كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 913 - 2004 / 8 / 2 - 13:58
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في يوم الجمعة المصادف في 30/7/2004 ألقى مقتدى الصدر في مسجد الكوفة, حيث قتل الأمام علي بن أبي طالب, خطبته الأسبوعية معلناً قراراً خاصاً به مطالباً بالإفراج عن كل المعتقلين ومهدداً بقوله "..., وإلا نستطيع أن نفعل ما يحلو لنا". ولكن السؤال الذي يتوجه إلى هذا خطيب الجمعة الشاب هو: ماذا يحلو لكَ فعله يا سيدنه الصدر؟ ألم تكتفي بموت المئات من أتباعك في طول البلاد وعرضها؟ ألم تكتفي بخراب الدور على رؤوس أصحابها وتأخير عملية البناء وإعادة إعمار العراق في المناطق التي أطلقت فيها يد أتباعك؟ أتريد أن تعزف من جديد معزوفة مماثلة لأتباع الإرهابي الدولي أسامة بن لادن وأنصار الإسلام وجند الإسلام السنة وفلول صدام حسين؟ ألا يكفي ما فعل أتباعك وآخرون في البصرة من مطاردة المسيحيين والصابئة وتهجيرهم قسراً إلى مناطق أخرى من العراق وسقوط قتلى وجرحى منهم؟ ألا يكفي ما نسمعه عن اغتصاب نساء مواطنات صابئيات ومسيحيات؟ ولا يعرف حتى الآن من الفاعل الحقيقي ومن الدافع له لممارسة هذه الأفعال الشريرة.
كتب لي بعض الأخوة يقول بأن مقتدى الصدر قد عاد إلى صوابه وبدأ يسلك سلوكياً سلمياً في مواجهة الأوضاع القائمة, وأنه قد تعلم من دروس الماضي القريب. وكنت أشك في ما يقولون لا لعدم ثقتي بهم بل لمعرفتي بشخصيات مماثلة لشخصيتك التابعة لكاطم الحائري القابع في قم في إيران ويصدر من هناك دستور الدولة الإسلامية في العراق الذي أتمنى من كل قلبي وعقلي أن لا يرى النور لا في العراق فحسب, بل في أي منطقة من مناطق العالم, فهو الجحيم بعينه, هذا هو ما يعدنا به مرجعيتك الحائري, صاحب الفتاوى المرفوضة من علماء الدين الذين يحترمون دينهم والمجتمع الدولي والعلاقات الإنسانية.
لكَ أن تختار من المرجعيات ما تشاء فهي من حقك كإنسان, ولكن ليس من حقك أن تفرض علينا ما تريد, وليس من حقك أن تعود إلى سابق عهدك باستخدام لغة الوعيد والتهديد والعنف, إذ أن الموت لا يشملك بالضرورة ولكنه سيشمل الناس الأبرياء والمخدوعين الذين يركضون وراء القناعة بأنك تمنحهم مفتاح الولوج إلى الجنة. لا تملك أنت ولا غيرك مفاتيح الجنة ولا تملك حق منحها لأحد ولا حتى لنفسك, فكيف إذن لغيرك. كف يا سيدي الفاضل, كف عن تعبئة الناس على هذا الطريق المعوج الذي لا يقود إلا إلى موت البشر والخراب وتأخير المسيرة الديمقراطية في البلاد.
