نبيل ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 2999 - 2010 / 5 / 9 - 00:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
رؤيتي لمستقبل الثقافة في العراق
من خلال اعادة تنظيم دور وزارة الثقافة العراقية
وتأسيس المجلس الوطني الاعلى للثقافة
1-يتعامل كثير من العراقيين مع مفهوم الثقافة على انها الانتاج الادبي من شعر وقصة والانتاج الفني من فن تشكيلي وفن مسرحي
دون ان يتعاملوا معها كما هو سائد في العالم الحديث من انها انتاج الافكار والرأي والتصورات والمشاعر والمفاهيم وانها تساهم في تشكيل هوية المجتمع وتغذيته بالقيم والمعايير الاجتماعية والنفسية، وبلورة اصول وعادات العلاقات الاجتماعية.
2-يعاني العراق من ازمة ثقافية عامة تعكس نفسها على الازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فحين تغيب ثقافة القانون يغيب القانون نفسه. وحين تغيب ثقافة الدستور يغيب الدستور ويصبح الخطاب السياسي العراقي خطابا ايديولوجيا ومتشنجا بعيدا عن الطابع الحقوقي للخطاب السياسي في الدول الحديثة.
3- عانت الثقافة العراقية في العقود الماضية من انعدام استقلاليتها وتم الحاقها بجهاز الدعاية والامن وتحولت من ثقافة تخدم المجتمع وتعمل على تطويره الى ثقافة تساهم في تكريس عبادة الفرد وتمجيد الحروب وتحويل المجتمع الى قطاعات خادمة للسلطة ومرتهنة لاجراءتها التعسفية بحيث تحولت سلطة الثقافة الى اداة قمعية موجهة لممارسة الارهاب الفكري على المجتمع العراقي لتحرس (هيبة القائد) وتمجد جميع افعاله بلا استثناء فصارت تحول الهزيمة الى نصر ساحق والاعدامات الجماعية الى تطهير للخونة.
4- يحتاج العراق ، الى رؤية ثقافية جديدة وفلسفة ثقافية مستمدة من الحاجة الى :
اولا: تصفية الحساب مع الارث الثقافي العميق للدكتاتورية والحرب وتمجيد الفرد من خلال انتاج ثقافة قائمة على معايير وطنية وقيم انسانية تكرس التسامح والانسجام الاجتماعي واحترام الاختلاف من خلال احترام حقوق الافراد والجماعات واحترام دور القانون في التسويات والاحكام وتحقيق المساواة لاعتبارها من شروط المواطنة.
ثانيا: نقد ثقافة البعث وثقافة التكفير باعتبارها ايديولوجيا للعنف واقصاء للمشاركة وتبرير للاستبداد وتخوين قومي وتكفير ديني للاختلاف.
ثالثا: تعميق صلة الثقافة بالعلاقات الوطنية والمعايير التي تؤكد علي مدنية الثقافة ووظيفتها في صياغة مجتمع قادر على التعايش في الاختلاف ويمارس التسامح ويتمتع يالقدرة على المشاركة في تجاوز الازمات والمشاركة في اجتراح المبادرات بشكل عملي وواقعي.
رابعا: مساهمة الثقافة في توطيد علاقات العراق مع محيطه كله خاصة وان الثقافة العراقية تنتمي للمنظومة الثقافية العربية لغويا وتاريخيا وبالتالي يمكن ان تكون جسرا بين العراق والعلاقات العربية القائمة على احترام الخيار الديمقراطي العراقي وعدم التدخل في شوونه او الوصاية عليه. اذ يمكن للثقافة ان تكمل الطريق الذي يمكن للسياسة ان تتوقف فيه فالمعايير الثقافية اطول عمرا في تاثيرها من بقية المعايير.
خامسا: يفتقر العراق ثقافيا الى علاقات مع المحيط الدولي ويفقد فوائد التواصل الثقافي مع العالم من خلال الامم المتحدة واليونسكو والاتحاد الاوروبي ومؤسسات الثقافة العالمية ومؤتمراتها وامكانيات وصول الثقافة العراقية الى اوسع المحيطات البشرية. ويمكن للتواجد الثقافي العراقي من خلال رؤية وفلسفة مخططة بمعرفة ودراية ان يخدم العراق من خلال دعم الثقافة العالمية لدوره وحضاراته وخياراته السياسية وامنه واستقراره.
