|
الرقابة على الصحف.. معارك في الذاكرة..
هشام الطيب الفكي
الحوار المتمدن-العدد: 2997 - 2010 / 5 / 6 - 00:02
المحور:
الصحافة والاعلام
الرقيب، وجهه يشي بالكارثة دائماً. له مشية لا تشبه مشية الكائنات البشرية على الإطلاق. هكذا يوصف من قبل محرري الصحف. فقبل أنْ يجلس على الكرسي، تراه قد أدار عيناه في المكان، ثم حملّق في وجوه من هم حوله من محررين، بنظرات استفزازية واضحة، ذلك قبل أن يبدأ في مباشرة عمله، ثم ما يلبث برهةَ، وهو جالس، إلا وتراه قد وضع ساقا فوق الأخرى، ثم شرع في الاطلاع على صفحات الـ(A3) للجريدة التي من المفترض لها أن تكون مهيأة للذهاب للمطبعة بعد أوقات قليلة من مجيئه؛ لكنّها كثيراً ماتصبح "وبفعل الانتهاكات التي يمارسها عليها الرقيب" مشلولة ومشوّهة بصورة كبيرة. مواقف ومشاهد وأوقات عصيبة، مرّ بها محررو الصحف أثناء فترة الرقابة القبيلة، التي فرضت عليهم. تضمنت معاناة وتضييقا جراء ممارسات الرقيب الأمني آنذاك، فقد كانت الصحيفة كثيراً ما تحتجب عن الصدور بسبب كثرة المواد المحذوفة منها. وفق هذا الاتجاه.. أشار الأستاذ ـ محمد الفاتح العالم، مدير تحرير صحيفة الميدان: أن الفكرة الأساسية من الرقابة هي محاربة الرأي الذي لا يتفق مع النظام الحاكم، وأضاف:(البعض يرى أن الرقيب شخص تنفيذي، فهو يأتي بموجهات عامة، على حسب الراهن السياسي. فهو يأتي، قبل أن تذهب الصحيفة إلى المطبعة بوقت قليل، ثم يشرع في حذف كل ما يريد حذفه، واضعاً بذلك خطوطاً حمراء لكثير جدا من القضايا والآراء). ويضيف الفاتح:( قبل وقت كان الجدل دائراً عن قانون الصحافة، وقانون الأمن، والعديد من القوانين التي قوبلت بامتعاض من قبل الشارع العام؛ لكن الغريب في الأمر أن الرقيب حينما يأتي بمقصه ليلاً، تجده دائما يبحث عن ما هو غير مؤيد من الآراء، فإذا وجد مثلاً أحدهم يتحدث عن نقاط إيجابية في تلك القوانين سيبارك ويثني عليها، وهو في الغالب لا يجد ذلك، فتراه يتضجر، بعدها يطال مقصه على غالبية المواد.. ويواصل الفاتح قائلاً:(كثيراً ما كان الرقيب يأمر بحذف كلمة (الميدان) وبحذف عدد كبير من صفحات الجريدة. وفي أحيان أخرى كان يقوم بحذف فقرات منتقاة من المادة الصحفية؛ وهو ما يضعف الموضوع ويفرغه من فحواه). والواضح أن الصحافة في كل مكان تتعرض لما يمكن أن نسميه "مضايقات" ذلك في دول العالم الأول، و"انتهاكات" في دول العالم الثالث، خاصة في دولة مثل السودان، إذ يقول الفاتح:(البلدان المتقدمة اكتسبت حريّةً في التعبير والنشر من أجوائها الديمقراطية المتاحة. فبعض الدول تجاوزت مسألة الحديث عن حريّة الصحافة؛ فلا مانع لديهم من أن تسخر من الرئيس بكاريكاتير مثلاً) ويمضي قائلاً:( لكن في السودان، وبعض من دول العالم الثالث لا يمكن أن تنشر رأيا مخالفا للنظام الحاكم.. بل إن الرقابة لم تقتصر على الرأي المعارض فقط؛ إنما ذهب مقص الرقيب لتمزيق وتشويه التحقيقات الصحفية التي من المفترض فيها أن تكون بعيدةً