|
سفر إلى السماوات في سفينة رسالة الغفران ..!!!
سلام كوبع العتيبي
الحوار المتمدن-العدد: 904 - 2004 / 7 / 24 - 10:28
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
تنفرد رسالة الغفران بمكانة خاصة . نقلتها من نطاق الأدب العربي إلى النطاق العالمي ؛ ومن خلال قراءة مركزة في كتاب ( كتب غيرة الفكر الإنساني الجزء الثاني ) لأحمد محمد الشنواني ؛ تم الحصول على سفرة مجانية لعالم الآخرة مع أبو العلاء المعري من خلال سفينة رسالة الغفران التي كتبها في آخر الربع الأول من القرن الخامس عشر الهجري . فهي من آثار أبي العلاء المعري في الشطر الثاني من حياته . كتبها من صميم عزلته بمعرة النعمان ؛ وقد بلغ الستين من عمره ؛ ومضى على عودته من بغداد مهزوما مكسور الجناح ؛ نحو ربع قرن من الزمن ؛ انطوى فيه على نفسه محزونا يروضها على الصبر والاحتمال ويغريها براحة اليأس بعد أن تعب من الدنيا . لكن هذه العزلة أنضجته وأرهفت حدسه ووجدانه ؛ وأوغل في النفاذ إلى أعماق نفسه ؛ فأنكشف له المطوى من همومه وأحزانه وأشواقه وجراحه لطول ما أصفى إلى نبض وجدانه ؛ وتمزقت حجب الوهم والمداراة فإذا راحة اليأس قد عزت عليه بعد أن عزت عليه قبلها نعمة الأمل ؛ وإذا الانصراف النفسي عن الدنيا بعيد المنال .. ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري تتكون من مقدمة وقسمين رئيسيين : المقدمة الثعبانية !! والمقدمة في جملتها من الامالي اللغوية والأدبية ؛ وقد ساقها بأسلوب الألغاز وهو فن بديع ولع به أصحاب الحرفة الأدبية في عصره . ففي مستهل الرسالة أراد أبو العلاء أن يعرب عما يغمر قلبه من الود لابن القارح ؛ فاختار أن يلغز عن ذلك بأن الله يعلم أن في مسكنه حماطة - وهي شجرة تألفها الحيات – وتضمر له من الود مالا تضمره أم لولدها ؛ سواء أكانت من ذوات السم أو من غيرهن ومضى فالغز عن القلب بالخصب – وهو ذكر الحيات – وبالأسود وهو الثعبان مفسرا للغز في كل مرة ؛ ومعقبا عليه بحديث لغوي وشواهد من الشعر ؛ في الحماطة والخصب والأسود وأبي الأسود ؛ وسودة وسوادة والأسودين ! وتعلق : الدكتورة عائشة عبد الرحمن على هذه المقدمة بقولها : لا أذكر أن أحدا من الدارسين قد التفت قبل اليوم ؛ إلى هذه المقدمة الثعبانية والسوداء وإنما شغلنا بتفسير ألفاظها ؛ والاستدلال بها على براعة أبي العلاء وثراء معجمه اللغوي ؛ وعن فهم عالمه النفسي وهو يلقي صاحبه بمثل هذه التحية التي لا نعرف لها نظيرا في الرسائل الاخوانية ... والواقع أن أبا العلاء أصغى إلى رسالة ابن القارح ؛ وهو ضيق النفس بما فيها من ملق ونفاق وخبث مشمئز من إسرافه في ذم أبي القاسم المغربي تبريرا لهجائه إياه بعد أن تنكرت له الدنيا ؛ فلما بدأ يملي رده صدر فيه عن وجدان منفعل بهذا الاشمئزاز والضيق فجاء جو المقدمة مشحونا بالحيات في نعومتها السامة ؛ وفي تلويها وتسللها وتبديلها لجلودها مع دورة الفصول ؛ ثم بهذا السواد الذي شارك السم والحيات في السيطرة على جو المقدمة . القسم الأول ويبدأ القسم الأول من رسالة الغفران ؛ بخبر عن وصول رسالة ابن القارح ؛ المفتتحة بتمجيد الله ؛ ومن هذا التمجيد ؛ كان المنطق الى العالم الآخر ؛ ففي قدرته تعالى أن يجعل كل حرف من كلمات ابن القارح في تمجيده معراجا من نور يعرج بالشيخ – ابن القارح – إلى عالم السماوات ؛ وقد غرس له ظله مع من اصطفى من ندامى الفردوس ؛ وكلهم من علماء اللغة ورواد الشعر ( هم : المبرد ؛ وابن دريد ويونس بن حبيب والأخفش ؛ وثعلب ؛ وسيبويه ؛ والكسائي ؛ وأبو عبيده ؛ والأصمعي ) . وهم في المجلس يتذاكرون ويتناشدون الأشعار والولدان المخلدون قيام وقعود في خدمتهم والكئوس من الفضة والذهب والأباريق من صنوف الجوهر ؛ يغترفون بها الشراب من أنهار خمر الجنة لذة للشاربين وعسلها المصفى . وأذ يذكر الندامى ما قال شعراء الدنيا الفانية ؛ في الخمر ونشوتها وكئوسها وأباريقها ؛ يجيء ذكر الأعشى ؛ فيتمنون لو انه كان بينهم يطربهم بشعره ؛ فلا يكادون يعربون عن هذه الأمنية حتى يتمثل أمامهم الأعشى شابا أحور العينيين ! ويعجبون لوجوده في الجنة وقد مات كافرا وأقر على نفسه بالفاحشة ؛ ويسألونه : بم غفر له ؛ فيجيب بأن قصيدته الدالية التي نظمها في مدح الرسول ( ص ) قد شفعت له فأدخل الجنة على ألا يشرب خمرا ؛ لأنه كان في طريقه إلى الرسول ؛ ليسلم وينشده القصيدة لكن جماعة الرسول صدته . وينظر ابن القارح في رياض الحنة فيرى قصرين جميلين عليهما لافتتان باسم عبيد بن الأبرص وزهير بن أبي سلمى ؛ واذ يسألهما بم غفر لهما وقد ماتا في الجاهلية ؟ يجيب عبيد انه نال ثواب بيته : فلا تكتمن الله ما في نفوسكم ليخفى ؛ ومهما يكتم الله يعلم يؤخر ؛ فيوضع في كتاب ؛ فيدخر ليوم الحساب ؛ أو يعجل فينقم ويسأل أبن القارح عبيد بن الأبرص عن عدي بن زيد فيدله عليه فيلقاه ويسأله : بم غفر له ؟ فيجيب انه كان على دين المسيح ؛ ومن كان من أتباع الأنبياء قبل بعثة محمد فلا بأس عليه ؛ وإنما التبعة على من سجد للأصنام . ويستنشده الشيخ قصيدته الصادية : أبلغ خليلي عبد هند فلا زلت قريبا من سواد الخصوص ويناقشه في بعض ألفاظها ؛ لكن عديا يزهد من هذه المناقشة ويدعوه إلى رحلة صيد ؛ فيشفق ابن القارح من ركوب الخيل ويذكر مصارع بعض من ركبوها ؛ فيبتسم عدي ضاحكا ؛ ويذكره بأن أهل الجنة لا يحيق بهم ضرا .. ويركبان سابحين من خيل الجنة فيلقيان في رحلتهما النابغتين : الذبياني والجعدي يتحدثان أمام قصرين من الدر ويطول حديث الشيخ معهما في مسائل تتعلق بشعرهما ثم يلتئم جميع الشعراء والأدباء ويمر سرب من أوز الجنة وينتفضن فيصرن كواعب حسانا بايديهن المزاهر ولات الطرب ويسالهن الشيخ ان يصنعن لحنا بعد لحن في شعر للنابغة الذبياني فياتين بالألحان المطلوبة ببراعة فذة ويفد على المجلس لبيد بن ربيعة ويخطر لهم غناء المغنيات بالفسطاط أو مدينة السلام بشعر للمخبل السعدي فتندفع المغنيات – من أوز الجنة – مستجيبات لما يطلبون ويمر حسان بن ثابت بالمجلس فيدعونه للمحادثة ويسألون في أبياته الخمرية التي جاءت في قصيدته الهمزية في مدح الرسول ثم يفترق المجلس ويستأنف الشيخ طوافه في الجنة فيلقي خمسة نفر ليس من أهل الجنة اجمل من عيونهم وإذا هم عوران قيس تميم ابن أبي بن مقبل وعمرو بن احمر والشلماخ والراعي النمري وحميد بن ثور ويطيل مساءلتهم في شعرهم فيعجبون لحفظه وكإن لم يشهد أهول الحشر .