5- ان الغنى التاريخي للثقافة العراقية لايمكن ان يتوقف عند التاريخ وانما نحن بحاجة الى مساهمة الثقافة العراقية في التاثير على المجتمعات المجاورة تاثيرا ايجابيا يخدم العراق ، حيث تراجع دور الثقافة العراقية حتى بالنسبة للاطراف مثل دول الخليج. فبعد ان كانت تلك المناطق تتغذى على الانتاج الثقافي والفكري العراقي صار العراق يتاثر بلهجات وازياء وكتابات تلك الدول بحيث صارت نموذجا يتمنى تقليده والوصول اليه.
6- ان الخطوات الارتجالية في مجال الترجمة التي تغذي الثقافة العراقية اضرت بالثقافة العراقية بشكل واضح. فهذه الخطط مبادرات اعجاب فردي لهذا الشخص او ذاك وترويج لميادئ وافكار وظواهر ومذاهب لاتناسب حاجة العراق اليوم الى خطة ترجمة لمايحتاجه لدعم نظامه السياسي وخيارات مجتمعه في وقت تصرف فيه اموال طائلة على مجلات وتراجم لاتخرج من مخازن وزارة الثقافة او توزع مجانا لترمى لعدم حاجة الناس اليها او انها توزع على فئة محدودة لاتتعدى مائة او اكثر قليلا ممن يتصورون ان الحداثة هي بضغة مفاهيم ادبية بينما تعد ثقافة سيادة القانون وثقافة سيادة الدستور ونسبة مشاركة المجتمع المدني وافراد المجتمع بلقرار السياسي من خلال العمل في المجالس والتطوعات وحضور الندوات الثقافية للمجالس البلدية وانعكاسها على وعيهم للمارسة السياسية مقياسا للحداثة والتطور الاجتماعي والسياسي من خلال ثقافة مدنية تعم المجتمع ولاتتقتصر على نخبة.
** ان الثقافة يمكن ان تعيد قراءة وكتابة التاريخ وفق منهج موضوعي، كما يمكن ان توازن بين التعددية الثقافية المشروعة دستوريا وحقوقيا وبين عدم طغيان جزء من هذه التعددية على الثقافة العامة للمجتمع العراقي.
هذا يقتضي استقلالية الثقافة وتعميق طابعها المدني وحريتها في البخث في اطار القانون والمعايير الحقوقية لحرية الرآي والتعبير.
7-ان سلطة ثقافة العهد المنهار كانت طاغية وعميقة الاثر في نفوس افراد المجتمع العراقي سلبيا. لقد كانت سلطة تلك الثقافة مستمدة من ارهاب السلطة السياسية بحيث انها تسببت في تحويل الشعور بالامان الى شعور بالخوف وترقب العواقب السيئة لاي فعل او كلام.
اليوم نحن بحاجة الى تعزيز سلطة الثقافة المدنية التي تؤسس لثقافة الاغلبية ومعايير التسامح وسمو الحق والسلم الاهلي على اساس التعامل الواقعي بان مستقبل العراق بقوم على الاعتراف بالواقع التعددي والمتنوع ، وان الثقافة انتاج مدني يستهدف سعادة المجتمع وتحقيق شعوره بالامان والانسجام
منذ سبع سنوات تتعمق الازمة الثقافية حتى من خلال اعتبار وزارة الثقافة جزء من المحاصصة بحيث تولاها ذات مرة شخص مطلوب للعدالة بتهمة ممارسة الارهاب والقتل ، ومرة رجل بوليس ومدير سجن عبر عن استخفافه بالثقافة واحتقاره لها وتعامله معها كمنصب وزاري وليس كهمة لبناء المجتمع وافراده، وهو امر يعكس مع الاسف الاستخفاف باهمية الثقافة وقدرتها على ادارة المجتمع ادارة ترفع قيم المواطنة وقيم المشاركة المدنية في القرارات السياسية وقيم التسامح الديني والثقافي والقومي باعتباره نهجا وثقافة اجتماعية لكل فرد لنبد التمييز واعتباره خرقا دستوريا وقانونيا.
ان الاهتمام بالمهرجانات التقليدية عكس عزلة الثقافة وعزلة الدور الثقافي للمثقفين العراقيين وجعل هذه العزلة عزلة (نخبويةّ فوق المجتمع رغم انها لاتملك القيم الثقافية القادرة على (النزول) الى المجتمع الذي قطع الصلة بالنتاج المحسوب على الثقافة. واصبحت المهرجانات مادة مكررة ومستهلكة تشير الى فشل الدولة في ادارة الثقافة وادارة الاطار الثقافي للعلاقة بين المجتمع والدولة.
