|
انفصام أم انسجام ما بين الوطن والدين والنظام
عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 2971 - 2010 / 4 / 10 - 20:09
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
شئنا أم أبينا فنحن بشرٌ ومنْ طبع البشر الاجتماعُ والعيشُ مع بعضٍ جماعاتٌ متعاونةٌ متحابةٌ نواجه المصاعبَ معاً خلال رحلةِ الحياة... فالأصلُ هو الحبُّ والتعاونُ وليس الاختلافُ والمواجهة والقتالْ. وكلّما اشتدت حالاتُ الاختلاف وما يرافقها من تدميرٍ وخرابٍ زادت الحياة شقاءً وبؤساً. لأنَّ التقاتلَ يخرِّبُ ويدمِّرُ كلَّ ما أنتجه الجهدُ الإنساني الذي نحنُ بحاجته في استمرارِ العيش وبقائه...ومن الحاجةِ إلى التعاون لمواجهة الصعاب برزت فكرةُ الوطنِ الذي يجمعُ البشرَ في مكانٍ محددٍ يعيشون عليه معاً يتشاركون كلَّ ما فيه من خيراتٍ وما يواجهونه من مصاعبَ وويلاتْ...وهنا برزت فكرةُ التنظيمِ والتوجيه. فهذه الحياةُ تحتاجُ منْ ينظمها ويشرفُ عليها ويديرها بعدلٍ بينَ الجميع, فظهرت فكرةُ الدولة بمؤسساتها المختلفة لتقودَ الوطنَ وتقودَ كلَّ نشاطاته الاقتصادية وتوجّه أخلاقياته باتجاهٍ يضمنُ استمرارَ الحياةِ ويقللَ منَ الصراعات والاختلافات التي تقودُ حتماً إلى تراكمِ الخسائرِ والانهيارِ في نهاية المطافْ.. ومنذُ ظهورِ التشريعات الإنسانيّة تدرّجت سلّم التطورِ لتواكبَ الحياة وتكونَ المنظّمّ والموجّه للسلوك البشريِّ الذي أبدعَ الحضارات. والمجتمعاتُ التي عجزتْ عن تطويرِ تشريعاتها لم تقدرْ أنْ تحافظَ على ما وصلتْ إليه فانهارتْ وذهبتْ من التاريخ. والأممُ الحيَّة التي تحررتْ من الخرافاتِ طوّرتْ تشريعاتها وفتحتْ أبوابَ الإبداعِ أمامَ العقول واستمرّتْ في قيادةِ الحضارة وتربعتْ عرشَها. وعندَ ظهورِ الأديان دخلتْ على خط التشريعِ وتأطيرِ السلوك ضمنَ هذه المنظومة فزادت من شرخِ الأوطان لأنَّها قسمتْ بينَ الناسِ فمَنْ والاها كانَ له الاعتبارُ والقيمةُ ومَنْ رفضَها كانَ منَ الضالين وأحياناً يستحقُّ القتلَ وفي كثيرٍ منَ الأحيانِ تحوَّلت المؤسساتُ الدينيةُ إلى دستورٍ وحيدٍ للبشرْ. حاربت الأديانُ من أجلِ أنْ يسودَ دستورُها وتشريعُها. وفي بعضِ المناطقِ طغى دستورُها على كلِّ الدساتير لأنَّها وصفتْ نفسَها بالقداسةِ وبأنَّها قادمةٌ منْ قبلِ جهةٍ خلقتْ الكونَ وكلّ ما فيه وهذه الجهةُ الكبيرةُ جداً لا يجوزُ نقاشَها أو نقاشَ ما أرسلته بلْ على الجميعِ القبولُ والخضوعُ للنصِّ المقدّس.. وهنا دخلَ الدينُ في حلقةِ الوطن- الدولة وأصبحَ الجزءَ الأقوى في هذه الحلقة ولاسيما في بعضِ الدول...