ماجد خمرة
الحوار المتمدن-العدد: 2984 - 2010 / 4 / 23 - 16:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
عندما اجتاحت الأزمة الاقتصادية العالم مؤخرا جراء ما حصل في صلب الاقتصاد الأمريكي وخاصة في مجال الاستهلاك الورقي- النقدي وبعض من الأسباب البنيوية التي تخص المجمعات العسكرية – الصناعية ازداد تسويق كتب ماركس وخاصة "رأس المال" تعبيرا عن حب الاستطلاع للسبب الحقيقي لهذه الأزمة, التي لن تكون الأخيرة . لست من اللذين يضربون في المندل السياسي والاقتصادي ومن يظهرون على شاشات الفضائيات ليتنبؤا بما سيحصل مفتتحين جملهم بـ "سوف يـ....". بل سأحاول التطرق ولو باقتضاب يليق بمقالة شبه علميّة وشبه صحفية لموضوعات في الماركسيّة, حفظنا منها شيئا وغابت عنا أشياء.
بادئ ذي بدء أود التأكيد بان الماركسية ترفض رفضا قاطعا , الجمود العقائدي (الدوغماتية) وتحاربها بدون هوادة. فالجمود العقائدي في الفلسفة والعلم يرفض مبدأ عينية الحقيقة الذي يبتعد عن المكان والزمان ويشكل خطرا على الديالكيك الذي ينادي بالحركة الدائمة لولبية الشكل وحلزونية التطور. فديالكتيك الماركسية يدعونا إلى التطلع دائما للظروف التاريخية- المادية العينية لدى تحليلنا للظواهر والعمليات الجارية في مختبرات الطبيعة والمجتمع. الحزب الذي يستدل ويسترشد ويسير وفق الماركسية – ومن الأحزاب (الماركسية اللينة تحديدا) – مبدأ ونهجا وجب عليه الانتباه جيدا عند تحليله للأوضاع السياسية – الاقتصادية , آخذا بعين الاعتبار المفاتيح المنهجية للماركسية. فماركسية ماركس تدعوك دائما للانفتاح العلمي ومواكبة احدث الاكتشافات التي تفتق بها الدماغ البشري منذ الثورة الصناعية وما بعد الثورة العلمية- التكنولوجية والهايتيكية. فعالم العلوم الدقيقة لا يستطيع إلا أن يكون ديالكتيكيا حتى في حالة كونه رجل دين ومؤمن بالآخرة حسب عقيدته وبالتالي فهذا ينفي كونه عقائديا , عينية الحقيقة تتطلب الوقوف الزماني والمكاني فـ "مجموع زوايا المثلث يساوي قائمتين" هي حقيقة فقط لهندسة إقليدس بينما هي ليست بحقيقة للهندسة حسب الهندسة اللا اقليدية (لوبا تشيفسكي) الذي يقول بان "مجموع زوايا المثلث هي اصغر من 180 درجة". إذن لا توجد حقيقة مطلقة وهذا ما يقوله العلم منقولا إلى المجتمع. قد يستغرب البعض من هذا الحديث العلمي الجاف ليقول "ما لنا وله..." له دينه ولنا دين" نقول له لا يمكن للماركسية التواجد خارج هذا النطاق . في زمن "عز الاشتراكية" كانت المعاهد والأكاديميات العليا ترصد الموارد البشرية والأدمغة اللامعة لتواكب مجمل العمليات الحاصلة في المجال العلمي والاختراعي وما التفكير الرياضياتي والفيزيائي سوى جزء من الفلسفة الجدلية التي أضاف عليها ماركس ماديتها . التحرر من الجمود العقائدي يفضي بك أن تستخدم النظرية بدلا من ان تكون لها عبد. فحركة المادة المستمرة والخالدة تجعلك متفاعلا مع مسالة التحالفات السياسية مع القوى الموازية على الرغم من الاختلاف الإيديولوجي بينما جمود عقائديك يدعوك للتقوقع داخل دوامة "إما نحن البروليتاريا وإما هم البرجوازية" . ديالكتيك السياسة, سياسة الأحزاب الماركسية يرشدك لصياغة القرار السياسي السليم فيما لو استخدمته جدليا.
من السابق لأوانه, أصلا غير مطروح على الجدول الأولي, تعريف الحقبة الزمنية التي نعيشها على أنها نهاية الرأسمالية.إننا نشهد تعمق الفجوات واستفحال التناقضات التناحرية بين من يستحوذ على القيمة الزائدة وبين منتجيها, وما زالت الرأسمالية بوحشيتها تراكم أرباحها على حساب المستخدمين .
إن العلاقة السببية –النتائجية والتوارث الحلزوني بين القديم والجديد في حلقة التطور الجدلي تجعلنا نتأمل ونلاحظ التغيرات الطارئة على جوهر الظواهر وعلى الظاهرة نفسها. الرأسمالية زادت من ألوانها وتلونها وتعقدت صفات الفئات التي تدخل هذه المقولة كالمديرين والمستشارين ولفيف كبير من المهن التي تستحوذ بهذا الشكل أو ذاك على فائض المنتوج- القيمة المتولد من الطابع المزدوج للعمل. ولا سيّما الطابع الذي ينتج القيمة الزائدة – الربح. تعقدت الأمور لدرجة وجود ازدواجية للعوامل المنتجة للقيمة, فمكونات العمل ذاته أصبحت بشكل ما تنتج وتستحوذ على القيمة. طبعا هذا لا يجعل المستخدمين رأسماليين لأنهم لا يملكون وسائل الإنتاج مع انه طرأت أيضا هنا تغيرات بنيوية في جوهر مفهوم ملكية وسائل الإنتاج ,الأمر الذي يمكن المستخدمين بهذه النسبة أو تلك من "المشاركة" في ملكية وسائل الإنتاج. إن عالم الهايتك المتعولم يحاول غمغمة الفروقات بين طرفي النقيض من ناحية ويعمل جاهدا لزيادة هذا الشرخ من ناحية أخرى . فحتى في المجالات الإنسانية كالطب والفن والترفيه فما زال هناك طب وعلاج للاغنياء وآخر للفقراء.
إذن نحن في حالة الازدواجية الجدلية وليست الميكانيكية التي تتطابق تماما مع مقولات قانون وحدة وصراع الأجداد. فالهايتك كمؤسسة , تيار, مفهوم, صناعة, ادارة , نظرية وواقع أصبحت تلك الخلية التي بحث عنها ماركس في " رأسماله" عندها بدا ماركس ببحثه عن "السلعة" بوصفها المنتوج- الظاهرة التي تحوي في داخلها جميع المتناقضات بين المنتج – العامل- والرابح الرأسمالي, بين العمل الحسي والعمل المجرد, القيمة الاستهلاكية والقيمة التبادلية, القيمة والقيمة الزائدة. عندها كتب ماركس يقول " إن الشكل السلعي للمنتوج هو شكل للخلية الاقتصادية في المجتمع البرجوازي..... وان السلعة هي الشكل الاولي للثروة الرأسمالية و ... ولذلك فان دراستنا تبدأ بتحليل السلعة ". اليوم لا يمكن تصور أي شيء بدون السلع فحتى الخدمات تسلعت وكذلك العلاقات الاجتماعية بين الناس. فمن هذا المنطلق أدعو إلى دراسة عميقة على المستوى النظري للكشف عن الخلية الجديدة- القديمة لندعوها سلعة الهايتك ومن ثم لدراسة تطبيقية لاحتساب معدل القيمة الزائدة باستخدام الوسائل الرياضياتية بناء على المعادلات التي استخدمها ماركس. فاحتساب القيمة الزائدة او معدلها هو ليس رقما فقط, انه مع احتساب كمية القيمة الزائدة يدلنا على الحجم المطلق للاستغلال الرأسمالي. إن التحديد الدقيق لمقدار معدل فائض القيمة يعتبر مسالة في غاية الصعوبة من الناحية العملية. فالرأسمالية تتعمد الإحصائيات بوعي تشويه المعطيات الضرورية لإجراء هذا الحساب. فالتقارير تهول في تقرير أمور العمال وتهون من أرباح الرأسماليين .
اعتقد انه على الرغم من التعقيدات في الحساب إلا أن الهايتك ذاته سيقودنا إلى الحل. إن احتساب هذا الأمر سيمكننا حتما من تحديد الملامح الجديدة لجميع الفئات المتناقضة في صناعة سلعة الهايتك ووضعهم على محور الاضداد لمعرفة مدى المشاركة في صنع القيمة الزائدة ومدى الاستحواذ عليها ومدى المشاركة المزدوجة . عندها ستتضح لنا الصورة لنتمكن من تحديد الحلفاء وتحديد الأعداء, نستطيع أن نبني التكتيك والإستراتيجية المناسبة للتركيز على ما هو جوهري وما هو ثانوي- هامشي وتحييد ما يمكن تحيده من العناصر.
أوجهها دعوه جديدة لخوض هذه الدراسة ليس من باب السفسطة بل حرصا منا على إتمام وملائمة الماركسية محافظين على نقاوتها ومستخدمين جميع قوانينها ومقولاتها. استغل الأول من أيار للتضامن العمالي وكافة الشغيلة ولتوجيه هذه الدعوة للوقوف والتامل لفكّ وتحليل الرموز الجديدة للسلعة المستحدثة.
بقلم: د. ماجد خمرة
نيسان 2010, حيفا
#ماجد_خمرة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