غدا نسافر إلى جهنم ..
#سلام_كوبع_العتيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حروب الردة على أجهزة الكومبيوتر الكافرة يشنها المغفلون ..ّّ!
...
-
مواخير السياسة السورية .....وعلاقة الشعوب ..!!
-
( ما معنى يتفاوض الفلبينيون مع السوريين حول إطلاق سراح ارهين
...
-
ثورة الرابع عشر من تموز شمس العراق التي لا تغيب ..!!
-
اختلاف فلسفة الأديان هل تؤدي إلى توحيد المعبود ..؟!!
-
إزدواجية المعايير بين الدين المحمدي و الدين السياسي الجديد .
...
-
التطبيل لحكومة منفى ... غطاء مفضوح بعد أن سقطت الأقنعة وبانت
...
-
رجال قرية الوداع يشربون القهوة ويدخنون التبغ الرخيص .!!
-
حكومة علاوي تمارس المقايضة السياسية على حساب الأمن الدائم ..
...
-
حكومة أياد علاوي توعد البعثيين في العودة من جديد ..!!
-
شرف الفتاة العربية يغسله سكين المطبخ ..!!
-
قال يا بني لا تقص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان
...
-
سورية وإيران محور الشر الثنائي على العراق ..!!
-
كيف كانت تستحرم نكاح الطيور على الشجرة .؟!!
-
من ينصف شهداء المقابر الجماعية وشهداء حلبجة من لجنة الدفاع ع
...
-
مابين الشيخ سعيد وسعدون الشرطي ضاع أبو عراق ..!!!
-
بيوت التراب نساء يملكها الشيخ .. أنا والمعلم أخوة ...!!
-
أرد للناصرية ردود مخنوق بألف عبره ...!!
-
أليس الجولان المحتل أقرب إلى السوريين ... أم إنه العهر ..؟!!
-
هل الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على تدمير شبكة القاعدة .
...
المزيد.....
-
روسيا أخطرت أمريكا -قبل 30 دقيقة- بإطلاق صاروخ MIRV على أوكر
...
-
تسبح فيه التماسيح.. شاهد مغامرًا سعوديًا يُجدّف في رابع أطول
...
-
ما هو الصاروخ الباليستي العابر للقارات وما هو أقصى مدى يمكن
...
-
ظل يصرخ طلبًا للمساعدة.. لحظة رصد وإنقاذ مروحية لرجل متشبث ب
...
-
-الغارديان-: استخدام روسيا صاروخ -أوريشنيك- تهديد مباشر من ب
...
-
أغلى موزة في العالم.. بيعت بأكثر من ستة ملايين دولار في مزاد
...
-
البنتاغون: صاروخ -أوريشنيك- صنف جديد من القدرات القاتلة التي
...
-
موسكو.. -رحلات في المترو- يطلق مسارات جديدة
-
-شجيرة البندق-.. ما مواصفات أحدث صاروخ باليستي روسي؟ (فيديو)
...
-
ماذا قال العرب في صاروخ بوتين الجديد؟
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|