|
مارد العراق..وقمقم العرب
احمد سالم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 12:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
کان العراق ولازال يشكل حالة خاصة منفصلة ومبهمة في الوجود العربي ساعد على تشكيلها عوامل عدة لعل ابرزها يكمن في موقعه الجغرافي والتاريخي المعزول عن بقية البلدان العربية واقربها من الاخر غیرالعربی وكذلك اختلاف شعبه الديني و المذهبي والقومي وتعدد ملله والسنته وطوائفه وانفراده الدائم عن بقية بلدان ما يعرف مجازا بالوطن العربي بخصوصية شخصيته التي تلونت بالوان شعبه المختلفة فالقى ذلك بضلاله على تركيبة مجتمعه ليصبح النموذج العربي فيه ميالا الى الجدل والتجديد على العكس من الشخصية العربية التقليدية التي انصهرت في بوتقه دينية ومذهبية وثقافیة وقومية واحدة متشابهة لتنتج قالبا ذو لون ثقافي ومعرفي واحد توزع على بلدانه لتجف معه بالنتيجة ينابيع الاختلاف الخلاقّ ويركد مجتمعه بأفكاره المحاصرة كمياه المستنقع .. فالعراق لم يكن يوما من دول الخليج على الرغم من اطلالته الخجولة"63 کم" على هذا الخليج عبر جنوب العراق الا ان دول الخليج كانت ولاتزال ترفض الاعتراف به كدولة خليجية"عربیة" لاسباب لاتبتعد كثيرا عن الاختلاف الذي نتحدث عنه بالاضافة الى النظرة المرتابه التي تنظر بها هذه الدول الى جارها الكبير الذي سيقتلها حجمه اختناقا اذا ما دخلت معه في انتماء فرعی واحد لايتسع له المكان وفي المقابل كان العراق ينظر دائما الى دول الخليج على انها دويلات لقيطة ثمرة لسفاح استعماري اوجدها ليضمن مصالحه السياسية والاقتصادية في المنطقة وهي بکل الاحوال لاتقارن بدولة تأسست الحضارة البشرية على ترابها وغرق تاريخها في قدمه وغرست جذورها في عمق الانسانية كدولته وان كان لابد من الدخول معها في انتماء خليجي فانه يجب ان يراعي مكانته السيادية و يكون انتماء التبعية لا الاقران وهو ما حاول نظام صدام تطبيقه بطرق القوة البدائية وفشل فيه لذا فقد اتفق الاثنان بشكل غير معلن على البقاء منعزلين كي يحفظ كل منهما مكانته التي يعتقد فسادها اذا ما اقترب او اقترن بالاخر كما انه من جهة اخرى لم ينتمي يوما الى دول الشام الاربعة"سوريا والاردن ولبنان وفلسطين" التي اشتركت فيما بينها و الى وقت قريب بوحدة ارض وتاريخ مشترك لم يفصله بتسميات مستقلة الا سقوط الدولة العثمانية واستيلاء الفرنسيين والبريطانيين على المنطقة ليبداوا بتشريح الشام وتقطيعه الى شمالي سوري"فرنسي" وجنوبي فلسطيني"بريطاني" ثم مالبث ان تقسمّ الشمال هو الاخر الى سوريا ولبنان والجنوب الى فلسطين والاردن ولم يكن العراق ضمن حسبة المقسّمين هذه ابدا ناهيك عن ان العراق لم يعرف يوما او يرتبط تاريخيا او مصيريا بأي من دول العرب الافريقية لبعد المسافة واختلاف الحضارات والمزاج الاجتماعي .. لقد كان العراق دائما امة مستقلة بذاتها لم تنجح كل المحاولات الرامية الى دمجه عنوة مع امة عربية كبرى سعت كثيرا في محاولة ابتلاعه جوعا لا حبا الا انه كان اكبر من قدرتها على الهضم بالرغم من المحاولات المتكررة التي عملت على تشذيب هذا الحجم كي يتلائم مع افرازاتها الثقافية والاجتماعية والدينية التي افرزتها عليه عصارة الحضارة العربية المجاورة له بعد دخوله في الاسلام كي تسهلّ هضمه لكنها فشلت في مسعاها على الدوام لان الامم عادة لاتتسع بطونها لامم اخرى والا قتلتها