|
حسن البنا والدعوة الإسلامية ضد السياسة الحزبية وتسييس الإسلام - القسم الأول
خالد يونس خالد
الحوار المتمدن-العدد: 906 - 2004 / 7 / 26 - 10:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك مَن أسلم لله وآمن بأن الدين عند الله الإسلام ، فرفض أن يكون ذلك الدين مشرذما إلى أحزاب سياسية دينية ، ورفض أن يكون المسلمون في هرج ومرج ، بل ورفض جازما أن يمارس الإرهاب ، ورفض كليا أن يؤيد الإرهاب بكل أشكاله وألوانه . وهناك مَن إتخذ الإسلام دينا كأداة للعنف والإرهاب والعدوان من أجل أن يقبض على السلطة بأي شكل من الأشكال لتحقيق مآرب شخصية تحت حجة (الحاكمية) . ولكن الله والإسلام براء من العدوان . لقد وقع بعض الكتاب والمفكرين العرب في إشكالية الخلط بين الدعوة الإسلامية والسياسة الحزبية للجماعات الإسلامية فجعلوا ، مثلا ، حركة الإخوان المسلمين حركة حزبية منذ تأسيسها . وأسرع بعض هؤلاء في خلط الأوراق مما جعل من دعواتهم تفقد بعض مصداقيتها ، خاصة إذا أساء البعض من القراء فهم تلك القراءات من أنها ضد العقيدة الإسلامية . وإن أية قراءة ضد العقيدة الإسلامية لن تنال النجاح في المجتمعات المسلمة . لذلك لابد من التمييز بين الإسلام وبين القوى السياسية الحزبية الإسلاموية التي تمارس العنف والإرهاب لتشويه الإسلام وإظهار المسلمين بمظهر الهمج والمتخلفين وقطاع الطرق . وكل دعوة لاتميز بين سماحة الإسلام وعبادة الله الواحد الأحد الذي يدعو إلى الخير والمحبة والإخاء والسلام ، وبين الأحزاب الإسلاموية التي تمارس العنف والإرهاب والتكفير وتخرج الإسلام من نقاءه وبهاءه لن تنال النجاح . فالدعوات التي تخلط الأوراق تجعل من الأحزاب الإسلاموية أكثر تطرفا وإرهابا . يجب بيان الحقيقة التي مفادها أن الإسلام ليس أحزاب سياسية ، ولايمكن أن يكون أحزابا سياسية تجعل من الإسلام واجهة لأعمال بشرية تقتل وتفتك بالمعارضين من أجل السلطان والسيطرة على الحكم لقطع الرقاب ، واحتكار الحقيقة ، وجعل المجتمع يرجع الى الوراء لعبادة الإنسان للإنسان بدلا من عبادة الإنسان للرحمن . عندما أسس الراحل حسن البنا حركة الإخوان المسلمين ، وهي أول حركة إسلامية منظمة بالمفهوم المعاصر للتنظيم ، لم تكن تهدف إلى أن تكون حركة حزبية سياسية دينية أبدا ، إنما دعوة إسلامية لإستقطاب بعض المسلمين الذين إتخذوا الإسلام دينا . فـ " بعد أن كان الكاتبون المسلمون يجدون عنتا في التدليل على أن الإسلام ليس ضد العلم وأنه يواكب الحضارة ، أبرزت حركة الإخوان المسلمين جيلا من الشباب المؤمن المثقف يستصغر الحضارة الغربية في جنب الإسلام ، ويعتقد أنه لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة " . (مجموعة رسائل الإمام الشهيد حسن البنا ، ط3 ، المؤسسة الإسلامية ، بيروت ، 1984 ، ص 6) . استطاع حسن البنا أن يرسي دعائم دعوة إسلامية متميزة حيث نجح مع ستة نفر من إخوانه على تشكيل أول نواة لجماعة الإخوان المسلمين في شهر آذار/ مارس عام 1928. وأصبح حسن البنا إماما ، وبدأ يركز على ضرورة صب الجهود من أجل بناء جيل مؤمن يفهم الإسلام فهما صحيحا .
