أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح جاووش أوغلو - - حرب الخليج لم تقع-















المزيد.....

- حرب الخليج لم تقع-


صالح جاووش أوغلو

الحوار المتمدن-العدد: 910 - 2004 / 7 / 30 - 13:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قبل وأثناء وبعد حرب الخليج الثانية (1990-91) كتب المفكر الفرنسي جان بودريارد ثلاث مقالات مهمة حول تلك الحرب نشرها تباعا في جريدة ليبراسيون. كانت عناوين تلك المقالات على النحو التالي: " حرب الخليج سوف لن تقع " وذلك في خضم الأستعدادات لتلك الحرب ، والمقالة الثانية التي كتبها أثناء الحرب كانت بعنوان " هل حرب الخليج تجري الآن فعلا؟ " ، أما المقالة الثالثة التي كتبها بعد أنتهاء الحرب مباشرة فحملت عنوان " حرب الخليج لم تقع " . وبعد وقت قصير جمعت هذه المقالات في كتاب تحت عنوان المقالة الثالثة " حرب الخليج لم تقع " . وفي عام 1995 ترجم بول باتون، أستاذ الفلسفة في جامعة سدني، الكتاب الى الأنكليزية مع مقدمة من عنده ونشرته جامعة انديانا.

الكثيرون أنتقدوا هذا الكتاب بالشكل السلبي وذلك لسبب بسيط وهو أن الحرب قد وقعت فعلا وأتهموا بودريارد بتغاضيه عن الفواجع التي رافقت تلك الحرب على أرض الواقع. والحقيقة أن بودريارد في كتابه يصف تلك الحرب بالحرب الصورية الزائفة والغير حقيقية وكانت محسومة النتائج قبل خوضها على خلاف " الحروب الواقعية " أو " التقليدية" التي عادة ما تتبين نتائجها بعد خوضها على أرض الواقع. إلا ان فكرة الكتاب الأساسية التي يطرحها بودريارد ويناقشها بأسلوبه الفريد تركز على الأعلام الغربي ، وخصوصا الأعلام الأمريكي ، وكيفية تصويرذلك الأعلام لتلك الحرب ونقلها للجمهور. وأستنادا على ذلك يقول بودريارد بأن تلك الحرب كانت (حرب تكنلوجيا) أعتمدت على صناعة وتسويق النماذج الخيالية الأمريكية التي تهيمن القوى الخارقة فيها على الأمور وتكون السيطرة والغلبة لها في نهاية المطاف.

يؤكد بودريارد على أن الأعلام الأمريكي وفي مقدمته ال( سي ان ان) لم ينقل للمشاهدين حقيقة ما جرى على أرض الواقع وأن الجمهور الأمريكي بالذات لم يعايش تلك الحقيقة الا من خلال ما قدمتها وسائل الأعلام تلك من صور مزيفة ومزخرفة وفق ما صممته الأدارة الأمريكية من تصاميم للحروب النموذجية التي تتسم، حسب تلك الأدارة ، بالسرعة وتصفها ب " الحروب النظيفة" . ما أتصفت به تلك الحرب حسبما يذكر بودريارد بأنها كانت حربا زائفة نقلها لنا ال( سي ان ان) ووسائل الأعلام الأمريكية الرئيسية الأخرى على شكل "حفلة تنكرية ". هذه الحفلة التنكرية والممتلئة بالأقنعة المزيفة بنظر بودريارد هي عبارة عن معلومات زائفة قدمت للمشاهدين الذين عايشوا الحرب من خلال هذه المعلومات والصورالمزخرفة والتي مرت على الرقيب قبل عرضها. بالأضافة الى تقديم تلك الحرب للمشاهدين بقناعها الزائف فأن المشاهدين كانوا يتلقون المعلومات بشكل مبستر وكانت تلك المعلومات تنزل عليهم الواحدة تلو الأخرى كالبرق بلمح البصر بحيث كانت تؤدي الى انعدام عنصر التأمل والتفكيرلدى المشاهد في كل معلومة. هكذا عايش الجمهور الأمريكي تلك الحرب وحل " الأعلام المزيف محل الواقع " . وهنا يؤكد بودريارد بأن " الحرب عندما تتحول الى هكذا معلومات فأنها تفقد صفتها الحقيقية وتصبح حربا وهمية ".