من حقك أن تناضل في سبيل دولة إسلامية في العراق, وليس لي حق الاعتراض على ما ترفعه من شعارات. ولكن لا يجوز رفع شعارات تقود إلى موت البشر وخنق حرية العباد ونطاردتهم وأنت ما تزال خارج السلطة, فكيف إذا وصلت إلى السلطة وأصبحت الحاكم الأوحد في العراق. في المقابل لا تستطيع أنت أن تمنعني وتحرمني من حقي في النضال في سبيل إقامة دولة جمهورية عراقية ديمقراطية فيدرالية حرة ودستورية تستند إلى أسس المجتمع المدني الديمقراطي الحديث. ومن حقك أن ترفض مشروعي ومن يناضل من أجله وتناضل ضده بالطرق السلمية والمشروعة, ولكن ليس من حقك ممارسة سياسة العنف والقتل للوصول إلى إقامة الدولة التي تسعى إليها زمنع إقامة الدولة الديمقراطية, وليس من حقي أيضاً أن أمارس العنف والقتل لإقامة المجتمع المدني والعلماني في العراق. ولكن من حقنا معاً ممارسة الأساليب السلمية والديمقراطية للوصول إلى ما نبتغيه, وعلى المجتمع, على الشعب بكل قومياته وفئاته وقواه, أن يقرر الطريق الذي يريد السير عليه, وعلينا الخضوع لإرادة الشعب بعد أن يوفر له ظروف اختياره الحر لمسيرته القادمة بعد عناء طويل تحت حكم المستبدين.
لم أكن إلى جانب إسقاط النظام العراقي عبر الحرب لأني كنت أخشى الكثير, وكنت أتمنى أن نسقطه بأيدنا نحن قوى المعارضة العراقية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية, وجميع قوميات وطبقات الشعب العراقي. المعارضة العراقية, كل المعارضة بكل قواها واتجاهاتها عجزت عن تحقيق ذلك الهدف النبيل, والغالبية قررت الاستعانة بالقوى الخارجية, حتى بعض قوى الإسلام السياسي وافقت على ذلك, فكانت الحرب وأسقطت النظام الدكتاتوري ثم وضعت الدكتاتور في السجن وفي قفص الاتهام, أي في المكان الذي كان الدكتاتور قد وضع الشعب العراقي كله فيه ولعقود كثيرة. لم يكن فينا من كان سعيداً بسقوط النظام على أيدي الأجانب, ولكننا جميعاً كنا سعداء بسقوط النظام وخلاص الشعب العراقي من هذا الدكتاتور المرعب الذي يتحمل موت أكثر من مليون ونصف مليون إنسان ما توا بسبب سياساته عدا أكثر من 700 ألف طفل ماتوا بسبب سياساته وسياسة الحصار الأمريكية.
نحن العراقيات والعراقيين يا سيدي الفاضل نريد خروج تلك القوى التي خلصتنا من صدام حسين بأسرع وقت ممكن. ولكن السؤال الذي يواجهنا جميعاً: كيف نحقق ذلك؟ هذا هو السؤال الذي نختلف في الإجابة عنه. فأنا أميل وأسعى إلى إخراج القوات الأمريكية وغيرها من القوات التي احتلت العراق بعد سقوط النظام عبر مجموعة من الأساليب السلمية, والمضمونة, ومنها:
أ?. العمل الجاد محليا, عربياً ودولياً من أجل إحلال قوات تابعة للأمم المتحدة محل القوات الأمريكية والبريطانية لكي تقوم بدور فعال لمساعدة الشعب العراقي في إيقاف الإرهاب الدموي الجاري في العراق, وكنت أنت, كما تعرف, لفترة غير قصيرة طرفاً في عمليات الإرهاب, وأرجو أن لا تعود إليه, وهي لمصلحتك ومصلحة أتباعك, ولكنها في الوقت نفسه لمصلحة الشعب العراقي وإخراج القوات الأجنبية من العراق.
ب?. الإصرار على استخدام الأساليب السلمية والديمقراطية في المعارضة لسياسات الحكومة والعمل من أجل استعادة الهدوء والاستقرار للبلاد ومساعدة الحكومة على الإمساك الجيد بزمام الأمور والحفاظ على الأمن واستكمال تشكيل القوات العراقية, سواء أكانت قوات الحرس الوطني أم الشرطة أم قوات الأمن, التي بدونها لا يمكن طلب مغادرة القوات الأجنبية.
ت?. التعاون مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لتحقيق هذا الهدف, أي المطالبة بمغادرة كل القوى الأجنبية أرض العراق بعد أن نحقق تلك الأهداف.
ث?. وفي حالة الرفض سنتبع أسلوب العصيان المدني والإضرابات بمختلف أشكالها لفرض خروج هذه القوات.
