جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2979 - 2010 / 4 / 18 - 23:31
المحور:
الادارة و الاقتصاد
يعني مثلاً لو بحثنا عن حل جذري لعلاج قضية أو مسألة الفقراء لأدركنا أن قتلهم مثلاً لا يحل قضية فقرهم أو شنقهم من الخاصرة أو العنق أو القدمين, فقتل الفقراء –فعلاً- لا يحلُ مسألة الفقر , ولو أيضاً قمنا بوضع جميع الفقراء العرب في السجون فلن نستطيع أن نحل بهذا القرار مسألة مشكلة الفقراء العرب , ولو بحثنا عن حل آخر وقلنا يجب أن نضع الفقراء في مستشفيات عقلية على اعتبار أن الفقر مرضٌ عقلي وراثي أو مرض عضال وراثي فلن نستطيع أيضاً حل القضية ,ولو مثلاً أعطيناهم حبوب منع الحمل والإنجاب والعقم فإنه أيضاً من المستحيل أن نتخلص منهم ,وأيضاً لو أعطيناهم حبوب منومة للأبد أيضا لن نخلص منهم , ولو قمنا بإعدامهم أو قطع رؤوسهم فلن نتخلص منهم , ويبدو أن هنالك مستفيد كبير من الفقراء وهو النظام الحاكم فالأنظمة العربية الحاكمة هي المستفيد الأول والوحيد من الفقراء العرب , لأن الفقراء لا يفكرون في العمل السياسي الحزبي أو الثقافي التطوعي وهذا من صالح الأنظمة المستبدة والرجعية وهو أن يبقى الوضع على ما هو عليه بدون تغيير.
الأنظمة العربية لا تريد التغيير في أنظمة الحكم ولا تريد التطوير ولا تريد أن تتكيف مع معطيات العصر الحديث , الأنظمة العربية الحاكمة هي التي تصنع الفقر والجوع في مصانع خاصة وتشجع عليه وذلك لكي لا تتغير حياة المواطن العربي والأردن هو الدولة رقم واحد في التآمر على المبدعين والمثقفين , فغالبية المثقفين الأردنيين بلا شقق يسكنوها أو سيارات يركبونها أو صحف يعملون بها, وذلك من أجل إضعاف قدراتهم التغييرية فالفقراء لا يحققون التنمية الشاملة لأنفسهم ولأولادهم , والفقراء لا يصنعون حضارة ولا أمجادا وطنية ولا قومية , ولا يساهمون في تسجيل براءات اختراع , وهنالك مؤامرة على الشعوب العربية تديرها الحكومات والأنظمة الحاكمة من أجل أبقاء الشعوب العربية شعوباً فقيرة بالضرورة والإكراه وعالة على أنفسهم ومجتمعاتهم.
ويدرك الزعماء العرب فضل الفقر عليهم لأنهم يستمدون ولاء الناس من فقرهم وجوعهم فالجوع يدفع الناس للسكوت وعدم المقاومة , فالفقير لا يفكر ُ في قراءة كتاب وإنما في شراء رغيف خبز أو علبة حليب أطفال , ويبقى طوال الشهر يفكر كيف سيسدد فاتورة المياه والكهرباء وهو على هذه الحالة طوال العام وحتى العمر كله , والفقير لا يفكر في الذهاب للسينما –هذا إن وجدت- وإنما يخرج للشارع للبحث عن خردوات النحاس والألمنيوم لكي يبيعها إلى المصانع التي تعيد تدويرها من جديد , والفقراء لا يجلسون منذ الصباح الباكر من أجل قراءة الصحف والمجلات , ولا يفكرون في إنشاء مؤسسات مجتمع مدنية تطوعية لأن قدراتهم المالية ضعيفة والفقراء لا يفكرون للخروج في نزهات عامة لأن قدراتهم على التسوق أثناء التنزه ضعيفة , وبالتالي عملية الخروج من البيت لتناول الطعام خارج المطبخ العائلي مكلفة جداً , وتعادل وجبة الغداء في المطاعم ثلاثة أضعاف حجم التكلفة الحقيقية لها, والفقراء لا يفكرون في الانتساب إلى الأحزاب السياسية ويفضلون الانتساب إلى حزب رغيف الخبز أو حزب البحث عن فرصة عمل, والفقراء يتوجهون إلى الحكومة لكي يستعطفونها في منحهم فرص عمل من أجل رفع مستويات دخولاتهم الشهرية ولو كانوا أغنياء أو مكتفين ذاتياً لتوجهوا كل الشهر إلى الحكومة بالانتقاد, والمرأة الفقيرة لا تفكر في الخروج من بيتها للتنزه , والمرأة الفقيرة لا تنتسب إلى الاتحادات النسائية وإنما إلى اتحادات البطيخ والغسيل والجلي بسبب ضعف قدراتهن على توفير عاملات يخدمنهن أو بسبب عدم قدرتهن للخروج خارج المنزل للأكل والشرب لذلك تجلس الفقيرة طوال النهار وهي في المطبخ خلف المجلى وخلف البوتوغاز, فمن أين لهذه المرأة وقت للخروج من منزلها للعمل التطوعي والجماعي , وغالبية المنتسبات إلى الاتحادات النسائية هن من ذوات الدخولات الشهرية المرتفعة , أما النساء الفقيرات فيجلسن في بيوتهن يتربصن عودة الرجال من أعمالهم.
