|
المنهج العلمي والإنشاء الفلسفي
عبد السلام بلحسن
الحوار المتمدن-العدد: 2995 - 2010 / 5 / 4 - 02:07
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
3) المنهج العلمي 1_ إشكالية تعريف المنهج العلمي لا يتفق علماء المنهج حول الكيفية التي يتعين بها تعريف المنهج العلمي. هكذا يقرر "رومل" أن المنهج العلمي فحص دقيق يهدف لاكتشاف معلومات أو علاقات جديدة،ويذهب "دالين"إلى وصفه بالمحاولة الدقيقة الناقدة للتوصل الى حلول المشكلات التي تؤرق البشرية،في حين أن "قود" يؤكد على أن المنهج يختلف باختلاف أنواع البحث ومجالاتها وأهدافها ووسائلها الأمر الذي يعني وجوب عدم الاهتمام بطرح تعريف عام له.لكن رغم هذا فإن هناك شبه إجماع بين علماء المنهج حول تقرير كون المنهج العلمي معيارا ملائما للتمييز بين العلم واللاعلم، فالمعرفة لاتكون علمية ما لم يتم التوصل إليها عبر تطبيق قواعد المنهج العلمي. ومصطلح المنهج "Method " لفظة مشتقة من كلمة يونانية، بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة، ويرجع أصلها الاشتقاقي إلى معنى الطريق المؤدي إلى الغرض المطلوب. ويعتبر "منهج البحث العلمي" علمًا قائما بذاته يسمى "علم مناهج البحث" "Methodology" أو علم المناهج اختصارا، ويمثل أهم جوانب العلم والمعرفة العـلمية(2). وقد استقر معنى كلمة منهج منذ عصر النهضة الأوربية بمعنى طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة من العلم، ومعنى المنهج هو الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد العامة تهيمن على سير العقل وتحدد عملياته حتى يصل إلى نتيجة معلومة(3). أما المنهج لغة فهو الطريق الواضح،ولذا فإنه يتوجب أن يؤدي إلى غايات أو مقاصد بعينها .وهذا التعريف اللغوي يقرر أن المنهج العلمي هو السبيل الواضح الذي يسلكه كل من يروم إنجاز المهام المنوطة بالنشاطات العلمية شريطة أن يتبع المنهج العلمي وسيلة لإنجاز تلك المهام. 2_ خطوات المنهج العلمي يمكن بشكل عام تحديد خطوات المنهج العلمي على النحو التالي : أ) تحديد المشكلة وصياغتها يمثل اختيار مشكلة البحث مرحلة حاسمة من مراحل أي نمط من أنماط البحث العلمي وهي مرحلة تسبق مرحلة تحديد المشكلة وتتبع مرحلة الشعور بها بوصفها مدعاة للحل. قد يعجز المرء عن تفسير حدث وقع بشكل لم يكن يتوقعه،أو يكلف بدراسة ظاهرة بغية معرفة علة وقوعها، أو تراوده الشكوك حول كفاية الأدلة التي طرحت بوصفها شواهد على مصداقية فرض بعينه.هكذا تتعدد أنماط المشاكل العلمية قدر ما تتعدد مبررات الاهتمام بإيجاد حلول لها. والواقع أن المنهج العلمي لاينطوي على أية قواعد يمكن بتطبيقها العثور على المشاكل . على ذلك فإن هناك جملة من الأسس أو المعايير التي يتعين أخذها بعين الاعتبار حين يدخل الباحث في خضم مرحلة اختيار مشكلة لبحثه، نذكر منها وجوب ألا تكون مشكلة قد تم التطرق إليها من قبل بطرق مرضية، وأن يكون قادرا عبر الوسائل المتاحة له على الإسهام في حلها وعلى تبيان مدى أهميتها. يتعين أيضا أن تكون المشكلة من النوع الذي يفضي حلها إلى الحكم على قدر كاف من العمومية درءا لأن يتجنب الباحث إضاعة جهده في مشاكل جزئية متناثرة لا تخدم المجال الذي يدرسه.وأيضا وجوب أن تستحوذ المشكلة على اهتمام الباحث على المستوى النفسي ووجوب أن تقع ضمن مجال تخصصه وأن تتلاءم مع قدراته اللغوية ومهاراته العلمية . بعد اختيار المشكلة وتحديدها بشكل عام ، يتوجب أن تتم صياغتها صياغة دقيقة بحيث يتحدد مدى وحجم الدراسة كما يتحدد نوع المتغيرات التي يتعين ضبطها. ب) اقتراح الحلول (الفروض) بعد أن يشعر الباحث بأهمية المشكلة وبعد أن يقوم بصياغتها صياغة دقيقة، يتعين عليه تجميع بعض المعلومات التي يبدو أنها متعلقة بالمشكلة وتتبع بعض العلاقات التي قد تميط اللثام عن مفتاح الصعوبة. هنا تأتي مرحلة اقتراح الحلول أو الفروض التي من شأنها أن تبين سبب حدوثها.