وكل الدلائل تشير إلى أن العراق عندها سيحصل على تأييد العالم كله لإنجاز هذه المهمة. وكانت الحوزة العلمية, التي يفترض أن تعود إليها, وافقت على ذلك وأيدت سعي الحكومة لإحلال الأمن والاستقرار في البلاد.
ولكن ماذا تريد أنت؟ كما يبدو لي, أنت تسعى إلى تصعيد أعمال المغامرة الخطرة بدفع أتباعك إلى ممارسة العنف بحجة النضال ضد الاحتلال. ويبدو أنك تتصور بأن خروج هذه القوات سيسمح لكَ بالاستيلاء على السلطة من خلال الشارع العراقي الذي حاولت السيطرة عليه. وتعتقد أنك بذلك تستطيع فرض الأمر الواقع على العراقيات والعراقيين. أي أنك تميل كلية إلى العنف ولا تجنح إلى السلم كما يفترض أن يكون عليه الأمر. ولكنك تنسى التركيبة القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية العراقية , وبالتالي فأن نهجك هذا يقود إلى مزيد من التوتر في العراق لأن سياساتك طائفية ومتخلفة إلى أقصى الحدود, إنها أكثر ظلامية من ظلامية المتطرفين من أتباع المذهب الوهابي في أفغانستان والسعودية وغيرهما. حتى الآن يشعر غالبية المسلمين بالخجل والبؤس عندما يقال لمسلم في أي مكان من العالم أن نظام طالبان في أفغانستان كان نظاماً إسلامياً, والإسلام منه براء.
قبل فترة وجيزة هاجم أحد أعوانك في مدينة الثورة العراقية, وربما في الكاظمية أيضاً, (المدينة التي أقامها عبد الكريم قاسم للفقراء والكادحين من أبناء الوسط والجنوب النازحين قسراً وهرباً إلى بغداد من استغلال وقهر الإقطاعيين وكان يفترض أن تسمى مدينة قاسم, إلا أن قاسم لم يفعل ذلك أثناء حياته, ولكن صدام أطلق عليها اسمه, ثم غيرت إلى مدينة الصدر, في حين أنها تستحق أن تأخذ اسم مدينة عبد الكريم قاسم أو أن تبقى مدينة الثورة), بأن إيران تتدخل في الشئون الداخلية للعراق, وأشار إلى المخاطر الناجمة عن ذلك التدخل وهدد وتوعد أيضاً, تماماً كما فعل وزير الدفاع الحالي, حازم الشعلان, ولم يختلف عنه إلا في قول الأخير "أن إيران تعتبر عدونا الأول" وكان خطئاً جسيماً. وبعد أسبوع واحد لا غير تنبري أنت يا سيدنا الصدر لتدافع عن إيران وتهدد بمقاومة من يحاول الاعتداء على إيران. يبدو أنك لا تعرف غير لغة التهديد والوعيد, وهي لا تتلائم مع اللباس الذي ترتديه والحوزة التي ترتبط بها, وهي لغة غير مقبولة ومن يمارسها في الظروف التي يمر بها العراق يساهم في إشاعة المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار, رغم علمي بأنك تفعل ما يماثل المثل النابت الذي يردده الأكراد في مثل هذه الحالات حيث يقول: من يحمل صخرة كبيرة يهدد بها لا ينوي رميها, إذ أنه غير قادر حتى علي قذفها! ليس هناك من يريد مهاجمة إيران من العراق, ولن يحصل هذا أيضاً وتجربة حرب السنوات الثماني كافية لتأكيد خطأ شن حرب عراقية جديدة ضد إيران, وهي لا تخدم العراق ولا القضايا العربية في كل الأحوال. ولن نسمح أيضاً لأمريكا أن تشن الحرب على إيران من الأراضي العراقية. ولأمريكا طرق ومواقع أخرى تستطيع استخدامها لشن الحرب ضد إيران, ولكن كما أرى سوف لن يحصل هذا في القريب العاجل أو أنه لا يحصل أصلاً, ولكن من غير المستبعد أن تشن الطائرات الأمريكية والإسرائيلية غارات جوية على مواقع عسكرية وخاصة المفاعلات النووية منها في إيران لتدميرها كما فعلت بالمفاعل النووي العراقي, وهو ما ينبغي رفضه وإدانته عراقياً وعربياً وإقليمياً ودولياً. إننا يا سيدي الصدر لا نحتاج إلى دونكيشوت عراقي يحارب الطواحين الهوائية ويعتقد بأنهم جيوش أعداء اسبانيا, فيمتشق سلاحه الخشبي ليضرب به تلك الطواحين. والحكاية لا بد وأن سمعت بها أوقرأتها فقد درست لنا في الخمسينات في الصف الرابع الثانوي في درس اللغة الإنجليزية.
