أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فارس اردوان ميشو - البُلبُل السَكْران















المزيد.....


البُلبُل السَكْران


فارس اردوان ميشو

الحوار المتمدن-العدد: 2972 - 2010 / 4 / 11 - 10:02
المحور: سيرة ذاتية
    


كَتبتُ هذا المقال بطلب من العزيز الحكيم البابلي .
توطئة : ـ
المعلومات في هذا المقال إستقيتُها من مصدرين .
المصدر الأول : ـ من معايشتي مع البلابل ربيتُها في بيتي في بغداد ، ومراقبة ومتابعة حراكاتها ، وسلوكها ، ومزاجها ، وعاداتها . وغيره من المعلومات حيث تراكمت لدي خبرة جيدة حول البلابل .
المصدر الثاني : ـ ثلاثة من ( خُبراء ) سوق الغرل في بغداد ، ومن لايعرف سوق الغزل ، فهو سوق لمختلف أنواع الحيوانات ، والطيور ، حيث تباع فيه حيوانات وزواحف ، وطيور لا تخطر على بال .
اول هؤلاء الخبراء . حمودي أبو الطيور الخبير في تربية الطيور ، الثاني علاوي أبو البلابل الخبير في جمع البلابل وتربيتها ، ويبقى الثالث وهو الآهم والآعظم علماً وخبرة هو خَشومي ( اُطلق عليه هذا الإسم لكبر انفه غير الطبيعي ) فهو خبير لا يُشق له غبار في احوال وتربية البلابل ، وفي تغذيتها ، وطبائعها ، ومزاجها ، حيثُ يعنبر واحد من المصادر العراقية الكبرى في معرفة احوال البلابل .
خَشومي طويل القامة هزيلُها ، خفيف سَمار البشرة ، شيخ غير وقور ، ليس هناك مُوبقة من المُوبقات لم يرتكبها ، سكير يعاقر الخمرة من الصباح حتى المنام . شرس الطباع ، عصبي المزاج ، بذئ اللسان ، كل هذه السيئات تختفي بمجرد أن تسأله عن البلابل ، فيشرق وجهه نوراً ، وتظهر ابتسامة لطيفة على شفتيه ، وتلمع عيونه بسعادة غريبة ، ويتكلم بصوت خافت كأنه فتاة عذراء !!!!! .
المعلومة العلمية الوحيدة في هذا المقال . هو أن البُلبُل الذي سأصفه في هذا المقال ، هو عراقي خالص لايوجد إلا في العراق وربما انتقل الى دول مجاورة عن طريق الهواة ومحبي تربية البلابل ، هذه المعلومة قالها لي استاذ علم الحيوان في السنة الآولى من دراستي الجامعية .
اي تشابه بين هذه المقالة ومقالات سابقة يعتبر إثراء وأغناء . واي تشابه بين هذه المقالة ومقالات لاحقة يعتبر سرقة لجهودي العلمية
البُـــــلبُـــــل
البُلبُل من الطيور المغردة . والبُلبُل العراقي من محموعة تُسمى ب ( ابيض الخدين ) . لونه العام رمادي برأس اسود ، وجناح يميل الى السواد ، وتوجد بقعتين بلون ابيض على جانبي رأسه . وتوجد بقعة صفراء على مؤخرته .
يعيش البُلبُل في البساتين ، ويبني عشه هناك . وهو وفي يعيش مع انثى واحدة فقط ، ويتميز الذكر بصوته القوي الجميل ، والانثى قد تكون اقل حجماً من الذكر ، ولا يتزاوج البُلبُل في الأسر .
البُلبُل مُحب للخمرة حيث تقول اسطورة إنه أول من علم الإنسان صنع الخمر ، حيث يقوم البُلبُل بتقب ، ثمرة العنب او التين ويضع فيها الماء ، ويعود اليها بعد أيام ليشرب ما تخمر في الثمرة .
يقال إنه لايتزاوج إلا وهوسكران ، حيث يطير عالياً ، وبمرح وتغريد ، ، هو وانثاه وثم يعودان الى الاشجار لإتمام الزواج . ويتغذى البُلبُل على الحشرات والثمار
للبغادة الاُصلاء تقاليد جميلة في بيوتهم ، فهم متأنقون ، فيكاد لايخلو بيت بغدادي من عدة اشياء ، منها ورد الرازقي ( نوع من الفُل ) فكانت رائحته الزكية تملأ البيت ، وكذلك النبكة ( شجرة النبق او السدر ) والتكية ( شجرة التوت ) ، والاهم هو قفص البُلبُل حيث يوضع في باحة الدار ليؤنس ربة البيت خلال عملها اليومي في البيت ، وعلى الأغلب تعيش معهم بزونة ( قطة ) لمطاردة الفئران .