التخمة والعراق بتعدده الثقافي والاجتماعي الذي ترامت اطراف جذوره في عمق التاريخ ومدنية الانهار اكبر من ان تحتويه ثقافة عربية منفردة اومجتمع استنساخي موحد اخترعته بيئة صحراوية جافة لذا فقد كان الصراع القیمي العربي -العراقي متواجد على الدوام يخبو حينا ويشتعل حينا اخر الا ان جمرته لم تنطفئ ابدا وبقيت مشكلة الهوية العراقية هي بؤرة هذا الصراع ومصدر استمراره الى ان تفجر باقوى حالاته بعد سقوط نظام صدام حسين الذي كان يحاول باجتهاد ترميم تصدع الشعور العراقي بالانتماء العربي عبر الشعارات القومية الرنانة ومحاولة استغلال ثروات البلد كرشوة للولوج الى الموقع القيادي العربي مستغلا انحسار الدور المصري بعد موت جمال عبد الناصر و زيارة السادات الى تل ابيب ثم تطوعه في محاربة ايران الاسلامية الجديدة و"المختلفة مذهبيا" بالنيابة عن بقية العرب المتوجسين كبطاقة ائتمان تودع في رصيد انتمائه العربي الفقير وحتى بعد غزوه للكويت فأنه كان يصر على انه يفعل ذلك خدمة لقضايا العروبة و دفاعا عنها لينكشف بعد سقوطه زيف هذا التوجه واستحالة استمراره فعاد العراق مهرولا بشوق الى خصوصيته التي لم يستقم امره بدونها و ليتفجر صراع الهوية القومية العراقية مع المحيط العربي بشكل لم يسبق له مثيل بعد ان دخلت معه الهوية المذهبية لتتصدر المواجهة وتتضح معها الصورة والاصطفافات بشكل اكثر وضوحا... فدخول الطرف المذهبي الى صراع ذو طابع قومي كان امرا لابد منه لمواجهة من هذا النوع خصوصا ان كانت الاغلبية المذهبية للعراق تختلف عنها لدى بقية العرب فاصبحت الاقلية المتفقة معهم فيه هي قميص عثمان الذي هيأ لجعل الصراع دمويا واذن باسباب التدخل والبدء بحرب الهوية العراقية مع العرب وبرايي الشخصي فان الهوية المذهبية للعراق هي العقدة التي تتشابك فيها كل خيوط الصراع الیوم فالاغلبية الشيعية حالها كحال المذهب يسارية الهوى ذات طبيعة ثورية بالفطرة اختلط فيها ثلاثي الوان الفخر المتمثل بالحضارة الذهبية والجغرافية الخضراء توّجتهم عقيدة منتفضة تتشح بالسواد لتخرج شخصية شيعية جامحة ثائرة يسيطر التمرد والزهو على افعالها فتأبى ان تقاد بيسر وهدوء تحت حكم الطواغيت لذلك شكلت ارض العراق منذ بدء تاريخها الاسلامي المملوء بهؤلاء الطواغيت مركزا للمجازر الدموية القامعة للثورات على العكس تماما من الشخصية العربية التي لاتميل للمواجهات العنيفة في مقارعة الحاكم وان كان فاسدا وسكونها نحو الاعذار الجاهزة التي اختارتها لها السلطة الدينية النافذه بقرارها عدم جواز الخروج على الحاكم" ولي الامر" وان كان ظالما فأراحت شعوبها من متاعب نضال الحريات وسادت غلبة السكون على الدوام في اراضي العرب بالرغم من قساوة قمع الحاكمين و آثرت هذه الشعوب بالقبول بما لم يقبل به العراقيين حین استبدلت الحرية بالامن فعاشت بطمانينة يأس تشبه تلك التي تشعر فيها الخراف الذاهبة الى المسلخ !!!.. لذلك فمثل هذه الشعوب تعجز عن فهم الشخصية العراقية وتعتقد ان احداث التاريخ الدامية التي طالت هذا البلد حصلت كونه بلد"الشقاق والنفاق" بینما الحقیقة تقول انه البلد الاكثر عداءا للحاكم المستبد والذي لم يستقر له حكم العراق الملتهب يوما الا بمجازر اهله ولهذا فقد كانت الديكتاتوريات العربية المجاورة تحتمل حماقات نظام صدام لانها تعلم مقدار ضرره وطرق احتواءه من جهة وكي تضرب به خطرااكبر على وجودها الشاذ المتمثل