|
مشكلة شعوب لا رؤساء
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 906 - 2004 / 7 / 26 - 10:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كثُر الحديث في الفترة الماضية عن موضوع الأصلاح السياسي و الأجتماعي و الأقتصادي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام و في المنطقة العربية بشكل خاص و ذلك بعد أعلان الحكومة الأمريكية عن مشروعها الأصلاحي للمنطقة و الذي سمّي بمشروع الشرق الأوسط الكبير .. و قد بدأ هذا المشروع الذي أخذت ملامح فشله بالظهور نتيجة للحسابات الخاطئة و سوء التقدير الذي رافق خطواته الأولى في العراق الذي كان من المقرر أن يكون منطلقاً لهذا المشروع في المنطقة و ما جاورها .. و فور الأعلان عن هذا المشروع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية سارعت بعض الأصوات في المنطقة الى الهجوم عليه حتى قبل أن تتوضح ملامحه بدعوى أنها ترفض الأصلاح الذي يأتي من الخارج رغم أن هذه الأصوات و من على شاكلتها لم تخطوا و لا خطوة واحدة طوال عشرات السنين الماضية في طريق أصلاح نفسها و مجتمعاتها و بلدانها .. و يتركز الحديث عند تناول موضوع الأصلاح من قبل أغلب الكتاب و المثقفين العرب و الشرق أوسطيين بل و حتى من قبل البعض من أخوتي و زملائي ممن يسمّون اليوم بالليبراليين الجدد ذخيرة هذه الأمة و أملها في التطور و الخلاص مما هي فيه على أصلاح الأنظمة السياسية في المنطقة و تحميلها كامل المسؤولية عما آلت أليه أوضاع بلدانها متناسين أو متغافلين بقصد أو بدون قصد مسألة أصلاح المجتمعات التي أفرزت و شجّعت قيام مثل هذه النظم و هو تركيز أرى فيه الكثير من المغالطة و الأبتعاد عن واقع المشكلة و أسبابها الحقيقية .. أذ أن المطلوب برأيي هو أصلاح المجتمعات و ليس النظم السياسية التي كان وجودها نتيجة طبيعية و أفراز واقعي لمجتمعات لا تزال تعيش بعقلية بدائية قل نظيرها في شتى أصقاع المعمورة . فأنا أدعوا كل الذين يريدون الأطلاع على ضحالة الوعي الجمعي لمجتمعاتنا و لبعض من يسمّون أنفسهم زوراً و بهتاناً بنخبنا للدخول الى صفحات و منتديات الأنترنت ليقرؤا بأم أعينهم و يسمعوا بآذانهم ما يكتب و يردّد فيها من هراء و سخف أن كان يدل على شيء فأنما يدل على حالة الهوس و الهيستيريا الجماعية التي تعيشها هذه المجتمعات و التي تدفع بها شيئاً فشيئاً الى الهاوية رغم جميع محاولات البعض نخباً واعية بل و حتى زعامات سياسية و طنية منع هذه الكارثة من الوقوع . فما الذي يفعله شاب واعي و مثقف و لديه أفكار بنائة كثيرة كالملك عبد الله أذا كان ثلثي العوام و ثلاثة أرباع النخب من شعبه هم من عشاق شخص يعتبر و بكل المقاييس أعتى طغاة و مجرمي التأريخ و هو صدام حسين رغم أن الله قد منّ عليهم بأسرة حاكمة ذات حسب و نسب و حس وطني قل نظيره .. لكن ( يعطي الجوز للذي ليس لديه أسنان ) كما يقول المثل العراقي بل و كما كنت شخصياً أقول لبعض الأخوة الأردنيين الذين التقيتهم في الأردن خلال فترة اقامتي فيها و الذين كانوا يعرضون علينا من باب الجد المغلف بالمزاح أبدالهم الملك حسين بن طلال سليل الدوحة المحمدية المطهرة بصدام حسين الغني عن التعريف و لا يزال بعض المرتزقة من أعضاء ما يسمى بالنقابات المهنية و القوى الشعبية في الأردن مستمرين في عقد الندوات و تنظيم المهرجانات التي تمجد طاغية العراق و