كان بيتنا في الكرادة الشرقية ( إرخيتة ) ، واحد من هذه البيون البغدادية ، فإلى جانب النبكة والتكية ، كانت هناك اربعة اشجار من الزيتون الخستاوي ، وعدة اشجار من النارنج وهو من الحمضيات ، وشجرة رمان ومشمش والكل اشجار مثمرة . وكان هناك تنور جدتي حيث كانت تخبز لنا خبز الركَاك ( الرُقاق ) ، وهو نوع من الخبز تجيد خبزه النساء من قُرى الموصل . وكنا نربي في مكان من الحديقة ، الدجاج ، ولا انسى لحد الان طعم البيض الطازج المُجمع يومياً من قن الدجاج . وكنا نربي الطيور فوق سطح الدار بانواعها المختلفة ( الأصفر ، الأشعل ، الأحمر ابو البكلة ، الطويرني ، وغيرها ) وكانت جدتي وهي من اصول قروية تحلم بان تربي بقرة حتى تكتمل سعادتها !!! . وهناك ايضاً القطط ، لم تكن دارنا تحلو من خمسة الى ستة من البزازين والهرره ، ولا انسى المعارك الدائمة التي كانت تجري بينهم وبين الجرذان .
حيث كانت الكرادة الشرقية أول منطقة تؤسس فيها مجاري المياه القذرة فتكاثرت فيها الجرذان بشكل كبير وكان حجمها كبير ايضاً .
وكان لدينا دائماً اكثر من كلب ، وكان اخي فارابي مسؤؤل عن تربية الكلاب والقطط حتى إنه آلفَ بينهم وجعلهم يلعبون سوية !! ، ولا زال يفعل ذلك في المهجر .
انتقلنا الى بيت أخر وأخذت اُربي البلابل ، ربيت ستة بلابل بصورة متفرقة . والمدهش انهم يختلفون بالامزجة ، والطبائع ، والاخلاق ، والسلوك ، والتصرفات ، مثل البش تماماً . لايوجد بُلبُلان متشابهان حتى بالشكل !! او الصوت !! ، فمنهم من كان عصبي المزاج ، ومشاكس ، ومشاغب ، ولآخر خبيثاً ويحب العراك ، والآوديع ومسالم ويحب اللعب والمرح ، والآخر نحِسْ لايرضى باي شئ . الذي يجمع بينهم صفتان اللأولى حُب الإستحمام اليومي . والثانية حُب الخمر !!؟؟ .
البُلبُل الذي ساكتب عنه ( جُمّار ) هو أخر العنقود ولزال حياً في بغداد ، ( بعد ان هاجرت اعطيته لإبن خالتي مع كثير من الآلم ) . كان أفضلهم ، كان الأذكى ، سريع التعلم ، قوي الذاكرة ، سريع الغضب ، مشاكس باحث عن المشاكل ، يشتبك في قتال مع افراد الدار بدون سبب ، مزاجي ، مراوغ ، عدواني ، يحب اللعب في الوقت الذي يختاره ، يحب بقوة ويكره بقوة ، وفي فقط معي ، مُحب للحرية ، شديد الفضول ويحاول التعرف على كل شئ في الدار .
قد يستغرب القراء من هذه الصفات ، ويعتقدون اني أُبالغ ، ولكنها الحقيقة ، لانها خبرة سنوات من تربية ومعايشة البلابل ، كانت طريقتي في تربيتهم ، ان اتركهم احرار في البيت غير محبوسين في القفص ، إلا في فترات معينة ، حتى نومهم كان خارج القفص ، لايدخلونه إلا للاكل او الاستحمام ، فتركهم احرار كان يُتيح لهم التصرف بحرية وبصورة طبيعية ، وعلى غريزتهم ، وهذا سهل لي مراقبتهم والتعرف على طباعهم , ولو كان ( خَشومي ) حباً لشهد لي وأكد كلامي .
