع الدعاية الرمادية والترويج لصورة النظام داخلاً وخارجاً ، فضلاً عن تلميع صورته الطائفية ، بإضفاء المزيد من الصبغة الوطنية على ثوبه الطائفي الذي يتدثر به ، لا أن يكون فاعلاً في فرض الرقابة المجتمعية ، والمساهمة في بسط سلطة القانون ، ولفت الأنظار إلى مواطن الخلل والقصور .
فالأساس الذي تتم فيه عملية تطييف الإعلام والسياسة في سورية ، تختلف أشد الاختلاف ، عما يقوم به أي نظام ديكتاتوري ، وذلك لأن الفروق كثيرة وكبيرة من نظام لآخر .
فأولى هذه الفروق، أن الإعلام والسياسة كسلطتين تكملان بعضهما البعض ، ففي ظل النظم الديكتاتورية المستبدة يصار إلى ارتهانهما بمعنى التقييد والتأميم ، أي وضع اليد عليهما وحجرهما حتى إشعار آخر.
أما في ظل النظم الطائفية - سورية كمثال - فبدلاً من ارتهانهما ، فإنه تتم مصادرتهما إلى ما لا نهاية ، وبشكل أبدي ، بما يشبه التمليك الشخصي لأدواتهما وأجهزتهما ، وهذا ما يجري التعبير عنه صراحة في لهجة الإعلام وخطاب السياسة السورية ، الذي ينضح بمفردات لا تخلو من الشخصنة والفردية التي تصل إلى حد القداسة الإلهية .
وثانيها ، أنهما ( الإعلام والسياسة ) في ظل النظم الديكتاتورية ، يتم العمل بهما تبعاً لمبدأ الولاء المطلق ، بغض النظر عن لون أو عرق أو دين الشخص الموالي ، فيكفي أن يبرهن الشخص عن ولائه في تقديم فروض الطاعة العمياء ، والالتزام الكامل بقرارات السلطة ، حتى لو كانت خاطئة وفيها الكثير من الطيش والتهور ، من دون أن يفسح لنفسه أو لغيره أي مجال للنقاش والجدال .
بينما يختلف الحال كثيراً من النظام الطائفي عنه في النظام الديكتاتوري ، فالمبدأ المعمول به في قطاعي السياسة عامة والإعلام خاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 ، يقوم على الصفاء والنقاء الطائفي ، نظراً لطبيعة النظام وتركيبته الطائفية ، ولا تكفي البرهنة بالولاء وحده ، فليس هناك ما يضمن عدم الطعن بهذا الولاء ، وهو ما أضفى طيفاً طائفياً ذا لون واحد على كل العاملين في حقلي السياسة والإعلام ، حتى وإن لم يكونوا من نفس الطائفة ( العلوية ) التي ينحدر منها النظام ، رغم أقلية حضورهم ومحدودية دورهم لصالح تنامي ذلك الدور وحصره بشخوص الطائفة أولاً ، وليس بشخوص الولاء كما في الأنظمة الديكتاتورية ، أو بشخوص الكفاءة كما في الأنظمة الديمقراطية .
تلك الأسس تبين بوضوح ، بما لا يقبل الشك ، مدى استغراق النظام السوري وغرقه في بركة الطائفية ، فهي الشرنقة التي أوجد نفسه فيها ، ومع ذلك يأبى الخروج منها أو التخلي عنها ، فمصيره مرتبط بها ، كما أن مصيرها ( الطائفية ) مرتبط به ، فالارتباط بينهما على أشده ، والمجتمع والدولة ، هما الخاسر الأكبر ، وضحية ذلك الغرق في وحول الطائفية .
والدلائل على تطييف منظومتي السياسة والإعلام ، مستوحاة من الشخوص القائمين عليها ، خصوصاً في منظومة الإعلام التي تعد بمثابة المتراس الذي يقف خلفه النظام لصد الرياح العاتية وتغيير الحقائق وقلب الوقائع بمزاجية طائفية تدعي الوطنية وتدافع عنها ظاهراً ، في حين تمثل السياسة بشخوصها المتعددة الانتماء الطائفي ، الواجهة الزجاجية ( الجام ) لكيانه الطائفي الفاقد للشرعية الدستورية ، والذي يتمظهر في صورة الكيان الوطني الباحث عن تلك الشرعية .
وكما أن الاستبداد هو الوجه الآخر للديكتاتورية ، فأنهما ( الاستبداد والديكتاتورية ) ديدن الطائفية التي تعتاش عليهما وتبرر وجودها الأبدي في السلطة من خلالهما ، وأنها ( الطائفية ) ديدن الأقليات المذهبية في سورية ، ومنها الطائفة العلوية التي أفصحت عن طائفيتها السياسية في سبيل الحفاظ على مكتسبات السلطة بأي ثمن ، والتي تدر عليها النفوذ المتعدد الوجوه .
