- - الدستور هو منظومة ركائز وقواعد قانونية تحكم ( ويحتكم لها ) العلاقات السياسية والاقتصادية وغيرها في المجتمع . وبالتالي فقدسية الدستور بالنسبة للمجتمع , هي كقدسية الكتب السماوية , اما الفارق بينهما فهو ان الثاني منزل والأول دنيوي , وضع البشر .
- - يضع نصوص الدستور , رجال الفقه والقانون ويوافق عليه الشعب بالأستفتاء, ويصادق عليه البرلمان , الذي هو الهيئة التشريعية , المنتخبة من الشعب , بانتخابات حرة ونزيهة , بعيدة عن الأكراه , والتخويف , والتزوير , والتضليل ..
- - يتساوى الجميع امام الدستور , بدءا من رئيس الجمهورية " المسؤول الأول في البلاد " حتى أصغر طفل . وفي ذلك يطبق البشر تطبيقا عمليا قوله تعالى " وخلقناكم سواسية كأسنان المشط " لا فضل لحاكم على محكوم الا بمقدار مايخدم مصالح البلاد والعباد, وتقدير ذلك يعود للأمة , وليس لأبواق دعاية النظام .
o - -من حق أي فرد أو جماعة , العمل الدعائي , او المطالبة السلمية , بتغيير جزء من , او كل الدستور , المعمول به , شريطةان يحافظوا على التزامهم به , ويعملوا تحت سقفه , الى ان يتحولوا الىأكثرية , مطالبة بالتغيير . صناديق الأقتراع هي المخولة الوحيدة , اظهار ان هؤلاء اصبحوا أكثرية مطالبة بالتغيير . عندها يتم التغيير بموافقة الشعب وليس ممثليه , لأن تغيير الدستور مسؤولية , لايستطيع ممثلي الشعب وحدهم تحملها . – ان النشاط السلمي الذي يقوم به الأفراد والجماعات , في المنحى السابق ذكره , هو عمل مشروع وحق , لكل انسان , ولمجرد انه انسان وفقط . ولايعتبر انتهاك للدستور , الا بنظر فئة من الناس ما زالت عنجهيتهم توحي لهم بأنهم قادرون على توجيه التهم لأي كان , ومهما كانت دون حسيب ولا رقيب .
- - وبناء على ما سبق , فان خرق الدستور, هو القيام باي فعل يتناقض واحكامه , كأن ينص الدستور , على أن نظام البلاد , نظام جمهوري – ديمقراطي –اشتراكي , ثم بقدرة قادر , يتحول هذا النظام , الى نظام جمهوري – وراثي ويتم تخريجه بمسرحية هزلية ساخرة, تحتقر عقول الناس , ومفادها , ان الشعب عبر عن ارادته واختار .
- لذلك , فان ما قاله السيد رياض الترك لصحيفة لموند الفرنسية , عشية الأستفتاء لبشار الاسد, بان " مايجري في البلاد هو مهزلة " كان كلاما محقا , ومدافعاعن الدستور والشعب , وليس كما صورته اجهزة اعلام النظام لاحقا بانه كان عثرة في وجه " الاصلاح " المزعوم .
- - دشن الأنقلاب العسكري , الذي قاده حسني الزعيم , عام 1949, نهج انتهاك الدستور والأعتداء عليه , عن طريق استخدام القوة العسكرية , للسيطرة على الحياة السياسية في البلاد , ,ولم يتوقف هذا النهج حتى يومنا هذا .ومن اقسى حالات الأعتداء على الدستور كانت الأعتداءات التالية :
- 1 – تعليق الدستور كليا, عن طريق اعلان قانون الطوارئ , وسريان حالة الأحكام العرفية , في خريف عام 1962 , والتأكيد على استمرار العمل فيهم , بموجب البلاغ رقم 2 الصادر عن "مجلس قيادة الثورة " في
- 8 اذار 1963 .
- اي انه لاسيادة لدستور , او قانون , في حياة البلاد . السيادة فقط , لما تتفتق عنه رغبات ومصالح الحاكم بامره , دون سواه . وهذا القانون سيئ الصيت مازال ساري المفعول في سورية حتى يومنا هذا .