ومن الأدلة الأخرى التي يسوقها بودريارد ويعتقد بأنها تدل على زيف وقوع حرب الخليج الثانية (1991) هو قوله بأن الأمريكان لا يعترفون بوجود الآخر والزمن وان كل مايهمهم هو نجاح
" نموذجهم " الذي يصممونه حسب ما يؤمنون ويعتقدون به. فالزمن هو العدو ويجب أن يُهزم بنظرهم حسب هذا النموذج وليس هناك وقتا ليهدروه مع الآخر حول الحوار والتباحث والأعتراف ببعضهم الآخر. فالأمريكان حسب بودريارد لا يحسبون أي حساب لمثل هذه الأمور التي يعتبرونها "أمور بدائية". في الحقيقة " أن هذه النظرة نابعة من وجهة نظرهم ونظامهم الأقتصادي " . فحسب هذه النظرة " يجب أن لا يُهدر الوقت في مناقشة " الأمور التافهة التي لا تخدم في تنفيذ
" نموذجهم " . الذي يهم في نظرهم وأعتقادهم هو " السيطرة على النموذج الذي يصمموه واخضاعه لمشيئتهم ". فعلى صعيد الحرب ضد الآخرين، وخصوصا في حربهم ضد العراق عام 1991، الذي كان يهمهم هو" انتصارالنموذج الذي وضعوه أكثر من انتصارهم على أرض المعركة". نجاح النموذج الأمريكي كان متمثلا في التفوق والتسلط والسباق مع الزمن والأنتصار عليه وعلى كل العوائق مهما كانت لها من قوة وسطوة والظهور بمظهر المتسيد. فكما يوضح بودريارد " فأن النجاح العسكري [ بالنسبة لهم ] يكرس انتصار الأسلحة، أما نجاح المخطط النموذجي فيكرس الأنتصار على الزمن " الذي يعتبر في القاموس الرأسمالي العائق الأكبر في الحد من مسيرة تقدم الرأسمال الى الأمام. ان التأكيد على نجاح وسيادة المخطط النموذجي الأمريكي في حرب الخليج عام 1991 والمبني ، بقدر كبير ، على تسويق " الحفلة التنكرية " من حرب خاطفة " نظيفة " بواسطة اعلامها وعدم تمكين الجمهور من مشاهدة الوجه الآخر للحرب من مآسي وفواجع أو التقليل من شأن تلك الكوارث وحلول وسائل الأعلام بكافة أنواعها مكان الحدث الحقيقي وخضوع الكثير من تلك الوسائل لرقابة ذاتية أو من الأدارة الحاكمة أحيانا هو الذي قاد بودريارد الى القول بأن "حرب الخليج [ الثانية 1991 ] لم تقع " .

