|
حتى لا نخرج من التاريخ
سلمان الشمس
الحوار المتمدن-العدد: 904 - 2004 / 7 / 24 - 10:34
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
حتى لا نخرج من التاريخ الكثير من الشعوب تعرضت لما تعرضنا له – سمه احتلالا أو تحريرا ----------- البعض منها همش حين فاجأته الأحداث فلم يعرف من حضارة الغرب غير الخمر فغرق فيها------ والأخر همش حين حاول طرد الشياطين الوافدة برقصة الدراويش في الليل وممارسة الطقوس السحرية أثناء النهار ......وثمة آخرون همشوا حين انطلقوا على أحصنتهم الشهباء وأصواتهم تجلجل بصيحات الحرب ،يحاولون اختراق صفوف العدو لكن لم تعنهم الشجاعة الشخصية عما تسلح به العدو من أسباب العلم والتنظيم .....همشت هذه الشعوب ودفعت خارج التاريخ دفعا.....ثمة شعوب أخرى استجابت للتحديات المميتة بشكل أخر فدخلت التاريخ عن علم ودراية ( اليابان مثلا ) ...شعوب خرجت من التاريخ وأخرى دخلت ،هذا لا يحدده القادم فقط وانما تحدده أيضا ردود فعل الشعوب وممارساتها وأنماط تفكيرها وقابليتها على تغير أوضاعها. وبين هذا وذاك ،بين أن نكون أو لا نكون ، علينا أن نقرر ، فنحن طرف في المعادلة ، التي يشكل (المحتل – المحرر ) طرفها الأخر، أقول ذلك لأننا طرف فاعل في المعادلة وليس كم منفعل لا حول له ولا قوة أو محض أداة يمكن أن تلغى أو تختزل ....أن نتائج هذه المعادلة تتوقف على نوع القرارات التي نتخذها والسياسات التي نسلكها.... بعيدا عن المبالغات والأوهام التي قد يجلبها التفاؤل أو التشاؤم المفرط من الممكن أن يتحول وجود اعظم دولة على أرضنا إلى جحيم ، مثلما هناك إمكانية للاستفادة بأكبر مقدار ممكن من هذا التواجد . مع افتراض حسن النية عند الطرف الأخر،وأنه جاء لبناء نموذج ديمقراطي ،فأن قليلا من التأمل الذاتي ، سيوصلنا إلى إشكالية كبيرة في ذهنيتنا وتفكيرنا وسلوكنا .......تعيقنا من استثمار الفرصة والخروج بنتيجة إيجابية إن لم تكن لنا فللأجيال القادمة.....وقبل السؤال عن ماذا فعلت أمريكا لنا ، ثمة يافطة معلقة في أكثر من مكان في بغداد ، تسأل ماذا فعلت أنت لبلدك ؟ سؤال يعرينا يضعنا وجها لوجه أمام ذاتنا أمام عيون الأطفال المذهولة ..... خصوصا إذا كان الجواب بخجل لم أفعل شيئا............. الإشكالية الأولى...... هي تجذر نظرية المؤامرة في تفكيرنا ، غزو الكويت مؤامرة ، سقوط نظام صدام مؤامرة ، مقتل عدي وقصي فلم أمريكي ،عالمنا كله مؤامرة ، مقتل سعاد حسني مؤامرة بريطانية ،الأميرة ديانا قتلت لأنها أرادت الزواج من شخص مسلم........ ترى ما هي العوامل التي تساعد على ازدهار شجرة التآمر في أرضنا ،الأسباب كثيرة ، منها النظرة الفوقية إلى الغير ،شيوع الثقافة السمعية ، تراجع مكانة القراءة والإطلاع ، تغلغل الفكر الغيبي وضعف الثقافة العلمية......ولكن يظل الشك المتأصل في الغير والذي لا يأتي منه خير أبدا ، يظل هذا العامل من أهم العوامل التي تغذي إحساسنا بنظرية المؤامرة . هذا الشك أصيل عندنا وتغذيه مصادر عديدة : المناهج الدراسية ، كتب التاريخ ، المنابر الدينية والسياسية والإعلامية... يقول د. عبد الحميد الأنصاري ( أحداث التاريخ في مدارسنا تغلب عليها صبغة المؤامرة والشرور والعدوان ، ندرس أولادنا أن الفتنة الكبرى التي قصمت ظهر المسلمين وراءها اليهودي عبد الله بن سبأ رغم تأكدنا أنه شخصية أسطورية مختلفة ، نملأ عقول أطفالنا وشبابنا بمآثرنا وأمجادنا مع بخس شديد للحق التاريخي للأمم الأخرى في حضارتنا ....ندرس لأطفالنا مقولة هارون الرشيد للسحابة – أمطري حيث شئت فأن خراجك يأتيني – دون أن نذكر شيئا عن الدماء التي أريقت في سبيل تأمين هذا الخراج...........في كتبنا الدراسية لا تجد حديثا إلا عن هواجس الغزو الفكري والغارة على العالم الإسلامي ومفردات الحروب الصليبية والأهداف المشبوهة للتغريب والعلمانية وبروتوكولات حكماء صهيون.....( . عوضا عن مواجهة مشاكلنا قمنا بتحميل الأخر مسؤولية تخلفنا وإخفاقنا وكوارثنا ابتداء من سايكس بيكو إلى زرع إسرائيل في القلب .... ومن حق أحدهم أن يتساءل : إذا كنا أبدا ضحية التآمر ، فأي أمة نحن حتى تنطلي علينا كل هذه المؤامرات ؟ حين تتحكم نظرية المؤامرة والإشاعات ويسود الشك في الآخرين مضافا لها سيكولوجية جماعية عانت من الأذى الشديد على يد صدام .... كل هذا يولد خزينا من المشاعر المعادية يجعل أي إجراءات منطلقة من الطرف الأخر تفسر بأنها ذات دافع خبيث حتى لو كانت ذات دوافع خيرة . الإشكالية الثانية ...... قال الجاحظ ( أن العلة في عصيان أهل العراق على الأمراء هي أنهم أهل نظر وفطنة ثاقبة ،ومع النظر والفطنة يكون التنقيب والبحث ، ومع التنقيب والبحث يكون الطعن والقدح والترجيح بين الرجال والتميز بين الرؤساء وإظهار عيوب الأمراء..... وما زال العراق موصوفا بقلة الطاعة وبالشقاق على أولي الرئاسة...) . تتجلى هذه الإشكالية في شيوع النزعة الجدلية لدى أهل العراق ، ومن شأن هذا الشيوع أن يجعلنا شعبا فطنا، مشاغبا ، كثير الشكوى والاحتجاج ، قليل العمل ، لأن العلاقة بين السلوك والفكر هي علاقة تكاملية ،كلما قصر الإنسان في سلوكه كثر كلامه وتبجحه وعلى صوته ،كلما تصالح الإنسان مع نقسه ووفق بين سلوكه وذاته خفت صوته وهدأت نبرته ............ تاريخنا الطويل لا يدفعنا باتجاه احترام العمل ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ،كانت نظرة الأعرابي للعمل نظرة ازدرائية ، الأسلوب المتبع لتلبية الحاجات هو أسلوب السلب والنهب ، وقد رصد أبن خلدون بفكره الثاقب هذه الظاهرة لدى الأعرابي ( فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس ،وأن رزقهم في ظلال رماحهم …) أن هذا الأسلوب يتناقض كليا مع أسلوب طلب العيش عن طريق العمل ، فإذا كان الأخير يتجه إلى خلق الثروة فان الأول يتجه إلى تحويل الثروة من سلطة المهزوم إلى سلطة المنتصر . ….ظلت هذه السلوكيات دارجة بأقنعة جديدة ،تمارس بأشكال ملتوية وصريحة ، في الحصول على وظيفة مثلا ، في المتاجر…محاولة البائع والزبون لاقناع الأخر بالسعر والذي يفترض أن يكون محسوبا بدقة،أثناء صعود الحافلات حين نحاول سلب دور الغير شاعرين بالرجولة .............ما زلنا نزدري العامل المخلص في عمله فهو في نظر الكثير ( قشمر ) . ازدراء العمل يقود بالنتيجة إلى مجموعة من المرادفات السلبية ،مثل التبذير ، والذي يسمى كرما ، ومن البديهي أن عقلية التبذير تتناقض جوهريا مع عقلية الادخار والاقتصاد والتخطيط لتنمية الثروة والعمران ....لقد رفضت شركة كنت للسجائر إعطاء امتياز الإنتاج للعراق ، بعدما لاحظ وفدها الزائر أن عاملنا يرمي التبغ على الأرض أكثر مما يضع في السيجارة ..... عقليتنا المزدرية للعمل دفعتنا أن ننتظر كل شيء من أمريكا الكهرباء الماء التنظيف ،مع أن مهندسنا وعاملنا يذهب إلى معمله لغرض استلام راتبه لا أكثر... علينا ترتيب بيتنا وليس انتظار الأخر ليرتبه لنا.
ثمة فرصة لنا – حتى لو كانت افتراضية- لدخول التاريخ ، لقد فشل هتلر في غزو العالم ، ثم عادت ألمانيا لتغزو العالم بالمارسدس ....... بالمقابل على أمريكا أن تدرك أن الشعب الذي يطالب بالكهرباء والماء والأعمار هو شعب يعشق الحياة وملذاتها وليس كما يريده الزرقاوي شعب يريد الموت . المهندس سلمان الشمس بغــــــــــــــــــــداد
#سلمان_الشمس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أزمة المثقف العراقي
المزيد.....
-
مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-.
...
-
إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
-
صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق
...
-
الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف
...
-
سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
-
ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي
...
-
مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا
...
-
أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
-
كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
-
الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين
...
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|