أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماريو أنور - ربما يكون هذا حقيقياً














المزيد.....

ربما يكون هذا حقيقياً


ماريو أنور

الحوار المتمدن-العدد: 2972 - 2010 / 4 / 11 - 17:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أبدا تحليلى البسيط بإيراد قصة يهودية رواها بوبر , فهى تساعد على توضيح معضلة المصير الإنسانى . تقول القصة : (( جاء رجل من أصحاب المذهب العقلانى , له باع طويل فى العلم , وقد سمع باسم بيرديتشيفر , إلى هذا العالم لمناقشته قاصداً دحض الأدلة التى قدمها فى صالح الإيمان . وعندما دخل على العالم الحكيم , وجده يطالع فى كتاب , ويتمشى أرض الغرفة جيئةً و ذهاباً , وهو مستغرق فى تأمل عميق . فى بادىء الأمر , لم ينتبه الحكيم البته إلى وجود الضيف . وبعد فترة من الومن توقف أمامه وألقى عليه نظرة خاطفة وقال له : (( لكن ربما كان هذا حقيقياً )) . عبثاً حاول العالم أن يتمالك نفسه , فأخذت ركبتاه تصطكان لشدة ما كان الحكيم مرعب المنظر ولشدة ما كان وقع كلماته مخوفاً للسمع . عندها استدار الكاهن لاوى إيزشاك نحوه وقال له بصوت هادىء : (( يا بنى , لقد هدر من ناقشتهم من كبار علماء التوراة وقتهم معك , لأنك تركتهم وعلى ثغرك بسمة ساخرة . لم يستطيعوا أن (( يبسطوا على الطاولة أمامك )) البرهان القاطع على وجود الله و على حقيقة ملكوته . وهذا ما لن أستطيع أنا أيضا ً فعله . مع ذلك , فكر ملياً يا بنى , فلربما كان هذا حقيقياً )) . حاول العقلانى جهده فى أن يرد , لكن ترجيع صدى كلمة (( ربما )) أطاح بمقاومته )) .
يبدو لى أن هذه القصة , ولئن جاءت غريبة الإطار , تتضمن وصفاً لوضع الإنسان حيال مسألة الله غايةً فى الدقة . ما من أحد يقدر على الإتيان ببرهان رياضى على وجود الله و حقيقة ملكوته , بل أن المؤمن نفسه عاجز على ذلك حيال ذاته . لكن مهما حاول غير المؤمن أن يجد فى هذا العجز مبرراً لعدم إيمانه , فإنه لن يفلت من الانسغال المقلق اى تثيره عبارة (( ربما يكون هذا حقيقياً )) ذاك هو حجر العثرة الذى تحتم عيه أن يصطدم به والذى سيجعله يختبر استحالة رفض الإيمان من خلال فعل هذا الرفض عينه . بتعبير آخر , لإان المؤمن , نظير غير المؤمن , أوكل واحد منهما على طريقته , يختبر الشضك و الإيمان , إذا كان كل منهما لا يحاول إيهام نفسه و إخفاء حقيقة وجوده عن ذاته . فلا أحد يستطيع أن يتملص تماماً من الإيمان . فالإيمان موجود لدى الواحد منهما بصورة النقيض للشك , وموجود لدى الآخر بفضل الشك وعلى شكل الشك . إنه لناموس أساسى من نواميس المصير البشرى أن تحقق البشرية وجودها عبر هذه الجدلية الدائمة بين الشك و الإيمان و بين التجربة و اليقين . فهذه الطريقة يتمكن الشك , الذى يمنع على الواحد والآخر أن يسجن نفسه فى برجه العاجى , أن يتحول إلى حيز المشاركة . لأن المؤمن و غير المؤمن يلقيان فيه سانحة الانفتاح الواحد على الآخر , فلا يعود كل واحد منهما يتقوقع على ذاته . وهكذا يتسنى للمؤمن أن يشاطر غير المؤمن مصيره , ويتسنى لغير المؤمن , بفضل الشك , أن يشعر بالتحدى الذى يطرحه الإيمان بصورة لا هوداة فيها .
كذلك يقودنا الواقع إلى رؤية تحابك المصائر البشرية فى حالة غير المؤمن : فهو أعجز من أن يعيش حياة خالية من الكدر . فعلاً , فإن غير المؤمن لن يستطيع , أبداً , أن يتخلص من السؤال المنغص : هل المذهب الوضعى فى التفكير هو الحقيقة ؟ وذلك بالرغم من مفاخرته بكونه صاحب موقف وضعى صرف , وبأنه قد تخلص , منذ أمد بعيد , من كل نزعة إلى التفكير الماورائى , ولم يعد يوقن إلا بالحقائق المحسوسة . إن ما يحدث للمؤمن فى صراعه مع وساس الشك , يحدث أيضاً لغير المؤمن , إذ ينتابه الشك حيال فكره , فهو لا يستطيع أن يثبت أن هذ الكون المرئى الذى أعلن أن كل الوجود ماثل فيه يؤلف , حقاً , الوجود بأكمله . لن يكون غير المؤمن أبداً واثقاً الثقة التامة باقتصار الوجود على هذا العالم المرئى الذى اعتبره شاملاً الوجود بكليته : وسيظل يتعذب على الدوام من جراء مسألة الإيمان الذى يخطر له , بالرغم من استعصائه على الفهم العقلانى , أنه ربما كان يعبر عن الحقيقة . وهكذا يظل المؤمن مهدداً على الدوام بخطر الجحود , ويظل غير المؤمن مهدداً على الدوام بحظر الإيمان وتجربة الشك بعالمه المحسوس الذى يعتبره مكتملاً بصورة نهائية .



#ماريو_أنور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة اللاهوتى المعاصر
- تصورات إلهية
- الفصل الأخير مسرحية عدو المسيح المثيرة للجدل
- هل كان العالم فى حاجة لمجىء محمد صلى الله عليه و سلم ؟ ولماذ ...
- قصص المعجزات الأنجيلية و الأسطورة (2)
- قصص المعجزات الأنجيلية و الأسطورة (1)
- جمهورية الأنبا شنوده
- مقارنات لظهورات مريمية
- حيرة إلهية
- مصطفى محمود ( لا يستحق التكريم ) 2
- مصطفى محمود ( لا يستحق التكريم )
- زنى العقول
- طلقات اوباما النارية
- حقيقة اسلامية
- حوارات شعبية
- خرافات قبطية 3
- خرافات قبطية 2
- خرافات قبطية
- أساطير الله
- الدين – المحبة – الرغبة


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماريو أنور - ربما يكون هذا حقيقياً