|
العالم رهن النظرية
إسماعيل نوري الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 904 - 2004 / 7 / 24 - 10:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
* العالم رهن النظرية*
د. إسماعيل نوري الربيعي - تورنتو [email protected] * الحضاري والبدائي* ماذا يحل بالعالم؟ سؤال يرتبط بالأحداث الكبرى والجسام، التي تفرد بكل قواها على المجتمع البشري. حتى يحمل نبرة الخوف وارتعاد الفرائص حول فكرة النهاية التي يقف على شفيرها العالم. الترويع الذي تعيشه المجتمعات يبدأ من لحظة العلاقة مع منظومة الفعالية السياسية التي تحركها العلاقات الدولية، الخاضعة أبداً لفكرة الصراع التي لا تعرف النهاية أو التوقف، بل أن المشهد التفصيلي يفصح عن هذا التعالق الشديد الذي يكاد لا يعرف القطيعة مع هذا الميل نحو التقتيل والهدم والإلغاء والهيمنة المباشرة. يكشف القرن العشرون لوحده عن حدة النزوع الوحشي لدى الإنسان، على الرغم من ادعائه بالحضارة، وتطلعه نحو بناء العصر الجديد النابذ لشتى العلاقات القديمة المستندة إلى التصادم والاصطراع، حتى لتشهد الحربان العظميان عن هذا الاستنزاف للبشر والموارد والطاقات والزمن. لكن القتامة هذه لا تعني بأنها السيد الأوحد. فبقدر الشرور يبرز مجال الإنجاز والتفعيل، إلى الحد الذي يكشف هذا القرن عن المدى العظيم الذي قيض للإنسانية تحقيقه وعلى مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والصحية والعلمية. بل أن عظمة الإنجاز العلمي يكاد يختصر مجمل النشاط والفاعلية التي قدمها العقل الإنساني وعلى مختلف العصور. فيما تكشف النهاية للحرب الباردة بين العملاقين، عن توسع الآمال نحو عالم يسوده الاستقرار والأمن والازدهار، بحساب توجيه الإمكانات والجهود نحو التقدم العلمي. ونهاية التسابق المحموم نحو التسلح، والاتجاه القوي إلى معالجة الكثير من الأزمات، بالقدرات الهائلة التي تحققت للبشرية خصوصاً في مجال علاج الأمراض والتقدم الهائل الذي بلغته التقنيات الطبية والعلمية، والتوجه الحثيث نحو خلق المجالات والفرص لمواجهة الأزمات المستعصية، من خلال إعمال العقل والاستناد إلى المنطق. الأحلام العراض والواسعة تعرضت إلى الضربة الشديدة في الصميم، بعد أن يفصح الواقع عن حالة التردي التي يعيشها العالم. حيث التصادم على أشده وبضراوة تذكر بالحياة البدائية الاولى للإنسان، حيث القتل على الهوية، ذلك الذي تشير إليه أحداث التطهير العرقي في وسط القارة الأوروبية وريثة التقدم والإنسانية، على يد الصرب الذين توجهوا بكل ما يملكون من قوة نحو ذبح الآلاف من المسلمين، فيما تفجرت الصراعات العرقية والقبلية بين الهوتو والتوتسي، إلى الحد الذي أضحى أمر إحصاء القتلى من المستحيلات. وهكذا يُبرز العصر الحديث عن هذه الحدة من التناقض، حيث تتعايش الإنسانية والوحشية في تلازم يثير الكثير من الارتباك والحيرة. * التنظير للواقع* على الرغم من المحاولات الجادة التي يسعى إليها الكثير من المراقبين والمحللين لرصد ملامح التفاعل الذي يسود الواقع، وترسم معالم رؤية واضحة للتداعيات والتشابكات التي لا تعرف التوقف. تبرز الكثير من الأفكار والنظريات باعتبار مرجعياتها الفكرية، محاولة تحديد مسار العالم وطريقة توزيع القوى فيه. لكن الملفت في الأمر كله يكمن في هذا الاقتناص للفرصة الذي تحدده الإمكانات والطاقات المتاحة. وعلى هذا فإن الطريقة التي بادرت لاغتنامها الإرادة الليبرالية، لم تتوقف عند مجال فرض القوة، ونشر ملامح الهيمنة على العالم. من دون الاستناد إلى البعد التنظيري والموشى ببعض النظريات المعرفية. وتحت وقع نهاية الشريك اللدود، بدأت الألسن تتداول موضوع نهاية التاريخ الذي أضحى الموضة الرائجة بين مثقفي العالم طراً؛ شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. وفي ليلة وضحاها غدا السيد فوكوياما أشهر من نار على علم وسيد حكماء العصر، بعد