ان طرح المسائل الثقافية للجدل والنقاش في مؤتمرات جادة ومنظمة ومجدولة وعلى موائد مستديرة لبلورة الافكار والرؤى والمشاريع ولجان لدراسة الواقع العراقي دراسة ميدانية وموثقة ستسهم في اعادة طرح الدور الثقافي العراقي مجددا. ان اسئلة عميقة تواجه الدولة العراقية في الشآن الثقافي منها:
* ماهي الثقافة التي ينتجها المثقفون لمجتمعهم؟هل هي ثقافة الحق والقانون والتسامح والعدل والمساواة ام ثقافة القوة وتمجيد الفرد السوبرمان والمال والسلطة؟
* كيف تعيش الثقافة في اوساط المجتمع وتصبح شاغلا للناس لكسب المعرفة والمعلومات والاطلاع والمتعة الجمالية؟
* كيف نؤسس لثقافة المواطنة وسيادة القانون وثقافة المشاركة الفردية والشعبية في المجتمع وصياغة القرارات والقوانين التي تهم المجتمع؟
* كيف نشيع ثقافة حقوق المواطن في علاقته بالجهاز الاداري والجهاز الامني ( الشرطة، علاقات الجوار، تحمل المسؤولية الخ)
* ان مسؤولية الثقافة مسؤولية مدنية وعامة لاتقتصر على النخبة التي تنتج الثقافة لنفسها وانما تنتجها لافراد المجتمع. ان الكتاب قناة رئيسية للثقافة ولكن هذه القناة قصيرة ومسدودة لاتوصل المادة الثقافية للمجتمع الذي يعاني من شيوع الامية بنسب عالية جراء الفقر والحروب والقمع والدكتاتورية التي تركت لنا ارثا صعبا من التجهيل ومعاداة الحريات العامة وتحويل الثقافة الى دعاية رخيصة ومباشرة.لذلك يحتاج العراق الى رؤية ثقافية واضحة المعالم ترفع من مستوى اهتمام الفرد بالثقافة لتصبح جزء يوميا من حياة المواطنين.
* يواجه العراق تحديات اقليمية ودولية متعددة. منها ماهو صديق ومنها ماهو محتج على التحولات السياسية الجارية في العراق. ويمكن للثقافة ان تلعب دورا رياديا في تقديم صورة المجتمع العراقي وتعكس اهتمام مؤسسات الدولة بالمواطن لان مؤسسات الدولة تنشأ وتتعزز من خلال عمق الثقافة الخاصة بمفاهيم الدولة ومؤسساتها.
*كيف نستبدل ايديولوجيا وثقافة العنف بثقافة السلم الاهلي والتسامح والدور الثقافي والاجتماعي للفرد وتكريس المواطنة كحقوق وواجبات في نفس الوقت.
يتميز كل بلد باطار ثقافي خاص به رغم التاثيرات الاقليمية والعالمية على ثقافته. ويحتفط العراق بموروث حضاري اخذ يتراجع شيئا فشيئا اذ طغى عليه تشويه متعمد طوال اكثر من ثلاثة عقود. لقد اصبخ من الضروري اعطاء هذا الموروث مكانة في الذهنية العراقية من خلال عمل ثقافي منظم وواع ، خاصة في حالة التفكك الثقافي والاجتماعي التي يعاني منها العراق وتسمح لقوى واشخاص ذوي نفوذ التدخل في الاتجاهات الثقافية وصناعة اتجاهات بديلة حسب رغبات ومصالح تلك القوى واؤلئك الاشخاص بدون معيار ثقافي كما حدث ان تدخل احد وزراء الداخلية لتسمية احسن مثقف عراقي ومنحه جائزة بهذا الاسم في خطوة ارتجالية تكرس الارتزاق الثقافي والاعتباطية الثقافية.
ان مفهوم المجتمع المدني مفهوم مضلل وعائم، وقد اخذ الثقافة من موقعها المدني ليلحقها بالايديولوجيات ويحرم المجتمع من ايجابياتها العديدة.ان المثقفين العراقيين عانوا ، ومايرالون يعانون، من التفكك الثقافي الذي يسفر عن ضياع في الانتماء للثقافة وعن انتماء الى التصورات والاوهام الايديولوجية.
