أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - أيهما أفضل استعمار البدو أم استعمار الرومان؟













المزيد.....

أيهما أفضل استعمار البدو أم استعمار الرومان؟


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 2998 - 2010 / 5 / 7 - 11:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



يقول الخطاب البدوي ورموزه الكبار في معرض دفاعهم عن البدو الغزاة العرب حين قاموا بجريمتهم التاريخية الكبرى في غزو دول الجوار وتدمير الحضارات الشرقية العظيمة، وحلوا مكانها، تلك الحضارات الرفيعة التي كانت تتناسل كل فجر وترفد البشرية بشتى الإبداعات، في مصر وسورية والعراق وشمال أفريقيا، نكرر يقولون بأنهم قد حرروا إنسان وشعوب المنطقة من الاستعمار الروماني، الذي كان يستعمر هذه البلدان، ويسخرها، وينهب ثرواتها وينكـّل بشعوبها، وبهذا القول فهم يعترفون، وإن بشكل غير مباشر، باستعمارهم لهذه البلدان والشعوب التي لم تكن لهم، ولم يكن لهم فيها وجود قبل ذلك، ولا حق شرعياً لهم في ذلك، ولا ندري كيف من يزدري قيم الجمال والإبداع، وتقوم ثقافته على السطو والغزو والنهب الفظاظة والغلاظة والإكراه والإلزام والفرض والجبر ونبذ الآخر وسلبه قراره ورأيه وفكره، ومن كانت العبودية والرق والنخاسة وسبي النساء والمتاجرة بهن في الأسواق كأية سلعة أخرى، شعاراً، وهدفاً، وعرفاً وتقليداً وممارسة مشرعنة ومقوننة ومحترمة وفي بنية ثقافته، يمكن أن يؤمن بالحرية والقيم العظيمة، أو بتحرير شعوب أخرى من نير الاستعباد، أو يكون عاملاً على إسعادها ورفاهيتها ورقيها، ونشلها من قيعان الظلم والظلام؟ ولا ندري من يعتبر نفسه فوق شعوب الأرض، ويطرح نفسه على أنه خير أمة أخرجت للناس، ولا يؤمن بقيم العدالة والمساواة وسياسته قائمة على البطر والظفر، ويقع الاستعلاء على الآخر في صلب بنيته الإيديولوجية أن يكون محرراً للآخر ومؤمناً بحقه في العيش؟ كما لا ندري كيف كان هذا محرراً ويدعي بأنه خلص الشعوب من القهر والإذلال الروماني، ثم عاد ليفرض الجزية والعهدة العمرية على الآخر الذي حرره من الاستعمار الروماني وبعد "التحرير" المزعوم ألغى وقضى على أي شكل ونمط سياسي وفكري وسياسي وفرض ثقافة أحادية اللون استبدادية الطابع وأنظمة حكم قهرية ظلامية خلافية مستبدة وملكاً عضوض لا تداول فيه للسلطات ولا انتخابات ولا أي نوع من الحريات؟ وإذا كان ثمة من سبب لإدانة الاستعمار الروماني، والتصفيق للاستعمار البدوي، فسينطبق على الوضع عندها المثل الشعبي الرائج "من تحت الدلف إلى تحت المزراب"، أي أن هذه الشعوب المنكوبة انتقلت من السيئ إلى الأسوأ، وكم هي الكارثة كبيرة ألا نتمكن من مقاربة أوضاعها إلا في صيغ بين أسوأ وأسوأ، وأردأ وأردأ وأقبح وأقبح، وليس بين جيل وأجمل، أو جيد وأفضل، فهل هي لعنة تاريخية أصابتها منذ الأزل؟

