صورة اللاهوتى المعاصر

ماريو أنور

الحوار المتمدن-العدد: 2969 - 2010 / 4 / 8 - 22:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

كل من يطرح , فى أيامنا , مسألة الإيمان , أمام مستمعين من قليلى الألفة , أو عديميها مع لغة الدين وفكرها بسبب واقعهم المهنى أو الوسط الذى يعيشون فيه , يحس للتو , بتفرد المحاولة التى يقوم بها , لا بل بغرابتها , ولا يلبث أن يشعر بكونه فى وضع مشابه للوضع الذى أجاد فى وصفه كيركيجارد فى مثله الشهير الذى استعاده حديثاً هارفيه كوكس فى كتابه المدينة الزمنيه , أعنى مثل البهلوان الذى أخذ يصرخ (( النار النار )) . القصة المعنية تجرى حوداثها فى الدانمارك , وتروى أن النار اندلعت فجأة فى مدينة ملاه متنقلة . للحال أرسل مدير هذه المدينة بهلواناً , كلن قد ارتدى زى الاستعراض , إلى القرية يستغيث بسكانها لنجدة مدينة الملاهى المنكوبة . لكن القرويين الذين تراكضوا على صراخه , ظنوا فى الأمر خطة دعائية ماهرة تروم استجلابهم إلى حفلة الاستعراض , فطفقوا يصفقون له مستغرقين فى الضحك . أما البهلوان فكان يود بالحرى لو تمكن من البكاء . وعبثاً راح يبذل جهده فى استمالتهم و إقناعهم بأن المسألة ليست مسألة دعاية , بل إن مدينة الملاهى تلتهمها النيران فعلاً . لكن كلما ازداد إصراراً ازدادوا هم استغراقاً فى الضحك و إعجاباً بحسن أدائه لدوره المفترض . فى الأخير حينما ضربت ألسنة اللهيب فى القرية , أدرك الجميع أن أوان التصدى لها قد فات و هكذا خربت القرية و مدينة الملاهى على السواء .
يستعين كوكس بهذا المثل لتصوير وضع اللاهوتى المعاصر , فالبهلوان العاجز عن جعل الآخرين يفهمون كلامه , يرمز إلى هذا اللاهوتى . فهذا الأخير , وقد تدثر بزى القرون الوسطى , أو أى عصر ماض آخر , لا ينظر إليه الناس النظرة الجدية المبتغاة , إذ مهما كان نوع الكلام الذى يقوله , يظل هو موسوماً بسمة دوره , ويدرجه الناس فوراً فى مدرج التصنيف الخاص بهذا الور . أى إن الناس يظلون ينظرون إليه نظرتهم إلى صاحب دور يقوم بالدور الموكل إليه مهما بذل هو من جهد ومهما اعتمد من أساليب لإقناعهم بجدية الوضع الذى يعرضه , فهم مقتنعون , مسبقاً , بأنه إنما يلقى كلاماً من النوع الترويجى , وبأنه يؤدى دوراً تمثيلياً لا علاقة له بالواقع . لذا تراهم يستمعون إليه باسترخاء غير عابثين بأقواله . إنها لصورة تعكس , بقدر كاف من الدقة , الواقع البائس الذى يكتنف , فى أيامنا , نشاط اللاهوتى الذى يبتغى التعليم , وهى تعطى كرة عن استحالة تحطيم الماجريات الرتيبة بغية البرهان على أن علم اللاهوت يتناول قضية جدية للغاية تهم البشرية .

#ماريو_أنور (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات