|
مقطع من يوميات برلماني مصري
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 22:00
المحور:
حقوق الانسان
مقطع من يوميات برلماني مصري
رغم مرور وقتٍ قصير منذ أنْ أخذت مكاني تحت قبة الحَرم الديمقراطي إلا أنني تمكنتُ من تعويض كلِّ ما أنفقته في الحملة الإنتخابية، وأشتريتُ بيّتاً أنيقاً في المنطقة التي يقطنها عَليـّة القوم وأسيادُ العبيد. تخلصتُ صباح أمس من عشرات الطلبات المـُكدَّسة فوق مكتبي والتي يطلب فيها اصحابـُها تأدية خدمات لهم مقابل ما ظنـّوه وعْداً مني مشروطاً بنجاحي! لو طرح عليّ أحدٌ سؤالا عن مفهوم السعادة لقلت على الفور بأنها المالُ والقوة، فإذا احتاج صاحبـُنا لتفسير لأحلتّه علىَ الفور إلىَ كلمةٍ سحريةٍ تطارد أحلامَ كل منّا منذ أنْ قرر بيعَ مجوهرات زوجته وأختها خلال الحملة الإنتخابية.. إنها ( الحصانة البرلمانية)! الكلمة التي لو وقفتْ أمام سَحـَرة فرعون تبتلع ما يلقون، وما يتخيل المصريون أنها تسعى! الحصانة البرلمانية هي الطريقُ إلى الثراء والهيبة والمَنـَعَة والبرستيج الإجتماعي حتى لو قضيت نصفَ الجلسات نائماً علىَ مقعدي بينما الدكتور أحمد فتحي سرور يهبط بمطرقته على مكتبه طالبا من أحد أعضاءِ الإخوان المسلمين أنْ لا يطيل في الحديثِ! منذ يومين تلقيتُ إتصالا هاتفياً من أحد أعيان قريتنا الذي ساهم كثيرا في نجاحي رغم أن النتيجة النهائية حددتها وزارةُ الداخلية بعدما تلقت التوجيهات من لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم، فمنعتْ قوات الأمن بمساعدة مسجلين خطيرين الناخبين من دخول لجان الاقتراع! طلب مني أنْ أقوم بتمرير اقتراح كنت قد قدّمته من قبل للتعجيل في شق طريق فرعي يمر على المنتجع السياحي الذي يملكه، ووعدته خيرا، فوعدني بــ( الحلاوة)، ولعله يقصد شقة مجانية تطل على النيل تتزوج فيها ابنتي الثانية في البرج الذي يملكه باسم زوجته! يوم الثلاثاء الماضي وصلتني رسالة على المحمول يشكرني فيها رئيسُ الوزراء لموقفي من بيان الحكومة الذي ألقاه، فقد كنت متحمساً له، رغم معرفتي أنَّ تسعاً من كل عَشـْر كلمات فيه أكـّذَب من رئيس الجمهورية نفسه وهو يـَعِدُ الشعبَ بالمـَنّ والسلوىَ وبانتخابات نزيهة. تسلمتُ كتاباً من صديق قديم يهتم بالثقافة والعلوم والآداب، وهو عن كيفية النهوض بالتشريعات المناسبة لتـَقَدُم الأمم، وضحكتُ حتى ظـَنـّت بي زوجتي مَسـّاً من الجنون، فصاحبـُنا الأبله لا يعرف أنَّ عضوية البرلمان في مصر والثقافة نقيضان لا يلتقيان، وآخر كتاب انتهيت من ثلاثين صفحة فيه بشق الأنفس كان منذ عشر سنوات. إننا نحن، أعضاء البرلمان عن الحزب الوطني الحاكم أميون يقرأون بصعوبة، ولو تم عقد إختبار لـُغَويّ أو معلوماتي لنا لأصبحنا لقمة سائغة في أفواه الملايين! عاتبني زميلي الجالس بجواري في مجلس الشعب لأنني لم أسافر معه إلى بيروت في عطلة الأسبوع الماضي، فقد عاد وفي حقائبه أربعمئة جهاز محمول لحساب تاجر جُملة شاطر أعطاه عـَدّاً ونقـْداً علىَ الفور مبلغا يـُعادل مرتبَ موظفٍ حكومي في ربع قرن! تجنبتُ الأحاديث الجانبية للأعضاء الثلاثة الجالسين خلفي، فأنا في الواقع لا أحب تجارة الكيف التي يمارسونها. صحيح أنني أحتال، وأنهب، وأقترض من البنوك بدون ضمان، وأقوم بتسهيل التهريب، وأنافق، وأشهد زوراً، ومتزوج سِرّاً من فتاة صغيرة في عمر ابنتي الثالثة، لكنني لا أحب تجارة المخدرات رغم أنني أراها حرية شخصية من حق حامل الحصانة البرلمانية لتعويض النفقات الباهظة التي كادت تـُفلسه وأسرته خلال الحملة الانتخابية! تشرفنا بلقاء أمير الشباب، رئيسِنا القادم في مكتبه بلجنة السياسات، وأعطانا التوجيهات والتعليمات، ووعدنا أننا سنعود إلى المقاعد في الانتخابات القادمة، وقرأ علينا رؤوس الموضوعات للقضايا التي