وبداية القول، وفصله، لا فرق بين استعمار، واستعمار، ولا غزو وغزو آخر. ولا يوجد استعمار حميد وآخر خبيث وتظل الجريمة في الاعتداء على الآخرين واستباحة أراضيهم قائمة ومدانة. وإذا كان الاستعمار الروماني كما يقولون قد استعبد شعوب المنطقة، فعلى الأقل ترك وراءه ثقافة وكتباً وفنوناً في المسرح والموسيقى والرقص والتمثيل وأوابد تاريخية كالمسارح الرومانية التي تقف حتى اليوم شامخة بوجه الزمان، لتدلنا على المستوى الحضاري الرفيع والمتقدم التي وصلت إليه تلك الشعوب، حين كانت تقضي لياليها المقمرة الرومانسية الحالمة بمتابعة الإلياذة والأوديسة والاستمتاع بفنون الرقص والغناء والطرب الأصيل. وفي كل مرة أزور فيها المسارح الرومانية في جبلة، وبصرى الشام، وتدمر، أقف بخشوع، وتسري في جسدي قشعريرة غريبة وغامضة، وأنا أتخيل تلك الأصوات العذبة والألحان في أرجاء المكان، والتي كانت تنطلق، في يوم ما، من هذه الأماكن، لكنها، وبكل أسف وألم، صمتت إلى الأبد بعد دخول البدو الغزاة الأعاريب إليها، حيث حرّموا كل أنواع الفنون والرقص والموسيقى والتصوير والرسم، والإبداع واحتقروا كل قيمة وجمال وقضوا على كل نشاط بشري مبدع، ولا يعشقون سوى الدم، ولا يستمتعون إلا برؤية الرقاب المتدحرجة ولا يقدسون إلا القتلة والسفاحين الكبار. وقد دمر ورثتهم في الأمس القريب في قندهار الطالبانية، في إجراء يعطي فكرة واضحة عن طبيعة الثقافة الصحراوية الهمجية التي تشربوها، تماثيل بوذا العظيم، الذي كان آية في الروعة والجمال، ومدرسة قائمة بحد ذاتها، في فن النحت والتعبير الحركي وله قدسية خاصة عند مليارات من الشعوب الشرقية، وجاء ذلك كتجسيد عن احتقار ثقافة البدو لكل ذوق وفكر وجمال وإبداع وعدم احترام واضح من قبل "المحررين" للآخر ومهما كان. وإلى اليوم يعلن إخوان مصر بأنهم سيدمرون الإهرامات والآثار المصرية العظيمة، في حال استيلائهم على الحكم لأنها مجرد أصنام ورمز لحضارة مصر القديمة التي يبدو أنها تؤرقهم ويغارون منها كثيراً.

ولا ندري كيف يؤمن بالحرية، و"حرّر" الشعوب الأخرى من الاحتلالات الفارسية والرومانية والبيزنطية وما زال إلى اليوم يستعبد الإنسان ويقهره ويعمل على تحطيم أمانيه وآماله ويلجم تطلعاته المجتمعية والإنسانية في الحياة والعطاء، ويحرّم عليه حتى الضحك والابتسام، وممارسة أي نشاط لأن كل شيء حرام وغير مباح حتى تبادل الورود والاختلاط والتنزه في الحدائق من غير "مـُحـُرم"(هؤلاء بالذات، وتصوروا، يريدون أن يقنعوا العالم بأنهم "محررون" للآخر وأصحاب رسالة عظيمة وحضارية وفوق ذلك خالدة). وإلى اليوم ما زالت المرأة لدى "المحرّرِين" و"عشاق الحياة"، لا تملك من أمرها شيئاً، واستعباد المرأة وتشييئها وتبضيعها وتسليعها وقبرها في الحياة واحتقارها وسلبها حرياتها كما هو معمول به في عموم المنظومة البدوية وإباحة ملك الينين والزواج من القاصرات هو المسلمات المعاشة والممارسة، وكل هذا خير دليل على "تحرير" أولئك البدو للإنسان من الاستعمار الروماني وأزعومة عشقهم المفضوحة للحرية. ونرى كيف يتم استعباد المهاجرين والعمال الفقراء عبر نظام الكفيل المعمول به في المنظومة الفارسية التي تقول بأنها حاملة رايات المقدسة ويعلنون بتبجح واضح بأنهم ورثة "المحررين" الأعراب الذين "جلبوا" الرفاهية والحرية والسعادة لدول الجوار؟ وإلى اليوم الرق والنخاسة والاتجار بالأطفال والدعارة الدينية "الحلال" بشتى صورها، هي من الممارسات اليومية المعتادة للشعوب التي ترزح تحت الاحتلال البدوي وتئن تحت وطأة وقسوة القهر والظلم والفقر والمجاعات وبطر السلالات وغيها، فعن أية حرية وتحرر يتكلم هؤلاء، كما أن الحروب الأهلية والتباغض المجتمعي والخلافات الأزلية التي أشعلها "دعاة التحرر" لن تنطفئ في المستقبل والقادم من الأيام . والسؤال هل الدول التي يحكمها البدو اليوم، هي واحات للحرية والازدهار، أم بؤر للجهل والفقر والاستعباد والقهر يشتى صوره بعدما "حرروها" من الاستعمار الروماني كما يزعمون أم ساءت أمورها عن ذلك الاستعمار بما با لا يتخيل ولا يقاس؟ والدول التي يحكمها ورثة الرومان هل هي بؤر للفقر والاستبداد والجهل والاستعباد أم واحات للحرية والجمال والإبداع؟

