بسام البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 2992 - 2010 / 5 / 1 - 18:43
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مسألة وجود الله مِن عدمهِ يبدو و كأنها مسألة محسومة للغالبية العظمى من البشر. فهو أما موجود يقيناً دون الحاجة لطرح السوآل كما تعتقد الغالبية العظمى من المؤمنين على مختلف دياناتهم المتناقضة. أو هو على الغالب غير موجود لغياب أي دليل يدل على وجوده كما تعتقد غالبية النخبة المُثقفة فكرياً و المُلحدة عقائدياً. أو, وهذه المجموعة نادرة جداً في البلدان التي تمتلأ بمظاهر التدين المُختلفة, وهي المجموعة التي لايعنيها وجود الله من عدمه أساساً, مادام يقع خارج نطاق حياة البشر ولا تأثير له علينا فلاداعي أذن للتفكير بهِ.
أي أننا نتحرك بين ثلاثة أتجاهات دائماً, الاول يقول بوجود الله, الثاني الذي لايعتقد بوجوده, والثالث الذي لايعنيه الأمر بتاتاً. ومهما كان توجهك أو أنتمائك لأي من المجاميع هذه فأسمح لنفسك بأن تذهب في رحلة فكرية قد تنعش بعض الافكار لديك أو ربما تجد فيها جواباً لبعض الاسئلة العالقة في ذهنك. ربما.. من يعلم.
لنفترض جدلاً, بأن الله موجود. لا حاجة لنا للأستدلال عليه او الاشارة لوجوده لكن تبعاً لفرضيتنا فأن وجود الله أمر واقع يقيناً ولا مجال حتى للتشكيك, تماماً كوجود الارض تحتك أو هذه الحروف أمامك الآن. الله موجود لكن هل وجود الله في حد ذاته سبب كافي يدفعنا لعبادته؟ الجواب في طبيعة الحال سيكون, لا. لأن قيمة الاشياء بالنسبة للأنسان تتمايز في مقدار تأثيرها عليه. وللوصول الى مرحلة العبادة و الشكر و الحمد الهستيري المتواصل الذي يمارسه المؤمن فأن قيمة التأثر يجب أن تكون على درجة عالية جداً. تماماً كما أن الشمس مثلاً أو القمر أو البحر في بعض الحضارات هي من المعبودات كما يكشف لنا التأريخ نظراً لتأثيرها المباشر على حياة تلك الشعوب. أذن, فما هو مدى تأثير الله على الإنسان في واقع الامر؟ هل التأثير الاكبر لله علينا هو كونه خالقنا. لن ننزع صفة الخلق عنه لان نزع صفة الخلق عن الله تجعلهُ عارياً تماماً كما تعلم. وهل صفة الخلق في دورها سبب كافي للعبادة؟
أذا كان وجود الله أزلياً واقعاً خارج حدود الزمان و المكان, فأن قيامهِ بعملية خلق الزمان و المكان الواقع تحت قدرته و التي تم تنفيذها بأرادته بكل مافيها من عيوب و أخطاء يجب أن تنطلي على هدف معين ذو غاية عليا تليق بكائن مُترفع مثله. ألاحتمال ألآخر بالطبع هو غياب أي سبب أو هدف أو غاية وبهذا تكون عملية الخلق عبثية لاطائل منها مطلقاً. المُشكلة في كلتا الحالتين, أي في حالة وجود هدف للخلق أو عبثية الخالق, فكلاهما مُبرر كافي لسحب الاستحقاق الاستعبادي لله. ففي حالة وجود هدف, فأن الهدف في حد ذاته, مهما كان, ينسف صفة الكمال و الاكتفاء الذاتي عند الله, وفي حالة غياب أي هدف, ينفي عنه كل الصفات الاخرى ويتوجه رباً للعبث و الكوميديا الألهية السوداء. فلماذا سنعبده؟
ربما عظمته و جلاله في حد ذاتها سبب كافي يدفعنا للعبادة لاأرادياً؟ لكن السوآل الذي يخطر على بالي الآن هو فيما اذا رأى أي شخصٌ منا عظمته المزعومة او جلالهِ؟ ثم أن الحديث عن العبادة اللاأرادية لايُمكن بأي شكل من الاشكال يتظمن ترديد كلمات معينة أو القيام بحركات معينة, و الا كانت هذه العبادة ماسوى تمثيلية عتيقة تخلو من أي تجاوب طبيعي حقيقي مابين الاحساس بالجلال و الخضوع له. مثال على هذا النوع من العبادة الطبيعية هو الانذهال عندما رأيت البحر لأول مرة, وقفت مدهوشاً في حالة تعبد حقيقية لهذه الروعة العظيمة و الجمال الخلاب. مِثال آخر عندما لمحتُ السماء عن قرب من خلال منظاري الفضائي, أصبت بالذهول الحقيقي لمدة تتجاوز الساعة و أنا أحاول أستيعاب كل هذا المساحات اللامتناهية و المجرات الهائلة و البعيدة. لكن, أين هي عظمة الله و جلالهِ التي ستصيبنا بالذهول و تدفعنا للعبادة اللاأرادية؟ قد يعتقد أحدهم بأن عظمة البحر من عظمة الله, لكن أذا كان الله هو كل شئ في الطبيعة, فعلى نفس المبدأ نستطيع أن نقول بأن قبح المياه الآسنة من قبح الله؟ و الى آخره من الاوصاف الاخرى. فما الداعي أذن لعبادة الله أذا أجتمع فيه كل شئ؟