أن أفتى بمقولة وليس نظرية نهاية التاريخ. ولم تكد صدمة التلقي تنتهي حتى جاء الملحق التنظيري الاتمامي على يد البروفسور هنتغتون، الذي جاء ليبشر بأن الصراع السياسي والأيديولوجي قد انتهى، لكن العالم على هاوية صراع من نوع آخر، إنه الحضاري. التقمصات المتعلقة بالدول التي تمتلك حظوظ القوة، باتت تتمظهر بطريقة شديدة الاختلاف، فبعد الاتفاقات الصامتة على الخوف من استخدام أسلحة الدمار الشامل، أو حتى إقدام أحداها على استخدام قرار النقض في مجلس الأمن لإيقاف قرار أو عرقلة خطة دولية، بات الواقع يشير إلى هذا التداخل في المصالح، الذي صار يحدد ملامحه مستوى الحصول على الصفقات والمنافع والمصالح شديدة المباشرة. فيما غدت شعارات الماضي المتعلقة بالسيادة ودعم الأحرار والمضي في تطبيق الشعارات الكبرى، مجرد صدى في ذاكرة المناضلين المتقاعدين، وبعض الأقل القليل من الغارقين في الرومانسية الثورية، التي أكلها الوقت سريعاً، وهكذا يقف ورثة الأنظمة القديمة مندهشين بازاء الخيارات المحدودة التي تفرضها العولمة بازائهم ،وإذا كان الروس قد عمدوا إلى فك الارتباط مع الشيوعية التي اعتبروها من ركام الماضي، لينغمسوا في اقتصاد السوق من دون الاستناد إلى البنى الارتكازية، أو حتى توافر الأموال اللازمة. فإن الصينيين أبقوا على علاقتهم بالشيوعية مع التطلع نحو علاقات السوق عن طريق التحويل التدريجي للمؤسسات. * فواصل القوة* على الرغم من قيام الوحدة الأوروبية وانضواء العديد من الأمم تحت هذا اللواء الواحد، المعزز بتفعيل مختلف المجالات. إلا أن الاختلافات في بعض القضايا الحاسمة والكبرى، تبقى فاردة بقواها وملامحها، فقد بقيت بريطانيا تعارض الدخول في منظومة اليورو على الرغم من عضويتها الرئيسة في الاتحاد. فيما تكشف العديد من المواقف السياسية عن حدة التقاطع بين قوى الاتحاد الكبرى لا سيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا. وفي خضم البحث عن الدور الذي يبقى الترصد شاخصاً حول النمور الآسيوية واليابان، والتي يبقى تأثيرها ثانوياً على الرغم من حالة القوة والفعل الاقتصادي المميز الذي تحصلت عليه. إذ تبقى مكامن التأثير فاردة للقطب الواحد ممثلاً بالولايات المتحدة، المتطلعة بكل مكامن قوتها نحو فرض ملامح السيادة والهيمنة على العالم. خصوصاً وأن ترسيم معالم خطواتها السياسية، بات يبرز بإفصاح شديد عن هذه النزعة المسيطرة والتي تظهر فيها بأشد ما يمكن، إزاء جميع القوى والتيارات والاتجاهات، التي تحاول جاهدة الحد من هذا التنامي والتجسيد شديد المباشرة. لقد مثل الحدث الأيلولي – السبتمبري فاصلة شديدة التأثير في توجيه مسارات العلاقات الدولية. وإذا كان المراقبون والمنظرون قد توقفوا طويلاً عند توحيد ألمانيا وسقوط جدار برلين ونهاية المنظومة الاشتراكية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي. إلاّ أن خطاب الإرهاب صار الأشد رواجاً وحضوراً في الواقع الدولي. حتى بات العالم منقسماً إلى وجهتين، لا يمكن أن تكون وجهة ثالثة بينهما. بل أن التوزيعات صارت خاضعة وبإفراط شديد، إلى مرجعية التقسيم الأمريكي، ابتداء بتحديد مجال العدوان والانقضاض عليه في تحالف دولي كان القياد المباشر بيد الولايات المتحدة نحو أفغانستان وتفكيك منظمة القاعدة ومطاردة فلولها، لا على مستوى مناطق الجوار الأفغاني، بل أن الأمر صار يتطلع نحو ترصد سكنات وأنفاس كل من له علاقة من قريب أو بعيد بالحركات الأصولية والمتطرفة. فيما اتخذت الإجراءات الداخلية طابعاً شديد التوتر، لا سيما في مجال التعامل المباشر مع المواطنين والمهاجرين ذوي الأصول العربية والإسلامية. حتى بات التذكير يترى حول المهاجرين اليابانيين وما تعرضوا إليه على يد السلطات الأمريكية، في أعقاب الهجوم الياباني على بيرل هاربر. وهكذا يعيش العالم هاجس التوتر والخشية من هذا المجهول الذي يمكن أن يظهر نقمته وعلى حين غرة.
