|
ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها 2
خسرو حميد عثمان
كاتب
(Khasrow Hamid Othman)
الحوار المتمدن-العدد: 2979 - 2010 / 4 / 18 - 13:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الليلة الثانية كلما كان القطار يبتعد عن بغداد متوغلا فى أراضى ما زالت تحتفظ فى أحشائها الكثير الكثير من الشواهد التى تُجسد مرا حل مهمة فى مسيرة نضال الأنسان الدؤوبة من أجل وجوده ؛ كان اهتمامى باحتمالية وجود علاقة أو ترابط ، من نوع ما، بين الخيال والواقع تتعاضم من جانب و شعورى بالعجز فى اثبات وجودها أو نفيها تتعمق من جانب أخر . يا الهى هل هذه البقعة من الأرض، التى جائها حتى فيثاغورس طالبا للعلم، تُغرى الأنسان فى أن يُفكر بما لا طاقة له؟ كنت على يقين بأننى لا أملك الأدوات الفكرية الكافية من نظريات فى الفلسفة أو علم النفس لأنجو بنفسى من هذه الأشكالية. لقد درست الهندسة فى بغداد من جانب ولسوء حظى لم تسنح لى ظروف الحياة القاسية، الخارجة عن ارادتنا ، الفرصة الكافية لأتعلم كيفية التعمق فى مثل هذه المواضيع من والدى من جانب أخر. عندها تذكرت أ ن مجموع المد د التى قضيتها مع والدى لحين تخرجى من الجامعة تحت سقف واحد بصورة متواصلة لم تتجاوز أربعة سنوات من عمرى؛ اثنتان منها عندما كنت فى صفى الأول والثانى المتوسط وكان بيتنا فى كركوك والسنتين الأخيرتين فى بغداد وأنا فى الجامعة لغاية التحاقى بالعسكرية . وقلت لنفسى مرار: بالله عليك هل هذه المدة كافية لأن استمع اليه وهو يروى لى بروية و باعصاب باردة عن كل هذه التجارب الحياتيه التى تهيمن عليها عالم التصوف المليئة بالأثارة والغموض والألغاز ، العالم الذى لم أعلم بأنه أدرك لأحد بشئ من أسراره، قد يكون لشدةالمرارة، وعن كل مرة كان فيها يُدخل عالم النسيان بعد أن يحرقوه تماما الا ويولد مجددا من رماده كطائر الفينيق الذى لا يتغذى الاعلى العطور والعنبر ولا يرضى ببناء عشه، الا بنفسه، فوق شجرة عالية ليُحرق من جديد. من يعرف ماذا يُحرك مثل هذا الصنف من البشر هل الخيال الذى ينقلهم الى العالم الذى يحلمون به حيث لا يسمعون أصواتا غير أصواتهم أو الواقع الذى يرتكز على القوة والحيلة والمكر . لقد شعرت فى هذه اللحظة بأننى اقترفت اثما أو خطأ جسيما عندما لم أحاول ولم أطلب منه أن يجد حلا لهذا الفراق الذى بدأت أحس بوطأ ته . كان بامكانه وببساطة أن يفرض حلا بطريقة ما كما عمل مع محمدأمين * . ولكن ألا تأتى مصداقية الأنسان من قدرته واستعداده على تطبيق المبادئ التى ينادى بها، بصرامة، على نفسه والقريبين منه كالمساوات أمام القانون والعدالة التى حتى حمورابى جعلهما العمود الفقرى لمسلته التى وضعها فى مداخل المدن التى كانت مزدهرة فى زمانه المنتشرة فى البقاع التى تمر عبرها القطارفى هذه اللحظة. ولكن لماذا لم يبادر والدى من جانبه فى هذا الأتجاه.ألم أكن مسا عده الأمين والوفى الوحيد فى تنفيذ طلباته وأسهر معه، استقبل ضيوفه وأودعهم وأنقل رسائله بتكتم وهل يوجد من يفهمه ويحبه مثلى.... ؟هل كان بامكان أخى الوحيد (كاوة) ذات 13 ربيعا أن يسُد الفراغ الذى تركته فى البيت ورائى؟ ومن جانب أخر كنت على يقين ، بما تراكمت لدى من ملاحظات والتغيير الذى بدأ يظهر تدريجيا فى اتجاه مسار أهم عملية مصالحة، فى الأشهر الماضية، بأن الموضوع ورائه سر مقلق ، انه يتحسس بأن الضربة القادمة وشيكة ولكن من أى اتجاه ؟ وكيف؟ قد أراد أن أكون بعيدا عنه عسى أن يكون الضرر المحتوم ليس شاملا. بطبيعتى لا أميل الى سلوك الطرق المختصرة ، المتمثل بالأسئلة المباشرة، للوصول الى النتيجة بقفزة واحدة لأننى لم أكن متلهفا بمعرفة النتائج قبل فهم الأليات التى تتطور الأحداث بموجبها لأن :الأنسان لا يستطيع الهروب من مصيره مهما حاول . وبدأت أسأل نفسى فيما اذا كان الخيال أو الواقع دفع بكادر قيادى يسحب معه السلسلة الحديدية التى كانت تثقل يديه ورجليه على مدار السنة ليد خل على مدير سجنه و يضع أمامه قصاصة ورق وعملات معدنية . يقرأ السجان مذهولا : (برقية) الملك فيصل الثانى سنسقط عرشك المبنى بالدماء يا فيصل الثانى. حميد عتمان ولم يتطلب الأمر مناقشة طويلة حتى اقتنع السجان بأن الأمر لا يعود عليه سلبا و انما تُضاف تهمة جديدة ، لما ( يتخيله) هذا السجين المشاغب ، الى سلسلة الأتهامات المسجلة ضده ... ويستلم البرقية . وتدور الأيام و يُنقل حميد عثمان مع مجموعة من السجناء الى سجن (حديث) فى بعقوبة ويهرب من السجن مرة أخرى ليقود الحزب بنهج يؤمن به هو ولم يكن ،بدون شك، صورة طبق الأصل لأى منهج أخرلأنه كان يؤمن بأن ربان السفينه يتحمل كامل المسؤولية الأخلاقية والتأريخية بايصال السفينه الى الشاطئ الأخر عابرا هذا المحيط، المخيف بقسوته ومفاجأته وخداعه. الطريف فى الأمر أن السفير البريطانى بلغ الحكومة العراقية، التى لم تكن تعلم ، نبأهروب حميد عثمان من السجن. ولكن هل يرضى هذا الحزب العريق أن يقوده شخص (متفرد )و(متهور)و(بيروقراطى)، الأتهامات كانت كثيرة والأدلة دامغة، هذا حزب له الحق فى أ ن يقرر أ ن يختار قائده . لهذه الأسباب المعلنة أزيح حميد عثمان من قيادة الحزب، دون أن يحتج أو يأسف لمصيره أحد ليحتل موقعه قائد شيوعى محنك بعيد النظر أكثر جرأة و نضجا ومرونة وتعمقا للماركسية اللينية وانسجاما مع التوجهات العالمية الجديدة ولم يمضى سنة على عودته من لندن بعد اشتراكه فى مؤتمر الأحزاب الشيوعية لدول الكومنويلث حيث قُوبل خطابه الناضج فى المؤتمر بالتصفيق الحاد وبحرارة بعد الوقوف اجلالا لتضحياته لعدة دقائق. هكذا هى الحياة فيها من يبرز من بين الرماد ,أومن يُنزل لتهيئة المجال لصعود شخص أخر. لقد تمكن حميد عثمان من النجاة بجلده فكان هروبه فى هذه المرة أكثر صعوبة، وتعقيدا. اذا كان فى الماضى يسنده حزب له قواعده فى كل مكان أما الأن لا يسعفه الا بوصلته ومعرفته بشعاب وطنه: الأختفاء فى دهوك وبعده فى قرية كرتك ،النائية، الواقعة أسفل جبل حصاروست الى أن يأتيه اشارة من (صديق طفولته)مأمور مركز كانى ره ش (ابراهيم أفندى) بترك المنطقة فورا. يذهب ويختفى فى بيت (سليمان بك) فى قرية دركلة القريب من جومان، فترة قصيرة، ومنها الى قرية سه ركبكان القريب من رانية فى حماية (عباس مامند أغا) الى 14تموز1958( ألخيال أصبح واقعا ولكن) .تكونت خلال هذه الفترة علا قة صداقة متينة مبنية من المودة والأحترام المتبادل بين شيوعى متطرف، هارب من حكومتين متمكنتين احداها فوق الأرض والأخرى تحتها، يبحث عن من يأويه وبين اقطاعى تُمارس سلطته فى اقطاعيته بكل معنى الكلمة . ويعود بعدها الى أربيل واستقبلتها أربيل عن بكرة أبيها. وفى غمرة الفرح الذى كان يغمر العراق بطوله وعرضه وفى جلسة عائلية، فى أربيل، يحذر الشباب من أقربائه من الوقوع فى فخ السياسة ولا يُقلده احد لأنه :يأتى يوم سيسيل الدماءفى الشوارع