مَن هو حسن البنا ؟ ولد حسن البنا بمدينة المحمودية بمحافظة البحيرة في مصر عام 1906 م . درس في دار المعلمين بدمنهور عام 1920 ، وفي دار العلوم بالقاهرة وتخرج منها عام 1927. بدأ إهتمامه في سن مبكر بالعمل الإسلامي المنظم والدعوة إلى الله تعالى . نشأ مع زملائه ( جمعيد الأخلاق الأدبية ) ثم ( جمعية منع المحرمات ) وتعرف على الطريقة الحصافية. حفظ القرآن الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره . كان يرتاد إلى مجالس إخوان الطريقة الحصافية والمكتبة السلفية ومجالس علماء الأزهر . عمل مدرسا بمدينة الإسماعيلية وبدأ يتصل بالناس في المقاهي ويحثهم على العمل للإسلام . وبعد تأسيسه لجماعة الإخوان المسلمين إنتقل إلى القاهرة عام 1932 وأصدر مجلة (الإخوان المسلمون) الأسبوعية ثم مجلة (النذير) وعددا من الرسائل . وانتشرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعالم العربي ، مما هددت النظام المصري ، فباشرت الحكومة بحلها واعتقال قياداتها باستثناء مرشد الحركة الإمام حسن البنا الذي جرى إغتياله في أحد شوارع القاهرة يوم 14 ربيع الثاني 1368 هجرية ، 12 شباط / فبراير عام 1949ميلادية . وبعد ذلك تحولت حركة الإخوان من مرحلة الدعوة الإسلامية إلى مرحلة التحزب وتسييس الإسلام .
حسن البنا ضد السياسة الحزبية وتحزب الإسلام كان الإمام حسن البنا يدعو إلى الإسلام عقيدة وشريعة ، عبادة وسلوكا ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وكان يدعو إلى تجاوز الخلافات التي كانت تسود المجتمع الإسلامي المصري والعالم الإسلامي، والعودة إلى الإصالة الإسلامية المتمثلة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، وتجاوز الخلافات المذهبية والقومية . ويمكننا فهم دعوة الإمام حسن البنا ورفضه للسياسة الحزبية والتحزب الديني الإسلاموي ، ومعاداته لشرذمة الإسلام وتجزءته إلى قوى حزبية متصارعة ومتنافسة ومتقاتلة بعضها للبعض الآخر ، من خلال قراءتنا لأفكاره ورسائله الموجهة للأخوان المسلمين ، باعتباره مؤسس الجماعة ومرشدها . لقد أراد حسن البنا أن يكون الاخوان المسلمون للدعوة الإسلامية السلمية البعيدة عن العنف والإرهاب ومساندة الطغاة والظالمين . فلم يكن يريد أن تكون تلك الدعوة كما نراها اليوم ، بعد أن حوَلها وغيَّرها بعض تلامذته وعلى رأسهم سيد قطب إلى حزب سياسي شبه عسكري . فقد كان الشهيد حسن البنا يميز بين السياسة العامة والسياسة الحزبية ، وكان يؤكد على فصل السياسة الحزبية عن الإسلام لأن الإسلام دين الله وليس حزا سياسيا ينظم الميليشيا العسكرية . فنسمع كلمات الشهيد حسن البنا وهو يوضح لنا هذه الحقيقة الناصعة بجلاء وبلا رتوش ومناورة سياسية لنفهم أولئك الذين حولوا الإسلام من دين السلام الى التحزب السياسي والعسكرة . يقول الأمام حسن البنا: " وآن لي في الحزبية السياسية أراء هي لي خاصة ولا أحب أن أفرضها على الناس فإن ذلك ليس لي ولا لأحد . ولكني كذلك لا أحب أن أكتمها عنهم ، وأرى أن واجب النصيحة للأمة وخصوصا في مثل هذه الظروف – يدعوني الى المجاهرة بها وعرضها على الناس في وضوح وجلاء . وأحب كذلك أن يُفهم جيدا أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس معنى هذا أني أعرض لحزب دون حزب ، أو أرجح أحد الأحزاب على غيره أو أنتقص أحده وأزكي الأخر ، ليس ذلك من مهمتي ، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو ، وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه ، وادع الحكم على الأحزاب للتاريخ وللرأي العام والجزاء الحق لله وحده . ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ) ." (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أنَّ بينها وبينه أمدا بعيدا). ويقول حسن البنا: "وبعد هذا كله أعتقد ايها السادة ان الإسلام وهو دين الوحدة في كل شئ ، وهو دين سلامة الصدور ، ونقاء القلوب ، والإخاء الصحيح ، والتعاون الصادق بين بني الإنسان جميعا فضلا عن الأمة الواحدة والشعب الواحد لايقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه . والقرأن الكريم يقول: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) . ويقول رسول الله عليه السلام ، ألا لأدلكم على أفضل من درجة الصلاة والصوم ؟ قالوا بلى يارسول الله: قال إصلاح ذات البين ، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين ". ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ) ويتابع حسن البنا في رسالته مبينا كيف أن التحزب الإسلامي يخلق الإنقسامات والتفرقة بين المسلمين في الإسلام ، فيقول: " وكل ما يستتبعه هذا النظام الحزبي ، من تنابز وتقاطع ، وتدابر وبغضاء يمقته الإسلام أشد المقت ، ويحذر منه في كثير من الأحاديث والآيات . وتفصيل ذلك يطول وكل حضراتكم به عليم ... وفرق ايها الإخوان بين الحزبية التي شعارها الخلاف والإنقسام في الرأي والوجهة العامة وفي كل ما يتفرع منها ، وبين حرية الآراء التي يبيحها الإسلام ويحض عليها ، وبين تمحيص الأمور وبحث الشؤون والإختلاف فيما يعرض تحريا للحق ، حتى إذا وضح نزل على حكمه الجميع ، سواء كان ذلك إتباعا للأغلبية أو للإجماع ، فلا تظهر اللأمة إلاّ مجتمعة ، ولا يرى القادة إلاّ متفقين. أيها الإخوان لقد أن الأوان أن ترتفع الأصوات بالقضاء على نظام الحزبية في مصر ، وأن يستبدل به نظام تجتمع به الكلمة وتتوحد به جهود الأمة حول منهاج إسلامي صالح تتوافر على وضعه وانفاذه القوى والجهود . ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ ) . ويؤكد الشهيد حسن البنا: " ان الفارق بعيد بين الحزبية والسياسة . وقد يجتمعان وقد يفترقان . فقد يكون الرجل سياسيا بكل ما في الكلمة من معان وهو لا يصل بحزب ولا يمت اليه ، وقد يكون حزبيا ولا يدري من أمر السياسة شيئا ، وقد يجتمع بينهما ". ( ينظر: رسالة الإمام حسن البنا في مؤتمر طلبة الإخوان المسلمين في محرم 1358هـ )
لقد رشح حسن البنا نفسه مرتين للإنتخابات البرلمانية لكنه لم يدعو إلى ممارسة العنف والقتل والإغتيالات والإرهاب بغض النظر عن فشله أو فوزه في الإنتخابات . رشح نفسه لأنه كان من حقه كمواطن مصري أن يرشح نفسه ويدلي بصوته كأي مواطن آخر . أما أن تشكل حزبا سياسيا دينيا وتكفر الآخرين لأنهم لا ينتمون لحزبك الديني فذلك أمر لايمكن قبوله ، لأنه يشكل ظاهرة خطيرة لهدم الديمقراطية ، وتجريد المواطنين من حقوقهم الإنسانية . _________________القسم الثاني بعنوان: سيد قطب وتسييس الإسلام ودحض أفكاره في التكفير والعنف . د. خالد يونس خالد [email protected] -7-25 2004
#خالد_يونس_خالد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 2-2
-
الطبيعة الفاشية لصدام وفكر البعث العربي في العراق 1-2
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الرابع
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الثالث
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمر عبر كردستان- القسم الثاني
-
طريق الحرية والسلام في العراق يمرعبر كردستان - القسم الأول
-
قراءة ديوان - أشعار منفية - للشاعر العراقي فوزي إبراهيم
-
إشكالية الهروب من الحرية في عراق مابعد فضيحة أبو غريب 2-2
-
إشكالية الهروب من الحرية في عراق ما بعد التحرير 1-2
-
مقدمة كتابات في القضية الكردية والفدرالية لزهير كاظم عبود
-
فلسطين وكردستان والعراق صراع من أجل السلطان 2/2
-
فلسطين وكردستان والعراق صراع من أجل السلطان 1/2
-
الحجر يصنع السلام
-
محطات في ذاكرة الإنسان
-
تحرير العراق بين الإحتلال والسيادة
-
الكرد وقانون إدارة الدولة العراقية بين النظرية والتطبيق نظرة
...
-
تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 2-2
-
تركيا الكمالية العلمانوية وإشكالية هويتها الثقافية 1-2
-
لجان الإستفتاء تنظم مَظاهرات من أجل إستقلال جنوب كردستان
-
أفكار في مواجهة الرصاص - الكرد يطالبون بتشكيل دولة كردية في
...
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|