|
تأملات - في إضاءة الواقع الموضوعي
رضا الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2975 - 2010 / 4 / 14 - 08:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعلق اليائسون، عادة، قصورهم الذاتي على مشجب الواقع الموضوعي، أما نحن أهل الأمل فلا مشاجب لدينا نعلق عليها هذا القصور. ومن تجليات قوتنا أننا نعترف بقصورنا الذاتي ونسعى الى تجاوزه، فنكون بهذا التجاوز أكثر قدرة على استيعاب الواقع الموضوعي وعلاقته بالعامل الذاتي، وأكثر قرباً من تشخيص حقائق الحياة بعيداً عن نزعة التبرير. ولابد أن نرى، ونحن نحاول إضاءة جوانب من الواقع الموضوعي، وهو في حركته وتحولاته، حقيقة أن الثقافة السائدة تشكل عنصراً أساسياً حاسماً من عناصر الواقع الموضوعي، فهي تعكسه وتجسده وتتحكم به عبر القوى المهيمنة التي تستخدم الأفكار لدفع الناس ومؤسسات المجتمع الى القبول بالراهن السائد. ومن الطبيعي أن تأبيد الثقافة السائدة موضوع صراع اجتماعي يتجلى في التناقض بين القوى المحافظة المهيمنة التي تتشبث ببقاء الواقع ضماناً للامتيازات والقوى الجديدة التي تسعى الى التغيير. وهو صراع يضحى أكثر حدة وتفاقماً، خصوصاً في المراحل الحاسمة من الصراع، وهو ما نشهد بعض تجلياته في واقعنا الراهن. ولا ريب أن من بين التجليات الأخرى للواقع الموضوعي عواقب الدكتاتورية الفاشية وحروبها وسياساتها التي شوّهت البشر، وغيّبت القوى الحية للمجتمع، وحزبنا الشيوعي بالذات، لعقود من الزمن، وحرمت الملايين من التأثير الذي يمكن أن يمارسه هذا الحزب التنويري الذي يقاوم ثقافة التخلف السائدة ويجسد الجديد. ومن ناحية أخرى فان اختيار الحرب وسيلة لاسقاط الدكتاتورية هو الذي فرض مشيئة الاحتلال الذي رسخ، من بين كوارث أخرى، منهجية المحاصصات بين شيعة وسنة وأكراد، فكان ذلك منبع المصائب. ولعب العامل الاقليمي وتصارع إرادات "الجوار" على أرضنا دوره السلبي. ولعل تهافت القوى المتنفذة ولهاثها شرقاً وغرباً لدعم موقفها بشأن تشكيل الحكومة، وهي ذاتها التي أشبعتنا صخباً في نقد الشرق والغرب، يشكل تجلياً جديداً لازدواجية القوى السياسية المتنفذة، الأسيرة، الى حد غير مبرر، لأجندات اقليمية. ويتوافق مع هذه العناصر عنصر تدني الوعي السياسي في ظل ثقافة التخلف، حيث الانتماءات الضيقة، الطائفية والاثنية والعشائرية، وتفشي الفساد والأمية والجهل، وشراء ولاءات الناس، وتوظيف المال السياسي في انتخابات أخفقت مفوضيتها العليا في أداء دورها وتجسيد استقلاليتها، وكشفها عن فضائح التلاعب والتزوير. أما قانون الانتخابات المجحف فقد شرعن سرقة أصوات الناخبين وحرمان القوى "الصغيرة"، وبينها قائمتنا "اتحاد الشعب"، على نحو يعكس ذهنية الاستحواذ والاقصاء والضيق بالتنوع والتعددية الحقيقية والتشبث بالمغانم والامتيازات على حساب معاناة الملايين المريرة، وهو ما تجلى ساطعاً في "مفارقة عراقية" حيث منح ساخطون أصواتهم لمن كان وراء مآسيهم، في انتخابات كان جوهرها التنافس الطائفي والاثني. في هذه البيئة ووسط هذه المصاعب والتعقيدات يصعب تصور أن اليسار الديمقراطي الحقيقي يمكن أن ينتعش في ظل سيادة ثقافة التخلف