- 2 – الغاء الدستور الملغي اصلا, وتفصيل دستور جديد على مقاس رئيس البلاد الجديد , القادم الى القصر الرئاسي ممتطيا صهوة دبابته . في 16 ت2 1970.
- وسلفا , فكل محتويات الدستور الجديد التي لاتكرس احكام قبضته على رقاب البلاد والعباد ملغية بموجب قانون الطوارئ المستمر سريانه حتى اللحظة .وبموجب هذا الدستور , جمع الرئيس الجديد " الأسد الأب" السلطات الثلاث , التنفيذية والتشريعية والقضائية في يده . وهذ ا سلوك منافي لأبسط قواعد المنطق في الحكم.
- 3 – الدعوة ثانية لتعديل الدستور بعد وفاة الرئيس الأب بأيام, لتخفيض الحد الأدنى لعمر رئيس الجمهورية من 40 سنة الى 34 سنة , اي نفس عمر بشار الأسد ليتثنى له ان يكون رئيسا للبلاد . والسؤال هنا هو : الم يكن من الأسهل لهم , واكثر جدوى لهدر ماء الوجه , واقل احتقارا للناس , ان يزوروا شهادة ميلاده , بحيث يكون له اربعون عاما من العمر بموجبها , ويكملوا ما يريدوا فعله .
- دائما , اقترن الأعتداء على الدستور , بقمع القوى السياسية والأجتماعية المعارضة , وسيادة منطق العنف والألغاء , للآخر , وبحدة تعلو وتهبط حتى أواخر السبعينات حيث شنت السلطة, حملات واسعة من القمع , المنظم , والمستمر , والطويل الأمد , والألغاء النهائي لقوى السياسة والمجتمع . ونجم عن ذلك تدمير مدن , وقتل عشرات الآلاف من المواطنين , واعتقال احزاب ومنظمات بكاملها تقريبا , وحل للنقابات المهنية المنتخبة ديمقراطيا واعتقال كوادرها الغير موالين , حيث ادى ذلك كله الى تتويج السلطة الحاكمة كطرف منتصر امنيا على المجتمع وقواه السياسية والاجتماعية , قاد هذا الأنتصار الى استعمار السلطة للدولة والمجتمع ,الذي كرس بدوره سلوك السلطة ومواليها كعصابة منتصرة , اباحت لنفسهاجني الغنائم , عن طريق الأعتداء على المال العام بنهبه , وعلى المال الخاص بطرق متنوعة ومصادرته , وجرى تصنيف الناس من ليس معنا فهو ضدنا , فتحول المجتمع السوري , من مجتمع منفتح , يسير على طريق التطور الأجتماعي , الى مجتمع رعية تابعة للحاكم واعوانه , تعيش حياتها المادية في الحدود الدنيا , وحياتها الروحية بخواء قل نظيره , لا حق لأحد الا حق المديح والتبجيل " للقائد العظيم " الذي تحول رسميا الى " قائدنا الى الأبد الأمين حافظ الأسد " وتحولت الدولة لتكون مؤسسات للسلطة , وفيما بعد لأجزاء من السلطة , واصبح لزاما على الجميع ان يكونوا اعضاء في حزب البعث الحاكم , من رئيس الجمهورية وحتى احدث بواب , اما اعضاء مجلس الشعب , والوزارة , والجبهة , فهم بالأساس ديكورات للنظام , يعلق عليهم بين الفينة والأخرى مسؤولية فشل سياسته .