وقد يختلف معنا البعض في توصيف تلك الطائفية التي تهرب من واقع الأمس إلى واقع اليوم ، بالقول بعلمانية النظام وحزبيته الكاملة ( البعث) وما يبقى لا يعدو كونه ممارسات استبدادية لدى الكثير من الأنظمة الديكتاتورية .
من هنا ، لا بد من التأكيد على حقيقة أن العلمانية والطائفية نقيضان ، لكنهما في حالة النظام السوري يلتقيان بل ويتصاهران على أرضية السلطة ، فمثلما يصاهر الإسلام السياسي ، الدين بالسياسة ، يصاهر النظام السوري بين طائفيته السياسية ( المبطنة ) وعلمانيته ( الظاهرة) في صورة النظام القومي تارة ، والنظام العروبي تارة أخرى ، إلا أن ارتباطاته الإقليمية ( إيران ) التي هي على خصومة تاريخية شديدة مع النظام ( القومي - العروبي ) الذي يدعيه ، تنسف كل ادعاءاته ، وتعيده إلى المربع الأول الذي انطلق منه ، مربع الطائفية .
التأمل الثالث : بين الطائفية واللاطائفية
لكل ظاهرة سماتها المميزة عن الظواهر الأخرى ، والطائفية السياسية كظاهرة شاذة ، لها سماتها التي تتناقض مع غيرها من الظواهر .
وأولى سمات الطائفية ، يتمثل في الاستبداد الذي تتقاسمه النظم الطائفية الفردية ، والنظم الأيدلوجية الشمولية ، فالاستبداد أياً كان نوعه ، سياسي أو عسكري ، هو السمة الملازمة للنظام الطائفي ، سواء كان نظاماً إقطاعياً أو برجوازياً ، أو كليهما معاً .
هذا الأخير ، أي الاستبداد ، يتناقض مع الديمقراطية التي هي من سمات النظم اللا طائفية ، التي لا يتداخل فيها العسكري بالسياسي ، ولا الفردي بالجماعي ، كما لا تصطدم علمانيتها بجدار الأغلبية ، ولا بتزييف الأقلية .
وتظهر حاجة النظام الطائفي للاستبداد، كلما طال أمده في السلطة، فلا يطيله سوى الاستبداد، وذلك عن طريق تحقيق مجموعة من النقاط التالية:
1- الحفاظ على السلطة وتثبيتها بأي ثمن.
2- قمع ومنع كل ما من شأنه أن يؤدي إلى التغيير .
3- رفض أي شكل من أشكال الحوار والتفاوض مع قوى المجتمع حول تغيير صيغة السلطة الراهنة .
4- رفض كل المسالك السياسية المؤدية إلى التداول السلمي .
5- الامتناع عن قاعدة المشاركة السياسية ، لتشمل المكونات الأخرى ( المكون الكردي) التي جرى تهميشها على مدى أربعة عقود .
6- عدم القبول بمنطق التعددية السياسية ، وكل مَن هو خارج عن سرب النظام .
فالقبول المبدئي بأي من تلك النقاط أعلاه ، لن يؤدي إلى التخفيف من غلواء الاستبداد ، بل سيفتح الأبواب واسعاً نحو البدء الفعلي بتفكيك هياكل الطائفية السياسية وقواعدها التي يرتكز عليها النظام .
لكن السؤال الموجب طرحه ، ما الذي يدفع النظم عادة نحو التطيف ؟ الإجابة تحتمل أكثر من تعليل .
التعليل الأول : يرتبط أشد الارتباط بالوزن السياسي الذي يتشكل النظام من خلاله ، والوزن إما أن يتحدد بأقلية مذهبية أو بأغلبية سياسية ، ولأن الأغلبية السياسية غير متوفرة بالحد الأدنى ، ولا تعدو كونها أغلبية صورية ( حزب البعث) فإن الوزن الذي يشكل النظام ، هو الأقلية المذهبية .
التعليل الثاني : عندما يكون النظام فردياً خالصاً ، فإن فرديته ، مثلما تدفعه إلى الاستبداد ، تدفعه أيضاً نحو التطيف حفاظاً على حالته تلك ، فما من ضامن لحماية فرديته ، إلا الالتجاء نحو الطائفة أولاً ، والطائفية تالياً ، وتجارب التاريخ البعيد ، تؤكد ذلك بما لا يدع مجالاً للشك ، ففردية رمسيس الثاني ( فرعون ) كانت فوق الوصف ،عندما لجأ إلى قومه وعائلته ليعينوه على طرد ونفي ( شعبه ) خصومه .
التعليل الثالث : أن ينتابه شعور أولي بالغبن والتهميش ، وهو شعور لا يفارقه سواء كان داخل السلطة أو خارجها .
التعليل الرابع : يتصل بالعلمانية ، ضعفها أو قوتها ، لكنها في حالة النظام الطائفي ، تغدو في أضعف مراحلها ، فلا تعدو كونها مجرد غطاء لستر ما يمكن ستره من عورات الفردية والمذهبية والطائفية ، دون أن يعني ذلك ، أن قوة العلمانية تنحصر لدى الأغلبية وتضعف لدى الأقلية ، ليس الأمر كذلك .
