|
هل يعود الماضي ؟ رؤية نفسية
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 2992 - 2010 / 5 / 1 - 19:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
هذا التساؤل الذي يراود الكثير من الناس ويغطي مساحة واحدة من عقولهم نستطيع الاجابة عليه في السطور التالية .. نعم .. يعود الماضي .. عند البعض من الناس وليس كل الناس !! سنحاول الاجابة عن هذا الان مع بعض الادلة الواقعية في حياتنا اليومية . حينما يمر الانسان بمواقف شدة وتسبب له ضغوطا تربك حياته ، أياً كانت هذه الضغوط او نوعها ولكنها تؤثر في مستوى توافقه النفسي والاجتماعي والاسري والمهني تسبب له الاختلالات مع واقعه نجده يلجأ الى واحد من اكثر الاساليب انتشارا بين الناس الاسوياء وهو آلية النكوص "ميكانيزم النكوص" . ويدل النكوص في التحليل النفسي Regression الى انه الميكانزم(الحيلة – الآلية ) اللاشعوري التي يلجأ اليها الفرد للتخلص من الواقع الصعب ويرى التحليل النفسي بان هذه الالية تعني تقهقر النشاط النفسي الى مرحلة سابقة من مراحل التطور النفسي للفرد وهذا الرجوع الى الوراء ربما ينحصر في العودة الى موضوع الاشباع الذي تتميز به مرحلة سابقة او الرجوع الى حال مبكر من احوال الانا(تكوين الذات) ، فالنكوص زمني . والنكوص يعني الارتداد الى مرحلة سابقة من حياة الفرد ربما كانت سعيدة وتركت اثارا مريحة في نفسه. ترى موسوعة علم النفس والتحليل النفسي بان النكوص هي حيلة لاشعورية من حيل التوافق ويقصد بها عودة الشخصية الى انماط من الدوافع او السلوك أو من كيفيات الاشباع النفسي لرغبتها لاتعود تتفق مع مرحلة النمو التي وصلت اليها الشخصية . وتضيف موسوعة علم النفس ان عملية النكوص هذه تلعب دورا اساسيا في كافة الاضطرابات والانحرافات النفسية حيث نجد الشخصية التي بلغت مرحلة الرشد وقد تراجعت الى دوافع نفسية واساليب اشباع غير ناضجة لم تعد تتفق وما وصلت اليه الشخصية من نضج جسمي وعمر زمني ، فالماضي هنا يعود حينما يتمنى الفرد ان تلك الايام التي مرت به يا ليتها تعود ويعيد صياغة بناء الايام من جديد لانه فشل في مواجهة الواقع الصعب وما يحمله من ازمات ومواجهات وضغوط لا طاقة للنفس بمواجهتها . ويقول علماء النفس أن النكوص استجابة شائعة للاحباط وكذلك عند الاطفال ايضا ً ، وهي بنفس الوقت مخلفات لخبرات انفعالية مسرة خلت وتركت في نفس الوقت الأثر الايجابي على العكس تماما من الخبرات النفسية السلبية المشحونة بالانفعالات التي لم يتح لها التفريغ المناسب او التنفيس او الافصاح وظلت معزولة عن باقي الحياة النفسية وربما كبتت ولم يعد يتذكرها الفرد اثناء حياته وسماها علماء النفس بالعرض المرضي . ان النكوص يسمح لصاحبه ان يعود الى الماضي وان يشبع لصاحبه رغبته في عالم الخيال وليس في الواقع وهو بنفس الوقت هروب من الواقع الحالي المعاش الصعب جدا على التحمل . يقول (مصطفى الشرقاوي) النكوص ميكانزم او (حيلة – ألية) يعود الفرد عن طريقه الى مستوى ادنى من التطور والتوافق حفاظا ً على تكامل شخصيته . ويضيف الشرقاوي عملية النكوص قد تخدم الفرد في الحصول على اشباع ما ولكن هذا الاشباع لايستمر غالبا ً مما يدفع الفرد الى عدم اتزان أشد ربما يؤدي به الى التخلص من حياته أحيانا ً. وتقول الامثلة الشعبية في هذا المجال : اذا ضاقت بك الايام وحملها ، تذكر ايام زواجك ، وهذا يعني ان تلك الايام هي ايام شهر العسل ، به مسرات وافراح وملذات . وكثيرا من الناس يحاول ان يلجأ الى احلام اليقظة حينما تشتد عليه قساوة الظروف وصعوبة ايجاد الحلول التي تفرج عن كربه . تقول "دافيدوف" احيانا يواجه الناس الضغوط بالرجوع الى اساليب السلوك التي تميز صغار العمر فالاطفال الذين لم يعتادوا مص الاصابع او التبول في اسرتهم لمدة سنوات يكون سلوكهم الشائع في الازمات بالرجوع الى الاستجابات السابقة غير الناضجة