تؤكد من جانب بأنك لا تريد تشكيل حزب سياسي, وهذا حقك المشروع. ولا تريد لأتباعك أن يشكلوا مثل هذا الحزب حالياً, وهذا من حقك أيضاً, وترفض المشاركة في انتخاب اللف الذين سينتخبون المائة التي تشكل المجلس التشريعي أو الهيئة المؤتمر الوطني المؤقت, وهذا من حقك أيضاً, لكن لماذا إذن تصر على وجود ما يسمى بجيش المهدي المنتظر في بعض المدن العراقية الذي يقوم بين فترة وأخرى باستفزاز القوات العراقية أو القوات الأجنبية دون مبرر واضح, ولا تقوم بحل هذا الجيش المرعبل (غير المنظم) وتسليم أسلحته إلى الحكومة العراقية الجديدة التي تحظى بتأييد أكبر من الحكومة السابقة, رغم كل التحفظات, التي يمكن أن يشار إليها, على هذه الحكومة. إن وجود هذا الجيش المكون من ثلاث قوى, وهي: 1) عناصر من الضباط والجنود الإيرانيين أو العراقيين العائدين من إيران من الذين غسلت أدمغتهم في سجون ومعتقلات إيران أو من المهجرين العائدين؛ 2) عناصر من البعثيين الشيعة الذين سرحوا من الخدمة العسكرية مع حل الجيش العراقي, سواء أكانوا من الضباطً أم ضباط الصف أم الجنود؛ 3) من بعض أتباع والدك الراحل رحمة الله عليه, الذي اغتالته يد الغدر الصدامية, كما اغتالت المئات من علماء الدين الأخيار. وعائلة آل الحكيم وحدها قدمت أكثر من 80 شهيداً في فترة حكم البعث, وبعض الشهداء الأخيار من عائلة الصدر التي تنتسب إليها, وبشكل خاص السيد محمد باقر الصدر وأخته الفاضلة بنت الهدى ووالدك الفاضل السيد محمد صادق الصدر. ماذا تريد أن تفعل بهذا الجيش البائس؟ إن مثل هذا الجيش بتركيبته وتخلف أفكاره لا يستطيع أن يمنح الشعب العراقي ما لا يملكه, وهو الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية, فهو مكون من مجموعات تعيش على فتات الموائد, أي على ما تمنحه أنت لهم من مال يأتي من الداخل والخارج لأغراض مساعدة العوائل الفقيرة والمحرومة وليس لأغراض عسكرية من النوع الذي تهدد بممارسته.
أتمنى لكَ العودة الحميدة إلى جادة الصواب التي أشعر بأنك قد انحرفت عنها, إن هذه العودة لا تنفعك وحدك, بل تساعد على تقليل نزيف الدم في العراق الراهن وتساعد على إعادة إعمار العراق وتحقيق آمال الناس البسطاء في حياة أفضل وأكثر هدوءاً واستقراراً. أتمنى لكَ الهداية والحصافة والاستماع بأذن صاغية وعقل مفتوح إلى من هم أكبر منك سناً ممن يعمل معك في الحوزة العلمية وخاصة آية الله العظمى السيد علي السيستاني.
برلين في 01/07/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