يعاني العراق من ازمة ثقافية غير منظورة بالنسبة لكثير من الناس ، خاصة من السياسيين الذين لم يولوا الثقافة ما تستحقه من موقع وتأثير.وتتلخص هذه الازمة بتماثل الثقافة مع ايديولوجيا الاخزاب خاصة حزب البعث المنهار الذي خلط الثقافة المدنية بثقافة الانقلاب والعسكر والدبابة وثقافة الالغاء والتهميش التي نحسم ازمة الحكم بالقوة والتعامل مع المواطنين كقطيع
والعسكر والدبابة التي تحسم أمور الحكم تطورت لتكون ثقافة استخدام ملاعب كرة القدم معتقلات وسجونا للتعذيب والتحقيق كما هو الحال مع ملعب الإدارة المحلية في الكرخ عام 1963, لتتصاعد وتيرة هذه الثقافة إلى الإعدامات والمقابر الجماعية التي جاءت بالأكراد ليقتلوا في بادية السماوة, وجاءت بأهل الجنوب ليقتلوا في ضواحي كركوك أو الموصل أو بغداد,بحيث يمكن القول انه حتى القبور تغيرت ديمغرافيا على يد تلك الثقافة.
تم تكريس هذه الثقافة وصولا لعبادة الفرد وتكريس الدكتاتورية وتحويل المنهج العقلي إلى منهج فاشي, والمنطق إلى إطلاق الرصاصة على الرأس, والحوار إلى مشنقة, والخلاف إلى ساحة رمي, مضافا إلى تلك الثقافة ثقافة الحرمان من لقمة العيش ومطاردة البشر من اجل تكريس عبوديتهم للحاكم على حساب كرامتهم وحقوقهم وحقهم في العيش والتفكير والتعبير والرأي, وانتشار ثقافة التكسب مقابل الصمت وغض النظر ا بحيث أجبرت نخبة العراق الثقافية إما على الرحيل أو الصمت أو الدخول في عملية اختلاس عقول الناس ومشاعرهم وصبغها بألوان السلطة والطاعة والخنوع والانضمام للحشد الموحد الذي ينشد فيه الرسام والشاعر والناقد والمسرحي والسينمائي والأستاذ الجامعي والكاتب ومنتج الفكر في جوقة غنائية مهينة أناشيد لميلاد القائد الضرورة, وغير ذلك من مشاهد دراما سقوط الثقافة العراقية, التي تشير كلها إلى الكارثة الثقافية التي عانى منها العراق بصعود الفاشية والدكتاتورية كثقافة للسلطة والمجتمع عممت بواسطة كل وسائل الإكراه والتعسف التي امتلكها النظام.
وإذا أردنا إنصاف أنفسنا قبل إنصاف غيرنا, فإننا يجب إن نقول إن صدام حسين هو نتاج تلك الكارثة الثقافية التي توسعت على يديه وأصبحت كارثة معممة على العراق. هو صناعة تلك الثقافة بامتياز.فهو ابن الإلغاء والاحتكار والقتل والإعدام السياسي, وهو ابن الغوغائية الثقافية السياسية التي سادت العراق طوال عقود من السنين, وهو ابن إيديولوجيا العنف التي وصلت ذروتها على يديه وحلت محل الثقافة الحرة والمدنية.انه من الناحية الثقافية الكارثية صناعة لازمة الثقافة وهيمنة ايديولوجيا العنف والالغاء التي انتجت السياسة الالغائية والعتفية التي سادت في العراق.
وإذا كان هناك تقدير بعدد ضحايا تلك الثقافة التي قادت السياسة وقادت الحكم الدكتاتوري فان ضحاياها في الواقع ليس مليوني شهيد وقتيل, وإنما ضحاياها يمكن إن يكون مستقبل العراق أيضا.
أنها الثقافة قبل كل شيء, الثقافة التي تلغي القانون وتجعل إطلاق النار قانونا بدلا منه, والثقافة التي تلغي الدستور وتجعل من القمع والاضطهاد المرجعية التي يقوم عليها الحكم بدلا منه. وإنها الثقافة التي تتعامل مع الحقوق كخرافات لا يستحقها عبيد السلطة والمال والقوة والطغيان. وإنها الثقافة التي ترسم يصوره سرية وتقوم على التقارير والوشايات والمراقبة بدلا من إنتاج الأفكار والقيم والإبداع.
