بلقيس حميد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 905 - 2004 / 7 / 25 - 11:53
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
حينما نقارن بين الفكر العربي النهضوي الذي كان سائدا بداية القرن الماضي في الدول العربية , وإحساسها القومي الذي كان قد تمثل بأعلام النهضة العربية , مع أن هناك من أعلام هذه النهضة من لم يكن عربيا إنما هو ولد في هذه البلاد التي سيطر عليها العرب بتوسعاتهم الإسلامية , نرى أن الفرق شاسع بين ما كان من فكر نابع من الإحساس بالحيف لهذه الأمة التي أصابها الذل على يد الباشوات الأتراك زمن الدولة العثمانية والتي وزعت تركتها كرجل مريض على بقية الدول الأوروبية في معاهدة سايكس بيكو , والشعور القومي المتعصب الذي اشاعه بعث العراق والذي يريد أن يفرض العنف وأن يستخدم كل الأساليب التدميرية بحجة التحرر حتى وإن قتلوا آلاف الأبرياء وارتكبوا المجازر .
لم يكن هذا الفكر الإرهابي المعتمد على أساليب العنف سائدا سابقا , ولم تكن العمليات الانتحارية شائعة , ولم يعرف العرب في كل حروبهم التحريرية مثل هذه العمليات مطلقا بل كانوا يحافظون على حياتهم أملا بالنصر على المحتل ورغبة لانتصار الحياة على الموت, كان المقاتل لا يكره الحياة بل يجازف بحياته من اجل حياة افضل ومن أجل حرية للجميع , لم يخطر على بال المقاتل العربي سابقا أن يفجر نفسه , وكما انتصر الشعب العراقي بثورة العشرين وهو يحمل المناجل والعصي والسكاكين ليثور بها , انتصرت كل الشعوب العربية على الاستعمار ببنادق قديمة وبتنظيمات بدائية بسيطة , وبالرغم من انهم قدموا التضحيات الجسام , لكن الأيمان بالحياة وبالحق كان قويا , فمن يحترم الحياة تحترمه .
هنا أريد أن أقول كلمة وهي أن حزب البعث بالعراق , أسس لفكر مستبد , أرسى دعائمه على جثث أبناء العراق ودمائهم وهو الذي يفتخر ببيت شعر من ابشع ما سمع العرب ألا وهو الذي يتغنى بحزبهم :
حزب تشيده الجماجم والدم ××× تتهدم الدنيا ولا يتهدم
لا يمكنني إلا أن أقول , هل أن هكذا حزب يمكنه أن يشع حبا وسلاما وتسامحا وأخوة ؟
هل أن حزبا يشيد بالجماجم وينشر ثقافة الموت والدم , يستطيع أن يبني كما يدعي وحدة بين العرب أو الحرية لهم أو الاشتراكية لشعب من الشعوب أو لقرية من القرى ؟
أن المتتبع الجيد لتأريخ البعث العراقي , والمتتبع لأساليبه في العلاقات مع القوى والحركات والأحزاب العربية , والمتتبع لضخامة الأموال التي صرفها البعث على علاقاته وعلى مريديه يدرك أن هذا الحزب قد بذر بذورا شيطانية في الدول العربية , أنتجت فكرا هداما , عنيفا قوض ثقافة الاعتدال وقوض فلسفة حب الحياة , وأن هذا الحزب استغل ظروف بعض الشعوب العربية المقهورة أو معارضي حكوماتها ليمدها بالمال وبروح التدمير والحركات الدموية التي كان يهيئها ليوم يكون به نظامه مهددا بالزوال والسقوط , وكلنا سمع مقولة صدام الشهيرة بأن العراق من بعدي لابد وأن يصبح خرابا لا حياة بها , وهاهم أيتام النظام الذين صرف على حركاتهم أموال الشعب يتحولون إلى أداة لتخريب بـُنى العراق وحرق خبز أبناءه , هاهم يقومون بتفجير النفط والكهرباء وأرواح الناس حيث يبحثون عن تجمعات أكثر للناس لتزداد جرائمهم, ولتضج دور العراق وشوارعه بالموت المرعب ولتصرخ أكثر بالبكاء أطفاله اليتامى, ولتزداد أكثر صور المعاقين بالشوارع من جرحى الانفجارات والمواجهات غير الشريفة التي يباغتون بها الأبرياء والآمنين من السكان , كم من الأطراف الشابة لوحت بالهواء لتخلف وراءها معاقا لا يفكر سوى بالموت واليأس , وكم من طفل بات وحيدا حتى ضرب العراق الرقم القياسي باليتم فبه اكثر من خمسة ملايين يتيم ؟
إنها سياسة البعث قبلا وبعدا , وهي سياسة الفكر القومي المتعصب التي تقف ضد الإنسانية وهي إفراز مريض لفكر شوفيني أناني لم يفكر بجميع أبناء البشر, كمن يُهدد بالموت وهو مع جماعة فيخطط لموت عدوه ولزملائه معا ليعيش هو فقط وما بعده الطوفان , هذا هو الفكر القومي المتعصب الذي شجع فكر السلفيين والإرهابيين وأمدهم بماله وبأسلحته على مدى سنوات طويلة ولازال يفعل, حزب البعث الذي شجع هؤلاء الإرهابيين وقام بحملته المزعومة والمسماة ( بالحملة الإيمانية) ليضع يده بأيد قتلة لينهي معهم ما يحمله بعض الطيبين من فكر إنساني غير متعصب لدين أو طائفة أو قومية , الفكر الذي ينسى أن هناك قوميات أخرى وشعوبا تستحق الحياة.