- ---------------------------------
- - ومنذ بدايات الحكم العسكري المترافق مع قانون الطوارئ والأحكام العرفية في 8 آذار 1963 , كان للقوى السياسية , مواقف مختلفة ومتباينة تجاه سياسات النظام القمعية , واتسمت مواقف الأحزاب اليسارية عموما , بالموافقة أو بغض النظر , بذريعة شعارات تضليلية مفادها , ان هذا القمع " الثوري " موجه ضد الرجعية والبورجوازية . حيث عادت بعض هذه القوى في اوائل السبعينات , لتنفض غبار الديماغوجية عن فكرها , وبدأت تخطو خطوات بطيئة باتجاه صياغة فكر ونهج سياسي , ديمقراطي , معارض , لسياسات النظام , الذي كان قد بدأ يعمق نهجه القمعي تجاه القوى السياسية , التي استعصت عليه قي ان يبتلعها الى مستودع الأحزاب في " الجبهة الوطنية التقدمية " بعد انقلاب ت2 1970 والذي جمل باسم "الحركة التصحيحية "
- ومن جهة اخرى , فان بذور القمع والعنف والألغاء , التي زرعتها الأنظمة العسكرية المتعاقبة منذ 1963 وحتى اواسط السبعينات في تربة مجتمعنا , قد انبتت على الضفة الأخرى لقوى المعارضة , فصائل سياسية , بدأت تنهج نهج النظام نفسه , في ممارسة السياسة بالعنف , واستمدت لنفسها سلطانا من السماء , وبدأت بتكفير الخصوم , والحكم عليهم , وتنفيذ الأحكام , وكأنهم وكلاء لله سبحانه وتعالى على الأرض . فاخطاؤا , وارتكبوا جرائم باسم الدين , واعطوا النظام فرصته للخلاص من العديد من خصومه الديمقراطيين , وتحميل ذلك للمتدينيين المتطرفين .
- في عام 1980 تم الأعلان عن تشكيل التحالف الوطني الديمقراطي من خلال بيان وزع في 18 – 3 – 1980 ووقع باسم التجمع . وقد وصف البيان الحالة السائدة في البلاد , والعنف والعنف المضادالسائد , والأسباب التي اوصلتنا اليه , كما حدد ضرورة توفير مجموعة من المعطيات ستساهم فيما لو توفرت بخروج البلاد من ازمتها , وفي مقدمتها :
- 1 – الغاء قانون الطوارئ , والأحكام العرفية , السائدة في البلاد منذ سبعة عشر عاما في يومها ذاك
- 2 – اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين , أو تقديمهم لمحاكم مدنية عادلة وعلنية .
- 3 – اطلاق حرية التنظيم , والتعبير عن الرأي , والأضراب والتظاهر وووووو............
- 4 - تشكيل جمعية تأسيسية , تضع دستورا ديمقراطيا للبلاد , وتعد لقيام انتخابات حرة وديمقراطية ...الخ
- وغيرها وغيرها وما زالت تلك النقاط , حتى يومنا هذا , تشكل المخرج الوحيد لأزمة بلادنا التي تعقدت أكثر واستفحلت اكثر وتعددت جوانبها .وبدلا من ان تصغي السلطة الى منطق العقل يومها , وتتصرف كسلطة مسؤولة , وتضع نفسها فوق ردات الفعل الغرائزية , وتسعى للمصالحة مع ذاتها أولا ومع المجتمع ثانيا ,. تصرفت كطرف في صراع عشائري , وانقضت على الآخر كخصم يريد انتزاع امتيازاتها .
- وكما ذكرنا سابقا , فلقد قتلت ودمرت واعتقلت , وسجلت نصرها الأمني على المجتمع وقواه , وبدأت في جني غنائم النصر , عن طريق النهب العلني والمنظم للمال العام , كما افرغت المؤسسات الأنتاجية من مضمونها , ومن مفهوم العمل المنتج وتراكم الربح , وادخلتها في شبكة علاقات ارتزاقية , لأصحاب النفوذ والسلطة , ادت الى خسائر متراكمة بارقام خيالية , ثم الى افلاس وركود , حتى قال احد المطلعين على الخفايا " ان اليوم الوحيد التي تحقق فيه شركات الدولة ارباح , هو ايام الجمع والعطل الرسمية , " ولهذا فقد ابتدع اصحاب المصالح لاحقا , يوم العمل الوطني " الطوعي " ايام الجمع لكي يكرسوا سبعة ايام في الأسبوع, ايام نهب للمال العام , ودمار للوطن .
- وقد استمرت سياسة النهب واستنزاف ثروات الوطن , حتى ما بعد حرب الخليج الثانية , حيث انهار الاتحاد السوفيتي , داعم النظام امنيا وعسكريا وسياسيا , كما اغلقت عليهم خزائن الخليج , بسبب الديون الهائلة التي وقعوا تحتها كنتيجة من نتائج الحرب , واصبح لزاما على النظام ايجاد مصدر جديد لتمويل نهب رجاله , فلم يتوفر لهم اي بديل خارجي , فتوجهوا للتمويل الداخلي الذي هو بالأساس مصدر ناضب , فوصل النظام الى طريق مسدود , ادرك حافظ الاسد عندها ان نظامه قد انتهى , فدشن نهاية نظامه بنهايته فيزيولوجيا , وترك رجاله محدودي الأفق ينازعون , زاعمين امكانياتهم في بث الحياة في جسد نظام ميت .