جُــمّــار
هو إسم البُلبُل الأخير ، وهو الأحب الى قلبي ، وهو المُفضل لدي ، سُمي جُمّار تيمناً بإسم بُلبُل أخر قامت أُختي بتربيته . ومات قتيلاً عندما حاول مراوغة المروحة السقفية !! فضربته على مؤخرته فارتطم بحائط الغرفة ، وخر صريعاً على الفور ، نتيجةً امُخامرته غير المحسوبة العواقب ، فذهب مأسوفاً شبابه وشجاعته !! .
عاد اخي فرزدق من الأسر بعد ستة عشر عاماً قضاها با قفاص الأسر في ايران . قدمت والدتي وأخي فارابي الذين يعيشون خارج العراق لزيارته . وكان آخر بُلبُل قد استغل ، فرصة مؤاتية ، عندما كان باب البيت مفتوح فهرب الى الحرية ، وكان هذا البُلبُل اكثرهم طيبة ووداعة !! .
ذهبت وأخوي الى سوق الغزل ، عند علاوي أبو البلابل ، وكانت اقفاصه مليئة بالبلابل وباعمار مختلفة ، ومعظم هذه البلابل تُجلب من بساتين بعقوبة ، حيث تتميز بكثرة البساتين وكثافتها ، وتنوع ثمارها وتعيش فيها البلابل بأعداد كبيرة
والشاعر البير ابراهيم البهرزي ابن بهرز وبعقوبة أدرى مني ببساتين بعقوبة وطيورها .
تؤخذ البلابل الصغيرة ، وتكون ذات زغب ولم ينبت ريشها بعد . طلبنا من علاوي بُلبُلاً ، فسألني تريدة ( بشره ) لو ( كافي شره ) ومعناها تريده صغيراً قد يموت او اكبر قد عبر مرحلة الخطر ، فاجبته اريدة بشره ، أخذنا علاوي الى قفص البلابل الصغيرة ، فطلبت من اخي فرزدق إختيار واحد منهم ، وكان جُمّار اكثرهم حركة ونشاط ، وكان يدفع باقي البلابل عن الماء ويتعارك مع الجميع ، فاختاره أخي لانه مُشاغب كبقية افراد عائلة ميشو !!! .
وصلنا الى الدار ووضعناه في القفص ، وتركنا الباب مفتوحاً ، فقفز ووقف بباب القفص ، ثم غادر القفص وعاد اليه ، وهذا يدل على ذكائه وقدرته ، فالبلابل الصغيرة تحتاج الى اسبوعين لتتعلم الدخول الى القفص ، فهي تخرج ولا تعرف العودة إلا بمساعدتنا ، فعل جُمّار ذلك عدة مرات ثم ذهب يتفحص بيته ، لم يترك اي شئ في القفص دون ان ينقره وهذه دلالة أُخرى على ذكائه . كان القفص مصنوعاً من سعف النخيل . حيث يقوم بصنعه عمال متخصصين بصناعة هذا النوع من الاقفاص .
اشتد ساعد جُمّار وتغير لونه الى لون البُلبُل الطبيعي واستطاع الطيران ، واخذ يخرج من القفص ويطير في الدار ، في البداية كان طيرانه ضعيف ، وتعلم لوحده الطيران بالغريزة حيث لم يكن والداه موجودين لتعليمه الطيران ، تعلم كل ذلك بسرعة ، واستطاع السبطرة بشكل كبير على الطيران ، والقيام بالمناورات والحركات البهلوانية خلال اسابيع .
من العادات ( الجيدة ) التي تعلمها جُمّار هي التدخين . في غرفة الجلوس في بيتنا ، كان هناك شباك كبير يطلُ على الشارع مباشرة ، فوضعنا القفص هناك قُبالة الشباك ، كانت والدتي تجلس على كرسي قرب الشباك ومجاور للقفص ، وكانت مدخنة شرهة ، وكان جُمّار يدخن معها ، حيث كانت تنفث الدخان وهويستنشقه ، فاصبح شغوفاً بالتدخين ومغرماً به ، ياخذ السيكارة ويفتتها ويأكل التبغ ، سرق مرة سيكارة متقدة من احد اصدقائي ، واخذ يطير بها في البيت ونحن خلفه ، لم يستسلم وبقى يطير ، وكاد ان يموت من التعب ، ولما عجز عن الطيران وأصبح منهكاً بشدة استطعنا أخذ السيكارة منه ، كان جُمّار يحب صديقي هذا بسبب العادة المُشتركة بينهما وهي التدخين .
