. جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2983 - 2010 / 4 / 22 - 21:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مع تصريحات متعددة بشأن تحالف ( الأكراد) مع (الشيعة ) يقودنا الأستاذ جلال لأن نشعر وكأنه يحاول أن يجد كثيرا من نقاط قوة الأكراد من خلال إبقاء الطرف العربي ( شيعة وسنة ) في دائرة الطائفية ونظام المحاصصة التي أضعفت العراق و وضعت وما زالت تضع وجوده كوطن في محل الشك.
والأستاذ جلال, لا شك, أستاذ في السياسة, و ذا خبرة ودراية ومعرفة باللغة العربية بحيث لا يشك أحد في قدرته على وضع الكلمة المناسبة في المكان المناسب, لذلك فإن تصريحه عن التحالف الستراتيجي بين الأكراد و ( الشيعة ) لا بد وإن يوحي بوجود ثقافة سياسية كردية ترى في الضعف العربي العراقي المتأسس على الطائفية قوة حقيقية للأكراد ولهذا فهم يسعون أو يتمنون بقاءه فاعلا.
لقد كان من أكثر أوراق القوة في يد الأكراد طيلة مواجهتهم للأنظمة العراقية السابقة هو نجاحهم في تأسيس خطاب قومي إنساني كردي لا يتعارض ولا يتناقض ولا يتصادم مع مصالح الجزء العربي من الشعب العراقي بل ظل فقط متناقضا مع الحكومات المتعاقبة, وإن القدرة على إبقاء الخطاب الكردي بهذا الاتجاه كان يحتاج إلى إيمان حقيقي مثلما كان يحتاج إلى صبر لا تلغيه حدة الظروف وقسوتها, وفي هذا الاتجاه كان قد سبقني على الجانب العربي كثير من الذين يؤمنون إن النضال الكردي من أجل الحقوق القومية المشروعة لا يتقاطع مع النضال الوطني العراقي الشامل من اجل التحرر والإنعتاق من الدكتاتوريات والقمع وتأسيس وطن عراقي للجميع, لا بل إنه يتغذى بكل ذلك ويغذيه في نفس الوقت.
إن تراثا بهذا الشكل يجب أن لا يجري التفريط به في أي اتجاه وفي أي زمان وتحت أي شعار, وإذا ما كان الوجه الإنساني للقضية الكردية قد وجد نفسه,في الأعوام القاسية الماضية, من خلال التفاعل الإيجابي ما بين القومي والإنساني والوطني, فإن استمراره في دوره هذا بات أيضا مطلوبا بشدة, ولذلك أرى إن كل حديث أو مقالة أو تصريح لمسئول كردي يجب أن لا يتقاطع مع هذا الخطاب الإنساني وإنما عليه أن يضيف عليه, حتى لا يلغي الموقف الجديد ما قبله, ولكي لا يفسر الموقف الوطني غير العنصري للأكراد على إنه كان موقفا ظرفيا أملته ظروف الحاجة لا عناوين العقيدة, وأنت أدرى يا سيدي بان الأفكار والعقائد والعلاقات إنما تمتحن في أوقات الشدة ويقاس ثباتها حقا عندما تتغير الأحوال.
إن الأخوة الأكراد على حق حينما يؤكدون على أن درجة حساسية القضية الكردية باتت عالية نتيجة للظروف الخطيرة والشائكة التي كانت قد مرت بها قضيتهم, بحيث صار عرفا أن يجري التعامل مع كل قول عربي يتناول جانبا نقديا أو حتى نصائح مخلصة أو تمنيات بهذه الدرجة العالية من الحساسية, غير إن عدم المباشرة بترويض حساسية, بهذه القوة وبهذا الاتجاه, لا شك سيجعل القضية الكردية تخسر بلا شك بعض اشد أحبابها ومناصريها.
ولا أخفي عليك سيدي إن كثيرا منا نحن العرب المتعاطفين مع الأكراد قد بدأ يشعر بالفعل إن هناك توظيفا للحساسية وتفعيلا لها بالاتجاه الذي بات يمنع الآخرين من الاقتراب من الأكراد حتى من موقع النقد الصدوق والمحب. وأظنك تدري بمقدار ما يحمله ذلك من أخطار على القضية الكردية ذاتها حينما لا يجد الآخرون سوى أن يفكروا بطريقة أحادية الجانب وبما يؤدي إلى خلق قناعات لا تشذبها أخلاقية الحوار المشترك. وإذا ما وجد العنصريون على الجانب العربي في ذلك تربة غنية لتنمية طروحاتهم المعادية للأكراد فإن الخطأ بالأساس سيتحمله بعض الأخوة الأكراد قبل أن يتحملها من سيؤمن بطروحات أولئك العنصريين.
إنني على يقين إن القوة على الجانب العربي والمتأسسة على القيم الوطنية والإنسانية والأخلاقية الرصينة هي في صالح الأكراد. ولأن الفرقة الطائفية هي حالة سيتداركها العرب السنة والشيعة آن آجلا أو عاجلا, وذلك بتشجيع من حقائق الجغرافية والتاريخ, لذلك فإن المراهنة عليها من أية قوة على الأرض ستفشل لا محالة. ولربما صار على السنة والشيعة العرب أن يمتحنوا علاقاتهم معا, ولربما كان في هذه العلاقة ما يغري الآخرين على صيغ الاستثمار والتشجيع والتوظيف, غير إنني مؤمن حقا إن هؤلاء سوف لن يحتاجوا إلى وقت طويل لكي يدركوا إن أخوتهم هي أخوة قدرية وإن إنفكاكهم عن بعض لن يعيد بالنفع على أي منهما, بل إنه سيعود عليهما معا بالضرر الأكيد.
إن القضية الكردية ياسيدي, فيها قدر كبير من السياسة لكن فيها قدر أكبر من الأخلاق, ولأنها قضية شعب وحقوق وليس قضية أرباح ومكاسب, فلقد صار على السياسة فيها أن تكون في خدمة الأخلاق وليس العكس. وإن حاجتها إلى المناورات السياسية تبقى مشروعة بمقدار ما تبقى متماسكة مع وفي خدمة أساسها وهدفها الأخلاقي, ومن الأكيد إن كل خروج عن ذلك لا ينبع من حكمة. وإذا ما قيل إن السياسة شطارة فإن الصفة الأقوى من شطارتها هو في بقائها قادرة على تفعيل علاقتها في كل لحظة مع جانبها الأخلاقي وإلا فسوف يقال إن غلطة الشاطر بألف.
إن من ناضل من أجل الحقوق الإنسانية المشروعة لناسه وأهله وقوميته سوف يكون بمنأى عن يتسبب بأضرار لناسه وأهله من القومية الأخرى, , فالمبادئ الأخلاقية هي واحدة مهما اختلفت الجغرافية.
وإن من حقي أن أعتقد إن الظروف المعقدة والشائكة والصعبة التي يمر بها الأكراد ووطنهم العراق تؤدي إلى وقوع خطأ هنا وخطأ هناك, لكني اعتقد في نفس الوقت إن الخطأ الفني يجب ملاحقته على الدوام لكي لا يتحول إلى خطأ مبدئي. وبمقدار ما يجري التأكيد على الظرف الذي يسمح بالخطأ, سيكون هناك تأكيد على وجود قوى متلهفة لاصطياد الخطأ, وتوظيف ما هو فني باتجاه مبدئي, وعلينا سوية كعراقيين ان نمنع حصول ذلك, بمحاولة تقليل الخطأ أولا وبمنع ما هو فني أن يتحول إلى مبدئي, ربما بسبب تراكمه, وربما بسبب توظيفه, أو بسبب العزوف أو العجز عن متابعته.
وسأظل مؤمنا بكل حقوق الأكراد القومية المشروعة التي لا يمكن لها بأي شكل أن تتناقض مع حقوق العراقيين من كل القوميات الأخرى في وطن واحد يملك الجميع, والتي تبحث عن مواقع قوتها في قلوب وعقول العراقيين جميعا ومن خلال معادلات سياسية دولية وإقليمية يكون المدخل إليها الإيمان بالأخوة العربية الكردية الرائعة.
#._جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