ونظراً للارتباك الحاصلِ في الحلقة المذكورة وما رافقه منْ صراعاتٍ بين الأمم على أسسٍ دينيةٍ ومذهبيةٍ. أو الاختلافٍ على حدودِ الوطن المعتبرْ. أو لمجرَّدِ اختلافٍ بينَ شخصين يقودان وطنين.فهلْ يُقبَلْ أنْ تُخاضَ الحروب لهذه الأسباب؟ ويُقتلُ الملايين وتمتلئ الشوارعُ بالدماء وتُهدرُ الطاقات والأموالُ في تجارةِ الحروب؟.وهلْ يُقبلُ أن ينقسمَ الوطنُ إلى حاراتٍ وشوارعَ حسبَ المذاهب والأديانْ؟ أو حسب الأعراقِ والألوان؟أو حسب المنفعةِ والاستئثار؟ لقد أصبحتْ الحاجةُ ملحةً لإعادةِ قراءةِ هذه العلاقة وتصحيحِ الخطأ. فلا يمكنُ للمجتمعات البشريّة أن تخضعَ لمزاج الزعيمِ ورأيه الشخصي. لأنَّه قدْ يُصيبُ وقدْ يخطئ ولا يمكنُ لها أن تخضعَ لرأي رجلِ الدينِ الذي يفرضُ أفكاراً غيبية يقولُ عنها أنَّها قادمةٌ منَ البعيد (( السماءْ )). علماً بأنَّ الأفكارَ الدينية متعارضةٌ بينَ مختلفِ الدياناتِ والرسالاتْ...فبعضُ الديانات تطالبُ بفرضِ سلوكياتٍ على البشرِ تختلفُ عن سلوكياتٍ يفرضُها دينٌ آخر.علماً بأن هذه الأديانُ من مصدرٍ واحد.وجميعُها يتهمُ الآخر بأنَّه محرَّف وباطل. وهنا هل يكون الحلُّ بالصراعِ والاقتتال, والمنتصرُ يفرضُ رأيه؟ فتتحول حياةُ البشرِ إلى قتالٍ ودماءٍ وكرهٍ و بغضٍ كما يحدثُ الآنَ في بعضِ المجتمعات حيثُ التكفيرُ والقتلُ والتفجيرُ بدون حسابْ..... بعضُ المجتمعاتِ دفعتْ ثمناً غالياً. لكنّها انتصرتْ أخيراً لقوانين تحدُّ من سلطانِ الحاكم وتقوننُه ضمنَ آلياتٍ يشتركُ فيها الشعبُ باتّخاذِ القرارِ ممثلاً ببرلماناتٍ منتخبةٍ حقيقياً من الشعب. وهذه القوانينُ غيرُ مقدسة وقراراتُها غيرُ مقدسة. فعندَ اكتشافِ أيّ خطأ في أي قرارٍ يُسْحبُ القرارُ ويعدّلُ وأحياناً يتمُّ إسقاطُ الحكومات قبلَ انتهاءِ مدّتها وبدون قتالٍ أو حربٍ بين الفرقاءْ. فالكلُّ مقتنعٌ باللعبةِ الديمقراطية والكلُّ تحتَ القانون. والقانون شُرِّعَ لخدمةِ الجميع وليسَ لشخصٍ محددٍ أو على قياسِ فئةٍ محددة. كذلك تمَّ ضبطُ الدينَ وتحديدَ دوره كعلاقةٍ خاصةٍ وشخصيةٍ بينَ الفردِ ومَنْ يعبد. فلا يتدخلُ في سياسةِ الوطنِ ولا في اقتصادِ الوطنِ ولا في علاقاتِه الاجتماعية ولا في تعليمِه ولا في إعلامِه. بل يكونُ أحدَ روافده الثقافيةِ وعليه أن يُقنعَ الناسَ بأفكاره ولا يفرضُها. وهنا الدينُ لا يستطيعُ فرضَ أفكاره لأيّ شخصٍ كان لأنَّ القانون أعطى الحريةَ للجميعِ أن يختاروا طريقةَ حياتهم وتفكيرهم ومعتقداتهم. فمنْ أرادَ مثلاً أنْ يتزوجَ وفقَ الأعرافِ الدينية فمتاحٌ لهُ ومنْ أرادَ أنْ يتزوجَ وفق القوانينِ المدنيةِ فمتاحٌ لهُ والكلُّ يعرضُ رأيه وفكرَه