علي فردان
الحوار المتمدن-العدد: 910 - 2004 / 7 / 30 - 13:23
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل هناك شعور لدى الشيعة بأنهم مضطهدون في وطنهم؟ الكثير سيجيبك بكلمة نعم، لكن ما هي مبررات إحساس الشيعة بالاضطهاد؟ الشيعة لهم جذور في هذه الأرض، مثل نخيلها وعيونها، مثل رمال شواطئها وحباّت رمل صحاريها. شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهم تاريخ عريق على هذه الأرض قبل الإسلام وبعده، فلماذا يشعرون بالاضطهاد فوق أرضهم؟ الإجابة وبشكل صريح وقاطع، حكومة آل سعود هي السبب.
مُدن الشيعة تشعر بالاضطهاد، شوارعها المهملة تشتكي وتبكي من الإهمال، منازلها البسيطة، أزقّتها الضيقة، عيونها التي غارت وأصبحت في طي النسيان هي أيضاً تشتكي الاضطهاد المتعمّد في تغييبها، واحات نخيلها التي أصبحت أعمدة ميتة شاهد على ذلك وكأنها فقدت الأمل في الشكوى فتوجهّت للأعلى، للسماء تشكي الاضطهاد، البحر يشتكي الاضطهاد من دفنه وتحويله إلى أراضٍ لأمير أو أميرة قادم من بلاد بعيدة، كذلك أسماك بحارها تشكي الدفن الذين قضى على أماكن تناسلها وتكاثرها.
هل هذا يكفي؟ ربما لا. مساجد الشيعة تشتكي من الاضطهاد، فلا يستطيع الشيعة ترميمها ولا بناء غيرها، آبار نفط الشيعة تشتكي الاضطهاد وهي ترى خيرها يذهب بعيداً وأهلها الذين عاشوا معها آلاف السنين قربها يعانون الفقر. مياه الشيعة المُحلاّة تشتكي الاضطهاد فهي تسقي البعيد عنها مئات الكيلومترات وهي لا تستطيع الوصول إلى أهلها العطشى. أراضِ الشيعة تشتكي الاضطهاد حيث دنّسها آخرون من مكان بعيد واستولوا عليها غصباً وأهلها بلا سكن. مستشفيات الشيعة تعاني الاضطهاد فهي لا تستطيع استيعاب الأعداد المتـزايدة من المرضى والمحتاجين.
أطفال الشيعة يعيشون الاضطهاد لأن وزارة التربية والتعليم ترفض إعطاء ترخيص لإنشاء رياض أطفال خاصة في مناطق الشيعة، وترفض ترخيص إنشاء مدارس خاصة للبنات كذلك. أطفال الشيعة يشعرون بالاضطهاد من تكفيرهم في هذا العمر المبكر على يد معلّمين مدفوع رواتبهم من الحكومة وفي مناهج طبعتها الحكومة من أموال نفط الشيعة. شباب الشيعة يعانون الاضطهاد لأنهم لا يستطيعون العمل في شركات النفط مثل أرامكو الذي صرّح مسؤول فيها قبل سنوات وعلى رأس الأشهاد "لا نريد الشيعة". شباب الشيعة يعيشون كابوس الاضطهاد لأن الحكومة ترفض قبولهم في القطاعات العسكرية. شباب الشيعة يعيشون حالة الاضطهاد لأن الجامعات ترفض من درجاته تصل إلى 100% وتقبل آخرين بدرجات أقل. مُعلِّمات الشيعة يشعرن بالاضطهاد لأنهن لا يستطعن أن يصلن إلى مراتب مديرات مدارس حتى بعد خدمة سنوات طويلة في التعليم، بينما أخريات يتخرجن من الجامعة ليتبوأن مناصب الرئاسة والإدارة.
الموظفون الشيعة يشعرون بالاضطهاد لأن من يرأسهم يمارس التمييز ضدهم ويهضم حقهم في الترقيات في شركة أرامكو وسابك وغيرها. الموظفون الشيعة يشعرون بالاضطهاد لأن الزيادات والدورات التدريبية والحوافز لا تأتيهم لتذهب لغيرهم أقل كفاءة وإخلاصاً. أكاديميو الشيعة يعيشون الاضطهاد لأنه لم يصل أحد منهم إلى منصب حكومي عال، ولن يصل، لأن على جبينهم مطبوع كلمة: شيعي. خريجو الجامعات الشيعة يعيشون الاضطهاد لأن الجامعات لن تقبلهم معيدين فيها، مع تميزهم الأكاديمي، ولن تقبلهم المستشفيات الكبيرة للعمل فيها لأنهم لا ينتمون إلى الفرقة الناجية ولا إلى الأرض المقدّسة نجد، ولن يتم قبولهم في برامج التخصص لأنهم من المغضوب عليهم.