فالطائفية السياسية موجودة في سوريا قبل حلول نظام حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 ، وخير دليل على وجودها ، الدستور الذي غالباً ما يحصر قوانين الدولة والمجتمع بمرجعية الشريعة الإسلامية ، عدا عن تحديده القسري لدين رئيس الدولة ، لكنها مجرد إشكالية طائفية ، يمكن حلها والتخفيف منها عن طريق الممارسة الديمقراطية التي تتسع للجميع ، مثلما جرى من عام 1946 حتى العام 1958 ، وهي تفترق عن الطائفية الجذرية المعمول بها اليوم ، والتي لا تقبل بالحوار السياسي ولا بالتنافسية أو التشاركية في صنع القرار واتخاذه .
بكل الأحوال سواء كان النظام طائفياً أو شمولياً توليتارياً ، فإن سمة الاستبداد هي السمة الرائجة للأسباب المبينة أعلاه ، إلا أنها تبقى على تناقض تام مع سمة الديمقراطية التي لا يمكن أن تتحقق في ظل أجواء تعصف بها رياح الاستبداد الطائفي .
وثانيها ، سمة الفساد التي تكاد أن تتسم بها كل النظم الشمولية المستبدة على السواء ، والنظام الطائفي ليس بمنأى عنها ، طالما كان الاستبداد عموده الفقري .
ولا يخفى على أحد معدلات الفساد التي وصل إليها النظام في سوريا ، ومستوياته طالت السياسة والاقتصاد والإدارة والقضاء والتعليم ، الفساد بدوره ليس ناتجاً عن الاستبداد كما في الحالة السورية ، قدر ما هو ناتج عن الطائفية ، وإن بشكل غير مباشر ، علماً أن رؤوس الفساد لا تنحصر بطائفة بعينها ، لكنها تجتمع جميعاً تحت سقف النظام .
والفساد لا ينتج إلا في حالة انعدام النزاهة ، والأخيرة لا وجود لها في قاموس النظام إلا على المستوى النظري البحت ، أي حالها كحال العلمانية ، شكلاً لا مضموناً ، والسبب الذي يقف وراء انعدامها ، يتلخص في شيوع الاستبداد تارة والطائفية تارة أخرى .
وقد تعني النزاهة لدى النظم الديمقراطية، الشفافية أو العدالة، أما لدى النظم الطائفية الاستبدادية، فهي المقابل الوحيد للفساد، كونها على تناقض تام معه، فلا مجال لالتقائهما على أرضية واحدة.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام، إلى أن استشراء الفساد وغياب النزاعة، يساعد النظام على تحقيق الأهداف التالية:
1- إضعاف المؤسسات وإغراقها في الفساد ، لأن في ذلك اضغاف للمجتمع وقواه الحية .
2- التأسيس لمنظومة فساد لا تستثني أحداً إلا النظام، بما يعفيه من تهمة الفساد.
3- إظهار النظام بمظهر السلطة المكافحة لمنظومة الفساد التي برع في تأسيسها.
أخيراً ، إن ثلاثية الطائفية - الاستبداد - الفساد ، وما يقابلها على الجانب الآخر من ثلاثية العلمانية - الديمقراطية - النزاهة ، هو ما تحتاجه سوريا اليوم ، ولا يمكن المزاوجة بين سمات أي ثلاثية مع ما يقابلها في الثلاثية الأخرى ، فلا الديمقراطية تقبل العيش في كنف الفساد ، ولا الاستبداد يستطيع احتضان النزاهة ، وهو ما يقودنا إلى نتيجة واحدة ، وهي أننا بتنا أمام ثلاثيتين متناقضتين ، لا تقبلان القسمة ولا التجزيء على سمة دون أخرى .



#ثائر_الناشف (هاشتاغ)       Thaer_Alsalmou_Alnashef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقائض الطائفية في سوريا
- وقفة مع طائفية النظام السوري
- طائفية (الوطني) ووطنية (الطائفي) في سوريا
- علاج الطائفية حاضراً ومستقبلاً
- تاريخ الطائفية في سوريا
- هل الطائفة العلوية آثمة ؟
- الطائفية السورية كتاريخ سياسي لا مذهبي
- حوار ثائر الناشف مع قناة النيل حول تنظيم القاعدة في اليمن
- طائفية السلطة أم سلطة الطائفة في سوريا ؟
- طائفية السلطة ومدنية المجتمع في سوريا
- مكتسبات الطائفية في سوريا
- طائفية الطائفة في سوريا
- سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
- تطييف السياسة والإعلام في سورية
- الطائفية الحزبية في سورية
- إلى طل الملوحي في أسرها
- طل الملوحي وهستيريا القمع
- علونة الدولة في سورية
- طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
- النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ثائر الناشف - في تأمل طائفية النظام السوري ونقدها