في مجتمعنا الأردني 80% من الناس لم يشاهدوا مدينة البتراء الوردية وكذلك بالنسبة للمصريين لم يشاهدوا الأهرامات المصرية فهنالك نسب مرتفعة في مصر لم يشاهدوا الأهرامات حتى اليوم علماً أن الأوروبيين الذين يبعدون عنها آلاف الكيلو مترات استطاعوا أن يأتوا إليها ليشاهدوها , و80 %من الشعب الأردني لم يشاهد حتى مدينة العقبة البحرية , وكل هذا متعلق بضعف قدراتهم المالية في الإنفاق على مثل تلك الرحلات السياحية داخل البلد, وحياة الناس جافة بلا حركة وراكدة بسبب عوامل الفقر وما ينتج عنه من ركود ليس في الأسواق التجارية وإنما أيضاً في الأسواق الفكرية والثقافية والسياسية.
وضعف القدرات المالية عند الناس هو الذي يقف حائلاً أمام رغبتهم في تغيير عاداتهم وتقاليدهم وليس فقط أمام التنزه ,هنالك ظاهرة تقول : الكتب تغير العقائد , والمُناخ يغير الطبائع , والثراء يغير العادات والتقاليد, ومجتمعاتنا العربية ثابتة على عقائدها بسبب عدم انتشار الكُتب , وأيضاً ثابتة على عاداتها وتقاليدها بسبب ثباتها على مستوى متدني من الدخولات الشهرية لها , فلا تستطيع غالبية العائلات العربية مثلاً أن تخرج للتنزه , ولا توجد أيضاً متنزهات حتى وإن وجدت لا تستطيع غالبية العائلات الخروج إليها بسبب ضعف قدراتهم المالية ,الثقافة والتعليم لوحده لا يجعلنا متحررين من الماضي لننتمي إلى الحاضر , وهذا مثل قضية تثقيف المرأة فتثقيف المرأة لا يجعلها متحررة بالكامل , والذي يجعلنا متقدمين ومتطورين هو تغيير عاداتنا وتقاليدنا ليس من خلال التثقيف لوحده ,وإنما من خلال رفع مستويات الدخولات اليومية والشهرية والسنوية للعائلات الفقيرة , فهذه العائلات ذوات الدخولات المحدودة تمارس العادات والتقاليد على حسب قدراتهم الاقتصادية , فهنالك نساء كثير في نيتهن تغيير أنماط حياتهن ولبسهن ولكن هذا التغيير بحاجة إلى رفع معدلات الدخولات الشهرية.
والمواطن الفقير لا يفكر في شراء جهاز كمبيوتر لأولاده وإنما يفكر ليلاً ونهاراً كيفية تأمين الخبز والخضروات لأولاده , والفقير لا يفكر في تطوير مهارات أولاده الفكرية الإبداعية وإنما يفكر في تأمين مصروف مدرسي لهم.
ورفع مستوى الدخل هو الذي يعمل على تغيير حياة الناس حتى من دون الذهاب إلى حزب سياسي أو التفكير في إنشاء حزب سياسي , ذلك أن رفع مستوى الدخل الشهري للعائلات الفقيرة يجعلها تغير أسلوب ونمط حياتها وتنالُ فيها المرأة حريتها وتنضم الأسرة فتخرج للتنزه ولحضور المحاضرات ولدخول الاتحادات النسائية والثقافية , وتشكل علاقات اجتماعية جديدة على مبدأ الصداقة والمنفعة والضرورة والأسرة التي يرتفع مستوى دخلها تتغير عاداتها وتقاليدها وتتجدد أفكارها .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