فراس سعد
الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 12:29
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ليس من الغريب و لا المستغرب أن يطلق بعض الذين مازالوا يعيشون أوهام الستينات و الخمسينات من محازبي البعث و سواه من أحزاب السلطة أو تلك المحسوبة على السلطة في سورية مقولات من قبيل : " أنا مع الديمقراطية لكني مستعد لحمل السلاح ضد من يهدد أمن البلاد ", لكن الغريب أن يوجد في البلاد بشر - نعتقد أن لديهم حظ من العقل - يصدقون أولئك الذين يطلقون و ما زالوا يعتقدون بأمثال هذه المقولات نفاقاً أم أيماناً و هم باعتقادهم أن الشعب السوري ما زال يعيش غوغائية الشعارات و الممارسات الحزبية الرذيلة النظرية منها و العملية . مع ذلك دعونا نفكر بداية بماهية الأمن ؟ و لنعتبر جدلاً أن الأمن هو سلامة الإنسان جسدياً ونفسياً وسلامة ممتلكاته والشعور بالاطمئنان والاستقرار في كل شؤون الحياة أو انتفاء القلق على الحياة والممتلكات في الحاضر والمستقبل ...
فمن يشعر بانعدام الأمن في سورية ؟ الحكم المعارضة ,الفقراء ,الملاّك ؟ ومن يهدّد الأمن ؟ الأجهزة ,الأحزاب ,السلطة ,العصابات ,العاطلين عن العمل ؟ هل الأمن هو أمن الدولة السلطة الحزب الشخصيات الملاّك الرأسماليين الضباط أم هو أمن المواطنين جميعاً دون تمييز بين حاكم ومحكوم بين فقير وغني بين موالي ومعارض بين طائفة وأخرى بين حزب وآخر . لكن ما الداعي ليخرج علينا هؤلاء بتناقضاتهم الخرافية بين الحين والآخر؟ ربما أن هؤلاء يزعجهم الحديث عن الديمقراطية في سورية من قبل كتاب و ناشطين سوريين في لجان المجتمع المدني و جمعيات حقوق الأنسان وعبر مواقع الأنترنت و غيرها , لذلك فتح هؤلاء المنزعجون أفواههم ليدلوا بدلوهم .. لكن كلمة الديمقراطية تحرّض عند هؤلاء و تستدعي كلمات مترادفة في مفاهيمهم و أفهامهم أمثال " الغرب " و" الأستعمار" و المخطط الصهيوني وكل هؤلاء " يهددون الأمن " , إذاً هنا مكمن الفرس عندهم , إن الديمقراطية يستثير عندهم باللاشعور الخوف على أنفسهم و مناصبهم و مكتسباتهم في حال كانوا من طبقة المسؤولين و يستثير عند الحزبيين البسطاء الخوف المكتسب نتيجة عملية غسل الدماغ الذي يمارسه الحزب و المدرسة و وسائل إعلام النظام السوري المضلّلة , حديث الديمقراطية إذاً يستدعي الخوف و بالتالي نقيضه أي الأمان أو الأمن , لكن من قال أن أحداً في الداخل يهدّد الأمن , لا أحد يهدّد أمن سورية اليوم لا نعتقد أن أحداً في سورية يهدّد الأمن الوطني باستثناء اللصوص الكبار المدعومين من هنا و" هناك " ولم يسبق أن هدّد احد أمن سورية إلاّ " بموافقة " السلطة وتخطيطها , أساساً لا يوجد حزب ولا جماعة خارج السلطة لديها القوة التي يمكن أن تشكل تهديداً لأمن البلد , السطة وحدها تملك القوة التي تهدّد بها أمن سورية واستقلالها ؟!في تاريخ سورية المعاصر لم يتزعزع الأمن إلاّ بسبب الانقلابات العسكرية منذ 1949, خمس أو ست أو سبع انقلابات عسكرية هي التي زعزعت الأمن , آخرها حطّم سورية اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً ,إضافة لحادثين هما فتنة ال 54 وأحداث 79 –1985 وكلا الحادثتين فيهما من تدبير المدبرّين والأجهزة السورية والخارجية الشيء الكثير , فاغتيال المالكي 54 كان بتدبير المخابرات الأمريكية والسفير المصري في دمشق وجورج عبد المسيح وغايتها تدمير الحزب القومي السوري لأنه يشكل خطر على إسرائيل وحزب البعث آنذاك بسبب عدائه للطائفية وعلمانيته النظيفة التي لا تعادي الأديان ودعوته لوحدة بلاد الشام في كيان سياسي اقتصادي واحد , و الأهم بسبب فشل الأمريكان في امتطاء الحزب – الحزب القومي - . أما حوادث الإخوان المسلمون ( الطليعة المقاتلة للإخوان وهي غير حركة الإخوان ومنشّقة عنها) فلقد كانت بضغط من بعض الضباط الأمنيين الكبار في النظام السوري الذين قطعوا الحوار السياسي الجاري بين الإخوان والنظام وحاصروا الإخوان واستفزوهم ووضعوهم في " خانة اليك " في حالة الدفاع عن النفس مكرهين بل إن البعض يتهم رموز النظام الأمني آنذاك بتصفية شخصيات سورية أمثال محمد الفاضل واتهام الإخوان باغتيالهم .