ربما السبب الاوضح, و الاكثر شيوعاً بين المؤمنين.. هو أن الله بنفسه شخصياً طلبَ مِنا عبادته. بل حتى قام بشرح طرق عبادتهِ بالتفصيل أغلب الاحيان وماهي الكلمات التي سنستخدمها في التوجه له. طلبه من خلائقه التي قام بخلقها بنفسه يعتبر فريضة غير قابلة للنقض يجب علينا جميعاً الخضوع لها. لكننا للأسف نكتشف سريعاً بأن طلبه هذا قائم من موقع قوة تجاه كائن آخر في موقع ضعف. بكل بساطة فأن الله يستغل قوته و قدرته الغير محدودة ليفرض أحكامهِ علينا حتى دون أن يشرح لنا سبباً واحداً مقنعاً يدفعنا للقيام بهذه الفرائض. بل يلجأ للتهديد و الترغيب (قانونياً أسمها الابتزاز) لأجبارنا على تنفيذ أوامره التي لانعرف لها سبب واضح أو غاية معينة. فلا هو يستفاد منها أو يحتاجها ولا نحن, بل أن مساؤها في اغلب الاحيان علينا أكثر من فوائدها لنا لما تثيره من تبلد للفكر (ترديد نفس العبارات مراراً و تكراراً) و اضاعة للوقت و تبذير للجهد. ويبدو آخر المطاف بأنه فشل في أجبارنا على أية حال لان الغالبية العظمى من البشر لا تمارس اي نوع من العبادة لهُ.
من ناحية ثانية, فأن شعائر العبادة في الاديان جميعاً, خاصة اليهودية و المسيحية و الاسلام, و المتوارثة تأريخياً كما نعلم من الاديان الوثنية التي قامت هذه الاديان بالقضاء عليها. هذه الاشكال من العبادات تعتبر إهانة مُباشرة و تستطيح لفكرة الألوهة الحقيقية التي يتمتع بهِ الله كما يدعي المؤمنين بهِ. فهذه الشعائر غالباً ما تحصره في مكان معين أو تعتقد بأنه يطالبها بقول كلمات معينة أو غسل اجزاء معينة من الجسد ليسمعهم أو يسمع دعائهم. مِثال الذبائح في اليهودية مِثال أكثر من واضح عن عادات النذور للآلهة التي كانت منتشرة حينها في ارض كنعان. مِثال صوم الخمسين في المسيحية, أو صوم رمضان لدى المُسلمين, مِثال آخر للعادات و الطقوس التي كانت منتشرة في ارض مابين النهرين و فرعون في عادات الشعوب للاتصال بالارواح وطلب رضاها و مايسبقها من تجويع للنفس و تعذيب و عزلة أو أكل أنواع معينة من الطعام لان هذه الارواح لاتفضل كل انواع الطعام. فهل ذبح الذبائح أو رفع المؤخرات أو رسم علامات على الوجه و ترديد عبارات معينة هي رفع لهذا الأله أم هي حط و أهانة له؟
كما أسلفنا فأن وجوده في حد ذاتهِ ليس سبباً كافياً لعبادته, كما أن عظمته و جلالهِ في حالة غيابها الواضح عن عالمنا الذي نعيش فيه تسقط عنهُ الاستحقاق الاستعبادي كلياً. كما أن فشله الواضح في أجبارنا على عبادته لغياب المعنى في عبادته و لعبثية طقوس العبادة نفسها, سبب كافي للشك في قدرته. فوق هذا وذاك, فأن وجودنا في هذه الحالة التي نحن عليها نابع مِن أرادة الهية حرة, لم يجبر أو يفرض أحد وجودنا على الله. تمتع الله بأذلالنا فقط لأنه خلقنا ينم عن عقدة نفسية مرضية تحتاج لمراجعة حقيقية لحسابات الله في الخلق كله, و نحتاج معها لمراجعة أستحقاقاته كلها لدينا. فأن التعبد لمريض نفسي لن يكون أسلم من عدم التعبد لنفس المريض فيما لو قام هذا المريض بتغيير رأيه فيما بعد.
ختاماً, فأن حاجة الله لعبادتنا تنفي عنه الاستحقاق لثبات حاجته, و حاجتنا لعبادته تنفي التكليف الذي يفرضه علينا لانها حينها ستكون حاجة طبيعية مثل أي الحاجات الانسانية الاخرى.
#بسام_البغدادي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.