وتدني الوعي. غير أن هذا الواقع لا يمكن أن يعني أن على اليسار أن يلقي رايته ويستسلم، بل أن يفعل العكس تماماً، فينطلق من فهم عميق للواقع، بعوامله الموضوعية والذاتية واتجاهات حركته وانعطافاته وآفاق تطوره، وتشخيص دقيق لمتطلباته، وأساليب العمل الساعية الى خوض التحدي باتجاه تغييره. هذا ناهيكم عن حقيقة أنه لا يمكن لمنصف أن يتخيل تطوراً ديمقراطياً حقيقياً في البلاد في ظل منهجية محاصصات بين "الكبار" وقوانين وممارسات جائرة تقصي الديمقراطيين الحقيقيين، الشيوعيين، عن مواقع اتخاذ القرار السياسي. * * * فكرنا، نحن الشيوعيين، في الجوهر، فكر نقدي. فنحن نقاد الواقع وثقافته السائدة التي تضفي شرعية عليه وتأبيداً له، والساعون الى تغيير هذا الواقع. ولنا خير دليل في ما قاله معلمنا الأول ماركس في الموضوعة الحادية عشرة من موضوعاته عن فويرباخ من أن "الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، غير أن المهمة تكمن في تغييره". إن لنا تاريخاً، وطالما أن واقع التخلف موجود، فلابد أن يكون نقد واقع التخلف موجوداً. ومن هنا مبرر وضرورة وجود حزبنا الشيوعي، المسترشد بالماركسية، أعظم نقد للواقع. لن يقوى أحد على إعاقتنا عن الحلم بالتغيير والسعي اليه .. لن تحبطنا خسارة جولة، فأمامنا جولات وجولات. ويتوهم قصار النظر ممن يرغبون في أن يختفي هذا "الشبح" الذي يجول في بلاد الرافدين. فاذا كان اليوم بعيداً عن أنظار، فانه لن يظل على هذا الحال، ذلك أنه ما من شيء في الواقع الموضوعي وفي الحياة ساكن. ومن سنن التاريخ أن لا يتحالف، بل أن لا يتواطأ، مع قصار النظر، فيزكّي أوهامهم. لابد من عمل مديد، دائب ومبدع، حتى يدرك الناس ما يتعين فعله. وهذا العمل هو، على وجه التحديد، ما بدأت خطواته الأولى تلك الكتائب الاقتحامية من الشيوعيات والشيوعيين من طارقي الأبواب، مديمي وموسّعي الصلات الحية بالناس. وهو ما نقوم به الآن، ونقيّمه وندققه من أجل أن نعزز مواصلته في مسير لا يتوقف. هذا هو العمل الذي يقاوم اليأس والجزع والخنوع، ويعزز الثقة بالنفس وبالناس وبصواب خيارنا وعدالة قضيتنا وأملنا الوطيد بالمستقبل.
#رضا_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات - في مديح نقد الذات
-
تأملات - تزييف الوعي
-
تأملات - توازن التقييم
-
تأملات - التباس المحاصصة مرة أخرى !
-
تأملات - لا يريدون للأجراس أن تقرع !
-
تأملات - غياب المصداقية .. إخفاق الوعود
-
تأملات - في نفق التنافس الانتخابي
-
تأملات - منعطف سياسي حاسم
-
تأملات - ذاكرة لا تشفى وعدالة مشبوهة !
-
تأملات - تحت خط الفقر . . ما بين النهرين !
-
تأملات - مرتجاهنّ الحرية في حدائق النور !
-
تأملات - ننحت في حجر .. هذا هو مجدنا !
-
تأملات -ثقافات جديدة- بينها الترقيع !
-
تأملات أأضحى الصمت أصدق أنباءً ... !؟
-
تأملات - هوس الاستحواذ !
-
تأملات - رايات المرتجى في أيادٍ بيضاء !
-
تأملات - فأر البرلمان تحت خيمة الأميركان !
-
تأملات - تلك الأبواب .. هذه المرايا !
-
تأملات - ائتلاف السخط والأمل !
-
تأملات - أصوات .. وأصوات !
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|