إذن فما هو المطلوب؟
منذ سقوط نظام صدام لم يشهد العراق تطورا أو تجديدا في الثقافة وإدارتها وعلاقاتها بالحكومة أو التنظيمات الحزبية. فشلت الثقافة, التي يفترض إن يكون عملها بأهمية الأمن والدفاع والكهرباء والبلديات والشؤون الاجتماعية وغيرها في بلد مخرب, في إن تقدم أية بادرة تدل على أنها قادرة على مراجعة تلك الثقافة والبدء بتصفية الحساب معها وإطلاق مسار عقل ثقافي جديد. وبدلا من ذلك سادت أجواء روتينية هامشية في العمل الثقافي وأصبحت عنوانا لجهة سياسية لا أكثر , واجتهدت في إن تعيد أعضاء تلك الجهة إلى وظائف ومواقع تسيطر على المناخ الثقافي بشكله الأدبي الهزيل, وممارسة العزل والإقصاء والتهميش مكتفية بمهرجانات اغلبها استمرار لمهرجانات النظام السابق وحفلات وندوات لا تغني ولاتسمن لان مفهوم الثقافة لديها أصلا خطأ ويقوم على احتكار تلك النشاطات وتطعيمها بهذا وذاك , وهي تطعيمات تخدم هدف الجهة أكثر مما تخدم هدف الثقافة والمجتمع.
إن تحزيب الثقافة في الواقع نشآ عن قيام نظم حكم تسلطية غير ديمقراطية , فالثقافة ليست ملكا لحزب أو تنظيم. إننا نطلق في حركة تجديد العراق من المبدأ الثقافي الديمقراطي الذي يحترم استقلالية الثقافة ومدنيتها وعدم حزبيتها وحكوميتها وعدم انتمائها لأي حزب أو تنظيم لأنها ستكون(وكرا) لذلك التنظيم .وهذه حقيقة لمسناها بعد سقوط النظام حيث فشلت الإدارات الرسمية للنشاط الثقافي في مهمات كبرى تحد من ثقافة النظام السابق وعقليته وتبدأ تصفية اثأر ومبادئ ثقافة القتل الجماعي الخطيرة وثقافة عبادة الفرد وثقافة تدمير المثقف وإلحاقه بجوقة من المتسولين مقابل مبدأ السكوت والدخول في عملية عزل الفكر الثقافي عن ممارسة دوره في الوعي والمعرفة وتشكيل علاقات جديدة بين المجتمع والدولة وبين المكونات المتعددة للعراق.
لم يبدآ احد بعد شيئا على صعيد البدء ببناء ثقافة خارج قصائد وقصص البعض ورسومهم ومعارضهم وإقامة حفلات وندوات ليست من اختصاصها أصلا إذا كنا نريد استقلال الثقافة عن الحكومة وتدخلها.
إننا بحاجة إلى استقلالية وزارة الثقافة لتبدأ عملا خطيرا لإرساء قيم جديدة تقوم على أطروحات فكرية وثقافية جديدة وتعيد التجانس الثقافي المخرب للعراق وتقدم رعايات لحوارات وطنية كبرى ورسم سياسات حول قضايا الثقافة الصحيحة باعتبارها إنتاجا للأفكار والقيم والأصول والمرجعيات لأي بلد, لا بتدخلها وسياستها التمييزية وإحكامها المسبقة في تصنيف المثقفين بالأعداء والأصدقاء كما شهدنا في المنفى, وإنما بتوفير الفرص والأموال , ورعاية عملية كبرى هي استعادة الثقافة العراقية باعتبارها مؤسسة مدنية تسهم في رسم معالم مجتمع جديد تقوم ثقافته على التسامح والقانون والإبداع بعيدا عن التوافق والإرضاء والجوقات المطبلة , الأمر الذي يسهم في إبقاء ثقافة العهد الصدامي ا القائمة على أطروحات مزيفة مثل تقدمية صدام واشتراكيته وتحرره وديمقراطيته وهو الاتجاه الذي مازال بعض ممثليه الرئيسين ينشطون لتخريب ما تبقــى من الثقافة الوطنية والإنسانية الموضوعية والمبدعة.
لسنا معنيين إن توصف هذه الكلمات بنعوت مثل أنها منطلقة من حقد أو كره أو عداء أو طموح سياسي وغير ذلك من نعوت اعتاد العراقيون على سماعها بعد كل رؤية نقدية تلامس الحقائق والوقائع.
هناك كارثة ثقافية في العراق سببت الماسي السياسية للمجتمع العراقي وعلينا إن نبدأ بالثقافة ونحررها ونعيدها إلى الاستقلالية قبل أن تتحول إلى (وكر سري) لأي حزب من الأحزاب.فالعراق بحاجة إلى ثقافة جديدة لا تنتج له مصائب أخرى.
#نبيل_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