هذا كان دور الأمن خلال تاريخ سورية المعاصر على خلاف المطلوب من جهة يناط بها الحفاظ على الأمن الداخلي , كان عملها الأساسي هو تخريب الأمن وتعكيره وحماية اللصوص والمخرّبين من نقمة الشعب السوري, الشعب الذي يسرقون لقمته وحريته وكرامته وهنا لا بد من أن نذكّر بما كتبناه في مقالة ( التخريب استراتيجية والإصلاح أقل من تكتيك ) عن الدور الذي مارسه بعض الزعماء والأباطرة الأمنيين من تخريب للسياسة والاقتصاد السوري وللمجتمع السوري وإفساده و " إفساد من لم يفسد فيه ووضع الجميع تحت الإدانة والطلب " في أي وقت – كما يقول د0 طيب تيزيني – "الأمن " في سورية لعب دوراً لم يستطع أن يلعبه أعداء سورية الخارجيين , لقد أعطب سورية من الداخل وحوّلها إلى " فزّاعة " عصافير محشوّة بالقش تسقط أمام أقل " دفشة " , لقد جرّدوا الشعب السوري من الطاقة والحيوية وحوّلوه إلى هيكل بلا روح , بل إن "الأمن " صادر قوى يفترض أنها أساسية في النظام الحاكم وهو راهن على أن يكون صاحب الكلمة الوحيدة في البلاد ولربما اصطدم مع الرئاسة أو لعب من وراءها . يقول سعد البزاز " أن مؤسسات الأمن تتحول إلى منافس في المرجعية ومعرقل للتصالح الاجتماعي 00 وتصبح المعركة بعدئذ هي بقاء أحدهما , القائد (رئيس الدولة ) أو مؤسسة الأمن " ويتابع في معرض حديثه عن سورية أن بشار الأسد سيكتشف يوماً أم المؤسسة الأمنية هي خصمه كما اكتشف قادة كثيرون في التاريخ " . والأمن في تاريخ سورية , ابتداء من 1975 لعب دوراً خفياً عن " القيادة السياسية " كما كان يروج آنذاك , لكنه دور واضح للشعب ,وكان للأمن الدور الأساسي في مجريات الأحداث الداخلية بينما كان حافظ الأسد يلعب على المستوى الخارجي , ونستطيع القول – بما نعرف – أن الرئيس الأعلى للأجهزة في سورية علي دوبا هو الذي هندس تاريخ سورية المعاصر حزبياً واجتماعياً وبالتالي اقتصادياً وإعلامياً 0بل " تفكيراً " فصارت كل قيادات الأجهزة والأحزاب والمؤسسات بل وكل البيروقراطية السورية " تفكر" بعقلية علي دوبا الذي أفرغ مع مساعديه سورية من قوتها الداخلية وبالتالي وصلنا إلى ما وصلنا إليه من خفّة تقارب وزن الريشة , هذا " الأمن " يتعارض مع الديمقراطية بل يتعارض مع كل ما هو إنساني لأنه يصادر كل شيء لحسابه ويمنع الشعب من كل شيء ولو استطاع حرمانه من الماء والهواء لما تقاعس . أما الأمن الحقيقي الذي هو " فعل وحالة سلام " فلا يمكن أن يتعارض مع الديمقراطية بل إن الديمقراطية هي التي تؤسس للأمن بالمعنى الاستراتيجي العميق على الرغم من أن الظاهرة الديمقراطية عبر التاريخ كانت تشهد تعكيراً للأمن هنا وهناك لكن هذا ناتج عن الحالة الإنسانية ناتج عن الحراك والتفاعل الاجتماعي الحر أو غير المقيّد ومن الطبيعي أن تجد في أسرة سليمة بدنياً و نفسياً تصاعد صراخ الأولاد ولعبهم بل وتكسيرهم لأشياء المنزل بين الحين والآخر على خلاف الأطفال المشوهين نفسياً أو بدنياً فهؤلاء لا تنم عنهم حركة أو صرخة لأنّ الحياة فيهم معطلة .