دونَ خوفٍ منَ الرقيبِ والمخابراتِ لأن الرقيب غيرُ موجودٍ والمخابراتُ غير موجودة أيضاً.... ولأنَّهم نجحوا علينا الاقتداء بهم. وقوننةَ كلّ شيءٍ عندنَا, فالوطنُ لنْ يكونَ وطناً والزعيمُ مُطلقُ اليدين في سياسةِ كلِّ شيءٍ وحكومتُه تفعلُ ما تشاءُ وتشرّعُ ما تشاءْ ولاعتباراتٍ لا تخصُّ الشعبَ ولا تعودُ بالفائدة والنفعِ عليه. والوطنُ لنْ يكونَ وطناً والناسُ منقسمونَ بينَ مؤمنين وكفارْ، بين أطهارٍ وأشرارْ وذلك لأنَّ دياناتهم ومذاهبَهم مختلفة. فهم منقسمونَ في المناطقِ والأنحاءْ, فأتباعُ كلِّ مذهبٍ في مكانٍ معينٍ يسكنون ومع بعضِهم يتعاملون ويجلسون وكأنَّ الوطنَ أصبحَ عدةَ أوطانْ. ننتخبُ منْ هو منْ مذهبنا ونرفضُ الآخرَ ونساندُ منْ هو منْ مذهبنا ونعارضُ الآخرْ وهكذا هو الانقسامُ الذي يشرخُ الوطنَ الذي ارتضيناه جميعاً وطناً للجميعِ يجمعُ الجميعَ بحبٍّ وحنانٍ وعدلٍ والعلاقةُ التي تربطُ ما بينَ الوطنِ كأرضٍ والدولةِ كنظامٍ والدين القادمِ منَ السماءْ عندنا هي علاقةُ انفصام. علاقةٌ ضعيفةٌ ومهترئةٌ وتحتاجُ إلى إصلاحٍ وتصحيحٍ حتى يكون الوطنُ قوياً وقادراً على العبورِ إلى المستقبل.لأنّه قبلَ أنْ نبني الوطن علينا أنْ نؤمنَ بالعلمِ وبالحقيقةِ المثبتةُ المجردةُ التي تقطعُ الشكّ وتأتي باليقين.لأنَّ للنجاحِ معاييرٌ ومقاييسٌ تحددُ درجةَ النجاحِ فالتنميةُ البشريةُ والتنميةُ الصناعيةُ والزراعيةُ ومعدلُ دخلِ الفردِ والأميّةُ وعددُ الجامعاتِ والمعاهدِ والأبحاثُ العلميةُ والمستشفياتُ الحديثةُ والاتصالات والمواصلاتُ وخدماتُ الماءِ والكهرباءِ وحريةُ التعبيرِ هي جميعُها أرقامٌ محسوبةٌ ودقيقةٌ في مؤشراتِ النجاحِ في أيّ وطنٍ كانْ.. وأمامنا أن نختار إما وطناً روحه الانسجام أو وطناً روحه الانفصام.....
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من يجيد قراءة التاريخ يكتب المستقبل
-
أكذوبة اسمها العروبة 3
-
إلى وطني الذي أُحبّ
-
المرأة في النصوص المقدسة..الوجه الآخر
-
المرأة قصة قهر و ظلم طويلة
-
كل شيء عندنا مقدس
-
كذبة اسمها العروبة 2
-
اكذوبة اسمها العروبة 1
-
الكتابة ليست ترفاً فالكتابة كلمة والكلمة بداية
-
الغزوات الاسلامية قراءة أخلاقية
-
أيديولوجيا الفساد بين القبلي والديني
-
رسالة إلى وطني
-
الناسخ والمنسوخ في القرآن
-
لماذا نحن متخلفون ؟هذا هو السؤال
-
النقد المجرد والطريق الى الحقيقة
-
بالطفولة نبني الوطن أونهدمه
-
بناء الانسان هو لبنة بناء الأوطان
-
هل تؤمن الدولة العربية بالدستور
-
الواقع والدين
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|