بالفكر الشيعي المتحفز عقيديا لعدائها و الذي وصلت حرارة اضطهاده التاريخي الى درجة الغليان على جانبها الشرقي وعلمت بعد سقوط صدام المفاجئ لها ان استقرار العراق ديمقراطيا هو نذير فنائها لانه سيبدأ بتصدير نهج اغلبيته الثورية الحانقة ونشر نيرانه المذهبية الحارقة لعروش الجالسين عليها بدون وجه حق فكان لابد لها ان تبدا بالتعامل مع رأس الخطر وعقدة خيوطه المتمثلة في مركزثقله الشيعي في العراق من الابواب القومية الخلفية بأستغلال عداء شعوبها الراكدة فكريا لما تجهل لتستخدمه في تحريضها على عراق جديد يشهد ان" علي ولي الله" لم يالفوه من قبل بحجة انه قادم ليلغي هوية العراق العربية وارادت الحكومات العربية بذلك اصابة ثلاثة اهداف في ضربة واحدة الهدف الاول هو ارجاع العراق الحلوب الى الحضيرة العربية المقفرة والتي يحاول جاهدا الانسلاخ من التصاقها فيه باعادة مارده الذي خرج الى قمم العرب الصدأ و الثاني ايقاف التهديد القادم مع المذهب الشيعي عن طريق رفع الشعارات القومية في الحرب ضده عبر تصويره كعدو للعرب حل بديلا للدولة الاسرائيلية التي بدات هذه الحكومات او ستبدا سلوك طريق التطبيع معها بلهفة والهدف الثالث سد فراغ العدو المركزي الشاغر الذي ستخلفه اسرائيل بعد التطبيع معها عبر اختلاق عدو وهمي جديد يكون حجرا تلقمه الحكومات في افواه القلّة المطالبة بالاصلاحات الديمقراطية ..وبهذا فان العرب اليوم يحددون قبولهم هوية العراق القومية بشروط مذهبية ليسوا مستعدين للتنازل عنها لانها مسالة بقاء بالنسبة لهم في معركة كسر العظم الذي ابتدأه العراق في خروجه عن مألوف النظام الشمولي في المنطقة "ببدعة "الديمقراطية وهو ما يؤكد تماما الخصوصية العراقية في الواقع العربي التي اشرت اليها في البدء وعلى العراق ان يتفهم هذه الحقيقة ويعمل بموجبها بالكف عن التصرف كأسد اليف لايستطيع رد دول بحجم الكويت مثلا حين تستفزه بحجز طائراته فالعراق كأمة تنهض بكل قوتها من بين ركام حريق تأريخي لايليق به طلب شرعيته من امة اخرى عربية تعيش حقبة ما قبل الانهيار الكبير بعد ان بدات مجتمعاتها منذ زمن رحلة الانحدار الاخلاقي والمجتمعي بسرعة مهولة وبدا الجميع يحاول القفز من سفينتها الغارقة لانه يبدو بذلك كشاب مفتول العضلات يطلب معونة شيخ معاق وعليه ان يبدا بالتصرف كملك حقيقي في منطقته يرعب الاخرين بزئير اقتصاده وثقله الاقليمي والحضاري ولا ينتظر رأيهم اويتسول رضاهم بل يبدا بسياسة مغايرة تماما عن تلك التي يتبعها الان بمحاولات التقرب من جيرانه العرب دون نتائج تذكر بان يركز وبشدةّ على الانفتاح نحو امم غير عربية متنفذة دوليا ليخفف بالاستخدام الصحبح لثرواته التي يسيل لعاب هذه الامم لها من طوق الحصار الذي يحاول فرضه العرب بفعل جغرافيا المكان وعقوبات الفصل السابع وان یعمل على تنقية ثقافته من شوائب التبعية لامة عربية متهرئة والتي تنادي بها بعض ابواق اقلية قومجية عراقية تعمل لمصلحتها الضيقة وايضا بكسر القيود التقليدية التي تحكم العلاقة التأريخية المریضة و الغير مجدية بين العراق كجزء والعرب ككل والاستعاضة عنها بعلاقة الانداد الصحية فقد كانت ايام العرب الذهبية حين قادهم العراق من بغداده كامة متطورة تقود عالم متخلف ولم يرى العراق حين سلمّ قياده لامة العرب سوى اكثر الايام سوادا في تأريخه .
#احمد_سالم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|