|
الرياض بوابة العراق للمحيط العربي
امين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 13:04
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لا يخفى على أحد ، ان العلاقات العراقية – السعودية لمْ تكن على ما يرام في السنوات الماضية بعد التغيير في 2003 . وبِغض النظر عن أسباب برودة هذه العلاقات ومَنْ يتحمل مسؤولية ذلك ، فانه من الضروري خلق بيئةٍ مُناسبة لإعادة الروابط القوية بين البلدَين الجارين . وكما ان القاصي والداني يعلم حجم تدخلات دول الجوار ومن ضمنها السعودية ، في الشأن العراقي بصورةٍ مباشرة او غير مباشرة ، فمن المُهم والإنصاف ايضاً أخذ مخاوف وهواجس هذه الدول من تداعيات التغيير في العراق ، على اوضاعها الداخلية ، بنظر الإعتبار . فصحيحٌ ان العراق عانى ما فيهِ الكفاية من التراخي في مراقبة الحدود المُشتركة وسماح الجيران بعبور كُل ما يُؤذي الوضع الجديد والعملية السياسية والديمقراطية الوليدة ، ولكن بالمُقابل فشلَ الاحتلال الامريكي والحكومات العراقية المتعاقبة ، في تهدئة مخاوف دول الجوار من زحف القوات الامريكية لاسيما بالنسبة الى سوريا وايران ضمن استراتيجية الشرق الاوسط الكبير ، والسعودية والخليج والاردن من خطر الإصابة بأعراض " الديمقراطية " ! . بعد سبع سنوات توضحتْ الصورة بشكلٍ كافي ، بحيث ان " الواقع " فرضَ روىءً جديدة غير تلك التي كانتْ سائدة في 2003 ، فالولايات المتحدة الامريكية كما يبدو لم تكن حساباتها في العراق والمنطقة ، دقيقة جداً ، بل انها أثبتتْ عدم قدرتها على شن حربٍ برية كبيرة اخرى في المنطقة سواء ضد سوريا او ايران ، وإنما تُخطط للإنسحاب القريب من العراق نفسه . هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان " الديمقراطية " العراقية بإفرازاتها على الارض وثمنها الباهض ، لا تُشجع شعوب المنطقة على الإقتداء بها في هذه المرحلة . لهذهِ الاسباب فان إنتخابات 7/3/2010 كانتْ بإمتياز عملية ( اقليمية ) وليست عراقية صرفة . ورغم الدعوات التي كان يُطلقها مختلف السياسيين العراقيين حول " عراقية " الانتخابات ووجوب عدم تدخل دول الجوار فيها ، رأيناهم انفسهم يهرعون الى طهران ودمشق والرياض وانقرة وعمان ، والمُفارقة ان مستوى الاداء السياسي قد تدنى الى درجةٍ ان احدهم كان يزور السعودية وفي نفس اليوم ينتقد بشدة الآخر الذي يزور طهران ! او بالعكس . وكأنما يُحلل على نفسه ما يحرمهُ على غيرهِ . ولكن وتدريجياً توصلَ الزعماء السياسيين العراقيين الى قناعةٍ مُحددة وهي ان " صناعة " الحكومة الجديدة في بغداد بعد الانتخابات الاخيرة ، لاتتم في معامل دولةٍ واحدة فقط ، بل ان عدة دول تشترك في هذه العملية المعقدة . صحيح ان هنالك " مايسترو " أمريكي ربما يحمل عصا قيادة هذهِ المعزوفة ، ولكن لايمكن الاعتماد على عازفٍ واحد وانما هنالك مجموعة عازفين رئيسيين وحسب اهمية موقعهم : الايراني والسعودي والتركي والسوري ثم آخرين ذوي أدوار ثانوية . والمشكلة هي إحتمال ان ينتج عن هذا العزف في النهاية لحنٌ نشاز ! غنيٌ عن القول ان المملكة العربية السعودية ورغم تدهور علاقاتها مع حكومة صدام بعد غزوهِ للكويت ، وعدم عودة هذه