|
صيد الخاطر 5 اسواق البالة ..
محمود المصلح
الحوار المتمدن-العدد: 2972 - 2010 / 4 / 11 - 13:44
المحور:
سيرة ذاتية
هي لمحات من تاريخ شخصي محض ، ذكريات ، جمعتها رياح العمر في زاوية روحي ، وما برحت تلح بالخروج كل حين ، هي احلام ميته ، اوبعض ميته ، هي أحلام وامنيات قليلة التحقق لحياة غالبة لانسان مغلوب دائما ، هي لحظات من القهر ، والانهزام امام جبروت طاغي من الغلظة والسلطة ، هي لحظات من التمني والتشظي والانكسار ، ولحظات من الحرمان .. اسوقها كما سيل ماء متدفق بلا ترتيب أو توظيب ، تخرج كما هي .. وكانها فضفضة داخلية .. تفكير بصوت عال.. او صراخ بصمت المقهور .. كيف مرت حياتي الماضية لست أدري ، كيف انزلقت ، كحلزونة طازجة من بين يدي طفل صغير يلعب ، كيف مضى العمر ، كيف انهزم للخلف دون انتصارات ، اأو نجاحات ذات بال .. ألا تلك النجاحات التي رحنا نزعم أنها نجاحات وانتصارات .. كشراء ثلاجة بالتقسيط .. أو شراء تلفزيون من سوق الجمعة مستعمل .. لكنه بحاجة الى قليل من التصليح ..او شراء طقم من الاملابس الداخيلة من سوق البالة .. وهذا هو الموضوع سوق البالة : كانا صغارا .. نقف في طابور المدرسة أمام الخيمة الهندية الكبيرة .. ننتظر أن ينادي الاستاذ على اسم أحدنا لنستلم ( بقجة ) صرة من الملابس الاوروبية المستعملة .. لكنها في هذا الوقت وهي تأتي بحكم المساعدة لابناء الشعب الفلسطيني . . كانت تاتي نظيفة مكوية مرتبة .. قد لا تناسب من استلمها أو قد لا تناسب اي فرد من افراد العائلة .. وبهذا يمكن ان نتبرع بها .. كانت تأتي الصرة ومعها ايضا .. بعض الالعاب .. لأن الاوروبيون يعتقدون أن الفتى الفلسطيني طفلا كسائر الطفال يحق له أن يلعب .. كبرنا ورفعت الامم المتحدة ( وكالة الغوث يدها عن الكثير من المساعدات التي كانت تقدمها ..وابقت على التعليم والصحة وخدمات النظافة هذه الايام ..) كبرنا وتجاوزنا عقدة الحاجة الضرورية للحياة .. وبتنا نحلم باشياء اكبر فلم تعد البقجة تغرينا ، ولم تعد الالعاب حاجتنا وبغيتنا .. لنكتشف اننا .. كامة شعب نعيش على فتات وزبالة الاعلم الغربي من كل جنس ولون .. كانوا يقولون ..(الذين سافروا الى اوروبا ) أن الاوروبين يلقون بفضلات ملابسهم المستعملة ... واثاثهم .. والعاب اطفالهم .. ولاحقا سيارتهم ..الى قارعة الطريق ليكتبوا عليها هدية .. فيأخها الفقراء من المارة ..لأن الاوروبيين يعيشون في كوب أخر غير كوكب الارض الذي يعج بالفقراء والكادحين ..فهم يملون من مقتنياتهم بسرعة ويسارعون الى تجديدها مع كل موضة وموديل جديد أو مع بداية كل سنة ... ثم قال المسافرون : أن الجمعيات الخيرية الاوروبية تنبهت الى ما يحدث ، فعمدت الى جمع تلك الفضلات ، وانشأت لها مشاغلا لتوضيبها وترتيبها ، وتقديمها كهبة ومساعدة لمن يحتاج من البشر تحت مسميات وهيئات عدة..لنقول أن المساعدت كانت من الجمعيات الدينية التبشيرية .. ولم تكن من حسن نية .. وأنها كانت تطمح الى نشر المسيحية في العالم .. اليوم ..يبدو ان الجمعيات اختفت واختفت معها المساعدات .. وحلت مكانها مؤسسات تعمل على جمع وشراء الفضلات من اصحابها ..وتقوم بتوظيبها .. وتصنيفها الى درجة اولى وثانية وثالثة وربما رابعة حسب جودة تلك البضائع منملابس وادوات كهربائية والعاب ومعدات ألخ ..لتقوم تلك المؤسسات ببيعها الى دول العالم العربي ومنها الاردن .. حيث تنتشر اسواق البضائع الاوروبية المستعملة ..ويطلق عليها ( بالة ) ومنهم من يطلق عليها اسم ( الرابش ) . ونجد من التجار من يفاخر بان بضاعته تلك ليست عربية أو كما يقولون هاي (مش صينية ) وباتت بعض المحلات التي تصف نفسها بالفخمة تنفق الالاف من الدنانير فقط على الديكور على الرغم أن البضاعة لا تساوي ربع ثمن الديكور في المحل ..بل راح البعض ممن يحلمون بالغرب وترابه وناسه وحضارته ..يفاخرون بأنهم من رواد تلك المحلات التي راحت تطلق على نفسها اسماء غربية اجنبية زيادة في اضفاء طابع من الفخامة والبهرجة عليها .. ولم يدركوا ان ما يبعونه محظ ( زبالة ) ليس أكثر ولا اقل . اذا مضى زمن كنا نقف فيه كمحتاجين في طوابير المساعدات الاوروبية ...في المدارس ومراكز التوزيع المعتمدة من قبل الامم المتحدة ووكالة الغوث الدولية .. لنجد انفسنا نقف جنبا الى جنب مع عامة الشعب في ازمة خانقة في اسواق البالة .. والزحام الشديد والتافس على التقاط ما يرمي به البائع على البسطة .. هي لحظة وجدت نفسي فيها وانا اشاهد الزحام على فضلات الانسان الاوروبي في حالة من الانكسار والهوان والقهر . هي حالة اسوقها وانا في أشد حالات الانحسار الى الداخل ..
#محمود_المصلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بغاء ومتاجرة بالجنس ... بصورة شرعية
-
الحمار والفيل
-
قبول الاخر فن لم نعرفة بعد ...
-
هلوسات معمر القذافي .............
-
صيد الخاطر 4
-
صيد الخاطر 3
-
صيد الخاطر 2
-
صيد الخاطر 1
-
اوجاع منسية
-
صلاة الفجر
-
القدس بوصلة الخير في الدنيا
-
الضيف .. ضيف الله
-
طقوس الكتابة2
-
طقوس الكتابة 1
-
طقوس الكتابة
-
الفرجة....
-
الانحيازالى السينما
-
القدس
-
عندما تنحاز السينما لنا .. ننحاز لها ..
-
همسات في شارع السينما
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|