مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 906 - 2004 / 7 / 26 - 10:22
المحور:
القضية الكردية
يوميات رحلة ""2""
مشعل التمو
في باريس كانت محطتنا الأولى , وفي مطار اورلي سحنتا لم تعُجب الشرطية الفرنسية من اصل أفريقي , ولعل مصدر جوازنا وأسمائنا , أوحت لها بضرورة التأكد من أننا لسنا إرهابيين , أو على اضعف تقدير لسنا من مثيري الشغب , وعليه فقد احتجزنا لمدة ساعة وجوازاتنا تصول وتجول عبر أجهزة الكومبيوتر , وأثناءها كنا نلعن الساعة التي أوجدت متبارين في ولائم القتل العاري والمتوحش .
على كلا سوي الأمر بعد أن تم التأكد من عدم أهليتنا لأي عمل ليس سياسيا أو ثقافي , وطبيعي انه تم الاتصال بمضيفنا الدكتور هيثم مناع , ولعل حسن استقباله لنا , أزاحت سوء الاستقبال الفرنسي والطابع السلبي الذي خلفته لدينا .
حقيقة , أن رؤية الكثير من الأصدقاء ورفاق الأمس أعطانا الكثير من الحيوية والبهجة , وأنسانا لحظات خوف المغادرة ورهبة النقاط الحدودية , وجعلتنا نتفاءل بخطوة حوارية أولى , تكون مقدمة لفهم وتفهم الواحد للأخر , وهي النقطة التي بالغنا في تفاؤلنا بها , إذ أن الجولة الصباحية الأولى شهدت رؤيتان مختلفتان ومتمازجتان في موضوع اللقاء , ففي جانب كان هناك موضوع الحوار العربي – الكوردي , وفي الجانب الأخر كان هناك ملتقى لحوار ديمقراطي , وفي المحصلة بالنسبة لي , يبقى الحوار موجودا وفي متنه الآنا والآخر , وفي سياقه مدى جدية قبول الأخر المختلف قوميا , وبالتالي فان الثاني يتضمن الأول وجزء مؤسس له .
بعد مقدمات الترحيب بالحضور والتأسف لعدم حضور البعض , كان هناك قراءة لبعض المداخلات المكتوبة , ومنها المداخلة التي قدمتها , وكانت بعنوان "" رؤية أولية في – ما العمل – "" وهذا نصها :
من الواضح لنا جميعا أننا في الشرق الأوسط عامة , وفي سورية خاصة , نواجه أزمة حادة , ومفصلا تاريخيا في حياتنا ومصير مجتمعاتنا , فهناك خارج أمريكي قادم يمتلك منطق القوة والهيمنة ويتفرد بالقرار الدولي والفعل الدولي أيضا وبات على حدودنا أو يحيط بنا من كل الجوانب , وهناك داخل مهترىء ومحتقن هو نتاج تركة ثقيلة من الاستبداد لها منطقها الخاص وحاجاتها ومصالحها التي تعيق وتمنع أية عملية إصلاحية داخلية , وبديهي هنا , انه لا يكون الخارج فاعلا إلا إذا كان الداخل مستعدا ؟ .
في الواقع السوري راهنا , هناك هوة بين مكونات الواقع السياسية والاجتماعية والقومية , بحيث أن كل منها بات يشكل دائرة منعزلة إلى حد ما , وبالتالي انعدم التناسق والتشابك , وانعدمت الحركية المنظمة للمجتمع السوري , نظرا لان أي حراك مجتمعي هو حاصل الانسجام والتوافق بين مكونات المجتمع كافة , وفي هذا السياق اعتقد بأنه يجب عدم نسيان شرعية عدم التغيير التي تأسست وتراكم بنيانها عبر عهود طويلة على أرضية مواجهة الخارج وتحرير الأرض وكل شيء للمعركة .. الخ.
هذه اللازمة التي طمرت التناقضات الداخلية وغيبت المجتمع وأهدرت طاقاته , باتت الآن ذات مرجعية ثقافية في المجتمع السوري هي مرجعية " عدم التغيير " التي تفصح عنها المقولة الشهيرة للكثير من القوى والفعاليات السورية " لن نغير ولن نتغير إلا بشروطنا " وعندما نسال ما هي شروطنا لنغير ذاتنا ومجتمعنا ونحصنه , أو ما هي آليات وبرنامج عملنا الداخلي الذي يؤهلنا للمواجهة مع الخارج , تكون الإجابة أما مواربة أو حدية , تارة المرحلة حرجة ومصيرية وتارة بأنه يجب حشد كل الطاقات ضد الأمريكي القادم , ومرة أخرى كيف نحشد الطاقات , وعن أية طاقات نتحدث ؟ في ظل تلف وضرر بالغين يعاني منهما المجتمع السوري والبنى الفكرية الناظمة له .
