|
شعوب تدافع عن الاستعمار
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 905 - 2004 / 7 / 25 - 10:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد خلفت مراحل الصراع العربي الاسرائيلي الطويلة اثارا وبصمات واضحة على كافة جوانب التفكير السياسي والفكري والاجتماعي العربي واصبح مجمل العملية المعرفية والتطورية صدى للقضية الفلسطنية وافرازات تطوراتها. فمامن فعالية ثقافيةاو سياسية اوفنية او فكرية او دينية الا وكانت القضية الفلسطينة هي محورها وجوهرها وتحتل الصدارة فيها. صحيح ان الانظمة العربية قد استغلت القضية الفلسطينية واستطاعت توظيفها لمصلحتها الخاصة ،لكن هذا التوظيف كان ايضا متوافق مع تكتيكات الاحزاب والمنظمات الفلسطينية التي اجادت اللعب على الحبال القومية والدينة . لم يخل الخطاب السياسي الفلسطيني ،من هذين المكونين الاساسين للعقل العربي ،القومية والدين ،حتى المنظمات العلمانية واليسارية ركزت على هذين الجانبين عند تصديها للصراع الفلسطيني او العربي الاسرائيلي ،وانحت العوامل الانسانية والعقلانية جانبا ،هذا الاستخدام والتوظيف كان من نتائجه ان اصبح الانسان العربي فكرا وشعورا، تابعا للعواطف القومية وعبدا للمقدسات في جو من الخمول الفكري ولاستقرار على بهرجة تاريخ يتطلب المراجعة لجميع شخصياته واحداثة وفق منظور نقدي وبحثي جديد وليس اعادته وتكراره كما يفعل البعض . ولما كان الجانبان القومي والديني هما الجانبان الغالبان في هذا الصراع ـتراجعت المظاميين الانسانية والاجتماعية الى الخلف ولم يعد احد يعير لها اهتماما برغم الظروف القاسية والمزرية التي يعيش فيها الناس .واصبح المضمون القومي معبرا عنه في الارض والمضمون الديني المعبر عن بالقدس هما اساس الصراع ،صراع ليس بين الخير والشر ،بين الحرية والعبودية بل بين من يدعي احقية التملك والاستحواذ ،مما افرز عقلية وتفكير خاص لدى الناس ،تفكير عدائي لاي قومية او دين اخر لا يتناسب او مغاير لقوميتها او دينها المسخرتين لخدمة قضية محددة فقط حتى داخل الوطن الواحد ، لقد اصبحت مهمة الاستحواذ مهمة مقدسة ، ،وفقد الانسان جراء ذلك قدسيته واهميته وحريته ولسانه ،مختارا او مجبرا ،فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة وكل شيئ من اجلها .لقد افرزت مثل هذه التربية والتثقيف ذا الجانب الواحد عن ان يكون الانسان ثانيويا،هامشيا الى درجة الاهمال الكامل .وامتلات البلدان العربية بشعارات وخطابات قومية ودينية تثير العواطف والمشاعر والحنيين الى الماضي المرسوم في الذهنية العربية على انه عصر ذهبي بكل نواحيه الفكرية والدينية والحضارية والعلمية .ورغم التناقض الحاصل بين الرؤى الاسلامية التي تنسب العصر الذهبي المزعوم الى الخلافة الاسلامية والانصياع الى تعاليم الدين وبين الرؤى القومية التي ترى ان مرد ذلك هو توحد العرب ،رغم هذا الاختلاف في الرؤى استطاع الاسلاميون من السيطرة على الساحةالسياسية وتغليف الشعارات القومية باغلفة اسلامية ،ولقد ساعدت الحكومات العربيةالمختلفة على تبني الخطاب الاسلامي في طرحها العام وفي تناولها للصراع العربي الاسرائيلي ،لذلك اجد من الخطا اعتبار الحكومات القومية المنتشرة في العالم العربي ،حكومات علمانية وان كانت بعض قوانينها الاجتماعية او احكامها ليست بدينية ،فالدين هو البناء الفوقي العام التي تستند عليه الدولة في ادارة شؤونها وتنفيذ سياستهاالمعتمدة علىالاضطهاد وقمع الناس ،الدين ايضا هو الجلباب الذي يستر جميع مساوئ الدولة وعوراتهاالقميئة . لقد افرز هذا الاندماج بين القومية والدين جملة من الشعارات ومن الافكار التي اصبحت سائدة وقيم ثابتة في الذهنية العربية .ولعب الدين دور الكابح لاي فكر انساني يهدف الى تناول الانسان كقيمة لذاته بمعزل عن الارض وعن اللغة وعن الاعتقاد .واصبحت قضية الصراع العربي الاسرائيلي قضية دينية ،قومية وليس قضية شعب بيحث عن ذاته وعن حقوقه الضائعة والمهمشة بين فكي التطرف الاسرائيلي والعربي.