|
ظهور الأديان في حياتنا : نعمة أم نقمة ؟
حبيب محمد تقي
الحوار المتمدن-العدد: 2970 - 2010 / 4 / 9 - 08:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ الطفرة الجينية التي تحققت لأجدادنا الآوائل ، في التفوق على بقية الكائنات البيولوجية . المحكومة بالغريزة والفطرة ، وذلك بأمتلاكهم ناصية العقل والأدراك . والتي مكنتهم تدريجيا من التسيد على عرش بقية المخلوقات ، التي صارعتهم في التنافس على البقاء . رغم أن البعض منها متفوق على آجدادنا بيولوجيا . منذ ذلك المنعطف التاريخي الحاسم في الصراع الذي حسم لصالح الكائن الأصلح وليس الأقوى . بدأت رحلة الآجداد المعرفية والسلوكية . المادية والروحية الشاقة تتجه صوب نموها المرحلى المتدرج . لتنتظم مراحل التطور التاريخي لذلك الأنسان تباعا . بالطبع بعد ولادة قيصرية معقدة لملكوت عقله وأدراكه . فالتراكم الكمي والنوعي ، للمعرفة والخبرة والسلوك ، لذلك الأنسان البدائي . أنتج له مخزون وإرث ثقافي متراكم . شكلة معين لم ينضب . ساعده في الأستمرار والديمومة ، في البقاء والتسيد على بقية المخلوقات . لكن صراعه من أجل البقاء والتسيد ، لم يقف عند تلك المخلوقات المنافسة . والتي حسم صراعه معها لصالحه بصفته الأصلح ، لأمتلاكه ناصية العقل . بل أستمر ، ولكن هذه المرة مع خصم أكثر صلابة وقوة . ألا وهي الطبيعة القاهرة بجبروتها ، وبظواهرها ومظاهرها الخارقة . والتي تكشفت له عظمتها وتقلباتها وتعقيداتها ، التي لم يستطع من فك شفراتها ، لمحدودية وبدائية معارفه ومداركه . فلم يستطع فهمها ولا من السيطرة عليها . مما جعلته يستشعر بعظيم قلقه و ضعفه حيالها . فكادت هذه المواجهة الغير متوازنة مع هول الطبيعة ، أن تخل بتوازنه وتطيح بأنتصاراته السابقة . فأسعفه الأرث و المخزون الثقافي المكتسب من التراكم الكمي والنوعي ، للمعرفة والخبرة والسلوك . التي بدورها أفرزة له الدواء الروحي . لتعيده الى توازنه وتمتص ضعفه الذي كاد أن يرجعه الى المربع الأول . فصراع أجدادنا الآوائل من أجل البقاء والتسيد مع المخلوقات المنافسة أكسبت الآجداد ملكوت العقل . و المواجهة والصراع الغير متكافء مع الطبيعة ، أكسبت الآجداد ملكوت الروح . فظهور العقيدة الدينية في حياة آجدادنا الآوائل شكلت ضرورة حتمية . لخلق التوازن في أنسان ولدَّ تواً وشغفه وشغله الشاغل أنذاك البقاء وديمومة البقاء في التسيد .
إذاً : وعلى خلفية ماذكر أعلاه لابد من التأكيد على الحاجة السببية ، المرتبطة بتفوق الطبيعة و بعظمة مظاهرها وتعقيداتها وتقلباتها . الغير مفهومة لديه بما تجمع له من معارف ومدركات حسية ناشئة . زد على ذلك تلمسه للتهديدات بالمرض والموت وخطر الأنقراض ، والذي كان عاجزا تماما عن إستيعابه وفهمه . فكل هذه المحفزات والمسببات وغيرها . شكلت قلقا مؤرقا ، وشغلا شاغل له . دفعت به وبعد مخاض عسير وطويل الى إبتكار وإبتداع دواء روحاني . تمثل ب ( الدين ) . ليبدد قلقه المتزايد ومخاوفه العديدة . فظهور الدين في حياته شكل أستجابة لحاجته له ، كضرورة . لاتقل أهمية عن حاجته الغريزية وبالفطرة البيولوجية ، للهواء والماء والطعام . فهذا الدواء والغذاء الروحي الناجع ، و الذي أنتجه الآجداد وبأمتياز . لم يكن مجرد تخدير وتسكين لقلق ومخاوف الآجداد . بل شكل عامل شد وأرتباط وثيق بالجماعة ، الذي كان الأنسان الفرد في أحوج ما يكون أليها أنذاك . كما أن الثقافة الدينية قد أسهمت لاحقا ، في تهذيب الآجداد وتهذيب فطرتهم وغرائزهم . وعلى أفضل وجه . فبفضل الثقافة الدينية المبتكرة ، أنتفت تدريجيا الفوضى الغريزية في التناسل . فلم تعد المرأة مشاعة جنسيا لكل الرجال . ولا الرجل سلعة مشاعة لكل النساء . ولا الأم مشاعة جنسيا لأبناءها . ولا الأب مشاع جنسيا لبناته ولا الأخ لأخته . كما أن هذا الدين ( وهذا هو الأهم ) قد لعب دورا مثمرا و أيجابيا في تعزيز فرص البقاء والتسيد . ومنذ ذلك التاريخ ، أصبح الدين جزء من قدر الآجداد وركن أساس من ثقافتهم . فأصبح لكل مستعمرة بشرية دياناتها والآلهه الخاصة بها . فتعددت ظهور الآديان وتنوعت .