- ----------------------------------------------
- ان السلطات الحاكمة في سورية منذ عام 1963 , وخاصة حكام ما بعد عام 1970هم الذين خرقوا , وما زالوا يخرقون الدستور , وهم الذين اعتدوا على هيبة الدولة , واستعمروها , ودمروا مؤسساتها . وهم من أذل المواطن وافقره ودمر مستقبله وشرده في كل بقاع الأرض بحثا عن لقمة عيش شريفة ليست مغمسة بالذل .وهم من اهان الوطن , واعتدوا عليه , وفرطوا في ترابه ليحصلوا على الدعم الخارجي لسلطانهم . وعلى الرغم من تبجحهم , بالنضال لاسترداده , فمنذ حرب تشرين التضليلية , لم يطلقوا رصاصة واحدة باتجاه جيش الأحتلال في الجولان ومنذ عام 1967 , لم يصدروا الى اهلنا في الجولان , ولا حتى تحريض واحد او توجيه نضالي , لا من السلطة , ولا حزبها , ولا من احزاب الجبهة " الوطنية التقدمية " , للقيام باي عمل نضالي كالأضراب , او التظاهر , او العصيان المدني , او حتى العسكري , او حتى مشاركة الشعب الفلسطيني انتفاضته المجيدة . ( لعل في ذلك حكمة , من حكم حكامنا , وهو ان يدعوا اهلنا في الجولان يعيشوا حياة الأستقرار التي عشناها في الوطن ) .
- تسع وعشرون عاما مضت منذ الحرب التضليلية , واحتلال اسرائيل لمزيد من الأرض العربية , وحتى الآن لم تتمكن القيادة " الحكيمة والشجاعة "من تحديد مكان وزمان المعركة . حيث لا يسمحوا لاسرائيل في تحديده كما يدعون . وها هو قائدهم وولي نعمتهم قد رحل الى الديار الآخرة دون ذلك التحديد .
- فكم قائدا شجاعا وحكيما سيمر على سورية في اجواء الفساد والتدمير القائمة حاليا قبل ان يتمكنوا من تحديد زمان ومكان المعركة .
- وفي النهاية , فان طريق التغيير الديمقراطي في سورية , طريق طويل وشاق , والمنتفعيين في مراكز القوى الحاكمة لن يتنازلوا عن امتيازاتهم ببساطة ناهيك عن امتلاكهم لامكانيات مالية هائلة نهبوها من الوطن , وترسانة عسكرية ضخمة قادرة على التدمير , وخبرة سنوات طويلة في شق الصفوف وتفرقة الأخ عن أخيه .
- وكما قال السيد المسيح " فمن آمن بي ..............فليحمل صليبه ويتبعني " ومن آمن بالوطن , وبالتغيير الوطني الديمقراطي , فليحمل صليبه ويمشي على دربه . وهناك من بدأ رحلته .
- ان التغيير الوطني الديمقراطي , لن يكتب له النجاح الا اذا ترافق مع العمل الثقافي الكثيف , فالنظام السوري , نظام مضلل من طراز ممتاز . وبفضل القمع , والتضليل , والتعمية , التي مارسها النظام خلال اربعون عاما . وحيث ان 60% من ابناء شعبنا هم دون الثلاثين من العمر , وعلى الرغم من احساسهم بالضياع والأحباط , فهم لايعرفون اي خيار آخر . وهنا تكمن قوة السلطة , التي يجب ان تجرد منها .
- فمزيدا من العمل السياسي – الثقافي , ولنعمل جميعا , تحت لواء جبهة وطنية عريضة على اخراج شعبنا , من بحر الأكاذيب الى بر الحقيقة الى طريق التطور الطبيعي ثانية . ليحتل وطننا مكانته اللائقة مجددا تحت الشمس .
- فريد حداد -