وتُنصب أعواد المشانق (خيال). لسوء حظه، وفى ظروف معقدة، لم يكن له حل الا الى الأنظمام الى حزب كعضو فى مكتبه السياسى ويناط به مسؤولية كوردستان. يُنسق نصف أعضاء مكتبه السياسى مع الحزب الشيوعى والنصف الأخر مع الملحق العسكرى لسفارة ايران فى بغداد باستثناء رئيس الحزب وعضوين من المكتب. ولم يسلم حميد عثمان من المحاربة الضارية لرفاق الأمس، من اللذين وجدوا أنفسهم قاب قوسين أو أدناه من استلام الحكم، له بشتى الوسائل و من مدافعهم الدعائية المدوية: مجنون ،معتوه ،منحرف،عقله ملوث....!!!لأنهم كانوا على يقين بأنه سيسحب البساط من تحتهم لو استمر فى نشاطه السياسى ، لا بد اخراجه من السا حة وتكريه اسمه ليُدخل عالم النسيان الأبدى . ومن سخرية القدر يميل رئيس الحزب باتجاه التكتل الأخر وتُزاح كتلة حمزة عبدالله المتعاونة مع الحزب الشيوعى حتى العظم ومعهم حميد عثمان ويصبح الحزب تحت سيطرة اليمين تماما. لم يجد، هذا المنبوذ من الجميع، حميد عثمان بُدا الا أن يعمل كمراقب للعمال فى منطقة بعيدة عن المدن وينام فى مكان عمله القريبة من جمجمال والعائلة فى أربيل، عسى أن ينسوه رفاق الأمس نهائيا ويخرجونه من تكتيكاتهم وهم منشغلون باحتفالاتهم و انتصاراتهم وتنظيم المظاهرات المليونية فى جميع أنحاء العراق وتعليم كل هذه الحشود الهادره ليهتف بصوت واحد بوجه فرد واحد: زعيمى كريمى ......مطلب عظيمى. ومرت الأيام وكان والدى يزورنا فى أربيل قادما من مكان عملة القريب من جمجمال ، كلما سنحت له الفرصة والأمكانياتالمادية ، أيام الخميس والجمعة وصادف يوم 8شباط 1963 وجوده معنا فى البيت . بعد اذعة البيان الأول للحركة الأنقلابية وبعده اعلان الحزب الشيوعى الدفاع عن الحكم قال والدى ويغمره حزن عميق : خطأ قاتل أن تُغامر بوجودك بحمل السلاح فى اللحظات الاخيرة للدفاع عن نظام أيل للسقوط، دماء كثير ة ستُراق (حصل بنطاق خارج التصور). ومن ثم بيان رقم 13 المريع. عندما غادر والدى البيت تبين أنه لم يتجه الى مكان عمله المعتاد بل الى حيث يولد طائر فينيق جديد من رماد الطائر الذى احترق قد يكون، هذه المرة، أكثر حنكة وخبرة ودراية وبانتطاره مهمات جديدة . أن تشعل شمعة أفضل بمليون مرة من أن تلعن الظلام مليون مرة .
*محمدامين شمدينى : كان شابا تخرج من فرع الصحافة فى كلية الأداب .كان يزور والدى فى البيت ليجد والدى وظيفة له ، كما أعتقد، ولم يجد والدى حلا له غير أن يأخذه معه ، ذات يوم، الى طارق عزيز فى جريدة الثورة ويقول: أبو زياد لقد قررت تعيين كاك محمدأمين مديرا لمكتبك. اننى متأكد لديه تفاصيل كثيرة لمن يريد أن يبحث ،للتأريخ، كيف كانت الأمور تجرى فى ذلك الوقت بدقة . أ خر معلوماتى عنه كان ظهوره على شاشاة التلفزه لفترة قصيرة بعد الأحتلال بصفته سفير فى وزارة الخارجية.
#خسرو_حميد_عثمان (هاشتاغ)
Khasrow_Hamid_Othman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلتان فى حُضن تأريخ شائك وبعدها
-
الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/2
-
الرجل الذى وهب نفسه لحلم كبير2/1
-
البحث عن طريقة للهروب
-
عندما يعادل البلوك الواحدعشرة دفاتر بعينها
-
الى رجل أصبح.....
-
المدينة التأريخية التى تغيرت ملامحها -أربيل-
-
حكاية الحكايات
-
من يبنى هذه الخرِبة يا بُنى
-
رسالة مفتوحة الى فخامة رئيس اقليم كوردستان
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|