وبما أن تلك الديانات التي أنتجها الأنسان . هي لصيقة به ، مثلها مثل الظل الذي يلاحق صاحبه . فهية قد نمت وتطورت مع نمو وتطور حاملها . ومن ملايين الديانات ، التي عرفتها المجاميع البشرية ، على أمتداد تاريخها . أنقرض العديد منها . والبعض القليل منها المحلي ، مازال على قيد الموت المؤجل . وقسم كبير منها ، أنصهر في الديانات الأبراهيمية الثلاث ( اليهودية والمسيحية والأسلام ) والتي هي الأخرى ما تزال تصارع من أجل البقاء . وقاسم هذه الديانات يتلخص بأن الأنسان ومعه بقية المخلوقات والكون كله . محكوم بالأرادة الآلهية . والأرادة الألهية وحدها . كما أنه محكوم بسننه وتشريعاته . الواردة في ( التوراة والأنجيل والقرآن ) . وأن الأيمان باالله الواحد الأحد . والحياة الأبدية . والخطيئة التي على الأنسان أن يسعى لطلب غفرانها . ونيل الجزاء على الأعمال التي مارسها الأنسان في الحياة الدنيوية . والأيمان بهذه الديانات ، تطلب ويتطلب التسليم المطلق بالمعتقدات الغيبية . ولامجال للشك بها ، ومن غير الوارد المساس بنصوصها المقدسة ، حتى وأن كان بنية تطويرها ، لملائمة التغير المتسارع والذي لم يعد بمقدور الأنسان التحكم به .
بعد مضي الآف السنين على بذرة الدين ، التي غرسها الأنسان نفسه في حياته . والتي نمت معه وأيعنت به وقطف ثمارها هو . فسدت جوعه حد التخمة ، مرارا وتكرارا . فهل أنتفت الحاجة لهذه الشجرة المعمرة ؟ وهل شاخت ولم تعد تأتي ثمارها ؟ وهل تشكل عائقا أمام تطوره الذي أنتج آليات التسارع وحرق المراحل . والذي بات من الصعب والعسير التحكم بها ؟ صحيح أن الأجابة على هذه الأسئلة أمر ليس بيسير ، لكنه وارد ويحتمل الأجتهاد . فبمجرد العودة مجددا للمسببات التي أفرزت الحاجة لظهور الدين في حياتنا ، للتأكد من أنتفاءها أو عدمه . ومن البحث عن بدائل أن وجدت . والأمعان ببصيرة فاحصة ( بثقافة اللادينية ) الناشئة في الغرب صاحب التراث الملطخ بالدم ، والزاحف بقوة نحو الشرق لدوافع لايعلم بها الأ الشيطان ( أن وجد ) هل هي حقا البديل ؟ والوقوف عند الدين نفسه ، والذي يتصارع من أجل البقاء . وأستعدادته أن توفرت في عصرنة أدواته وآلياته ، أم أستحالتها ؟ الأمعان في ثنايا هذه التساؤلات وبنظرة فاحصة . كفيل بأيصالنا الى أجابة شافية لسؤالنا الأفتراضي الذي تصدر عنوان هذا المقال .
#حبيب_محمد_تقي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأمركوا اثابكم الله .....!
-
لوحة من ريف مدينتي ميسان!
-
ٍالثقافة : بين الواقع وبين البحث عن هوية تكافلية تكاملية مست
...
-
التراث الفكري الخلدوني : بعيون مفكري الغرب !
-
أحلام ... ممشاها شوك !
-
القصيدة تترقب خبزها
-
شرود
-
من هم المتهمون الحقيقيون في الترويج لثقافة العنف بين أطفالنا
...
-
لكراهية أمريكا أسباب ، لن تزول إلا مع زوال المسببات !
-
أمريكا : ومحاولات غزو وأحتلال وتصفيرالعقل العربي وأمركته قسر
...
-
في عيدُهنّ ( ٨ أذار )!
-
طبول الصمت ...!
-
شعر / كل ثانية وأنتي لستِ أمي...أنتِ كل شيء !
-
ضمير يعرق ...وعقل يأرق ...!
-
أرفعوا أصواتكم ضد ظاهرة التسول المستشري في بعض المطارات العر
...
-
قصيدة / بغداد
-
قصيدة / سلاماَ للأنوفهم صوبَ السماءِ...!
-
قصيدة / أنوثتها فرات تطهر الأوزار
-
العمارة : مآساة مدينة سومرية ، تُبكي الحجر قبل البشر !
-
قصيدة / فيها الجسد ...!
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|