وتبدلت اللغة السياسية بما يلائم التصورالديني للصراع ويتماشا معه ،فكلمات الاستشهاد والشهادة والجهاد والمجاهدون ،واليهود والصلبيين والمتصهينين والمتامركيين والمطبعيين ،لقداصبحت هذه الكلمات التي لا تحمل من المعنى سوى ما يشير الى نشر البغض وليس نشر ثقافةالحوار والنقاش ولوصول الى الحق باقل الطرق عنفية ،هي الرائجة في الحياة العربية والاسلامية وغذاء يومي يتناوله الانسان حتى في الاغاني الهابطة . لقد وقفت الدولة القومية موقفا متفرجا وهي ترى اسلحة التكفير تجرد بوجه المفكريين واليساريين والعلمانيين الحقيقيين ،ولم تفعل شيئا لايقاف هذه النوع من الثقافة الاخذة بلأنتشار مادام النظام في مأمن من سكين الايمان الاسلامي ،حتى تجرأ البعض فاشهر سكينه بوجهها ،انذاك اعتبرت عملية اشهار السكين ارهاب . الدول الغربية مثل الدول العربية ،كانت تشجع بل وتساهم في نشر هذا النوع من اللاوعي والايمان الغيبي وثقافة العنف الا ان طالها نصل السكين فصرخت هي الاخرىمثل الدول العربيةانه الارهاب .. لقد انتهى الاستعمار السياسي منذ عهود طويلة ،ولكن الاستعمار لم ينتهي بل اُستبدل باستعمار اخر ،استعمار ثقافي وديني ،ليس استعمار مستورد او ثقافة اجنبية او فكر معلب ،كما يعتقد البعض ،هو استعمار داخلي ،استعمار قومي وديني .وسيطرة تامة على كافة المنافذ التي تهب منها رياح التغيير .لم تصدر الدول الاوربية لنا قيما او اساليبا ديمقراطية في التعامل مع القضايا السياسية ولاجتماعية ،بل حجبتها عنا وتعاونت تعاون كامل مع الاحزاب الاسلامية والدول القومية في عملية غير نزيهة من اجل احكام السيطرة ليس على الارض ،كما يزعم بعض المغفليين الذين يدعون مهنة الفكر ،بل السيطرةعلى عقولنا بواسطة نشر او الابقاء على ثقافة السلف الصالح والابطال المزعوميين والانتصارات المبنية فوق كثبان من الرمل .. الكثير من الاحزاب والمنظمات الاسلامية تجد موادها الخام في المصانع الغربية ،بما فيها حماس التي اُوجدت لتكون منافسا لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد ان تم الاعتراف بها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسيطني ،وليس ببعيد التعاون الاسلامي الامريكي والدول العربية في حرب افغانستان او في الاجهاز على اليمن الديمقراطية او في ايقاف المد اليساري والعلماني او ثقافة حقوق الانسان ..هذا هو الاستعمار الحقيقي الذي تسعى اليه الشعوب العربية ولاسلامية وتناضل من اجله ،وتذبح من اجله ،وتقف دون ازالته .وهذه هي المؤامرة التي تتولى حياكة خيوطها شعوبا بكل حرية وارادة بعد ان وقعت بين حبائلها وتنسج حبالا اخرى كي تكون الشبكة محكمة الصنع لا يمكن الافلات منها ابدا...
وهدا ما يفسرايضا وقوف الشعوب العربية ضد التغيير في العراق وضد الديمقراطية وبناء دولة حقوق الانسان ..وما يفسر اعتزاز العرب ودفاعهم المستميت عن مجرم قذر مثل صدام حسين /لان الثقافة القومية الدينية تهدف الى زراعة الوهم وتغييب الحقائق ..وتزوير التاريخ ...ولانها شعوب قد تم استعمار عقولها ...فهل يمكن للاقلية الباقية التي تدرك الحقيقة تحرير هذه العقول ....
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تغرق السفينة تهرب الفئران اولا
-
برجيت باردو-الاسلام- والوهابية
-
خادم الحرمين الديمقراطيين
-
الحكومة الجديدة وتصوراتها الحمقاء
-
الفلوجة تستسلم على الطريقة البعثية
-
للننقذ النساء من براثن رجال الدين
-
الاحزاب الشيعية بين التخبط واللعبة السياسية
-
جيش لا يدين الاجرام ، جيش لا يستحق الاحترام
-
احترام الانسان يعني احترام الاسلام
-
هل لنا ان نتحرر من قيود ما يسمى بالامة
-
اسوء امة اخرجت للناس
-
ثقافة الانتحار الاستشهادي الاسلامية
-
الدين جزء من المشكلة وليس من الحل
-
فلسفة العمائم
-
تشويه المفاهيم ..العلمانية نموذجا
-
المرجعية الدينية والمرجعية السياسية
-
اخطار لم تنتبه اليها المرجعية الدينية في دعوتها للانتخابات
-
احترام الاسلام والانسان يعني العلمانية
-
الفدرالية ،الديمقراطية والعواطف الطائفية والقومية
-
خفافيش مجلس الحكم ..ومصباح بريمر
المزيد.....
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|