نظامه المهزوم و يشكل هؤلاء المرتزقة اليوم الغالبية في هيئة المحامين التي تطوعت للدفاع عن صدام حسين .. و لكم بعد هذا أن تتصوروا المستوى المتدني من التفكير الذي وصلت أليه بعض المجتمعات في هذه المنطقة . أما شيخ السياسة و خليفة رائد مدرسة السياسة الواقعية في المنطقة و الذي كنّا نراه يوصل الليل بالنهار حتى أضاع صحته في سبيل أسعاد شعبه و توفير كل مستلزمات العيش الرغيد لكل ابنائه من الطفل الصغير و حتى الشيخ الكبير الرئيس محمد حسني مبارك فمهمته أسهل نوعاً ما كون الشعب المصري يعتبر و بدون مجاملة من أرقى شعوب المنطقة وعياً و تفكيراً و بدون منازع .. لذا نرى أن أغلب نخب و وجوه المجتمع المدني المصري هي نخب و وجوه واعية و عاقلة و تمتلك ضمير و حس أنساني قلما نجده لدى نخب الدول الشقيقة الأخرى .. كما أن شرائح واسعة من ابناء الشعب المصري هي شرائح واعية و مثقفة بدليل أن الرئيس الراحل أنور السادات لا يزال صاحب المكان الأول في قلوب أغلب المصريين على عكس ما يروج بعض ديناصورات التيار القومجي الناصري في مصر و باقي الدول العربية من أن عبد الناصر هو حبيب المصريين الأول .. و لكن كل ما ذكرناه لا يمنع من وجود شريحة من النخب تنقسم ما بين الديناصورات السالفة الذكر و بعض المرتزقة ممن يروجون لأفكار شوفينية و عنصرية لطغاة بعضهم في السجون و البعض الآخر ينتظر عبر شعارات فارغة و جوفاء لا تزال تفعل فعلها في البعض ممن نراهم يهللون و يتغنون بطغاة الماضي و الحاضر بل و يتسمّون بأسماء بعضهم و يذرفون الدموع على المصير الأسود الذي آل أليه البعض الآخر .. وأذكر على سبيل المثال لا الحصر الكادر المخجل لحزب العمل المصري الأسلامي التوجه و الذي يروج لطاغية علماني التوجه كصدام حسين بل و يعتبره الزعيم الأوحد و القائد المخلص لهذه الأمة .. فللّهِ در هذه الأمة !!!!!!! أما الرئيس علي عبد الله صالح ففي بلاده المصيبة أعظم .. هذه البلاد التي تحولت من بلاد أنجبت قبل آلاف السنين رجال عظماء صنعوا أولى حضارات البشرية الى بلاد تنجب الآن و في القرن الواحد و العشرين أرهابيين ملأوا الدنيا بالسيارات المفخخة و شغلوها بقطع الرؤوس مخالفين بذلك سنة الله في خلقة و التي تقضي بتطور البشر فكرياً و أجتماعياً لا العكس . ولا ننسى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي يقول عنه الأستاذ حسن العلوي في كتاب ( بقية الصوت ) ما نصّه " عبد العزيز بوتفليقة سيكولوجية مفتوحة و هو وجه أليف يحمل مهابة التواضع .. عربي الهموم .. أسلامي الشعور .. جزائري الأهتمام .. دبلوماسي الشخصية .. شعبي الأسلوب " و يضيف " شخصيته ليست شخصية ديكتاتور ولا تصلح لهذا الدور .. هو اليوم رئيس و لم تكن السلطة هدفاً يسعى أليه و قد تكون الرئاسة هي التي طرقت بابه فأعتذر لها مرة و كررت طرق بابه فأستقبلها بشروطه لا بشروطها و هي أن لا يتنازل عن شخصيته لصالح لقبه أي أن يبقى هو عبد العزيز بوتفليقة و أن يكون لقبه رئيس الجمهورية الجزائرية تابعاً له و مسايراً لشخصيته .. هو الموصوف كما أقول دائماً و كما كنت أتمنى لغيره أن يكون أكبر من صفته " هكذا يصف مفكر كبير بمستوى الأستاذ حسن العلوي الرئيس الجزائري بوتفليقة و مع هذا نرى الكثير من أبناء شعبه ممن يتهمونه بالعمالة أحياناً و بالكفر أحياناً أخرى .. و لكن بمقارنة بسيطة بين وصف الأستاذ حسن العلوي للرئيس