كلنا يتذكر في العراق أننا جميعا درسنا بالمدارس مقومات الوحدة العربية,و مع أنني أتمنى أن تكون هناك فعلا وحدة عربية قائمة على أساس احترام الإنسان العربي والإنسان غير العربي الذي يتعايش معه ويستحق حقوقه ذاتها لا أن يكون أجنبيا كما يعامل الأكراد من بعض الدول العربية التي ترفع شعار الوحدة وتعتبرهم غرباء عن الوطن, جميعنا يتمنى أن تكون هناك وحدة على غرار الوحدة الأوروبية التي تضم شعوبا وقوميات واديانا عديدة , فحين تنتقل في أوروبا من بلد لآخر وأنت تحمل جوازا أوروبيا لم يسألك شرطي البلد الذي أنت قادم أليه عن شيء لمجرد نظرة خاطفة لجوازك مع ابتسامة ترحيب, فلنرى إذن بعض مقومات الوحدة العربية كما كنا ندرسها بالمدارس حتى الملل والتي غسلت أدمغة الطلاب بها لسنين طويلة :
1- اللغة الواحدة والمقصود بها العربية , ولم يأت أي كتاب من كتب الثقافة القومية العربية لوجود قومية أخرى تعيش معنا في هذا الوطن , كم هو قاس ومؤلم على غير العربي أن يدرس هذا وهو يعود لمنزله ليتحدث لغته ألام التي لا يعترف له بها أخوه الساكن معه بنفس الوطن والشارع والبناية ربما, ويجبر على ان ينفيها وان يلغي وجودها غصبا .
2-الدين الواحد والمقصود به الإسلامي , كم من أديان تعيش معنا من المسيحيين والمندائيين واالايزيديين والدروز والكثير سواهم الذين يتناثرون في البلدان العربية جميعها , فهل لابد لكل هذه الأديان من الفناء لنقول أن الوحدة العربية تتأسس على دين واحد مشترك ؟
3-الدم الواحد, ولا ادر ما لمقصود بالدم والبشر جميعا من دم واحد ولم يثبت العلم أن هناك فرقا بدماء أبناء البشر على الكرة الأرضية جميعها, إلا أن يكونوا قد تأثروا بفكر هتلر حين يدعي أن الشعب الألماني دمه نقي وأزرق وآري وبالتالي يراه أرقى من شعوب الأرض الأخرى.
4-المصلحة الواحدة., مع أن هناك مصالح متضاربة أحيانا لدولة مع أخرى ولا تحل إلا بالتفاهم والسياسة والدبلوماسية لا كما أراد صدام حسين أن يحلها باحتلال الكويت وليوحد الشعبين عبر أسلوبه الهمجي والاغتصاب لحقوق الغير .
أنا وما بعدي الطوفان هكذا يقول الفكر البعثي الشوفيني ويقول الذين يفكرون بالوحدة العربية ويواجهون أقواما أخرى تعيش بين ظهرانيهم فيجدون إفناء هذه الأقوام واجبا قوميا لتترعرع الوحدة التي يأملون , فهم يرفعون شعارا سريا أو علنيا , يعملون ببرامجهم على طمس هذه الأقوام أن ألقت السلاح وتدجنت أو إفنائهم , فهم رغبوا وعملوا أحيانا على إفناء الأكراد والبربر والأرمن والتركمان والاثوريين وغيرهم من الأقوام التي تريد البقاء لها و للغتها وتراثها , وهو حقها الإنساني الذي تقره اللوائح والقوانين الدولية , متناسين أن الفكر الذي تأسست عليه دولة إسرائيل هو فكر متعصب للقومية والدين كفكرهم تماما وأنه استعمل ذات أساليبهم للقضاء على الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه , وبذات الوقت يدينون الولايات المتحدة لأنها أبادت اكثر من خمسين مليون من الهنود الحمر سكان المنطقة الأصليين ولا يحتجون عندما أباد صدام حسين آلاف القرى الكردية وأراد إفناء الأكراد وهم سكان المنطقة الأصليين, رافضين الإقرار بأن الحياة على هذه الأرض لا يمكن أن تستوي إلا بالتآخي والتضامن بين الشعوب والحب بين كل البشر الذي لابد وأن يشيع عبر المبادئ الإنسانية الرحبة التي لا تحدها حدود قومية أو دين لتسير الحياة بشكل طبيعي وليأخذ البشر فرصتهم للبحث عن الخير والجمال وعن كنوز هذه الأرض التي أهملناها وانشغلنا بابتكار أساليب الموت والدمار لها.
لاهاي/20-7- 2004
#بلقيس_حميد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