عهد صوفان
الحوار المتمدن-العدد: 2969 - 2010 / 4 / 8 - 22:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أمم عاشت وانتهت وكأنها لم تكن . . وأمم تعيش في غرفة الإنعاش وأخرى تتربع على عرش القوة والازدهار. . واللغز كيف ولماذا. . .؟
كيف لأمة أن تموت بهذا الشكل وأخرى ترتقي وتقوى وتملك وتسيطر. . . . . والغوص في هذا الاتجاه جدير بالاهتمام والتفحص بحثا عن المعرفة التي تقود إلى الحقيقة . . .
الأمم هي تجمعات بشرية كبيرة يتميز التجمع الواحد بخصائص ذاتية مكتسبة قد تختلف من تجمع بشري إلى تجمع آخر كالعادات وبعض التقاليد والمعتقدات,,,, وتتشابه في صفات كثيرة أيضا بعضها مكتسب والآخر نابع من صفات الفرد التكوينية . . . كحب التملك وحب السيطرة. . . هذه الصفات تحت السيطرة من خلال دساتير وقوانين (مفهوم الدولة الحديث) بحيث يوجه الاندفاع للعمل المفيد, والبناء, وتحفيز العقل على الإبداع, وتكريس مفهوم الإتقان, والمعرفة بدلا من التسلط والجهل. . إذا أمكن توجيه طاقات الأفراد في هذا الاتجاه, عندها يحدث انسجام داخل التجمع البشري ويتحول هذا المجتمع إلى خلية عمل متكاملة يصب جهدها في اتجاه واحد هو تقوية المجتمع وتطويره. . .
وفي الاتجاه الآخر. . . إذا لم يستطع هذا التجمع أن يوجّه سلوكيات الصفات لدى أفراده, فيتحول إلى تجمع متفكك داخليا وغير مترابط, يتسلط فيه القوي ويندفع بجنون نحو امتلاك كل شيء وبكل السبل الخفية والظاهرة. . وبمعنى آخر يصبح هذا التجمع أقرب إلى تجمعات الغابة. . . . . . .
من هذا المدخل البسيط أعتقد بأن الأمم التي تعي هذه الثوابت, فإنها حتما سوف تعمل في اتجاه توجيه سلوكيات الأفراد من خلال دساتير وقوانين حية قادرة على التفاعل مع الناس بشفافية ومحبة وعدل تدفع الناس لتقبل هذه القوانين وتنفيذها وفق قناعة بأنها تعود على الجميع بالخير والنفع وهذا يقود إلى تطور هذه المجتمعات وامتلاكها عوامل القوة. وهذا ما حصل مع الحضارات القديمة, فلم تكن هذه الحضارات قادمة من فراغ بل كانت نتيجة حتمية لقانون وجَّهَ سلوكيات الأفراد لتبني هذه الحضارات . . وعندما عجز المشرِّعُ عن تطوير هذا القانون في سياق التطور التاريخي بدأ المجتمع يتآكل من الداخل شيئا فشيئا حتى ضعف ترابطه البنيوي, فسهُلَ على التجمعات المجاورة أن تدمره وتنهي وجوده أو تقطعه إلى كيانات صغيرة هزيلة. وهذا ما حصل لحضاراتٍ في التاريخ, جميعنا يعرفها فالوصول إلى درجة حضارية ما يتطلب تطوير القوانين بما يتناسب والمعطيات الجديدة. فالقوانين ليست ثابتة ولا مقدسة, بل هي تشرع لخدمة الإنسان وتتطور مع تطور الإنسان . . . .
وإذا نظرنا إلى الحياة في لحظة ما ولتكن هذه اللحظة هي الآن وتمعنا في التاريخ وقرأنا لغته, والتي تقول أن القوي يبقى مادام قويا. وأن القوة لا تأتي من فراغ بل هي جهد وعمل وفق قوانين ذات شفافية وعادلة, وأنه بقدر ما تكون القوانين شفافة وعادلة بقدر ما يكون التطور والتقدم أفضل وأسرع. . . .