بوتفليقة و بين ما يفعله أبناء الجالية الجزائرية في دول الغرب نستطيع أن نرى و نتبين ببساطة من هو الذي يشوّه صورة بلده و أمته و من الذي يخالف كتاب الله و سُنّة رسوله .. الحاكم أم المحكوم . و أخيراً و ليس آخراً هناك الملك محمد السادس الذي حاله مع شعبه ليس بأفضل من حال من سبق ذكرهم من القادة و الزعماء العرب .. و لا ننسى بالطبع المشكلة نفسها التي تواجه القيادات السياسية العلمانية في تركيا و الأصلاحية في أيران و أفغانستان و باكستان مع نخب و شرئح اجتماعية ليست بافضل حالاً من نضيراتها في الدول العربية . فالقائمة تطول و المصيبة تختلف و تتفاقم كلما أنتقلنا من بلد لآخر يدعوا بعض الأخوة لأصلاح نظمها السياسية .. و السؤال هنا و أرجوا التركيز قبل الأجابة .. هل المشكلة في الزعامات و القيادات السياسية ليتم أصلاحها ؟ أم أن المشكلة الحقيقية و التي يرفض البعض تشخيصها خجلاً و مجاملة هرباً من الأمر الواقع هي في الشعوب التي لا تريد أن تتطور أسوة بباقي خلق الله و ترفض الأصلاح بجميع أشكاله و صوره سواء جاء من الداخل أو من الخارج .. أذ أن تشدق البعض بدعوى أنه يرفض الأصلاح المفروض من الخارج هي دعوة حق يراد بها باطل فأمثال هؤلاء يرفضون الأصلاح أصلاً لأنهم و بكل بساطة لا يجدون أنفسهم على خطأ كونهم يمتلكون الحقيقة المطلقة كما يتصورون و بالتالي فهم ليسوا بحاجة الى الأصلاح و لو أرادوا أصلاح أنفسهم من الداخل لفعلوا ذلك منذ زمن بعيد كما فعلت كثير من شعوب الأرض التي بدأت بالأصلاح منذ فترة و تقف اليوم في صدارة دول العالم تقدماً و رقياً . المشكلة هي أن هذه الشعوب محسوبة على البشرية سواء رضينا بهذا أو أبينا و لا بد من قيادات سياسية تتحمل مسؤولية قيادة هذه الشعوب و أيصالها أن أمكن الى مستوى الشعوب الأخرى التي تعيش على أرضنا الحبيبة .. هذه الأرض التي خلقها الله سبحانه و تعالى على أبدع ما يكون و أخرجها بأجمل صورة لخير البشر و سعادتهم و التي تحاول بعض الشعوب التي تقطنها تحويلها الى غابة للوحوش و مسالخ للبشر .. فلكم الله يا حكّام بلدان الشرق الأوسط و أعانكم و من معكم من نخب و مثقفين أصلاء على أنقاذ شعوبكم مما ينتظرها من نهاية مأساوية حتمية لا مفر منها .
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
14 تموز ثم 17 تموز و مسلسل الأنقلابات
-
ذكرى 14 تموز .. بين الأحزان و الأفراح
-
مقال سياسي : عراقيوا المنافي و الأنتخابات و التلاعب بمقدرات
...
-
العراق الجديد ما بين التمثيل بالجثث و أختطاف الرهائن
-
العراق الجديد .. و مفترق الطرق
-
أحتكار حق المواطنة .. و تكرار المأساة
-
العراق الجديد بين الثرى و الثريا
-
أزنار .. بالاثيو .. لا نقول وداعاً بل الى اللقاء
-
الفضائيات .. و صفقات التسويق المفضوحة
-
أمريكا .. ما بين مسمار جحا و قميص عثمان
-
عراقية الأكراد .. عريقة عراقة دجلة و الفرات
-
الأرهاب ملّة واحدة .. صدام و بن لادن
-
المتقاعدون .. لماذا لم ينصفهم العراق الجديد ؟
-
مجلس الحكم و سياسة المحاصصة و التوافق
-
لسنا فقط أمة قاصرة .. بل أننا القصور بعينه
-
مرتزقة و مزورون
-
نعم للفدرالية .. من أجل عراق مستقر و آمن
-
العرق الجديد .. و خطوة الى الوراء
-
وزير الدفاع الأمريكي وأسير حربه !
-
لماذا ما هو حلال لكم حرام علينا ؟
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|