وكما أسلفنا فإن الفروض عبارة عن تخمينات مبدئية يصوغها الباحث ويتبناها بشكل مؤقت لوصف أو تعليل ما يلاحظ من ظواهر. إن الفرض هو الذي يحدد جملة الوقائع المتعلقة به والتي قد تكون شواهد عليه أو ضده،فضلا عن كونه يحدد نوع الدراسة التي يقوم بها الباحث(وصفية،تاريخية،تجريبية......) كما يحدد طريقة البحث الملائمة لاختياره،بما يتضمنه هذا التحديد ن تعيين لأدوات الدراسة. وبعد أن يقوم الباحث بصياغة الفرض تأني مرحلة استنباط جملة من مترتباته وهذه مرحلة استدلالية صرفة تهدف إلى تحديد مجموعة القضايا التي سوف يتم اختبارها مباشرة، ذلك الاختبار الذي يتم الاحتكام إليه بشكل استقرائي للبث في أمر ملائمة الفرض المعني. ج) اختبار الحل أو الفرض المقترح يتوقف نوع الاختبار الذي يتعين القيام به على نوع الدراسة التي يقوم بها الباحث وعلى الغاية منها. فالدراسات الوصفية على سبيل المثال بما تشمله من دراسات وصفية مسحية،ودراسات استكشافية تهدف إلى مجرد معرفة الوضع الراهن للظواهر موضع الدراسة،ولذا فإن سبل اختبار فروضها يختلف اختلافا جوهريا عن سبل اختبار فروض الأبحاث التجريبية التي تعنى بأمر كيفية حدوث الظواهر وبأمر تحديد أسبابها. هنا يلعب التجريب دوره الفاعل ويتم تحديد متغيرات الظواهر بشكل يسمح بإمكان ضبطها والتحكم فيها. د) استنباط النتائج هي المرحلة التي تعقب مرحلة اختبار الفروض وفيها يتم تحديد ما استخلصه الباحث من نتائج تتعلق بأمر احتمال صحة ما ضمنه الباحث من فروض وحلول للمشكلة التي عني ببحثها. تلك باختصار هي الخطوات الأساسية التي يشتمل عليها المنهج العلمي. ورغم أن هذه الخطوات تبدو سهلة،إلا أن القيام بها على أكمل وجه يتطلب حرصا شديدا، فضلا عن أن صياغتها وترتيبها على هذا النحو كان نتاجا لتاريخ طويل من الممارسات والمحاولات التي بذلها البشر منذ أن اضطلعوا لأول مرة بمهمة حل ما يواجههم من مشكلات. كما نخلص إلى القول بأن المنهج العلمي بشكل عام مجرد فكرة تتم صياغتا في جملة من القواعد العامة التي يتوجب تطبيقها من قبل ممارسي النشاط المعني والبحث العلمي بالمقابل ليس فكرة بل تحقيق عيني وممارسة عملية لفكرة المنهج. كما أن المنهج العلمي يكون ملائما إذا كان احتمال أن يفضي تطبيقه إلى انجاز غايات العلم يفوق احتمال أن يفضي أي منهج بديل متوافر إلى انجاز تلك الغايات. لكن كيف يمكن الاستفادة من المنهج العلمي وخطواته،أي استثماره في نموذج الكتابة الإنشائية الفلسفية ؟ مما لاشك فيه أن حضور ملامح المنهج العلمي وخطواته في الكتابة الإنشائية الفلسفية واضح وبين. فإذا كان الإنشاء الفلسفي يعتمد على مجموعة من الخطوات أهمها المقدمة أو التمهيد والذي من خلاله يتم تحديد القضية أو الموضوع أو المشكلة وإبراز مفارقاتها التي تشكل مبررا كافيا للشروع في تناولها بالتحليل والمناقشة وهذه المرحلة تتوافق مع المرحلة الأولى من مراحل المنهج العلمي وهي مرحلة تحديد المشكلة وصياغتها. شم بعدها تأتي مرحلة طرح الإشكالات والتي تشمل على طرفين أساسيين يشكلان إجابات مختلفة ومتعارضة على الإشكال الأساسي، وهذا ما يتناسب أيضا مع مرحلة اقتراح لحلول أو الفروض. وبعد طرح الإشكالات نقوم بعملية تحليل هذه الإشكالات ومناقشتها اعتمادا على عمليات الاستدلال البرهاني والمنطقي ومختلف الأساليب الحجاجية الأخرى التي سوف تسعفنا في معالجة الإشكال المطروح.وهذه المرحلة تتزامن أيضا مع المرحلة الثالثة من خطوات المنهج العلمي وهي خطوة اختبار الفروض. ثم في الأخير فيما يتعلق بالإنشاء الفلسفي نقوم باستخلاص أهم النتائج والخلاصات التي توصلنا إليها أثناء عملية التحليل والمناقشة ، وهي الخطوة الأخيرة أيضا من خطوات المنهج العلمي.
#عبد_السلام_بلحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسألة الاختيار العربي بين فلسفة الحداثة و ما بعد الحداثة
-
نقد هابرماس لفوكو الخطاب الفلسفي للحداثة
-
العلمانية في الفكر العربي المعاصر محمد أركون نموذجا
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|