عن الرأي. وكثير من المواد تعرضت للحجب من قبل الرقابة؛ والسبب واضح!! فهذه الصحافة تكشف حقائق من الواقع المعاش وفق دلائل مثبتة). أما وائل محجوب ـ سكرتير تحرير صحيفة الأيام، فيرى أن هناك خلل كبير في نظام النشر الصحفي وضوابطه، واعتبر أن فترة الرقيب قد أرجعت من مستوى الصحافة السودانيّة كثيراً. إذ يقول: أصحاب النفوذ في مختلف أنحاء العالم يستخدمون أساليب مختلفة لعرقلة حريّة الصحافة، والصحافة السودانية تعرضت للرقابة في فترات كثيرة، وبأسباب مختلفة، تتفاوت الأسباب في كل مرة: فهي ذات صلة بالتداعيات السياسية الراهنة. ويواصل وائل:(عند وصول الرقيب إلى الجريدة، فإنك بلا شك ستحتاج إلى تدخل تحريري في المادة المحذوفة، وفي أحيان كثيرة ستعمل على إعادة صياغة المادة بشكل تمويهي، لكن في الغالب ما يأمر الرقيب بحذف المادة نهائياً، وهنا يصبح أمر المعالجة صعباً).ويشير وائل إلى أن الفترة التي كانت فيها القوى المعارضة محاصرة عن الوصول لجماهيرها، اضطلعت الصحافة السودانيّة بهذا الدور الكبير، حتى أن قيادات الأحزاب في ذلك الوقت قد اعترفت بإسهامات الصحافة في بلورة العديد من القضايا والرؤى، التي كان لها دورها الفاعل في مناقشة حال الوطن. كما يعزي الكثير من الاعلاميين السبب الرئيس، الذي يضع الصحافة السودانية في مثل هذه الإشكالات إلى وجود كيانات معينة تسعى لخلق بلبلة في الأوساط الصحفية. وهي بمثابة جزء من العملية الرقابية التي فرضت على الصحف: كمجلس الصحافة والمطبوعات وإتحاد الصحفيين. لا شك أنّ فترة الرقابة الأخيرة، هي من أكثر الفترات العصيبة التي مرت بها الصحف السودانيّة، طوال مسيرتها؛ لكن ووفق أشارات كثير من المهتمين بأن الكيانات المناط بها حماية حرية العمل الصحفي في السودان، هي أبعد ما تكون عن قضايا وهموم الصحافة، بل في كثير من الأحيان كانت تقف حجر عثرة أمام كل من يطالب بحرية الصحافة، حتى أن هنالك دعوة صريحة من قبل كثير من الإعلاميين لإعادة النظر في دواعي وجود مثل هذه الأجسام. مشيرين في ذات الوقت إلى أن من يتضرر من النشر الصحفي عليه أن يلجأ إلى القضاء بصورة مباشرة.
#هشام_الطيب_الفكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بمناسبة عيد العمال.. العم -كوكو- عامل النظافة .. ابتسامة لغد
...
-
الإنتخَابات.. جِيل بأكمَلِه يتعرَّضْ لعملية نَهب وإحتيَال
-
المَنسيُون فِي هَوجة الإنتخَابات السُودانيّة
-
حِين سلكنا دَربْ النَجمة ! قِصَّة
-
دور الشباب في تحقيق الوحدة السودانية..
-
الجوع كائن مُفترس بلا رحمة .. !
-
الفراشَة التي هَاجرتْ معَ سِرب الأُمنيَات
-
المطر .. !
-
معاً لإيقاف العنف ضد المرأة
-
على نهج الحوار المتمدن - صحيفة سودانية إلكترونية - خطوة في ط
...
-
(ستنا) إمرأة بحجم الثورة قصة .. أشبه ما تكون واقعية !!
-
ماشين في السكة نمد.. في عيد العمال العالمي .. فلنكن فرساناً
...
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|