* مجالات التأثير* الحديث عن نهاية الحرب الباردة، صار من القديم المهمل، الذي لا يثير الاهتمام أو الالتفات حتى، بل أن الملفت في الأمر يتعلق بهذا التجاهل المرتبط لمصطلح العولمة الذي انزوى وراح يعاني من الإهمال والإقصاء. حتى أن تداوله بات من الأقل القليل في الأدبيات السياسية والمقالات اليومية التي تنشرها الصحف. بعد أن كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس. وإذا كان البعض من المحللين قد ربطوا بين مصطلحي العولمة والأمركة، واضعين في ذلك الأدلة والبراهين التي لا تقبل الدحض. فإن الواقع الراهن صار يؤكد على تصدر مصطلح الأمركة على ما دونه. والذي لا يتوقف عند مدركات الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. بل أن التخطي صار يتماثل في العامل السياسي الشديد الوضوح. والذي لا يقبل اللبس أو حتى الخضوع لمجالات التفسير والتأويل. لقد وعى الغرب ومنذ الفترة المبكرة لنهاية المنافس الاشتراكي، أهمية نبذ التفاؤل والوقوف بكل ما يستطيع نحو حفز القدرات والإمكانات لمواجهة حدة التنافس القادم، إن كان من أوروبا الساعية في ذلك الوقت نحو الوحدة، أو اليابان ذلك المنافس الاقتصادي، الذي وصل نفوذه داخل الحدود الأميركية من خلال استغراق الرأسمال الياباني في السيطرة على منافذ صناعة السينما والرقائق الإلكترونية وأسواق المال. حتى كان التطلع الأمريكي نحو خلق المنافس الاقتصادي، من خلال توسيع مجال الاستثمار الأميركي في بلدان شرق آسيا. عالم من التوجهات التي لا تعرف التردد أو التوقف، على الرغم من الاستناد إلى الشعارات المتعلقة بالشرعية الدولية وحقوق الإنسان وإلى آخر القائمة. أنها اللغة الساعية إلى حفز مجالات التأثير، من أجل بلوغ الأهداف بأقل الخسائر الممكنة، وليس الجهود. فالسعي إلى توسيع مجالات الخلق والإبداع لا يعرف التوقف أو حتى الشعور بلحظة الاسترخاء في وعي وثقافة الغرب الليبرالي، الذي لا يني من تفعيل مدركات الإنشاط الذاتي في صلب المجتمع من خلال توسيع مجال المشاركة السياسية القائمة على وعي المشاركة الديمقراطية، وليس الرغبة في اغتنامها بوصفها سلطة يمكن أن تقدم الجبروت والهيمنة على الآخر. فما بين الداخلي والدولي يكون هذا التفصيل الذي يحدد غايات ومسارات العمل. فالرغبة في السلطة تتوجه جلّ طاقاتها نحو المجال الدولي، الذي يمكن أن يقدم المزيد من الفوائد.
#إسماعيل_نوري_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب وتفاعلات السلطة والمجتمع
المزيد.....
-
هل تعاني من الأرق؟.. طريقة بسيطة تسحبك إلى نوم عميق
-
ماذا نعرف عن العالم الخفي لمنجم ذهب تديره إحدى العصابات بجنو
...
-
وزارة الصحة اللبنانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة 23 في الغارة الإس
...
-
ما هي الدول والشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل؟
-
سلسلة غارات إسرائيلية على منطقة البسطا وسط بيروت
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|