العلاقات الى طبيعتها لغاية 2003 ، و ان المملكة بإصطفافها التقليدي مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية ومع رفضها لعدوانية صدام حسين ، فانها ومنذ اليوم الاول للتغيير الذي حصل في العراق ، لم تتحمس له ولم تؤيده ، بل في الحقيقة أبدتْ مخاوفها الصريحة من سيطرة "الشيعة" على السلطة في العراق الجديد والتأثير السلبي المُحتمل على الوضع الداخلي السعودي من خلال الاقلية الشيعية السعودية إذا وقعتْ تحت تأثير شيعة العراق مدعومين من ايران . وفي محاولةٍ لتطمين الهواجس السعودية ، كانت اول زيارة يقوم بها " نوري المالكي " بعد توليهِ رئاسة الوزراء ، كانت الى السعودية تحديداً ، ولكن يبدو ان تلك الزيارة لم تنجح في تحقيق أهدافها في رأب الصدع في علاقات البلدين ، ورغم الدعوات المتكررة من الدبلوماسية العراقية لإعادة فتح السفارة السعودية في بغداد وهي الدولة الشقيقة والاسلامية والمُجاورة ، إلا ان دولاً كثيرة سبقتها في ذلك . يُمكن ملاحظة ان " دَور " المملكة العربية السعودية في منطقة الشرق الاوسط خلال العشرين سنة الماضية ، قد تعاظمَ على حساب الدور المصري لأسباب ليس اقلها إستقرار الحكم الملكي في السعودية وإمتلاكها ثروة نفطية هائلة وعلاقاتها الاستراتيجية التقليدية مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً . ومن المعلوم ان المملكة تلعب ضمن الحسابات الامريكية دوراً مُعادلاً ومُوازناً للدور الايراني في المنطقة . وبناءً على ذلك ينبغي على صانعي السياسة العراقية الجديدة ، إستيعاب هذه الحقيقة بصورةٍ واقعية والتعامل معها وفق " المصلحة العراقية " الوطنية بعيداً عن المكاسب الحزبية والفئوية الضيقة . بوادر التبدل في الموقف السعودي ينبغي التوقف عند نقطتين في غاية الاهمية في الآونة الاخيرة ، الاولى الدعوة الرسمية التي تلقاها رئيس الجمهورية " جلال الطالباني " لزيارة المملكة ، ومنحهِ أعلى وسام تقدمهُ السعودية عادةً لرؤساء الدول الصديقة و المُهمة بالنسبة لها . علماً ان ( المحيط العربي ) الرسمي بصورةٍ عامة لم يكن مُرتاحاً خلال السنوات الخمس الماضية لتولي " كردي " رئاسة الجمهورية العراقية ، وآخر دليلٍ على ذلك هو عدم دعوة الطالباني لحضور القمة العربية الاخيرة في ليبيا . وحتى على الصعيد الداخلي ، تعالتْ أصوات من هنا وهناك مُطالبة بان يكون الرئيس عربياً . ان دعوة الملك السعودي لجلال الطالباني وتقليده قلادة الملك عبدالعزيز ، إضافة الى أهمية الحوار في الشؤون ذات الاهتمام المشترك وتقوية العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية ، فان الدلالة الكبيرة هي : [ قبول ] المملكة العربية السعودية برئيس " كردي " للعراق وفي هذا الوقت بالذات ، يُعتبر تحولاً مهماً في الموقف الرسمي السعودي ، ستكون له إنعكاساته على مواقف الدول العربية الاخرى في المرحلة القادمة . ومما يؤكد هذا التغير المحسوس ايضاً هو زيارة وفد التيار الصدري الى السعودية قبل مدة قصيرة بدعوةٍ رسمية ، بما يملكه الصدريون من ثُقلٍ مُعتَبر على الساحة الشيعية في العراق ، وأخيراً دعوة وزير الخارجية السعودي اليوم للسيد " عمار الحكيم " بإعتبارهِ قائداً للمجلس