ولكن ماذا عن حرب الخليج الثالثة (2003)؟ هل تنطبق فرضيات وادعاءات، وبالتالي استنتاجات بودريارد على هذه الحرب أيضا كون الذي شن الحرب هذه المرة هي أمريكا أيضا وبنفس الأساليب وكون الذي شُنّ عليه الحرب هو العراق وبالتالي هل ان تلك الحرب لم تقع مثل سابقتها عام 1991 أيضا؟ مما لا شك فيه ان الأمريكان ومنذ البداية ، بدءاً من التحضيرات لحرب 2003 وانتهاءاً بسقوط بغداد ، أرادواها حربا خاطفة وسريعة حسب " النموذج " الذي وضعوه وتسابقوا مع الزمن الذي يعتبرونه عائقا أمامهم ، كي يحسموها بالنتائج المسبقة التي رغبوا بها حسب ذلك "النموذج" الخارق الذي يؤمنون به أشد الأيمان. كذلك قامت أكثرية وسائل اعلامهم بنفس الدور الذي قاموا به في حرب الخليج الثانية (1991) ، أي أن وسائل الأعلام تلك قد صممت ونفذت "حفلة تنكرية " جديدة للمناسبة الجديدة وذلك بألباس الأحداث والوقائع الجديدة أقنعة وسوقتها للعالم والجمهور الأمريكي بالأخص. الى هنا كان بالأمكان تطبيق فرضيات واستنتاجات بودريارد على هذه الحرب أيضا ولكن الرياح لم تجري بما اشتهته سفن أمريكا التي ظلت طريقها في متاهات البحار وأخذت الأمواج العالية تتقاذفها وتهددها وكل ذلك بسبب سوء تخطيط وادارة ملاحيها لتلك السفن.
حرب الخليج الثالثة (2003) أبت الا أن تكون حربا حقيقية على عكس سابقتها التي لم يعترف بودريارد بواقعيتها. وسبب ذلك يعود أولا الى ان هذه الحرب تجري الآن على أرض الواقع وليس بواسطة تكنلوجيا التحكم من البعد. المحتل أصبح يواجه المحتلين وجها لوجه سواء شاء مخططهم النموذجي المتفوق أم لا. وعلى أرض الواقع هذه سقطت أقنعة " النموذج الأمريكي" . سقطت أقنعة
" الحفلة التنكرية " من تحرير وديمقراطية التي ألبسوها ل "مخططهم النموذجي " . أرض الواقع هذه أظهرت بأنه هناك الكثيرون من العراقيين والدول في شتى أصقاع العالم لا يستسيغون ولا يريدون هضم " النموذج الأمريكي" ذلك. وهكذا أصبحت هذه الحرب الحقيقية التي تجري على أرض واقع العراق فرصة سانحة للنيل من ذلك " النموذج الأمريكي " من قبل معظم الذين لا يستسيغونه. فمن يحتل بلدا لا بد وأن يواجه مقاومة سواء من الذين يوصفون " بفلول النظام السابق" أو من المتضررين من هذا الأحتلال وقبل هؤلاء وأولئك من وطنيي البلد المحتل الذين لا يغيضهم شيئا أكثر من أن يروا وطنهم يئن تحت أغلال المحتلين وتُداس كرامتهم تحت أقدامهم. أضف الى هذه القائمة دول الجوار والدول الأخرى ذات النفوذ والتي ترى في مثل هذا الأحتلال تحديا لها ولمصالحها. وهكذا أصبحت أمريكا تواجه كل هؤلاء بشكل أو بآخر على أرض واقع العراق.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في جعل (حرب الخليج 2003) حربا واقعية على عكس سابقتها هي ظهور وسائل اعلام مضادة للأعلام الأمريكي والتي أسقطت الكثير من أقنعته التنكرية وأبانت البعض من الوجه الحقيقي لهذه الحرب. وبالأضافة الى ذلك فأن وسائل الأعلام المضادة قد أستفادت الكثير من اللعبة التنكرية للأعلام الأمريكي وأخترعت هي الأخرى أقنعتها وأستخدمتها كسلاح مضاد وذلك لصالح الجهات المعادية للنموذج الأمريكي ومحاصرته في أرض الواقع. على الرغم من كون وسائل الأعلام المضادة هذه (وخصوصا العربية منها) في بداية مسيرتها ، قياسا بالأعلام الأمريكي الهائل وصاحب الخبرة الطويلة في تصميم وتنفيذ الأقنعة الدعائية، فأنها قد عثرت لنفسها على مواطئ أقدام في ميدان الأعلام العالمي ونسوق هنا قناة الجزيرة مثالا لمثل هذه الوسائل الأعلامية على الرغم من بعض التحفظات والأنتقادات الموجهة لها من قبل أطراف معينة. ان الدليل على صعود الجزيرة على المستوى العربي والعالمي ومنافستها للفضائيات الغربية وخصوصا الأمريكية منها يكمن في، مثلا، انها من الممكن ان تحل ضيفة في بيوت أقرب جارة للولايات المتحدة الأمريكية ألا وهي كندا. ففي الأسبوع الماضي سمحت لجنة الأذاعة والتلفزيون الكندية (وهي اللجنة المسؤولة عن منح التراخيص والرقابة على وسائل الأعلام) للراغبين من شركات نقل قنوات التلفزيون للمشاهدين في ادراج الجزيرة ضمن خدماتها. وعلى الرغم من عدم انجاز هذا المشروع ومجابهة الجهات المناوئة له ومحاولتها لأجهاضه فأن ذلك يدل على انتشار و نجاح وسائل الأعلام المضادة للأعلام الغربي، والأمريكي على وجه الخصوص، في الوصول الى الطرف الآخر وقول مالا يقوله ذلك الأعلام الغربي.

وهكذا فأن هذه الأمور المستجدة، التي بيناها، وغيرها مجتمعة تقودنا الى القول بأن حرب الخليج الثالثة (2003)، على العكس من سابقتهاوالتي لم يعترف بودريارد بحقيقة وقوعها، قد وقعت فعلا ولاتزال تقع على أرض الواقع وليس حسب ما أراده الذين صمموها وتورطوا بها وذلك لسوء تصميمهم وادارتهم لها.


*النسخة الأنكليزية لكتاب بودريارد المشار اليه في المقالة:
Baudrillard, Jean (1995). The gulf war did not take place (Paul Patton, Translator). Indianapolis: Indiana University Press



#صالح_جاووش_أوغلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حلم مايكل مور يغدو كابوسا لجورج بوش


المزيد.....




- الخارجية الروسية: ألمانيا تحاول كتابة التاريخ لصالح الرايخ ا ...
- مفاجآت روسيا للناتو.. ماذا بعد أوريشنيك؟
- -نحن على خط النهاية- لكن -الاتفاق لم يكتمل-.. هل تتوصل إسرائ ...
- روسيا وأوكرانيا: فاينانشيال تايمز.. روسيا تجند يمنيين للقتال ...
- 17 مفقودا في غرق مركب سياحي قبالة سواحل مرسى علم شمالي مصر
- الاختصارات في الرسائل النصية تثير الشك في صدقها.. فما السبب؟ ...
- إنقاذ 28 فردا والبحث عن 17 مفقودا بعد غرق مركب سياحي مصري
- الإمارات تعتقل 3 متهمين باغتيال كوغان
- خامنئي: واشنطن تسعى للسيطرة على المنطقة
- القاهرة.. معارض فنية في أيام موسكو


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صالح جاووش أوغلو - - حرب الخليج لم تقع-