وربما يلجأون الى النكوص لانه يزودهم بمهرب حيث يرجعون الى الظروف السابقة التي كانوا يشعرون فيها بالحب والامآن والتقارب النفسي مع من يعيشون ، لذا توصل علماء النفس الى ان النكوص استجابة شائعة للاحباط . ان التفكير المنطقي في مواجهة ازمات الحياة وضغوطها يستلزم (أنا) قوية تقتدر على التاجيلات ،متسامحة إزاء التوترات ، ثرية بالطاقات الدفاعية ومستعدة للحكم على الواقع على وفق خبراتها وما اختزنته من تجارب تستعيدها في مواجهة صراعات الحياة التي لا تنتهي إلا بحلها حلا توافقيا يسمح بازالة جميع العقبات دون خسارة قد تنعكس الخطى ليجرنا الماضي إليه دون ان نشعر او يشدنا بوثاق تأنيب الضمير الى ما سلف من امرنا فيهبط الماضي كاهل الحاضر فتضطرب النفس فتعيش حينا ً يتلهف على المستقبل وحينا ً يجذبه حنين محزون للماضي السعيد ، فإذا كانت الانا ضعيفة او متعبة او عديمة الثقة بقدرتها فعندها يصبح النكوص – الارتداد الى الماضي أكثر جاذبية من الواقع المؤلم . من هم الذين يعيشون الحاضر من خلال الماضي : هم الاشخاص المتبرمين ممن ليست لديهم اية امكانية في التأثير بالواقع او التعايش معه فنراهم ينكصون الى الماضي ، فكلما اصبح الواقع كريها ازداد السعي الى استقدام الماضي بالذاكرة حتى يصبح الادمان على صوره الجميلة او ربما يذهب البعض لاحلام اليقطة . معظم هؤلاء الاشخاص الناكصون الى الماضي هم الشخصيات الذهانية – مثل الشخصيات : شبه الفصامية ، الاكتئابية ، البرانوية ، الانعزالية ، انهم يخبرون العالم في صورة أكثر إبهاما ً وأقل تمايزا ً كما يقول "اوتو فينخل". وهذه الشخصيات هي من اكثر الشخصيات المكبوتة وتتسم بصفات الخجل والخوف والكبت فضلا عن صفات اخرى مثل البرود العاطفي والانطواء الشديد ، وما يميزها ايضا انها تتصف بعلاقات سلبية بالاخرين وكذلك الخلو من الانفعالات . نلاحظ في حياتنا اليومية الكثير من الامثلة الواقعية فنجد بعض الراشدين يخرجون عن اطوارهم الطبيعية ويصيحون باصوات عالية ويتصرفون تصرفات غير طبيعية عندما لا يحصلون على ما يريدون ، تصرفات اقرب الى الهوجائية وعندما يهدأون يسترجعون الماضي والعيش معه ومع ذكرياته وهي صورة من صور النكوص التي تشبع لدى مثل هؤلاء ، انهم يعانون من ان ما يحصلون عليه من نجاح في الوقت الحالي غير مشبع لهم، وهم يرون ان الاشياء والحياة كانت في الماضي أفضل منها الان. يقول علماء النفس ان النكوص وجميع صور الانسحاب الاخرى عندما تبدو في صور متطرفة قد تكون عرضا ً لسلوك مرضي مستقبلي كالفصام على سبيل المثال ويرى ( مورجان) ان النكوص يبدأ في العادة في سن المراهقة حيث تبدو على سلوكهم ملامح قصورهم بالاشياء وعدم الاهتمام بها فضلا عن العزوف عن مشاركة اقرانهم ومن ثم اهمال واجباتهم ودروسهم وهي بداية الفشل في الدراسة مع تكوين اتجاهات سلبية نحو الحياة .
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وساوسنا .. هل تعيق سلوكنا ؟
-
الانتخابات العراقية وكواشف الذات
-
الاحباط في الطفولة ..صراع في البلوغ
-
الغيرة والجنون !!
-
الاغتراب .. هل هو أزمة الإحساس بالوجود؟
-
العراقيون وفريضة التساؤل ..عن التدهور في كل شئ!!
-
النفس والصراع !! جدل الانسان
-
الاستعراضية والتباهي مؤشر للشعور بالنقص!!!
-
الكبت والصراع النفسي
-
متى ينتهي العبث بالعراق ؟ مدونة سيكولوجية
-
مشاعر الخجل عند الاطفال .. كيف تتكون؟
-
التربية والشعور بالدونية عند الافراد والشعوب
-
العراقيون ومخاض الانتماءات .. رؤية نفسية عن الانتخابات القاد
...
-
الغِيرة .. الوجه الآخر للشخصية
-
من حرية التفكير الى التكفير
-
انفعالات التفكير .. ألم في الاحشاء !!
-
كيف يتكون الشعور بالدونية لدى الاطفال
-
ولمحنة أيتام العراق احزان
-
العراقيون .. بين التعب والملل
-
أطفال العراق وألعابهم
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|