اعتقد بان اشد ما نعانيه هو انتهاء آليات الدفاع الذاتي للمجتمع , وهي النقطة الأكثر إحراجا , من حيث انتفاء مفهوم السيادة الوطنية وتبعثر الانتماء الوطني وفقدان المرجعية الشعبية الشرعية , فما وصلنا إليه من تفكك مجتمعي حالة يرثى لها , تتشارك في أسبابها السلطة والكثير من القوى الحزبية خارج السلطة وان بشكل نسبي , ولعل المشروعيات كافة تتحمل هي أيضا قسطا لا باس به , عندما تبنت الداخل بدلالة الخارج , وليس الخارج بدلالة الداخل , بمعنى المنعة الداخلية وقوة الداخل هي أرضية المواجهة وتحرير الأرض ومقاومة اجتياح الخارج , بينما وفق المعادلة الأولى كان هناك تصدير للداخل وتعويم لتناقضاته .
وعلى الرغم من الواجهة الساكنة في سورية , هناك واقع متحرك وسريع التبدل في المجتمع , لم يعد السكون الشكلي يستطيع إخفاءه , وهو ما يجب أن يحفزنا جميعا لوضع آليات ميدانية فاعلة , قبل أن نصل إلى نقطة قد يكون الرجوع عنها صعبا وباهظ التكاليف , وازعم هنا بان ادعاء الاستقرار والأمن , بات يواجهه ويدحضه عنفوان وحقيقة الغليان الداخلي , ولم يعد وهم اختلاق الاستقرار يستطيع أخفاء حقائق مجتمعية تغلي من حدب وصوب ؟ .
ما يهمنا هنا هو البحث عن توافقات وطنية , وحلول سلمية , تدرجية , ديمقراطية , تشكل نقيضا لعقلية الطوارىء والحلول الأمنية العنفية الرسمية , وهذا الذي نسعى إليه يتطلب عقلية سياسية ورؤية موضوعية , خالية من المرتكزات العقائدية , اليقينية , التي خبرنا حلولها , بمعنى إيجاد عقد وطني تكون لبنته الأساس الاعتراف المتبادل بالحقوق والحريات الأساسية , هذا الاعتراف المتبادل يؤمن مرتكز المصالحة الوطنية , ويخلق فضاء حيويا لتوحد الفعل السياسي والثقافي في المجتمع .
وفي هذا الصدد أتساءل , هل نمتلك نحن , واقصد الأطر والفعاليات التي تندرج تحت لائحة " المعارضة " والتي هي نتاج أو بقايا هزمها الواقع وأنهكها الاستبداد , وكبل فكرها وعي أصولي بكل تفرعاته , هل نستطيع , أو تستطيع هذه الأطر والفعاليات أن تمتلك آليات الدينامكية الداخلية لتتحول هي أولا إلى اطر ديمقراطية ؟ بما تمثله كمفهوم وممارسة , وبالتالي يكون الكل معبرا عن الإرادة العامة لمجموع المواطنين على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم القومية والأثنية , بمعنى امتلاك الحق المتبادل , الحق الذي سيؤسس لوعي مدني , إنساني , قانوني , يساهم في صياغة شخصية وطنية تمتلك حريتها وحقها في المبادرة المساواتية الكاملة في الحق والواجب , وبالتالي يكون الكل جزء لا يتجزأ من الكل , حقيقة نحتاج جميعا إلى إعادة تقييم لأنفسنا أولا لان أي أصلاح ينبع من الذات , وأي تبني للديمقراطية يتطلب الوعي بها وممارستها على الذات أيضا , عندها نمتلك الحق في المطالبة بها والنضال من اجلها .