هنا يجب أن نتعلم من التاريخ, فنحن ضعفاء, لسنا دول عظمى ولسنا دول متطورة. . . بل نحن نرى الذلّ والهوان الذي نعيشه, والتفكك الداخلي ينخر بجسد الأمة. فنخسر في كل يوم موقعا من مواقع قوتنا وحضارتنا. إن من يجيد قراءة لغة التاريخ ( لغة الحياة ) يعرف كيف يكتب المستقبل وكيف يخطط له ويتحكم به, وكيف يدير لعبة الحياة . . . . فمن لا يعرف لغة المستقبل لن يستوعب المستقبل ومن لا يجيد قراءة لغة قوم لا يفهم ماذا يقولون ولا يستطيع التواصل معهم, واللغة ليست بالضرورة مفردات كلامية, بل أحيانا كثيرة هي مبادئ محددة وسلوكيات ومفاهيم عامة .هي كل ما فعله أجدادنا. هي حروبهم وغزواتهم وقتلهم وكل ما أبدعوه إن كان لهم إبداع .هي كلّ ما كتبوا ودونوا.هي عباداتهم وطقوسهم وآثارهم التي تركوها لتشهد على على نجاحهم أو فشلهم. تحليل هذا التاريخ بات ضرورة حتمية لأننا أصبحنا خارج معادلة التقدم وفي ذيل الأمم وعلى كل الأصعدة فعلميا ليس لنا درجة أو ترتيب وليس لنا ابتكار أو ابداع بل نستورد ما يبدعه الآخرون وأحياناً لا نجيد استخدامه .ونأكل مما يزرع الآخرون وإن زرعنا فكل مستلزمات زراعتنا من صنع أيديهم .دواؤنا منهم ولباسنا منهم وكل ما نستخدمه منهم ومع ذلك يبقى صوتنا مرتفع وصراخنا أعلى نتهم من في الغرب والشرق بالتآمر علينا والعمل على قتلنا .نحن لم نصنع أونفعل شرّا بأحد بل نحن الضحايا عبر التاريخ ونحن لم نغزوا أحد ولم ندخل بيت غريب أو أرض الآخرين لأننا من أرض الأنبياء والصالحين خرجنا وبرسالة السماء ذهبنا فاتحين قاتلين .تاريخنا تاريخ بشر فعلوا كل الموبقات والشرور وعلينا أن نقرأ هذا التاريخ ونسلط عليه ضوء العقل لنتبين الطريق الذي سلكه الآخرون ووصلوا به إلى هذه القمم العلمية الهائلة, وصلوا الفضاء وبدأوا يجوبونه كما نجوب الصحراء.أرسلوا مركباتهم إلى القمر ولم يصدق بعضنا ووصلوا المريخ ويخططون للنزول عليه.أرسلوا مركباتهم وكاميراتهم وتلسكوباتهم إلى أعماق الفضاء ولكنهم وصلوا قبل ذلك إلى أعماق العقل ونظفوه من خرافات التاريخ وبرامج القتل والنكاح.نظفوه من الأساطير والخضوع للمقدّس.ننظفوه من العادات والتقاليد القديمة. وكيف نأكل ونشرب أو ننام. نظفوا عقولهم وبرمجوها بقيم جديدة وبرامج جديدة تؤمن بالعلم وتؤمن بالإنسان أياً كان فتحرروا من القيود القديمة وبدأوا يسابقون الزمن إبداعاً وعطاء .وإن أردنا أن يكون لنا مكاناً بين الأمم لا بدّ أن نتعلم منهم ونفعل ما فعلوا والبداية بإبعاد الدين عن السياسة وعن العلم, وحصره في مكانه في المسجد وفي الكنيسة فيتحول الدين الى علاقة شخصية للإنسان بمن يعبد ونؤطر هذه العلاقة بقوانين تمنع الانفلات وتجاوز الحدود المرسومة فنتحرر من عبادة وتقديس الأحجار ومن الخوف الذي استوطن عقولنا ومنعنا من حرية اختيار المعتقد .علينا أن ننزع فكرة توريث الدين وتوريث الفكر وتوريث العادات والأنماط المعيشية. ثمّ ننزع القداسة عن الحاكم فيتحول الى خادم لأمته خلال حكمه الذي تتحكم فيه صناديق الاقتراع الحقيقية وليس المزورة.وأن أمتنا قادرة على أن تنجب مثله بل وأفضل منه وأن الحياة لن تتوقف بعده .فكرة القائد الضرورة يجب أن تزول من العقول وأننا قادرون نملك المقدرة والكفاءة لأن نقود وننجح .نغير القوانين لصالح الانسان ولصالح الطبيعة التي نحيا بها ولصالح البيئة ولصالح الاخلاص والمساواة ولصالح كل القوانين التي تعدل بين البشر وتحمي كراماتهم.نشرع القوانين التي تنمي الحبّ والتسامح والإبداع .لأن الزمن تغير وقافلته تسير ومن يتخلف ركوبها خرج من السياق الحضاري وانقرض .. من كان يتصور أن يرى ويستخدم الكومبيوتر الحالي ومن كان يتصور أن العلم قادر على تبديل قلب الإنسان وشرايينه وكل أعضائه التالفة بزراعتها أو استنساخها أو بتقنية الخلايا الجذعية التي ترمم الخلايا المصابة وبنسب نجاح عالية حالياّ. من كان يتصور أن يركب الفضاء بطائرات أمينة وعملاقة توصلك جهتك بدقائق أوساعات معدودات. من كان يتصور أن يرى العالم كله عبر جهازه التلفزيوني في البيت أو عبر شبكة الانترنت التي نتواصل حالياً عبرها؟ إنه العقل الجديد والفكر الجديد وبدونه لا أمل في البقاء على قيد الحياة فأمتنا ستزول من التاريخ إن لم نتعظّ ونقرأ رسالة الحياة الصحيحة .الحياة التي لا ترحم النائمين بل تقف بجانب المجتهدين والمبدعين الذين يوصلون الليل بالنهار عملاً وجهداً .والتاريخ يذكرنا بأممٍ اندثرت بين ذرّات التراب وأممٍ ما زالت تعيش قابضة صولجان الحياة باقتدار تقود الحياة كيفما تشاء والأمم خلفها سائرون....
علينا أن نزيل كلّ عثرة تعترض طريق حياتنا دون أن نخاف من المنغلقين على أنفسهم الذين يصرون على الذهاب الى الماضي والعيش فيه تحت شعارات : التراث- العادات - التقاليد – المقدسات – الأعراف – الهوية --- فكلها تحتاج الى تفكير وتدبير لأنها أخرجتنا من التاريخ............
#عهد_صوفان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