أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - لحظة طيش...














المزيد.....

لحظة طيش...


اليمين أمير

الحوار المتمدن-العدد: 2979 - 2010 / 4 / 18 - 05:24
المحور: الادب والفن
    


مر كل شيء في توتر.. لقد لمحته وهو يتقدم نحوي.. وهو يمسك بها. لكن الحادث جاء فجأة، فتعقد لساني، أصبح الصمت أسرع من الصوت وأسرع حتى من تفكيري. لحظتها لم أكن أعي الأشياء، ولكني اليوم أحاول التذكر أو بالأحرى أحاول أن أقتفي بعض آثار ذاكرتي علني أتذكر بعض تفاصيل تلك الحادثة.
لم يكن الشفق ذلك اليوم قد حل بعد، الشمس لا تزال كالسراج، وكنت أعلم جيدا أن الغروب لن يسبقه أبي في المجيء، فنهار الصيف عندنا طويل، وفضول المدينة سوف يجعله أطول بكثير رحت أراقب الشمس وتغريد العصافير من فوق الأشجار يهز مسمعي، ولكنني سرعان ما مللت الانتظار، فالوقت مازال مبكرا حتى يرجع أبي من سوق المدينة في هاته اللحظات. فقد كان لا يذهب إلى السوق إلا مرة واحدة في الأسبوع، لذلك يتأخر دائما في العودة.
عزمت أن أترك الحقل وأمضي إلى غرفتي.. كان بيتنا خلف الحقل على حافة الطريق في طرف المدينة، وعربة أبي تعجز حتى على استباق الكلاب، فالحمار الذي يجرها إذا ما هو مشى في اليوم ساعة واحدة تراه يغط في نومه بقية اليوم. كنت أشعر أن أبي صار يمقت هذا البيت، بعدما غادرته أمي واستسلم جفنها للنوم السرمدي أو النومة الأخيرة كما كان يقول لي دائما إذا ما سألته عنها حينما كنت أصغر بعض الشيء، وقتها لم يكن بوسعي تحليل الأشياء والمفاهيم ولا تركيب الصور وضبطها جيدا في مخيلتي.. عندما كنت أعبر الرواق إلى مضجعي لمحت باب غرفة أبي شبه مفتوح، وقد تعود على إغلاقه بإحكام كلما أراد الخروج وخاصة إذا ما كان ذاهبا للتسوق. لست أدري لماذا لا يريدني أن أدخل إلى غرفته. ألا يدرك بأنني أتوق للدخول إلى مرقد أمي علي أشتم رائحتها، وأتحسسها من خلال ما تركت من ثياب وأشياء في الغرفة. أم أنه يخشى أن ألحظه وهو يغازل عشيقته البكماء التي لم أسمع لها صوتا منذ أتى بها، ولم يتسن لي حتى رؤيتها عن كثب، فقد كانت تخفي عني جسدها وحتى وجهها إذا ما خرجا من الغرفة. أما إذا ما ذهب بمفرده إلى السوق فإنه يغلق عليها الباب بإحكام، وأظنه اليوم قد نسيها والباب مفتوح، فقد خرج في عجالة من أمره مع صديقه. شعرت بشيء يتنامى في أعماقي وكأن شخصا آخر قد تولد بداخلي، لم أكن أدركه من قبل، شخص فضولي لا يخشى أبي ولا يخجل من عشيقته التي احتلت مكان أمي واستولت على تفكير أبي وأصبحت شغله الشاغل ورفيقته الدائمة فهي معه معظم الوقت خاصة بالليل أو إذا ما ذهب إلى الصيد، ولست أدري كيف كان يعتذر لها إذا ما أراد الذهاب إلى سوق المدينة، ويقنعها بالمكوث في الغرفة طيلة النهار دون أن تتفوه بكلمة والباب مغلق عليها من الخارج. راح ذلك الشخص يكبر في تسارع مخيف بداخلي ويستفزني بأسئلة كثيرة عن تلك العشيقة الغامضة وما سرها ولماذا يمنعني أبي دائما من رؤيتها. من تكون يا ترى ومن أين جاء بها؟ كنت أشفق عليه أحيانا خاصة حينما يقول لي إذا ما أنا أتعبته بكثرة السؤال، بأنها تذكره بأمي لأنها هادئة ومطيعة مثلها، ولاتنطق إلا على الحق.. صار الشخص بداخلي وكأنه قد اكتمل نموه، وأصبح لا بد لي وأن أدخل الغرفة لأرى عشيقة أبي وأسمع صوتها المميت. لا بد لي وأن أكتشف بنفسي وجه التشابه بينها وبين أمي.. دفعت الباب ببطء شديد وحذر أشد، وأرسلت أحداقي تعاين المكان وتمسح زوايا الغرفة، حتى رمقت شيئا ممدا فوق السرير.. إنها هي ولا شك! وأخيرا وجدت ضالتي، لقد كانت تبدو وكأنها نائمة.. اقتربت منها لكنها لم تتحرك. ربما كان أبي يناولها بعض المنومات كي لا تستفيق قبل عودته. كان جسدي يرتعش وبرودة عرقي تلسعني.. لكنني تمالكت نفسي ودنوت منها كي أتفحصها جيدا.. آه إنها مجردة من كل ثيابها.. كم هي ملساء وجميلة! الآن عرفتك أيتها الشقية.. لا بد لي وأن أمارس معك كل الطقوس التي مارسها أبي معك من قبل. بدأت ألامس بلطف عنقها الطويلة شديدة السمرة ولست أدري كيف نسيت فجأة رائحة أمي وأشياءها، وقد بدأت لحظتها أشعر بقشعريرة تنتاب كامل جسدي.. وأخيرا سأصبح رجلا مثل أبي ولي عشيقة! فهو كان يقول لي دائما بأنها لا تعشق سوى الرجال.. وبأنها لا ترضخ إلا له ولا تنام إلا على كتفه. فها قد جاء دوري الآن وسوف أفعل بها ما أشاء، رحت أراقصها وأداعبها في شيء من التوتر والخوف، لأنني كنت أخشى أن تصرخ في وجهي إذا ما استفاقت، فهي شرسة جدا ومتهورة وقد تقتل في أي لحظة على حد حكايات أبي. وبينما كنت أحاول ممارسة بعض طقوس العشق المباح والرجولة، كما كان يسميها أبي، سرعان ما ألفتها وأعجبني كثيرا هدوءها وانصياعها للأوامر وتقبلها حماقاتي، فأنساني ذلك موعد الغروب.. حتى فاجأني أبي حين دخل علي الغرفة وأنا أمسك بعشيقته من خلفها فوق سريره، انتابني الخوف لما رأيته ونوع من الخجل الغريب، ولمحت في عينيه بركانا من الغضب يمتزج بنهر من الدموع يريد أن يتفجر كالشلال، لكنه سرعان ما تمالك نفسه وتنهد وكأنه ثور جريح.. ظننته لم يحتمل مشهد الخيانة فوق سريره، ولكنني أدرك في قرارة نفسي أنني لم أخنه. فأردت أن أقول له بأنني قد كبرت وأصبحت أعرفها وهي مجرد... لكنه سبقني وصرخ في وجهي صرخة غريبة شعرت وكأن فيها نوع من الإشفاق. وقال ملء صوته الرجولي: أتركها يا بني إنها خطرة عليك.. إنها... أفجعني صوته المرتبك وقبل أن يكمل عباراته كنت قد دفعتها أمامي وعنقها السمراء ممددة إلى أعلى وثغرها الأبكم كأنه يريد أن يصيح.
مر كل شيء في توتر. لقد لمحت أبي وهو يتقدم نحوي.. وهو يمسك بها.. وهو يحاول أن يقتلعها من بين يدي.. لكن إصبعي كان لا يزال عالقا فيه إصبعها المقوس، فلما سحبها مني ودفعتها عني كان قد تحرك إصبعها من مكانه، فتكلمت.. وقد جاء صوتها فجاءة كالرعد القاصف. ونطقت البكماء أخيرا.. دفعتني بقوة خلفها وكأنها تحتج على ما يجري، و صوتها موجه نحو أبي وما عاد بوسع لساني أن يصرخ، فأيقنت نفسي بأن لحظة الطيش التي انتابتني صارت ذنبا يعشش في صدري، بعدما استسلم جفن أبي لنومته الأخيرة، وما نطقت عشيقته هذه
المرة على الحق..! كنت قد سقطت على الأرض وفي الجهة الأخرى كان أبي لا يزال واقفا ينتاب جسمه ارتعاش غريب، ونهر من الدم ينضب من صدره، وهي لا تزال بين يديه حتى سقطا معا دون حراك...