كان جُمّار يُراقبني وانا اشرب العرق ، في البداية أتى وجلس على كتفي قريباً من فمي ، وأخذ يوشوش في إذني بأصوات خافتة طالباً مني أن أُشاركه بما أشرب ، فأخذت أُسرب قطرات من العرق من فَمي وأخذ هو يرتشفها ، في اول مرة لم يعجبه طعم العرق فطار بعيداً عني ، ولكنه عاد بعد قليل مُطالباً بالمشروب فسربت له قليلاً من العرق من شفتي فارتشفها ، وطالب بالمزيد وفعلت ذلك عدة مرات وهوفرحان ، ثم أخذ يُداعبني شاكراً ، وينقر خدي وآذاني ويعبث بشعري ، شاكراً جميلي وفضلي بإعطائه الخمر !! .
إستدل جُمّار من مراقبته لي ، ان الكأس التي أضعها بجانبي هي التي تحوي المشروب المفضل لديه ، فأخذ يقف على حافة الكأس ويرتشف العرق من فوق مكعبات الثلج ، ثم يطير طيران دوراني سريع ، ويعود ويشرب جرعات أُخرى ، ويقف على ماعون ( صحن ) المزة ناقراً ما موجود فيه ، ثم يغادر الى داخل البيت ليتحارش بالبنات ويتشاجر معهم ، ويعود الى كتفي اما مختبئاً او شاكياً ، ويعود للشرب ويبدأ بالطيران والغناء ، منتشياً ، مرحاً ، ثم يحط على القدح ويشرب الجرعة الأخيرة ويقف على كتفي ، وياخذ بالغناء بصوت خافت كأنه يُغني لنفسه ، كإي شخص عندما يسكر ، يُدندن بإي أُغنية تأتي في ذهنه ، ثم يقوم بمداعبتي ناكثاً شعري القليل ، ناقراً رقبتي وخدي كانها قبلات فتاة لحبيبها ، وبعد ان تاخذ الخمرة مفعولها ، يذهب للنوم .
كان هذا البرنامج اليومي لجُمّار واستمر عليه الى ان غادرت العراق . كان جُمّار قد بنى له عشاً في المروحة السقفية في الجزء العلوي منها والذي نسميه الطاسة فيدخل عشه ثم يناديتي بصفير معين ، أن أُطفئ النور حتى ينام ، فأُنادي على ابن اخي واسمه فرات صائحاً ( فرات طفي الضوة ) فيطفئ النور ، كانت هذه الجملة تتكرر يومياً فحفظ جُمّار النغمة والصوت . فعندما يتاخر عن موعد نومه ويبدأ بمضايقة الأخرين ، أُنادي ( فرات طفي الضوة ) فيطير مباشرة الى عشه ، وينظر إلي طالباً إطفاء النور .
حفظ جُمّار أسماء كل افراد البيت . فكنت أُناديه بصفير خاص ، فيأتي مُسرعاً ويقف على كتفي نافشاً ريشه ، ماداً قامته ، مُستعداً لتنفيذ الامر ، فاطلب منه مناداة احد افراد الدار ، فيذهب اليه مسرعاً ، ويخبره بالصفير والطيران حوله والوقوف عند الباب ، بأنه مطلوب ، وعند الاستجابة ، يأتي إلي مُسرعاً ويقف على كتفي منتظراً قدوم من ناداه ، وعند ذاك أُكافئه ، مداعباً ومناغياً ، ومُقبلاً رأسه ، فينطلق طائراص ويُغني فرحاً ، لنه نفذ أوامري وأرضاني .
جاء أخي فخر من الخارج لزيارة أخي فرزدق العائد من الأسر . وكان أخي فخر يحب شرب الويسكي ، فنزل جُمّار على قدحه وأخذ رشفة من الويسكي ، فأنتفض طائراً ، وأخذ يبصق الويسكي ، ويصرخ ويشتم ، ووقف على كتفي ، صائحاً وصارخاً بوجهي ، ثم ينطر الى أخي ويصرخ عليه ( وكان صراخه معناه من اين لك هذا الانسان الذي يشرب هذا المشروب الردئ وكيف تجلس معه ) فطيبت خاطره ، فنزل وأرتشف رشفات سريعة من العرق ، وأكل من المزة ، وبقى ينظر الى أخي غاضباً . وبذلك اثبت جُمّار عراقيته وأصالته !! .