الاعلى الاسلامي ومُمثلاً لاحدى البيوتات الشيعية العريقة في العراق . ان مباحثات التيار الصدري والمجلس الاعلى الاسلامي مع ملك السعودية وكبار المسؤولين الآخرين ساهم في حلحلة المشاكل التي تصاعدتْ خلال السنتين الاخيرتين بين بعض رجال الدين المتنفذين في السعودية وبين الشيعة في العراق ، جزئياً . إذ ان " تجاهل " السعودية لحزب الدعوة الاسلامية ، وعدم دعوة " نوري المالكي " لزيارة المملكة بإعتبارهِ رئيساً للوزراء وصاحب السلطة التنفيذية الاعلى ، يُشكل شرخاً في المساعي الرامية الى إيجاد علاقات متميزة مع العراق الجديد ، ويؤثر على مصداقية الحكومة السعودية التي أعلنتْ انها تقف على مسافة واحدة من جميع الفرقاء العراقيين . " المحيط العربي " وإقليم كردستان
النقطة الثانية والتي لا تقُل أهميةً ، هي دعوة رئيس إقليم كردستان " مسعود البارزاني " رسمياً من قِبَل الملك عبدالله ، ومنْحهِ ميدالية الملك عبد العزيز آل سعود من الدرجة الاولى وإقامة مأدبة عشاء على شرف رئيس الاقليم . فإلى جانب ضرورة تبادل الافكار حول المرحلة المقبلة وإستمزاج آراء المملكة بالنسبة الى الحكومة العراقية المُرتقبة ، فان المَغزى الآخر هو : عدم ممانعة السعودية للنظام الفيدرالي في العراق الجديد وإعترافٌ صريح بالتعددية وبخصوصية إقليم كردستان . وتلك رسالة بالغة الدلالة في الظرف الراهن ، ليس الى الدول العربية فقط بل الى كل دول الجوار والى الداخل العراقي أيضاً . فان الاصوات التي تُنادي في العراق وخصوصاً خلال الاشهر التي سبقتْ الانتخابات الاخيرة ، ب ( عودة العراق الى محيطهِ العربي ) ، او الدعوات الى الدول العربية للعمل على ( إستعادة عروبة العراق ) ، هذه الاصوات وهذه الدعوات التي هي في ظاهرها مشروعة وعادلة ، إلا انها تخفي مآرب مشبوهة وتُصور الامور وكأن " عروبة العراق " مُهَددة ، وتعمل في هذا الإتجاه بإبراز خطرَين الاول هو الخطر الفارسي الايراني من خلال الاحزاب الشيعية ، والثاني خطر الفيدرالية الكردية . تطمين المملكة العربية السعودية كما ان الكرد في العراق بحاجة الى " تطمينات " مزدوجة ، اولاً من الداخل العراقي من خلال تشريعات قوانين مُلزمة لجميع الاطراف تُراعي خصوصية الكرد وتمنع عودة الممارسات القمعية ضدهم ، وثانياً من دول الجوار وخصوصاً الدول العربية ، حيث انه من الضروري توضيح ان العراق الجديد " تعددي " " فيدرالي " وينبغي ان لا تُفسَر ( عودة العراق الى محيطهِ العربي ) على انها تعني إلغاء المكاسب المشروعة والدستورية التي حصل عليها الكرد . كذلك ان النظام العراقي الجديد وبعد سبع سنواتٍ مريرة وتجارب قاسية دفعَ ثمنها الشعب العراقي غالياً ، بحاجة الى ضمانات من دول الجوار ، للكف عن التدخلات في الشأن العراقي الداخلي ، وإذا كانتْ ايران وتركيا تمثلان جانباً مهماً من هذه المعادلة ، فان المملكة العربية السعودية تُمثل الجانب الآخر ، بكل ثقلها العربي والاقليمي . ان إيصال العلاقات العراقية السعودية الى درجة التعاون المشترك في محاربة الارهاب وتجفيف منابعه ، يُشكل اكثر من نصف الطريق نحو إستقرار الوضع الامني في العراق والمنطقة . يُمكن إعتبار المملكة العربية السعودية ، ليس فقط