#اليمين_أمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خواطر النسيان.. ( أنا الجسر )
- خواطر النسيان.. ( لا تكتفي بقتلي )
- خواطر النسيان.. ( شعر وعشق )
- خواطر النسيان.. ( لا تكترثي لمأساتي )
- خواطر النسيان.. ( رسائلك القصيرة )
- خواطر النسيان.. ( دون وداع )
- خواطر النسيان.. ( أزرق )
- خواطر النسيان.. ( ثلاثون مرت.. وسبعة )
- خواطر النسيان.. ( يا متعب أنت )
- خواطر النسيان.. ( دثريني )
- خواطر النسيان.. ( امام المدينة )
- خواطر النسيان.. ( ورود المنتدى )
- خواطر النسيان.. ( جئتك طفلا )
- خواطر النسيان.. ( كي لا تستقيم..2 )
- خواطر النسيان.. ( كي لا تستقيم )
- خواطر النسيان.. ( حبيبك )
- خواطر النسيان.. ( بريء الذنوب )
- خواطر النسيان.. ( لازلت في صمتي )
- خواطر النسيان.. ( لا مفر لك من قلبي )
- خواطر النسيان.. ( أكان بوسعي )


المزيد.....




- من كام السنادي؟؟ توقعات تنسيق الدبلومات الفنية 2025 للالتحاق ...
- الغاوون:قصيدة (نصف آخر) الشاعر عادل التوني.مصر.
- واخيرا.. موعد إعلان مسلسل قيامة عثمان الحلقة 165 الموسم السا ...
- الغاوون:قصيدة (جحود ) الشاعرمدحت سبيع.مصر.
- الحلقة الاولى مترجمة : متي يعرض مسلسل عثمان الجزء السادس الح ...
- مهرجان أفينيون المسرحي: اللغة العربية ضيفة الشرف في نسخة الع ...
- أصيلة تناقش دور الخبرة في التمييز بين الأصلي والمزيف في سوق ...
- محاولة اغتيال ترامب، مسرحية ام واقع؟ مواقع التواصل تحكم..
- الجليلة وأنّتها الشعرية!
- نزل اغنية البندورة الحمرا.. تردد قناة طيور الجنه الجديد 2024 ...


المزيد.....

- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اليمين أمير - لحظة طيش...