ينبغي لنا التصدي لطرحها تحت قبة البرلمان، ولم ينس أنْ يشير إلى أهمية تمرير بعض القوانين التي تصب في صالح ملوك الغاز والبترول والعقارات والحديد والسيارات! ابتسم لي الدكتور أحمد فتحي سرور، وغمر لي بعينه بعدما تمكنت مـِراراً وتكراراً من مقاطعة عضو أرادَ الحديثَ عن السجون والمعتقلات، وعن الذين قضوا سنوات طويلة في زنزانات مخيفة في أقبية تحت الأرض، فهذا الموضوع يثير غضبَ الرئيس، وفخامته يرى أن الزنزانة هي البيت الحقيقي للمصري، أما الحياة خارج المعتقلات فهي حالة مؤقتة ومشروطة بالطاعة. ثم تحمس ثان، ورفع يدَه ثم بدأ في طرح موضوع سخيف وتافه عن قوانين الطواريء والاعتقالات العشوائية والتعسفية والتعذيب، لكن زميلي الشهير بصوته الجهوري وهو مُقـَرّب من السيد اللواء وزير الداخلية هجم عليه، ولكمه في وجهه، وأدار سياقَ الحديث لموضوع آخر، ورفع رئيسُ المجلس الجلسة! الإنتخابات الجديدة تقترب، وزوجتي تـُلح عليّ قبل النوم في كل مساء نحصي فيه مكاسبـَنا بأنها ليست أقل من فلانة هانم زوجة عضو مجلس الشعب الذي لم يعد يستطيع أن يحصي أمواله من كثرة خدماته لذوي السلطة والنفوذ ولصوص الوطن، وأخيراً وعدتها بخبطة العمر في الشهور القليلة القادمة، فنحن أعضاء السلطة التشريعية، ونواب الكيف والمحمول والأراضي والمسرطنات والحليب المسموم وبيع أراضي سيناء والبصم على أي قوانين تـُسَهـّل بيعَ مصر دونما حاجة لمزاد علني. ما كرهت شيئا أكثر من كراهيتي لكلمة( ممثل الشعب)، فهؤلاء الحمقى الذين يذهب بهم الخـَبلُ إلىَ الظن أننا في خدمتهم يعيشون في أوهام من صـُنْع أنفسهم، فنحن في خدمة القصر وسيّده وأولاده وأحفاده وأقاربه. يجب أنْ يتوقف المصريون عن هذا العبط والهـَبَل والسذاجة، فنحن أعضاء مجلس القصر، وخدمٌ للرئيس، وعبيدٌ لا يعصونه ما أمرهم، ولو غطـَّس رؤوسَنا في بالوعات القاهرة، وشربنا من مجاريها لشكرناه، وصفـّقنا له، وحمدنا اللهَ علىَ عودته ومرارته من مشفاه بألمانيا! حدثٌ غريبٌ لو رويـّته لأيّ شخص فلن يصدقني، فقد شاهدت في أحد الصفوف الأولى إبليساً بشحمه ولحمه وقرنيّه المشوبين بالحمرة، وكان يقوم من مكانه دون أن يراه أحد، ويقف بجوار أي متحدث من الحزب الوطني، ويقترب بشفتيه من أذن النائب، ثم ينتفض الجسدُ فجأة، وتلبس روحُ الشيطان المتحدثَ حتى ظننت أنَّ قرنين سيظهران فجأة في رأسه! صباح اليوم ونحن نجلس على إفطارٍ عائلي، ألقيتُ على مسامع أولادي وبناتي موعظة عن الصدق والشفافية والخير وحب الوطن والأمانة والشهامة والنـُبـْل والحرية والديمقراطية والثقافة، ولم تمر دقائق قليلة حتى انسحب كل أولادي، وتردد أصغرهم لثوان معدودات، ثم اقترب مني، وبصق في وجهي، وولـّىَ فِراراً!
محمد عبد المجيد رئيس تحرير مجلة طائر الشمال أوسلو في 6 مايو 2010 [email protected]
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقطع من يوميات جبان
-
تعريف جديد للكفر: تأييدك للرئيس مبارك!
-
تشكيل حكومة البرادعي ضرورة وطنية
-
مبارك والبرادعي .. ليس هناك خيار ثالث!
-
المصريون والبرادعي بين الحلم و .. الوهم!
-
حوار بين جاهل و .. مثقف
-
خطاب الرئاسة الأول لجمال مبارك
-
رسالة تحريض إلى أبطال العبور
-
الجنس في الذهنية السعودية!
-
أيها المسلمون، ماذا فعلتم بأقباطنا؟
-
حوار بين عزرائيل و .. الرئيس حسني مبارك!
-
رسالة مفتوحة إلى الدكتور محمد البرادعي
-
الرجل الذي أحلم به رئيساً لمصر!
-
الإنسان قِرْدٌ تلفزيوني!
-
مؤتمر القمة العربي للتوريث!
-
لكن الخاسر هو نور الشريف!
-
خادم الحرمين الشريفين ..معذرة، فلا فائدة في الجامعة!
-
كارت أخضر لعبد الحليم قنديل
-
تأييدك لجمال مبارك تجسس لحساب إسرائيل!
-
نعم، لقتل سيد القمني!
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|