وهذا يُذكرني بمشهد من تمثيلية ( تحت موس الحلاق ) للرائع سليم البصري . حيث كان يدور حديث بين المعلم وتلاميذ فصل محو الامية حول الخمرة والكحول فيسألهم المعلم ( تشربون ويسكي ) فيجيبه عبد الجبار عباس ( استاذ اخنه هذا ابد ما نستعبرة إحنه نشرب حليب سباع ) ويقصد العرق وكان جُمّار من محبي حليب السباع !!! .
غادرت العراق وحبس جُمّار في قفصه ولم يكن بإ ستطاعته مُشاركة أ خي فرزدق في شربه ، فأخذ يُخَمر له شرابه الخاص ، بأن يرمي ثمرة تمر او عنب او تين ويتركها تتخمر ويبدأ بشرب ما صنع على عادة اجداده القُدماء .
لازال جُمّار حياً في بغداد عند ابن خالتي وهو من مُحبي البلابل ايضاً وقد بلغ من العمر الأن 12 سنة وهو في مرحلة الشيخوخة .
تعيش البلابل في الطبيعة بين 4 ـ 6 سنوات ، أما في الأسر فهي تُعمر اكثر من ضعف ذلك فقد عاش بُلبُل رَباه ابن خالتي 15 عاماً
بُــــــــلــبُـــلــيات
كان راعي كنيسة مريم العذراء في الكرادة خارج ، يُربي بُلبُلاً وكان قفصه مُعلقاً في باحة الكنيسة . وفي يوم الأحد عندما يجتمع المؤمنين في الباحة بانتظار الدخول الى الكنيسة لبدء الصلاة ، كان هذا البُلبُل يقوم برش الماء على روؤسهم فيتفاجؤن بذلك ويتفرقون . ( اعتقد ان هذا البُلبُل كان اما علماني او ملحد ) وكان ينظر الى المؤمنين بنظرة غاضبة ومتحدية ، كما ينظر الحكيم البابلي الى المؤمنين !!!! ؟؟؟؟ .
كان ابن خالتي يُربي بُلبُلاً ، وكان هذا البُلبُل بالغاً وكبيراً ، فجلب بُلبُل أخر عُمره صغير ، ووضعه في نفس القفص ، فكان يُلاحظ إن هذا البُلبُل الكبير يصرخ على البُلبُل الصغير ويضربه . كبُر البُلبُل الصغير ن وشاخ وهرم البُلبُل الأول وفقد بصره وقدرته على الحركة نتيجة التقدم في العمر ، فكان البُلبُل يُطعمه ويُسقيه الماء ويُحمهه ويقوم بخدمته كل ذلك وفاءً للبُلبُل الشيخ الذي قام بتدريبه وتعليمه وهوصغير ، وما ذاك الصراخ والضرب إلا تقويماً وتعليماً له . فأين الإنسان من هذا الوفاء للمُعلم .
كُنتُ دائماً أُخرِج البُلبُل خارج الدار وأُعلقه في الطارمة ، ليستمتع بالشمس وبصُحبة أهله من البلابل الأحرار ، فعندما تتجع البلابل حول القفص يقوم البُلبُل الحبيس ، برمي طعامه اليهم ليشاركوه فيه !! . ألا نتعلم من البُلبُل مُساعدة الأخرين والوفاء لقومنا !! .
كان ( خَشومي ) العلامة بشؤون البلابل اعزباً فألحت عليه أُمه وأصدقائه بالزواج . فذهب خاطباً فتاة من اهلها ، فكان شرطِهم الوحيد للقبول به أن يترك تربية البلابل . فقام غاضباً وسبهم وخرج وقال قولته المشهورة ، والتي دخلت الموسوعات العالمية ( لاتوجد إمرأة في العالم تستحق أن أترك البلابل لأجلها ) .
حانت ساعة موت والدة ( خَشومي ) وطلبت ان تراه ، فذهب صديقه اليه ناقلاً رغبة أُمه بان تراه ، وكان هو مشغولاً مع بلابله وفي هذه الحالة لا يستجيب لاي نداء ، فأخبروا والدته بذلك ، فدعت عليه ( روح انشاء الله تنحشر وية البلابل ) بعد أيام من وفاة والدته ، نقلوا اليه دُعائها عليه ، فلما سَمع الدُعاء ، ذهب راكضاً الى المقبرة ، وسجد راكعاً على قبر أُمه باكياً بحُرقه ، شاكراً أُمه على هذا الدُعاء الطيب ، لانه يعتقد إن دُعاء أُمه عليه وهي تموت سيستجاب ، لان حلمه أن يُحشر مع البلابل وليس البشر ولا يُهمه المكان !! .