مُمثلة للخليج العربي ودول الجوار العربي فقط ، بل حتى للدول العربية بصورةٍ عامة . وحاجة المملكة الى ( تطمينات ) من الجانب العراقي ليست أقل من حاجة العراق الى تطمينات سعودية . لهذا السبب من الضروري ان ترتقي السياسة العراقية الجديدة بمختلف توجهاتها الى مرحلة تتجاوب مع المتطلبات الاقليمية المُلحة . بحيث تقتنع السعودية ان حكومة عراقية يكون للشيعة فيها دورٌ بارز لا يعني بانها إلعوبة بيد ايران او ان من اهدافها التأثير السلبي على الاوضاع الداخلية في الخليج العربي . الخلاصة ان إحتضان الرياض للكثير من الفعاليات العراقية البارزة خلال الفترة الاخيرة ، يبعث رسائل مهمة الى الداخل العراقي والى العالم ، فحواها ان المملكة ونيابةً عن العرب مستعدة وبصورةٍ نهائية ل " تقبل " العراق الجديد خصوصاً بعد الانتخابات التي جرتْ في 7/3/2010 . ورغم ميلها الواضح الى عدم التجديد ل " نوري المالكي " لولايةٍ ثانية ، فانها لا تُمانع في وجود رئيس وزراء شيعي على رأس الحكومة ، وكذلك من الطبيعي بالنسبة لها ان يكون رئيس الجمهورية كردياً ، والاهم الإقرار بخصوصية إقليم كردستان والإعتراف الضمني بالتعددية والفيدرالية . ان مجموع هذه الرسائل تؤدي منطقياً الى تطبيع العلاقات العراقية السعودية وبالتالي العراقية العربية عموماً ، ولعل الاقتصاد سيكون من اولى الابواب التي ستفتح من خلال مجالات الاستثمارات الواسعة ، ومن الممكن ان يكون إقليم كردستان البوابة التي ستدخل منها السعودية الى العراق .
#امين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اضحك مع رؤساء العراق !
-
9/4/2003 يوم ( التحريلال ) !
-
- هروب - إرهابيين من الغزلاني !
-
طارق الهاشمي وخُفَي حنين
-
مستقبل الفيدرالية في العراق
-
أخيراً - غينيس - في بغداد !
-
تحليل نتائج الانتخابات .. دهوك نموذجاً
-
نتائج إنتخابات بغداد .. عجيبة غريبة !
-
نوروزٌ دامي في سوريا
-
أيهما أهَم : المُتنزَه أو الحُسينية ؟!
-
الكرد وبغداد في المرحلة القادمة
-
سائق التكسي والإنتخابات
-
المعارضة الكردستانية والموقف من بغداد
-
حذاري من الغرور
-
النجيفي وحركة التغيير
-
المطبخ السياسي العراقي
-
قفشات إنتخابية
-
لو .. إعتذرَ نوشيروان وطلبَ الصفح
-
الشوفينيون الجُدد في الموصل والحافات الخطِرة
-
الحكومة القادمة برئاسة - رائد فهمي - !
المزيد.....
-
-حالة تدمير شامل-.. مشتبه به -يحوّل مركبته إلى سلاح- في محاو
...
-
الداخلية الإماراتية: القبض على الجناة في حادثة مقتل المواطن
...
-
مسؤول إسرائيلي لـCNN: نتنياهو يعقد مشاورات بشأن وقف إطلاق ال
...
-
مشاهد توثق قصف -حزب الله- الضخم لإسرائيل.. هجوم صاروخي غير م
...
-
مصر.. الإعلان عن حصيلة كبرى للمخالفات المرورية في يوم واحد
-
هنغاريا.. مسيرة ضد تصعيد النزاع بأوكرانيا
-
مصر والكويت يطالبان بالوقف الفوري للنار في غزة ولبنان
-
بوشكوف يستنكر تصريحات وزير خارجية فرنسا بشأن دعم باريس المطل
...
-
-التايمز-: الفساد المستشري في أوكرانيا يحول دون بناء تحصينات
...
-
القوات الروسية تلقي القبض على مرتزق بريطاني في كورسك (فيديو)
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|