والأخرى والأهم والأشد وطأة على النفس والقلب، هو أن لا مجال، البتة، لمقارنة الدول التي خضعت للاحتلال والاستعمار البدوي، بتلك التي بقيت تحت الاحتلال الروماني والبيزنطي. وبنظرة عابرة على المنظومة البدوية التي "تحررت" كما يقولون ويزعمون من الاستعمار الروماني، سيدرك المرء حجم الفاجعة والكارثة التي تعيشها هذه الشعوب التي استعمرها البدو الأعراب "المحررين"، وفي شتى مجالات الحياة، في السياسة والمجتمع والاقتصاد، حيث تعيش جميعها تحت خطوط الفقر، وتتربع بكل فخر واعتزاز على قوائم الديكتاتورية والتخلف والفساد والمجاعات والحروب الأهلية والتشرذم والانقسام والاستبداد، فيما الدول التي "نفذت" بريشها من "المحررين" البدو تنعم اليوم برغد العيش ورفاهيته، وتحديداً في الغرب الأوروبي الذين هم ورثة "المستعمر الروماني"، وتتطور باستمرار ويقصدها ضحايا الغزو البدوي التحرري"، قطعاناً ووحدانا وزرافات، وبالقوارب، هرباً من جحيم الاحتلال البدوي القابع على رؤوس العباد وصدورهم، ويقفون طوابير أمام سفارات الرومان للحصول على "صكوك" الغفران الفرار والنجاة والتحرر الحقيقي لدخول جنة الكفار هرباً من جحيم الإيمان البدوي "التحرري" المزعوم.

إن أية مقارنة بحثية وعلمية ومنطقية، ووفق أدق الإحصائيات والمعطيات، بين الاستعمار الروماني الذي تحكمه الديمقراطيات الليبرالية والعلمانية التنويرية، والاستعمار البدوي الذي تحكمه السلالات العائلية المستبدة المؤلهة القدرية الكهنوتية الظلامية الخارجة من كهوف الزمان، لن تكون، وبكل أسف في صالح هذا الأخير على الإطلاق. وكم نحسد ونغبط جميعاً تلك الشعوب التي استمرت تحت حكم الاستعمار الروماني، ونشفق ونرأف ونتألم ونبكي بحرقة على تلك الشعوب التي وقعت تحت حكم الاستعماري البدوي الذي أذاقها المر والذل والهوان.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربان وهمروجة حزام الأمان
- رحلة مع فكر الظلام وأهله
- هل العالم بحاجة اليوم للحضارة العربية؟ إشكالية العقل والعقال
- لماذا يحتقر البدوي المهن الإنسانية النبيلة؟
- الخطاب البدوي العنصري
- من المئذنة إلى شاشة التلفاز
- لماذا لم يعتذر المؤذن السابق من السوريين؟
- مليونيرات الحوار المتمدن
- هل يحرر حزب الله المقدسات الإسلامية؟
- شيوخ التكفير والإرهاب على القوائم السوداء
- وصفة حزب الله
- منطق العصور الحجرية
- السيد المدير العام لجرّات الغاز المحترم
- السيرة ذاتية لكاتب عربي
- العرب وموسوعة غينيس
- أنفلونزا البراكين
- التعنيز: وإفلاس إعلان دمشق
- دول الخليج ومخالفة شرع الله
- الزيدان الفهلوي: وتصابي الشيخ الماضوي
- هل أفلس إعلان دمشق حقاً؟


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال نعيسة - أيهما أفضل استعمار البدو أم استعمار الرومان؟