حَضَرت المنية ( خَشومي ) وأصبح عليه مُغادرة العالم ، وكان وحيداً فأجتمع حوله أصدقائه من المطيرجية ومربي البلابل . فطلب اليه أحدهم أن يستغفر ربه ويقرأ الشهادة ، فأجابه خَشومي ( تريدني أقشمر الله وانافق واني دا أموت ليش هو ميعرف اني شنو ) وقَبل أن يُغلق جَفنيه نائماً النومة الأبدية ، برقت عينيه ببريق غريب ، وظهرت
إبتسامة جميلة على شفتيه ، وعندما سأله أصدقائه عن سبب هذا التعير ، اجاب خَشومي بأنه يرى أول بُلبُل رَباه عندما كان صعيراً ، وهو يراه الأن يطير حوله وأمامه ،
فرحاً ن مرحاً مغنياً بالحان لم يسمعها احد ، وكان هذا البُلبُل ابيض اللون وفسر خَشومي ذلك بان إله البلابل راضيا عنه وسياخذه ليحشره مع من احب وعشق البلابل .
مات خَشومي راضياً عن نفسه ومنسجماً معها ، منهيا بذلك اسطورة خًشومي أبو البلابل .
كان خًشومي قد اوصى اصحابه ، أن يضعوا في كَفنِه ، ربعية عرق ، وباكيت جكاير . وريشات ملونة من ريش احبائه البلابل
قد يظن البعض ان خًشومي لو كان حياً اليوم لكان سيبيع بلابله حسب الطوائف والاديان والقوميات ، لقد كان خَشومي اسمى من ذلك فقد كان يؤمن ان البلابل للجميع ولم يكن يعرف كا هذه التسميات .
مرة واحدة تدخل خًشومي بالسياسة وكادت ان تؤدي بحياته ، فقد أتى احد الرفاق البعثين ليشتري بُلبُلاً ، فقال له خشومي ( عندي بُلبُل جان رفيق القائد الؤسس بتاسيس الحزب ) وقامت الدُنيا ولم تقعد . ولحسن حظ خَشومي كان الرفيق البعثي مُحباً للبلابل فسامحه .
خاتمه :ـ
قد يقول القُراء اني أُبالغ أو أكذب . وقد حدث لي هذا في المهجر ، حيث رويت قصة البلابل لمجموعة من المثقفين الأعراء من ( جماعة المُنتدى ) فأبتسموا ساخرين ، وبقوا لفترة طويلة على هذه الحال ، وكانوا احياناً يطلبون مني وببسمة السخرية غلى شفاههم ان احكي لهم المزيد عن البلابل .
وصل ذات يوم الى المهجر قادم جديد من العراق ، فطلب مني احد الاصدقاء الاعزاء ان اروي له قصة البُلبُل وكان ذلك بطريقة ساخرة ، وكعادتي رويت ما رويتهة ، وكان ذلك الضيف يستمع مُبتسماً وعندما انتهيت من الرواية . قام الرجل واقسم ان كل ما قلته صحيح لانه بنفسه من مربي البلابل!!!! وبعدها لم يجرئ احد على السخرية
كل الذي كتبته هو جزء بسيط من الحقيقة ،جزء مما خَبرته وعايشته مع هذه المخلوقات الرائعة الجميلة الوفية ، التي تحب من يُحبها . طيور واضحة ، صريحة ، شفافة ، لاتعرف المجاملة ، والنفاق ، ولم تتلوث مثل البشر .
كانت البلابل مصدر بهجتي ، وسعادتي ، وسلوتي عندما اكون وحيداً ، وقد تعلمت منها الكثير .
وسابقى أُردد النشيد الذي تعلمته في المدرسة الابتدائية
البُلبُل الفتان ، يطيرُ في البستان ، غنى على الاغصان ، باعذب الالحان ، الخوخ والرمان ...............
تحياتي



#فارس_اردوان_ميشو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط ...
- إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
- حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا ...
- جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم ...
- اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا ...
- الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي ...
- مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن ...
- إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فارس اردوان ميشو - البُلبُل السَكْران