الهدوء القاتل ليس أمناً لأن العطالة ليست أمن وإنما شبه موت أو "بروفا" الموت – كما يقول زياد الرحباني – إن الديمقراطية التي توفرلي و لك ولمن يخالفني ويخالفك حرية التفكير والكلام والاجتماع والنشر ورفع الدعاوى القضائية ضد من ينتهك حريتنا أو أملاكنا س ينتج عنها حركة وضجيج , وهذه الحركة والضجيج الذي بعضه لن يعجبك ولن يعجبني أمر طبيعي لأن الناس مختلفين ومتناقضين - 2 - إذا كان المقصود بتعكير الأمن حركة سياسية ما أو فصيل مسلّح يمكن أن ينشأ في البلاد مثلما تنشأ فصائل مسلحة في كل بلاد العالم لأسباب متضاربة ومختلفة فهذا الأمر – كما قلنا في المقال السابق – يتولاّه الجيش والأمن الداخلي وليس أفراد أو أحزاب أو أي جهة أخرى , أساساً في الديمقراطية لن يكون لأي فرد أو جماعة أو حزب أو طائفة أو طبقة الحاجة لحمل السلاح دفاعاً عن حقوقها أو مصالحها لأن حق التظاهر والاعتصام والأحزاب مكفول للجميع وتحميه الدولة بما فيها مؤسسة "الأمن الداخلي " وشرطة مكافحة الشغب ؟!
أما حمل السلاح فلا يكون إلاّ في الدول القمعية أو نصف قمعية أو ربع الديمقراطية حيث أنه الطريقة الوحيدة للتعبير عن الذات المقموعة أو المظلومة ...-3 لن نرضى عن الديمقراطية و الإصلاح بديلاً حتى ولو تحت الاحتلال الأمريكي أو الإسرائيلي ( المثال الفلسطيني الحالي كافي ) ولن نرفع السلاح بوجه أحد إلا العدو الذي يريد احتلال أرض سورية ويبقى هذا دور الجيش الوطني فإن لم تكن معركة الجيش في صالحنا عندها تنشأ في البلاد فصائل شعبية مسلّحة تقوم بحرب العصابات تواجه الأحتلال 0
الديمقراطية هي التي تمنح الشعب السوري القوة النفسية والمادية ليكون بإمكانه الدفاع عن الوطن ولولا ديمقراطية نسبية في لبنان لما نشأت المقاومة الوطنية ولما نشأ حزب الله , أما القابعون وراء مكاتب التحّكم بالبشر ونهب الثروات فالديمقراطية تضرهم لأنها تعني سير القانون على الجميع , لأنها تعني أن مواطناً عادياً يستطيع أن يسأل أعلى حاكم في البلاد عن مصدر ثروته ويستطيع أن يقاضيه أمام المحاكم المدنية , و بالمناسبة أدعو لدمج كل الجهات الأمنية بجهة واحدة كما أدعو لحل الأمن السياسي لأن وجود هكذا جهة مناقض للدستور السوري وللديمقراطية وللميثاق العالمي لحقوق الإنسان ولكلمة الرئيس الأسد " لا رقابة على الفكر غير رقابة الضمير " ومناقض للآية الكريمة " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " , أدعو لحل هذا الجهاز حتى لو أسّس النظام الأمريكي والبريطاني وغيرهما في كل مدينة في بلديهما فرع أمن سياسي ؟! -4 - أمريكا وإسرائيل لا تريدان ديمقراطية في سورية لأن ذلك يضر بمصالحهما الاستراتيجية في نهب ثروات المنطقة ومنها سورية والعراق , الديمقراطية التي تعني من ضمن ما تعنيه تأسيس أحزاب وصحافة وإعلام حر يحاسب على النهب ( لا سيما البترول والثروات الباطنية ) بل ويحارب الشركات الناهبة بوسائل عديدة , هذه الديمقراطية لا تلائم أمريكا , أما إسرائيل فلا يناسبها ديمقراطية سورية تسمح لأحزاب أو جماعات بحمل السلاح لتحرير الجولان في حال كانت المعركة النظامية ( جيش لجيش ) لغير صالحنا أو أكبر من قدراتنا وهي معركة مؤجلة لإشعار آخر ربما يطول . -5 أخيراً أسأل - سؤالاً ليس من الضروري أن يجيب أحد عنه :ما فائدة أجهزة الأمن – أستثني الأمن الداخلي التابع لوزارة الداخلية - في بلاد لا يشعر فيها المواطن بالأمن على حياته و مستقبله و هو مهدد في أي لحظة بالأعتقال لأي كلمة أو سلوك لا يعجب الأمن مثلما هو مهدد بالطرد من العمل أو النقل التعسفي و كافة أشكال المضايقات الأمنية في العمل و الشارع وصولاً إلى المنزل ... فعن أي أمن تتحدثون و عن أي أمن تدافعون ؟
كيف ندافع عن شيء لا نملكه , شيء لا تحققه لنا سوى الديمقراطية , الديمقراطية المفقودة في سورية بوجود هكذا عقول و هكذا " أمن" ؟؟!!
#فراس_سعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