أن كلمة الإصلاح لها دلالتها السياسية , ولها أيضا مقاصدها , التي تختلف باختلاف الجهة صاحبة المصلحة , حيث المفردة في كثير من الأحيان جُردت من مضمونها , وبالتالي أنا افهم الإصلاح على انه بناء القاعدة المادية للوعي بالديمقراطية , وعلى امتلاك الحريات الأساسية , وعلى اعتراف الكل بالكل , وهي قواعد مؤسسة للوحدة الوطنية , التي تتطلب أيضا الاعتراف بمجمل الإشكاليات المجتمعية الموجودة , وليس إنكار وجودها وتجاهل تداعياتها , ومنها إشكالية القضية الكوردية في سورية , عبر الاعتراف بوجودها علنا وصراحة , حتى يتسنى البحث حواريا في آليات حلها وتوفير مستلزمات وقواعد التشارك في الحياة الوطنية العامة , وبالتالي التشارك والتشابك الوطني وعلى كافة مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية , يجعل من المسالة الكوردية جزء حيوي من بناء الوحدة الوطنية السورية , بمعنى أن حل الإشكالية الكوردية , حلاً وطنيا , سوريا , خطوة أساس باتجاه التكامل والاندماج الوطني , الذي سيغتني بالتعدد الثقافي وسيصبح ذلك مصدر قوة ومتانة للوطن المشترك .
اعتقد بان تطوير أو الارتقاء بالأداء السياسي والاجتماعي بات ضرورة وطنية عامة , بحيث يتم ضمان أوسع مشاركة شعبية في قضايا الشأن العام , وخاصة قضية الديمقراطية والحريات العامة , وهذا يستوجب آليات تعاونية جديدة مبنية على أسس واضحة تكون بمثابة عقد وطني واجتماعي وبرنامج عمل مشترك لكل الفعاليات وتعبيرات المجتمع السوري التي تمتلك أرادة التغيير وتؤمن به وتسعى إلى توفير ديناميته الداخلية بشكل سلمي وديمقراطي , واعتقد بأنه هناك جملة ثوابت باتت قاسم مشترك يمكن العمل والبناء عليها وصولا إلى توافق وطني يوفر الانسجام والتقارب والتلاحم السياسي والثقافي والاجتماعي , ومن وجهة نظري هناك بعض المبادىء الأساسية وهي :
1- أن سوريا لكل السوريين .
2- الاعتراف المتبادل بين جميع مكونات الطيف السوري السياسي والقومي والأثني .
3- الإقرار بان الداخل هو الدلالة , وتحصينه , تحصين وحماية للوطن .
4- الفعل الميداني , السلمي , الديمقراطي هو أساس الارتقاء بالمطلب السياسي , بالاعتماد على القوى الذاتية الداخلية وتفعيل دورها .
5- العمل من اجل إيجاد مرجعية وطنية تنبثق من مؤتمر وطني للمصالحة تحضره كل فعاليات المجتمع السوري دون إقصاء احد .
6- التأكيد على أن هذه المرجعية الوطنية حريصة على الوطن ووحدته ومستقبله , وبالتالي ترفض الاستقواء على الوطن .
7- الإقرار بالتنوع والتعدد القومي والديني في سوريا , وبالتالي الاعتراف بالشعب الكوردي وقضيته الوطنية , وضرورة رفع الغبن التاريخي الذي لحق به , وتمتعه بحقوقه المدنية والسياسية والثقافية , في أطار الوحدة الوطنية السورية التي تشكل الأخوة العربية الكوردية , احد روافدها , وتعزيز هذه الأخوة دعامة لتمتين البناء الوطني وتوفير مستلزمات المستقبل المشترك .
8- العمل من اجل تفعيل بنى المجتمع السوري وتقوية لحمته الوطنية وخلق مرتكزات المقاومة المدنية , لكل أنواع الاختراقات الخارجية من جهة , وإيجاد آليات نضالية جديدة من جهة أخرى , تستعاد عبرها الأرض السورية المحتلة , عبر مفاعيل مجتمعية تؤسس لإطلاق طاقات شعبية , وطنية , تكون مصدرا لقوة وحيوية المجتمع ومرتكزا لمقاومة محاولات الهيمنة وطمس إرادة الشعوب . – انتهت -
ثم بعد قراءة كل المداخلات المكتوبة فتح باب الحوار والمناقشة , والتي طالت الكثير من الأمور الراهنية التي أوصلت المجتمع السوري إلى واقعه المسدود , بل وتجاوز بعض المتداخلين الراهن , ليعود بنا إلى الوراء منتجا ثقافة نمطية غاية في القدم , وبديهي أن أعادة أنتاج أفكار غيبها الزمن ونفتها تداعيات الحاضر , لا دالة ودلالة لها سوى أن صاحبها يعيش في ماض سحيق , غادره الزمن وبقي له رماد ثقافي يعتاش منه ويقتع نفسه بتخيلات لم تعد ذي جدوى ؟ .
.....يتبع المناقشات الاعتباطية في باريس ؟
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