كيف لا يشعر الشيعي بالاضطهاد وهو يعيش في وطنه وفوق تراب أرضه لكنه غريب فيها؟ أحد الأصدقاء قال بأنه كان في أحد المجمّعات وحان وقت الصلاة، وخرج عائداً إلى غرفته في الفندق للصلاة، بعدها عاد للمجمع. قال: بأني شعرت بالقرف، لقد كنت أريد أن أصلّي في المسجد في المجمع، لكني أعيش غربة في وطني، فلم أستطع. هو نفسه يصلي في أي مسجد وفي أي مكان عندما يكون في البحرين، عمان، الإمارات، أو في بلاد "الكفار"، لكنه لا يستطيع في بلاده لأنه يعيش بين أتباع المذهب الوهابي النقي الذين لم ينفكوا يتعرضوا لأي شخص "كافر" يدخل مساجد "المسلمين".
هل قرأتم موضوع تعيين مشرفين تربويين في المنطقة الشرقية قل شهر؟ من 45 مشرفاً، لم يتم تعيين ولا مشرف تربوي من الشيعة. هل قرأتم موضوع استدعاء مسؤولي مواكب العزاء في القطيف لإبلاغهم بأن ذلك ممنوع مع التهديد بالمعاقبة؟ هذا حصل قبل شهرين. هل قرأتم موضوع استدعاء القائمين على المآتم الحسينية وباعة الأشرطة والكتب الإسلامية في الأحساء حيث تم سجن البعض وتغريمهم مبالغ مادية؟ هل قرأتم معاناة الشيعة في ينبع وكيف أنهم ممنوعون من إقامة شعائرهم الدينية في بيوتهم بأمر من المباحث؟ قصة البحث المدرسي الذي يكفّر الشيعة ويدعو لقتلهم نال حقه من الإعلام، ولكن النتيجة صفر لصالح الشيعة. كذلك قضية الافتراء على أحمد بن حسن بن حسين أبو عبدالله الموظف في شركة سابك، نال حقه بأن تمت معقابته بدل معاقبة الجاني.
هل أُكمّل؟ لا أستطيع، لكن بقي ذكر بعض الكلمات. هل قرأتم موضوع رفض طالبات الشيعة من دخول كلية العلوم الصحية للبنات بحجة واهية عن قرص الكمبيوتر "المتمرد"؟ الأستاذ قينان الغامدي، كعادته تصدّى لهذا الموضوع بصراحته المعهودة وأنهاه بأن العذر أقبح من الذنب، لكنه لم يذكر كلمة شيعة في مقاله مع ذكره لكلمة القطيف، وهو لا يحتاج لذلك. التمييز ضدّ الشيعة لم يتغير، سواءً تحدث ولي العهد عن الشيعة كمواطنين أم لم يتحدث. سواءً تحدث وزير الداخلية أم لا. الشيعة لا ينتظرون كلاماً، ولا يحتاجون أحداً ليؤكد على وطنيتهم، فهذا وطنهم وهذه أرضهم، وهذه خيراتهم.
الأستاذ قينان حفظه الله انتقد بشكل قوي هذا التمييز وقال بأن من يسيء لمصالح الوطن العليا يجب أن يُلقى من فوق البرج هو مع قرص الكمبيوتر "المتمرد". كيف يمكن التعليق على موضوع بهذه الحساسية في وقت تتحدث آلة الإعلام الحكومية ليل نهار عن الوطنية والمواطنة؟ كيف تمارس الحكومة ومسؤوليها أعمالهم كما في السابق من تمييز ضد الشيعة في القبول في الجامعات والأعمال، والحكومة تتحدث عن المواطنة والولاء للوطن؟
إن ما ذكره الأستاذ قينان من أنه يجب أن يُلقى من فوق البرج الذي يسيء لمصالح الوطن العليا، ولا أدري هل يعني بذلك رؤساء البلديات، مسؤولو وزارة الصحة والتعليم والمواصلات والأحوال المدنية وبقية الدوائر الحكومية؟ هل يقصد مدراء الجامعات، الوزراء، أمراء المناطق أيضاً، ووزير الداخلية، وزير الخارجة، وزير الدفاع وأمير الرياض، وكذلك الأمير عبدالله، والملك فهد؟ إن اضطهاد الشيعة تمّ إمّا بأمر منهم أو برضاهم وفي نطاق صلاحياتهم المباشرة مثل الحرس الوطني والجيش والسلك الدبلوماسي، وإلاّ لما حدث ما حدث.
فهل من شك بأن الشيعة يعيشون حالة اضطهاد لا تزال مستمرة؟ الأمثلة أعلاه ليست قديمة، بل حدثت قبل أشهر قليلة فقط، وبعضها حدثت قبل أيام. فهل سيظهر لنا كاتب شجاع مثل الأستاذ قينان ليعلنها صراحةً بأن من المفيد رمي هؤلاء المسؤولين من أعلى البرج ليستريح الوطن من أمثالهم، أما الشيعة فهم طيور الدار ويعرفون ذلك وما حدث بالنسبة لهم ليس فيه أي جديد.
29 يوليو 2004
#علي_فردان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