|
مكتسبات الطائفية في سوريا
ثائر الناشف
كاتب وروائي
(Thaer Alsalmou Alnashef)
الحوار المتمدن-العدد: 2970 - 2010 / 4 / 9 - 00:41
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
إذا كانت الطوائف ظاهرة صحية في أي مجتمع كان ، فليس من الضرورة بمكان أن تغدو الطائفية على نفس القدر من الصحة ، كما ولا يعني أنها ظاهرة مرضية ، ولا يمكن بأي حال ، التستر عليها أو دفنها في زوايا يملئها النسيان . فالطائفية، إن كانت مذهبية أو سياسية، فهي بين مستويين، المستوى الأول: أنها تمثل التعبير الأسمى عن الطوائف - مصالحها وكيانها، ثقافتها وحضورها، وهي هنا تمثل الظاهرة الصحية. المستوى الثاني: أنها ( الطائفية ) تندرج في سياقات شتى. السياق الأول : استخدامها الطائفة لأغراض محض شخصية ضيقة ، ومثالنا هنا ، استخدام النظام السوري لطائفته العلوية ، من خلال إغداقها بالوظائف العامة والمناصب العليا ، تذكيراً بفضل النظام عليها ، وإنقاذاً لها من واقع فقرها وبؤسها المدقع . السياق الثاني : الاحتماء بالطائفة ، انطلاقاً من واقع الترويج لمظلوميتها التاريخية ، وآن الآخر يتربص بها ، ويتحين الفرص للانقضاض عليها . السياق الثالث : إشعارها ( الطائفة ) من خلال السياقين السابقين ، أن الطائفية حصنها الأخير وليس الوطن أو الدولة في لحظة بلوغ الخطر ، وأنها مرجعيتها السياسية والمذهبية ، وليس أي شيء آخر ، ذلك لأن الطائفية تتشكل منها كطائفة وإليها يتحدد المصير . هذا يعني أن الطائفية في مستواها الثاني ، تمثل ظاهرة مرضية ، لا يسلم منها المجتمع المدني بكل تفصيلاته وتفضيلاته ، إن بقي أصلاً ، أي وجود لهذا المجتمع ، حاضراً أو مستقبلاً ، فمرضها لا يقتصر داءه على الطائفة نفسها ، بل يمتد تأثيره ليشمل كل الطوائف التي يتشكل منها ذلك المجتمع . بناء على الطرح السابق ، نستطيع أن نؤكد ، أن الطائفية المذهبية والسياسية تتراوح بين مستويين ، أحدهما صحي ( الطائفة ) والآخر مرضي ( الطائفية ) وقد يبدو الواقع الطائفي من منظور النظام أقل مرضية ، لأنه يمثل النصف الممتلئ من الكأس التي يَنظر فيها ، مثلما يبدو في الاتجاه الآخر ، أشد مرضية ، وهو الاتجاه الذي يمثل النصف الفارغ من منظور آخر . لسنا في هذا المقام ، لكي نتبين أيهما أكثر صحية أو مرضية لحال المجتمع السوري ، لأن في ذلك جدل عقيم ، نحن في غنى عنه ، لكن نستطيع أن نفصل بين الطائفة والطائفية ، انطلاقاً من اعتبارات عدة أولها ، أن الطائفة بنطاقها البشري المحدود ، تمثل أقلية بعينها ، سواء كانت مذهبية أو عرقية . ثانيها ، أن الانسجام والتجانس بين الأقليات الني تمثل الطوائف ، أسهل مما هو عليه الحال بين الأغلبية ، فتنظيم بضعة أفراد ، أيسر من تنظيم جماعة بعينها ، مثلما هو متعارف عليه في علم الاجتماع . ثالثها ، تكاد الطائفة أن تكون السمة المميزة للأقليات ، من دون أن يعني أنها طائفية بالمقام الأول . رابعها ، ثمة تمايز واضح بين الطائفة كنطاق وبين الأغلبية ككيان ، فكيان الأخيرة لا يتسع البتة في نطاق الطائفة الضيق ، وهو ما يعني عدم جواز الربط بين الأغلبية المذهبية والطائفة ، كون الأغلبية لا تمثل ولا تشمل طائفة بعينها وفقاً للتفسير السابق ، دون أن ينفي عنها أو عن بعض أفرادها صبغة الطائفية . ما تقدم طرحه ، يدل دلالة شبه قاطعة في أحكامها وتصوراتها ، أن الطائفة من اختصاص الأقليات وحدها ، وأن الطائفية كسلوك فردي وجمعي وكأسلوب في الحكم ، هي من اختصاص الأقلية والأغلبية في آن معاً . إن الطائفية في سوريا اليوم ، ليست مسجلة باسم الطائفة العلوية وحدها ، كطائفة تملك أكبر نفوذ في الدولة والمجتمع ، بل يشترك معها في اقتسام مكتسباتها من داخل الطوائف الأخرى كل الأقليات باستثناء الأكراد لاعتبارات محض قومية ، إلى جانب اشتراك الأغلبية المذهبية ، تحت مسميات شتى أبرزها ، تعزيز ما يسمى باللحمة الوطنية . وهنا ، لا تستطيع الطائفة العلوية الانفراد بالسلطة لوحدها ، مهما وضعت يدها على مراكز السلطة والنفوذ ، لأن في ذلك إنقاصاً من شرعية النظام ، على الأقل أمام الرأي العام المحلي ، لهذا يضع النظام ، نصب أعينه ، مشاركة الطوائف الأخرى ، وعلى رأسها الأغلبية ( السنة ) في إدارة السلطة فقط ، ومن دون تداولها ، ضمن سقف سياسي محدد وصلاحيات محدودة . هذه المشاركة السياسية رغم أنها محسومة النفوذ لصالح النظام ، ومكبلة بقيود الاستمرار في السلطة ، فإن مكتسباتها دائماً ما تكون في صالح النظام ، في مقابل الفتات الذي يلقيه تجاه شركائه المفترضين من الطوائف الأخرى . فالغاية النهائية من تلك المشاركة ، إخفاء الطائفية عن سياسات النظام أولاً ، وعن الطائفة تالياً ، وإلصاقها بجسم الطوائف الأخرى ، أو بالجسم الأكبر ( السنة ) وهي نفس الطوائف ، وذات الجسم الذي يشاركه السلطة تحت مسمى الوطنية ، والسؤال الذي يثار في كل مرة ، لماذا يحرص النظام على تطهير نفسه من صبغة الطائفية ، وفي ذات الوقت يصبغ الآخرين بها ؟. إذا لم يكن ثمة جواب عن سؤال الطائفية ، فالجواب أكثر توفراً عن سؤال الفساد ، لأنه وجه من وجوه الطائفية ، انطلاقاً من حرص النظام على مشاركة الطوائف الأخرى ، واعتباراً من أن الفساد ، إن وقع فهو يصيب جسم السلطة ككل لا كأجزاء دون أخرى ، والسؤال أيضاً ، لماذا يلاحق النظام شركائه من الطوائف بتهمة الفساد ( محمود الزعبي وغيره كمثال ) ولا يلاحق الفساد الذي يعتمل داخل طائفته ، وهو فساد أكثر وضوحاً وأكبر حجماً ونفوذاً في السطو والسيطرة على مقدرات المجتمع وثرواته ( مثاله رامي مخلوف ) أليس في ذلك هروباً من تهمة الطائفية ورميها على شركائه كلما دقت ساعة الحقيقة ، فما بالنا بغير شركائه ؟. إن السلطة هي المكتسب الأوحد من مكتسبات الطائفية في سوريا ، ولأن النظام كأفراد وشخوص ، لا يستطيع الانفراد في السلطة ، فإنه يعمل جاهداً على إشراك طائفته كضامن له في سبيل البقاء ، وكمكسب لها يعوضها عن النقص والعوز الذي أدركها طيلة عقود ، في مقابل أن تحمل عنه عبء أخطاءه وهفواته وتجاوزاته ( قمع ، فساد ، استبداد) وأن تدفع ثمن ذلك من كيانها كطائفة ، ارتضت أن تُمَارَس الطائفية باسمها .
#ثائر_الناشف (هاشتاغ)
Thaer_Alsalmou_Alnashef#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طائفية الطائفة في سوريا
-
سوريا بين الطائفية السياسية والمذهبية
-
تطييف السياسة والإعلام في سورية
-
الطائفية الحزبية في سورية
-
إلى طل الملوحي في أسرها
-
طل الملوحي وهستيريا القمع
-
علونة الدولة في سورية
-
طل الملوحي / ندى سلطاني : وأنظمة الظلام
-
النظام السوري(الطائفي) وقتل الأكراد
-
وشعب الديكتاتور/القائد ( صدام ) لازم يموت - ينتصر حتماً !
-
السطو الإيراني في دمشق
-
دمقرطة الإسلام أم أسلمة الديمقراطية؟
-
وجوه الإصلاح الديني
-
الغرب وحواره المشروط مع الإسلام
-
شبح الأصولية الإسلامية
-
الدفاع الإسرائيلي عن الأسد
-
لغة الحوار في الإسلام
-
الديكتاتور 36 ( الثورة )
-
لماذا لا يحكمنا الإسلاميون ؟
-
الديكتاتور 35 (ميلاد الزعيم)
المزيد.....
-
حزب الله يحدد 23 فبراير موعدا لتشييع نصرالله وصفي الدين معا
...
-
رئيس كولومبيا: سياسات ترامب فاشية
-
خبير عسكري يكشف سر زيارة زيارة نتنياهو لواشنطن
-
ترامب: لدينا مناقشات مخطط لها مع أوكرانيا وروسيا
-
المهاجم الدولي الجزائري أمين غويري يدعم هجوم مرسيليا
-
المكسيك ترفض البيان الأميركي وترامب يقر بتداعيات الرسوم الجم
...
-
تدشين معبد هندوسي ضخم في جنوب أفريقيا
-
سياسي بريطاني سابق يعلن انضمامه إلى المرتزقة الأجانب في أوكر
...
-
تبون: الجزائر تحافظ على توازن علاقاتها مع روسيا وأمريكا
-
رئيس كوبا: الضغط الأمريكي على المكسيك يهدد استقرار أمريكا ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|